المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : فرصة العمر ..........قصة بقلم بوفاتح سبقاق


بوفاتح سبقاق
09-12-2008, 09:29 PM
- لسنا بحاجة الى عمال خلال هذه الفترة .....
- و متى أعود إليكم ؟
- سننشر إعلانا في الجرائد ..

لقد تعود على هذه المواقف المتكررة و أحيانا يخيل إليه بأن نفس الشخص
يستقبله في كل الأماكن و يعطيه نفس الإجابة ، هل البطالة قدره المحتوم ؟
و متى ستأتي فرصة العمر ؟

عاد الى حديقة الثورة ، التي يدل كل شيء فيها على الإستسلام ، المقاعد عرجاء و الأزهار بدون روائح و الأشجار مكسوة بالغبار و إزدادات إنحناءا
و كأنها ترغب في تقديم إستقالتها لهذه الطبيعة الجاحدة ، النافورة أضحت مياه راكدة يغطي سطحها الأوراق اليابسة و أعقاب السجائر ، حتى الحمام الذي بقي يعد على الأصابع و لفرط سكونه يخيل للمرء بأنه تماثيل صغيرة
ليس لهذا المكان من ميزة سوى توسطه المدينة ، إنه المكان المفضل للبطالين و المتقاعدين و المشردين ، الكل ينتهون الى اللاشيء ، من عملوا طوال حياتهم و من لم يعملوا يوما واحدا ، الجميع يحدقون في السماء و ينتظرون الغيث .....
- محمود... محمود

إنتبه الى مصدر الصوت ، و إذا به يلمح صديقه سمير

- أهلا... أين أنت ؟
- بخير ، بحثت عنك في الحي و لم أجدك و سرعان ما تذكرت بأنك تدمن الجلوس في هذه الحديقة .
- مرحبا ، هل من جديد ؟
- نعم هناك الجديد ، لديك فرصة عمل في التلفزيون ..
- يبدو أنها فرصة العمر ..
- هيا ، لا تضيع وقتي ،إركب معي و سآخذك الى المكلف بالتوظيف .

قفز محمود في السيارة و هو لا يصدق ما يحدث له ، إنه منعطف تاريخي كبير في حياته و كل المعطيات تبشر بخير وفير .

جلس في قاعة الإنتظار ، و بعد لحظات دخلت فتاة شبه عارية تمشي بطريقة إستعراضية .

- هل أنت معني بالتوظيفات الأخيرة .
- لا أدري ربما أكون محظوظا اليوم .

تأمل محمود الفتاة مليا ، تبدو و كأنها خرجت لتوها من الفضائية اللبنانية
فكل شيء فيها إصطناعي و تساءل عن حظوظه في التوظيف مع هذه الحسناء
التي لن تصمد أمامها أي لجنة توظيف ، و حتى و إن كانت هناك وظائف شاغرة فلا مجال للمقارنة بين مؤهلاته العلمية و إمكانياتها البارزة .

بعد دقائق خرج المكلف بالتوظيف من مكتبه ، في حين كانت القاعة تضم كوكبة من المترشحين و المترشحات .
- لقد وصل الجميع يا سيدي ... قالت السكرتيرة .
- هذه المجموعة تدخل في إطار توظيف خاص و إستعجالي ، خذيهم الى الطابق الثالث و بالضبط الى مكتب العمليات الخاصة.
- تفضلوا معي ، من هنا ، أيتها السيدات و أيها السادة .

طقوس الإستقبال مميزة و الأمر يوحي بجدية التوظيف و مدى حساسية المرحلة و ربما للأمر علاقة بالخطاب الأخير للرئيس و الذي أكد فيه على
ضرورة تسليم المشعل للشباب .

أروقة المبنى تعج بالصحفيين و التقنيين و كل المظاهر تدل على النشاط و الحيوية ، لو كلف كل واحد بحصة لفاض التلفزبون و غرق فيه المشاهدين
و لكن يبدو أن هناك أيادي سحرية تتعمد تكريس الرداءة و إلا بماذا يفسر نجاح كل من عملوا في الفضائيات العربية ؟
كل هذه التساؤلات دارت في ذهنه و هو ينتقل من طابق الى آخر و بعد لحظات وجدت المجموعة نفسها أمام مكتب فخم يطل منه رجل أصلع قصير ، لقد إجتمعت كل الصفات التي تجعل المرء يقتنع بأن الرجل أقحم إقحاما في هذا المنصب ..
نهض ناقص الأوصاف من مكانه و توسط كتيبة البطالة .

- أيتها السيدات و السادة ، نشكركم على حضوركم ، نظرا لمتطلبات العمل التلفزيوني و الأهمية القصوى التي توليها إدارة الإنتاج للحصص الفنية و وفاءا لتراثنا الكبير ، قررنا إنشاء فرقة رقص شعبي تؤدي كافة الطبوع
و عليه أنتم ستكونون النواة الأولى لهذه الفرقة ، المهمة صعبة و لكنها ليست مستحيلة و صدقوني لا أشك في قدرتكم على الرقص و تشريف الوطن ..

الدهشة إرتسمت على كافة الوجوه و لكن سرعان ما إبتسمت الفتيات و ساد نوع من العبوس وجوه الرجال ، تأثر محمود كثير بهذا العرض و كاد يغرق في البكاء و الضحك في آن واحد ، أيعقل أن تكون هذه فرصة العمر ؟ بعد سنوات من البطالة يتحول الى راقص طبوع شعبية ، سيكون مفخرة العائلة و الحي و هو يرقص و يتمايل وراء كل من هب و دب ، سينتشر عبر الفضائيات و يصبح مرافق النجوم ، يا لها من مهزلة ؟
- أيتها السيدات و السادة ، لا تستغربوا الرقص ليس عيب ، إنه فن راقي يعبر عن أصالة المجتمع ، هناك لجنة فنية خاصة متكونة من خيرة راقصي و راقصات هذا الوطن ، سوف تدرس إمكانيات كل مترشح و تحدد القائمة النهائية و أعلمكم مسبقا بأن الفائزون سوف يستفيدون من دورة تدريبية خاصة في مصر برعاية الراقصة العالمية الفنانة نجوى فؤاد ، التي بالرغم
من برنامجها المكثف ، إلا أنها أصرت على المساهمة و هذا من أجل ترقية الأخوة و التعاون العربي و حتى و إن إعتذرت في آخر لحظة سيتم تعويضها بالفنانة فيفي عبده ، أقولها و أكررها إنها فرصة العمر و أتمنى أن لا تضيع منكم .
إنتفض محمود عندما نفذ صبره ...
- الأمر معقول ربما للفتيات و لكن ماذا عن الرجال ؟
- و ما المانع ، الفن لا يعرف حدود ، نحن في عصر العولمة و أنت ما زلت تفرق بين الجنسين ، أنت بطال و ليس لديك خيار ...
- أنا لست بحاجة الى هذه الوظيفة الملعونة ، أنتم ترقصون على جراحنا و مآسينا ، أنت نموذج الرداءة الشاملة .
- نعم إنه على صواب ، أنتم لا تعرفون معنى الرجولة و لا تعرفون معنى الشرف و تستغلون مأساتنا ، تبا لكم ، أنتم وباء مسلط على هذه البلاد ، و هل إيجاد هوية للتلفزيون مرتبط بالضرورة بهز البطن ؟

خرج أغلب المرشحين و لم يبقى سوى شبه رجل و أربع فتيات ، وقف ناقص الأوصاف بمحاذاة صورة الرئيس و إبتسم قائلا :
- لقد أحسنتم الإختيار ، بإنسحاب هؤلاء الأوباش سوف تزداد حظوظكم
إن هذه الذهنيات المتخلفة هي سبب الأزمة التي نعيشها ، إنهم يقفون كحاجز منيع أمام تطوير العلاقات الأورومتوسطية و الحوار مع المجموعة الأوربية

- و متى يبدأ الرقص ، سيدي ، سألت إحداهن بطريقة إغرائية .

تأملها بأعين الذئاب من شعرها الى أخمص قدميها .....

- إجلسي هنا أيتها الموهبة الشقراء ، و أنتم إنتظروني بالخارج .

عاد محمود الى حديقته المفضلة ، قطف زهرة ذابلة و أخذ يداعب حمامة مهملة ، رأى عن بعد موكب عرس حيث إختلط الغناء بالرقص ، أراد أن يخبرهم بوجود فرص عمل جديدة و لكنه فضل البقاء في مكانه ، فهو مقتنع بأن الراقصون الحقيقيون لن يجدوا صعوبة في إيجاد البديل .

عبدالله العويمر
09-13-2008, 07:20 AM
اهلا ً بقلمك ياعزيزي



هنا



كان الحضور/الضوء

















متابعتي لحرفك

بوفاتح سبقاق
09-13-2008, 11:21 PM
تحياتي و تقديري