المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : خيمة الطهارة


سعد الميموني
05-01-2008, 03:33 PM
في غير المكان و الزمان عرفتُ أنّ الحب للكلاب فقط، كانت ليلة صاخبة في بدايتها أنهكها الرقص و الغناء ليأتي عليها الفجر واجمة.
كان ميدان القبيلة يعج بالمتأنقين و أنا و أقراني كنا نرى أيضاً الكثير من المتأنقات في ركن معزول بساتر لا يمانع من تنقلنا بين المتأنقين و المتأنقات.
يومها رقصت الجموع كما لم تفعل من قبل، كان إحتفالاً نادراً، روائح الأطعمة و العطور في كل مكان، لم يستطيع نسيم الجبال أن يبددها.
دخلتُ قبل الغروب إلى حيث تجلس أميرة الحفل، إقتربتُ منها كانت تلبس ثوباً أبيض، تمنيتُ حينها لو مسحت على رأسي، أو ضمتني إليها، أو قبلتني، كانت جميلة جداً حتى أن أياً كان في موضعي سيتمناها أماً له، لكنها لم تمنحني شيئاً من تلك الأمنيات، كانت مشغولة بكفكفة دموعها، و هي تهمس بحنق و بصوت متهدج: لا أريده، لا أستطيع أن أفعل هذا، أرجوكم أرحموني....
كُنَّ النساء من حولها يطمئنونها، أنها ليست الوحيدة التي تمر بهذا الشعور، فجميع من جلسن مكانها من قبل كُنَّ يرددن مثل عباراتها، و لكن سرعان ما تغير الأيام قناعاتهن.
همست لها أحداهن، أنه يحبها بجنون، لم يحبَ رجلٌ إمرأةً كما أحبها هو، عندها صرخت هي: و لكني لا أحبه، و لا أريد حبه....
يئستُ من أنها ستلحظ وجودي، و ستقرأ في عيني أمنياتي فخرجت إلى حيث المتأنقين، كانت الإحتفالات متواصلة هناك، و لكني لا زلتُ تحت تأثير دموع تلك الأم الجميلة.

في منتصف الليل أُضيء الميدان بالمشاعل، و نُصبت خيمة بيضاء اللون في المنتصف، كان اللهب ينعكس
على جوانبها، أقبلتْ بعد ذلك مجموعةُ من النساء تتوسطهن صاحبة الثوب الأبيض، مشينَ حتي أدخلنها إلى الخيمة البيضاء، ثم تحلقن حولها و ضربن على دفوفهن، و أطلقن زغاريد جماعية، بعدها رجعن إلى مكانهن.

ثم تقدم مجموعة من الرجال حتى وصلوا إلى الخيمة، دخل أحدهم إلى داخلها، و رجع البقية، تحلق الجميعُ حول الخيمة البيضاء، و بدأت أصوات الإحتفالات تخفت، كانوا مشغولين بإنتظار شيءٍ ما، كنتُ أنتظرُ معهم بجوار أبي.

خيمَ الصمتُ على الجميع حين بدأت بعض الصرخاتِ تتعالى من داخل الخيمة، أصابني الخوف، سألتُ أبي حينها : لماذا تصرخ، فأبتسم لي و هو صامتٌ، لا أدري هل كان يريد طمأنتي بهذه الإبتسامة.

بدأت الصرخاتُ الآن أشد من قبل، و بدأت ملامح القلق ترتسم على وجه أبي، و على وجوه الجميع الذين صمتوا تماماً عن إحتفالاتهم مترقبين.

تلطختْ جوانب الخيمة البيضاء ببقعٍ من الدم الأحمر، فهلل الجميع و زغردت النساء بشكلٍ متواصل، إلا أن بقع الدم إنتشرت بكثرة حتى غطت كل أجزاء الخيمة، صمتت النساء، و هرع الرجال إلى الخيمة، أسرعتُ لألحقَ بأبي، بدأوا ينادون على من بداخل الخيمة، و لما لم تأتيهم أيُ إجابة دخل بعضهم إلى داخلها لتتعالى صرخاتهم، إقتلع أحدهم الخيمة لينكشف لنا جسدين مضجرين بالدماء، تعالت الصرخات من كل مكان.

سألتُ أبي: لماذا هم ميتين، أجابني أنّ الحياة موجودة على قماش الخيمة الأحمر، قلتُ له من الذي قتلهما؟
فقال لي: الطهارة، أجبته: و لكنه كانَ يحبها؟
صفعني أبي صفعة أردتني، و صرخ في وجهي: الحب للكلاب...
لفوا جسديهما بالخيمة، و حملوهما لا أدري إلى أين، و لكني بعد كل هذه السنين لا زلتُ أذكر هذه الليلة.
لا زلت أذكر أني أكره صرخات النساء، و الخيام البيضاء و الحمراء، و أعلمُ يقيناً أنّ الحب للكلاب.

أصيله المعمري
05-02-2008, 01:25 AM
كنت معك في كل شيء
حتى في جملتك الأخيره
أشعر أنها كانت كالنبض العازف على وتر الحكاية



راق لي ما تكتب يا سعد
في انتظار كل ابداعك

ياسر خطاب
05-02-2008, 01:50 AM
سعد بن علي ...

لقد كنا نسير معك كما أردت

بهدوء وخوف .. حتى النهاية

جميل يا سعد

سعد الميموني
05-12-2008, 08:47 AM
أصيلة المعمري

شكراً على كتابة إنطباعك عن القصة

و سرّني كثيرا أنها نالت إعجابك

دمتِ بخير

سعد الميموني
05-12-2008, 08:49 AM
شكراً جزيلاً يا ياسر


سرّني مروركَ كثيراً : )

فرحَة النجدي
02-11-2010, 03:30 AM
يالـهذه القصة !

جميلٌ يا سعد ..