المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ظلٌّ مقطوع !


د. منال عبدالرحمن
03-23-2008, 03:13 PM
على الكرسيّ المجاور لها سمعته يردد :

اللهم يا بديع السموات والأرض , ترفّق بها , فوحدك تعلم مدى حبي لها , اللهم ارزقها من لدنك رحمة تتساقط على وجعها رطبا جنيا .

كانت عيناه الدامعتان , تسلبان قلقها نحو تلك الغرفة المجاورة لغرفة أختها , وعندما علا صراخ طفلٍ صغير من
تلك الغرفة , تهلل وجهه بالفرح , و تساقطت انهار دموعه تشكر الله بصوتٍ عال . ثم أخرج من جيبه ورقة نقدية و دسّها في يد الممرضة التي جاءت لتخبره بأنه رزق بمولود ذكر , بعد أن بادر هو بسؤالها : وكيف حال زوجتي ؟

في داخلها , كانت هي تغبط تلك الموسومة بالوجع في تلك الغرفة , و التي تحتضن الآن فرحة زوجها , و ابنها الذّكر .

في الحقيقة كانت هي تغبط أختها أيضاً , رغم خوفها عليها , واتهامها لها بالغباء , فهذه هي ولادتها الخامسة ..هي تحاصر نفسها بالأطفال و تقيّد حريّتها و جمالها بهم .

ولكنّ أختها كانت تضحك دوماً , و تخبرها بأنّها حاملٌ من جديد .

بعد قليل أخبرتها الممرضة بأن أختها أنجبت بنتاً وأنها بخير , وبعد أن اطمئنت عليها تركتها مع زوجها و ذهبت لمكتبها فالمدير لم يسمح لها بأكثر من ثلاث ساعات اجازة . عادت للعمل , جلست وراء مكتبها و انهمكت في الملفات المؤجلة أمامها و لكن صورة ذلك الرجل لم تفارقها , ولا صورة عينيه الدامعة .

في المساء مدعوّة هي للعشاء مع وفدٍ من دولةٍ مجاورة , يقول مديرها أن هذا الاتفاق سيجر للشركة أرباحا كثيرة
وان عليها و باقي محامي الشركة الحضور , للإشراف على وضع الشروط المشتركة للعقد .

متعبٌ هذا المساء , ككلِّ مساءاتها .. ستذهب للعشاء و قد تعود للمنزل منهكة و لكنها ستنام وحيدةً ككلَِ ليلة و ستملأ وسادتها ببحور الأرقِ الفائض في داخلها , وقد تسمع موسيقى باخ المفضلة لديها فتزيد ألمها بدلا من أن تزيح التعب الساكن عقلها .

منذ سنواتٍ طويلة , بعد أن رحل عماد وترك الزهور البكر التي تفتحت في قلبها له تقارع الذبول .. وهي وحيدة
رحيله أكسبها الجفاء في تعاملها مع الآخرين , كلهم صاروا في عينيها عماد ..

كان هذا ما يجعل توددها لرجل ما أمرا مستحيلا , و مجرد تفكير أحدهم بالارتباط بها ضربا من الجنون .

ورغم أن الوحدة أرهقتها ونالت من أنوثتها الكثير , إلا أنها لا تستطيع إلا أن تكون هكذا , كتلة من لهب مخبأة تحت رماد القسوة .

رائحة الدفء في منزل أختها , صوت ضحكات أطفالها , هموم تأمين حاجياتهم , نكهة الحب في طعام أختها ..

كل ذلك كان يملأ داخلها بالدمع ..

وعندما زارت صديقتها سماح آخر مرة بعد غياب طويل جدا , فاجأها ذاك التورد الذي ملأ وجهها لتعلم أنها حامل في الشهر الرابع ..
هي الآن توقن بأنها تحتاج إلى رجل , و لكن كبرياءها , و عماد كانا دوما في المنتصف !

لم يوقظها من أفكارها تلك إلا صوت الأستاذ عرفان الذي أخبرها بانتهاء الدوام وبأنه سيمر مساءا ليأخذ الجميع بسيارته إلى العشاء في الساعة السابعة .

في المساء كانت تجلس هي إلى جانب الأستاذ عرفان كبير محامي الشركة , و بجانبها مديرة العلاقات العامة للشركة الصديقة .

تحدثت هي كثيرا , عن المشروع الجديد , وعن إمكانيات الفشل و أرباح النجاح .. و كانت عيناها تتوقفان كل مرة تجول بهما على مستمعيها عند ذاك الرجل , الذي تم تعريفه بأنه المدير المالي للشركة الصديقة .

كان يستمع إليها وكأنه يحتضن شيئا ما , كانت تشعر بأنه قريب منها حدّ استراق النفس , ولكنها تابعت بجفاء كعادتها .

في نهاية اللقاء و بعد أن تم توقيع العقود , قال لها : هذا رقم هاتفي , أتمنى أن أراكِ قبل سفري بعد غد .

ولم ينتظر ليسمع إجابتها , صافحها بحرارة , و انصرف مع الآخرين .

لم تدري ماذا تفعل بيدها المحترقة , و قررت أن ترمي بتلك الورقة اليتيمة و تخلد للنوم بمجرد وصولها البيت .

ولكنها لم تفعل , لم ترمي الورقة و لم تنم , و لم تتوقف عن التفكير .

في الصباح خرجت إلى العمل , بقي همسه عالقا في أذنها , وعند استراحة الظهيرة وجدت يدها ترفع سماعة الهاتف و تطلبه ...

وجاء صوته كالمطر : أهلا بكِ , هل لي بان أراك اليوم بعد انتهائك من ا لعمل

ولم تدري سوى أنها قالت نعم .


وسافر هو بعد أن ترك في قلبها ذاك اللقاء و الكثير الكثير من الأمل و الحياة , وخاتم خطبة زيّن شعورها
, سافر و وعدها بأنه سيعود بعد أسبوع بعد أن يتقدم بطلب إجازة زواج .

ولم يعد , مر أسبوع و آخر .. و لم يعد ..

كانت هي توقن بأنه سيعود , و بأن غيابه ما هو إلا طعنة وقتٍ فقط في خاصرة أملها العائد للحياة من قبور الجفاء القاتل .. كانت تشعر بان عماد رحل من عينيها للأبد , وانه لن يعود بزيّ رجلٍ أعاد النبض إلى أوردتها .

ولكنه لم يفعل ....

بعد شهر كانت هي ترقد صامتة في مستشفى الأمراض العصبية , تطالع السقف المدوّر كخاتمها , و على يدها لفّت برقية حملت خبر موته .

مروان إبراهيم
03-23-2008, 11:44 PM
:


:

قرأت هُنا !

هٌناك من يتألم لـ يبتهج الأمل ويبتسم ، لـ يشعر
بألف حضن ينتظره في أول / منتصف / آخر
الطريق ، ويحيا !

و

هُناك من يتألم ليشم رائحة الرماد تفوح
من رأس عود الأيام ، حتى وإن اجتهد
بـ أول / منتصف / آخر الطريق ،
فيموت !


!

منال !

موجع !

حين يكون الحل : الانتقال من عقدة لـ عقدة !
واكثر حين يكون صوت حرفك هو
الرسول !

شُكراً للكم الهائل من الإبداع / الإمتاع !

تقديري !

نوف عبدالعزيز
03-24-2008, 03:32 AM
ألم .. ألم .. ألم
هذه هي الحياة ما ان تنعم عليك
بلحظة فرح حتى تجتثها بشده
وتلبسك مروطاً من الحزن
تتشبث في ثنايا روحك أبد الدهر
شكري لوجع حرفك الذي أرهقني :)
،،
،،
،
كل الود والورد

د. منال عبدالرحمن
03-24-2008, 08:09 AM
:


:

قرأت هُنا !

هٌناك من يتألم لـ يبتهج الأمل ويبتسم ، لـ يشعر
بألف حضن ينتظره في أول / منتصف / آخر
الطريق ، ويحيا !

و

هُناك من يتألم ليشم رائحة الرماد تفوح
من رأس عود الأيام ، حتى وإن اجتهد
بـ أول / منتصف / آخر الطريق ،
فيموت !


!

منال !

موجع !

حين يكون الحل : الانتقال من عقدة لـ عقدة !
واكثر حين يكون صوت حرفك هو
الرسول !

شُكراً للكم الهائل من الإبداع / الإمتاع !

تقديري !



الأستاذ الكريم جدّاً مروان ابراهيم ..

هناكَ من يمرُّ بالنّصوص , فيقرأها إلى أن تقرأه ..

الألم .. قدر , بعضه يكونُ كالموت يأتي مرّة واحدة و يذهب بنا إلى غير رجعة , و بعضهُ كالفرح , يأتي ليرحل ثم يأتي فيرحل ..

قراءةٌ مدهشةٌ من كاتبٍ يُتقنُ الجمال ..

أهلاً بكَ في متصّفحي , ولكَ الشّكر يتلوك .

د. منال عبدالرحمن
03-25-2008, 06:53 PM
ألم .. ألم .. ألم

هذه هي الحياة ما ان تنعم عليك
بلحظة فرح حتى تجتثها بشده
وتلبسك مروطاً من الحزن
تتشبث في ثنايا روحك أبد الدهر
شكري لوجع حرفك الذي أرهقني :)
،،
،،
،

كل الود والورد



وشكراً لروحكِ تركت العبيرَ هُنا ..

الحياةُ أخذٌ و عطاء , هناك من أتقنوا الأخذ و هناك من أتقنوا العطاء عنوة !


أهلا بكِ يا نوف و لقلبكِ السّلام .

فاطمه الغامدي
04-09-2008, 03:59 PM
ومنال :
هي من تزيح الألم عن كاهلك
تدفع للبكاء عندما تحتاج ذلك
شكرا منال كمطر

سعد المغري
04-24-2008, 01:58 PM
..
منال عبدالرحمن
عندما لمحت اسمكِ هنا أدركت أنني
على موعد مع الحرف الجميل فلما دخلت
وجدتني أمام نزف موجع يتخفى في ثياب قصة قصيرة
أو خاطرة أو شعر منثور ..
لاأدري والله كيف أصنفها ..لكن المؤكد أنك نثرتِ الجمال هاهنا
موجعة يامنال حد البكاء.
كل التقدير والأحترام لكِ
..

ألق
05-05-2008, 10:10 PM
الظل هنا الفيّ ؟
أزمتها لم تكن قدريّة , وما اللائمة
على الأول .. ولا الآخِر .

الوقفة منهكة ..
الانتظار , السلبيّة .. الخطوة المحسوبة ألف مرّه
كِنّها عشبة طريّة تخشّبت بالشمس لوقت طوييييل
وقاسٍ , تيبّست حتى صار كسرها هيّن .

لأجل هذا أعجبني " ظلّ مقطوع "
كان هوَ الوهم الذي نسجته حول
رجل غرفة الانتظار ..
كان الفيّة بين سنوات شمسٍ حارقة
لا تنقطع .

لك الورد والظلّ الحنيّن ( :

بعد الليل
05-07-2008, 07:10 PM
عادة عندما أنوي اقتناء كتاب أقرأ ثلاث صفحات منه غير متتابعة على أن تكون الصفحة قبل الأخيرة احداهن.

قرأت قصتك القصيرة أكثر من مرة ولكن الأولى كانت مقتطفات .. لا تسأليني لماذا :)
ربما أسلوبك جميل مسترسل يُحفز القارئ على الاسراع في المعرفة والتساؤل.. وبعد ؟!



أيتها العذبة
الأخذُ والعطاء سمةٌ بشرية
تزيدُ وتنقصُ
لــ..أسباب نختارُها وقد تختارُنا

ودي

صوتُ المَاء
05-16-2008, 05:16 PM
عنوان القصة جذاب .. مُبدع .. كأنتِ
أجِدُ بين تفاصيل القصة قصص ..

وردٌ بين يديكِ يا منال

د. منال عبدالرحمن
05-19-2008, 12:05 PM
ومنال :

هي من تزيح الألم عن كاهلك
تدفع للبكاء عندما تحتاج ذلك

شكرا منال كمطر



تزرعينَ الزهر يا فاطمة في روحي , كلّما مررتِ بغيماتكِ حيثُ الحرف ..


حضوركِ أشبهُ بالمطر , فشُكراً .

د. منال عبدالرحمن
05-19-2008, 12:10 PM
..

منال عبدالرحمن
عندما لمحت اسمكِ هنا أدركت أنني
على موعد مع الحرف الجميل فلما دخلت
وجدتني أمام نزف موجع يتخفى في ثياب قصة قصيرة
أو خاطرة أو شعر منثور ..
لاأدري والله كيف أصنفها ..لكن المؤكد أنك نثرتِ الجمال هاهنا
موجعة يامنال حد البكاء.
كل التقدير والأحترام لكِ

..




يا سعد ..

ما أنا إلا كاتبةٌ تحاولُ أن يصوغها الحرف , تتهجّى الأبجديّة بعينين مغمضتين إلّا عن النّبض , و تمسكُ قلماً لتتلمّس موطئ روحها حيثُ اللّغة ..

أقدّر حضوركَ جدّاً ..

تقديري .

د. منال عبدالرحمن
05-19-2008, 12:13 PM
الظل هنا الفيّ ؟

أزمتها لم تكن قدريّة , وما اللائمة
على الأول .. ولا الآخِر .

الوقفة منهكة ..
الانتظار , السلبيّة .. الخطوة المحسوبة ألف مرّه
كِنّها عشبة طريّة تخشّبت بالشمس لوقت طوييييل
وقاسٍ , تيبّست حتى صار كسرها هيّن .

لأجل هذا أعجبني " ظلّ مقطوع "
كان هوَ الوهم الذي نسجته حول
رجل غرفة الانتظار ..
كان الفيّة بين سنوات شمسٍ حارقة
لا تنقطع .

لك الورد والظلّ الحنيّن ( :




الظِّل هُنا .. الفيء يا ألق , الأمل , الفرح , الانتظار وأشياء أخرى ..


هو اسقاطٌ على حالٍ قبل , و أثناء , و بعد الوهم بحزنين أو أقلّ .


جئتِ حيثُ عمق النّص يا ألق , كعادتكِ ..

لا عدمتكِ يا صديقتي .

د. منال عبدالرحمن
05-19-2008, 12:16 PM
عادة عندما أنوي اقتناء كتاب أقرأ ثلاث صفحات منه غير متتابعة على أن تكون الصفحة قبل الأخيرة احداهن.


قرأت قصتك القصيرة أكثر من مرة ولكن الأولى كانت مقتطفات .. لا تسأليني لماذا :)
ربما أسلوبك جميل مسترسل يُحفز القارئ على الاسراع في المعرفة والتساؤل.. وبعد ؟!



أيتها العذبة
الأخذُ والعطاء سمةٌ بشرية
تزيدُ وتنقصُ
لــ..أسباب نختارُها وقد تختارُنا


ودي




أهلاً بكِ يا بعد اللّيل ..

حضوركِ مرّة يبعثُ على الفرح , فكيفَ إذ صافحتِ متصفّحي هذا أكثر من مرّة ؟

سعيدةٌ بكِ يا بعد الليل .


كوني بخير .

د. منال عبدالرحمن
05-19-2008, 12:17 PM
عنوان القصة جذاب .. مُبدع .. كأنتِ

أجِدُ بين تفاصيل القصة قصص ..


وردٌ بين يديكِ يا منال



الوردُ حضوركِ يا صوتَ الماء , و هل بعدَ صوتِ الماءِ صوتٌ يشي بالفرح ؟

شُكراً كبيرةً لحضوركِ .

أسمى
05-25-2008, 12:56 AM
أتشبثـ بالأسطر..لأّلى تنتهي القصة ..حزينة.
أتساءلـ كيف هي النهاية..
تألمت..كثيراً..لكني،أيقنت.أن الأقدار كيفما هي ..تأتي لا شئ يوقفـ..تقدمها.
:
منــــــال...عشتها بكل مافيّ هذه القصة..أبدعتِ.

صالح الحريري
05-25-2008, 12:59 AM
منال ...!

لعمرك ظِلٌ تكتبيه لا ينقطع ...!!
رئة لغتك مكتظة بأكسجين نقئ يجعلنا نطيل البقاء هنا ...!

دمتِ بضياء دافئ ...

تحياتي

د.فيصل عمران
05-27-2008, 12:01 AM
لا أسستغرب هذا الجمال والاتقان عندما أقرأ لمنال عبد الرحمن !!


قصة قصيرة على أصولها ، مفعمة بالنظرة المسؤولة والتي قلّ نظيرها بين مانقرأه في هذه الايام ....


مودتي لقلبك .

د. منال عبدالرحمن
07-30-2008, 11:08 AM
أتشبثـ بالأسطر..لأّلى تنتهي القصة ..حزينة.
أتساءلـ كيف هي النهاية..
تألمت..كثيراً..لكني،أيقنت.أن الأقدار كيفما هي ..تأتي لا شئ يوقفـ..تقدمها.
:
منــــــال...عشتها بكل مافيّ هذه القصة..أبدعتِ.


و هل يُمكنُ أن تكونَ النّهاية إلا حزينةً يعبثُ بها الغيابُ كلَّ مرّةٍ بطريقة !


أبعدَ الله عنكِ الألم يا قيد ..

ممتنّةٌ لحضوركِ الشّفاف يا ورد .

د. منال عبدالرحمن
07-30-2008, 11:25 AM
منال ...!

لعمرك ظِلٌ تكتبيه لا ينقطع ...!!
رئة لغتك مكتظة بأكسجين نقئ يجعلنا نطيل البقاء هنا ...!

دمتِ بضياء دافئ ...

تحياتي





و حرفٌ تمرُّ بهِ لغتُكَ سيورقُ حتماً , و سيتركُ ظِلالهُ على الأرواحِ فتستمرُّ في التّنفّس .


الأستاذ صالح الحريري ,

حضوركَ تحتفي بهِ الأشجار و الغيمات ..

شُكراً لك .

د. منال عبدالرحمن
07-30-2008, 11:28 AM
لا أسستغرب هذا الجمال والاتقان عندما أقرأ لمنال عبد الرحمن !!


قصة قصيرة على أصولها ، مفعمة بالنظرة المسؤولة والتي قلّ نظيرها بين مانقرأه في هذه الايام ....


مودتي لقلبك .


و لا أستغربُ أن تدنو الشّمسُ لتصافحَ كفّي , إذ يمرُّ هذا النبيلُ بحروفي ..

د.فيصل عمران :

لا تغِب فيتوارى الرّبيعُ خلفَ الأوراقِ الصّفراء ,

شُكراً لحضوركَ .