المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : " على هامشِ جرح "


نهله محمد
09-28-2008, 09:18 PM
" على هامشِ جرح "


_هذه كل أخباري يا هدى...عانسٌ ولازلت أقف في الطريق أنتظر فارساً خيراً من فارسكِ ، المهم الآن خبريني عن حال زوجك الزير "سالم/محمود" ، أهناك مستجدات..؟! ( تقولها بطرف عينها مازحةً جادة ) ..
تضرب هدى فخذها بلطفٍ وتجيب بنبرةٍ منكسرةٍ انكسار وردةٍ ذاويةٍ تتناثر بتلاتها في صمت سعاد...:
_ لا تعبثي بأصابع أعصابي يا سعاد بهذه المسميات يكفيني ما بداخلي من أسئلةٍ نهمةٍ تقتات موائد صبري و لا تَذر لي شيئاً أستزيد به للغيب القادم..
_ إذاً لاحظتِ عليه شيئاً مغايراً هذه المرة...؟! تسألها سعاد بعد أن غيرت من جلستها لتدنو منها وتهبها كل حواسها في انتظار إجابة..
_ تعلمين أن حياتنا بلا أطفالٍ صورةٌ عاريةٌ بلا برواز يجملها , وبرغم أنَّا رضينا تَبَنّي أطفال الوجع معاً لكني بت أشعر أني أربيهم وحدي بعد أن قََسّمَ محمود كل شيءٍ لقسمةٍ لا تتكافأ ورباط القداسة الذي يجمعنا...حتى حُجرة تفكيره التي كنا نجلس فيها معاً على طاولةِ ودٍّ واحدة نحتسي آراءنا ونتشارك كِسَر أفكارنا, استقصى منها مقعدي وخلا بمقعده ولم يترك باباً للسبيل إليه..!
فاصلٌ ما يجعلني أعيش بين أنياب الوحدة وأتمشّى في فراغاتها روحةً وإياباً أتبع ظلّي ويتبعني وأرتب الأوجاع في طريقي وترتبني بطريقةٍ مستحيلةٍ كمن يُكلف بتشذيب الماء..!!..
لبرهةٍ يتجرأ الصمت على شفتيها ليضعَ لاصقاً تنزعه يد الترقب التي تخرج من بين ملامح سعاد فتواصل:
_ الأمر يبدو لي غريباً للحد الذي أدمنتُ فيه المكتبة كقهوتي السّمجة , وكأنني كل ليلةٍ أُزفُّ فيها على مجلدٍ جديدٍ , يا للسخرية ، أصبحت الإنسيّة التي تعقد قِرانها على كتبها يا صديقتي..!!
وحدهُ الكتاب الزوج الصالح الذي يُهامسني بحنانٍ مُخدِّر ويهتمُ بإعطائي كبسولات منتظمة من الحلم والنسيان تسمح بتجاهلِ تشنّج عضلات الألم في قلبي , ويترك لي مساحةَ ودٍّ حميمةً أرافقه فيها حتى نومه على كفوف الأرفف قريراً, هناك فقط تفيض أمومتي لأبناءٍ وهميين منقوشين كملائكةٍ على صفحات القصص المهجورة..هناك فقط أمارس دور الجَدَّة وأختلق أحفادي كما أشاء منعزلةً عن حضوره الغائب..فحين عودته إما أن ينزوي في ركن غرفتنا أمام قلب البحر المُشرع على النافذة يعبثُ بأُصص "ملكة الليل" غارقاً في الثرثرة إلي ما بعد منتصف الليل, يداعب " نقاله" همساً طويلاً لا أكادُ أسمع منه إن تجسستْ سوى" وسوسة " السين والصاد , وإما أن يجلسَ في حِجر كرسي أمام شاشة المحمول حتى صرخات الفجر الأولى , ينتقل من ابتسامة إلي " واااااو" عالية إلي حفلة وجوم إلي قهقهٍ تَقُض نومي المُفتعل وتستفز في عمقي أمنيةً مستحيلة في أن أملكَ قبعةَ تَخَفٍّ ؛ لأقفَ بجوار لوحة المفاتيح منخورة الأسنان من سوس أنامله لأرى ما يحدث هناك حتى ينصرف عني كل هذا الانصراف....! شَكّي حَطبٌ غافٍ إلا أنه يوقظه بثقاب غيابه المتواتر , وقِبلته التي يصلي فيها بين مقعد المحمول ومجلس النّقال ولا مبالاته بصَيرُورَتِي مجرد اسم اندلق حبراً على هامشِ "وثيقة الزواج"...
تُقاطعُها سعاد بعد تغيير جلستها وتميل إلي إسناد ظهرها للمقعد:
_تشُكين بوجود أخرى...؟!
على الطاولةِ التي تحشر نفسها بفضولٍ بينهما منصته تتسمر أنظار هدى قبل الإجابة , في حين تتلاعب بها الأفكار ككرةٍ بين أقدام نظرات سعاد و نبضها..
تلتفت لها وفي صدرها تنهيدة تنتفخ كبالونٍ لا يلبث أن ينفجر ملقياً حممه الهوائية زفرةً طويلةً في وجه سعاد:
_كل العيون يا صديقتي خرساء إلا عيني عاشق...
عيناه ثرثارتان لا تصمتان علي سرٍ أبداً , و لا تتوانيان عن إقحامي في محظوراته التي يظنُ بأنّي أجهل!
أدمنت تَأَمُلهُما ، فكأنهما ووجهَهُ - حين ينام - نجمان نائمان في محجري درةٍ بيضاء محمرةِ الخدين , وإن كان يزعجني أن أرى خلف جبينه قصراً منيراً , ألمح خلف لَبِنَاتِهِ الزجاجية امرأةً ضائعة الملامح وحولها عشرة صغار يتقافزون كالدرِ المنثور على سطحٍ أملسَ متحركٍ , ويعبثون بأثاث أحلامه كما يعبث الحظ بي...
دون وعي منه يسحبني وأنا أتأمله أحياناً فيضم جسدي بلهفةٍ أحسبُها عادت بعد موسم هجرةٍ طويل لتحتويني احتواء معطفٍ لجسدِ متسولٍ قرضته عُثة البرد , إلي أن أسمعه يَهذي باسمها , فأنفر منه نزقاً نفور الرضيع عن غير ثدي أمه, وأهرب من ذراعيه إلي ذراعي مخدتي وأسترسل في هطولٍ مالحٍ حتى أغرق في التعب وأنام تاركةً خلف الصّحوة غطائي يحضن وسائدَ تضع أطرافها الأربعة على فمها مُخرسةً شهيق بكائها حتى لا تزيد حزني بشفقتها حزناً آخر! ...
آآآه يا سعاد..في حوزة جرحي أحاديثُ مسجلةٌ نَسختها آلاف النسخ على اسطوانات قهر عن زوجي العابث وهو يَهذي "بسعيدة" كما أظن أو اسم مقارب لها إن لم تهربه ثقوب الذاكرة...
ليت تلك "السعيدة" ترحل بسلام وتكف عنّي كيل أذاها وتعلم أني بلا حيلة يتيمة الأبوين منذ أن فتحت عيني على الحياة أشرب بحار الحزن وحدي من ماصات الألم الكبيرة بلا أهل ألجأ إليهم سواه..
وبصوتٍ يتدحرج نحو الاحتداد مشرفاً على الإجهاش في بكاءٍ يستفز بروز العروق تحت جبينها المجعّد تكمل :
جبانةٌ هي...تسعى لحبٍ جبانٍ من خلف ظلال السكاكين المغروزة في ظهري...وشجاعةٌ أنا للحد الذي أبدو فيه حمقاء ترمم زواجاً آيلاً للسقوط , وبين شجاعتي الانتحارية وجبنها انكسارٌ حكيمٌ يأمرني بكف المحاولة .."فالسقوط وشيك!"..
وكمن يصاب بضربةٍ توهنه, تلقي بثقل رأسها بين كفيها مُسدلةً عينيها على دمعةٍ متمردةٍ في حالة لاستراق ذكريات الأمس , في الحين الذي تباغت سعاد انتفاضة تمر في عظامها مرور زلزال لا يعبأ بالكوارث فيهتز لها ساقها البلوري مرتطماً بساق الطاولة لتسقط أكواب الضيافة في لمح البصر آخذةً شظاياها بأيدي المناديل التي كانت تواسي كفوف هدى في كل اتجاه...
فزعٌ خاطف يقطع بحدّه حبل ذكريات هدى..فتبتسم في وجه سعاد بعد الاستيعاب ابتسامةً مهدئةً كتلك في وجوه الأطباء وتردف بسكينة أمٍ رحيمةٍ أمام ابنها المكسور من ذنبه..
_ " انكسر الشر "!!!
وبصوتٍ مهزوزٍ متلعثمٍ كصوتِ متهمٍ بجريمةٍ ما, تضيف سعاد محاولةً نفض فستانها القصير وتقلّبه:
_ آسفة خِلتني رأيت شيئاً ما يتسلق ساقي فاعذريني ، سأذهب إلي دورة المياه أنظر في أمري , تعرفين كم أخشى تَطفُل الحشرات...!
تُومئ هدى لها برضا وعدم انزعاج وتلك الابتسامة لم تبرح قطعة الفراولة المزروعة بين أنفها الشامخ وذقنها المُستدق, فتجثو على ركبتيها محاولة لملمة الشظايا الشاردة على صدر الرخام بحذر, وإذ بهاتف سعاد النّقال يرن كالملهوف أكثر من مرة بأغنية مصرية أنعشت ذاكرة هدى الغائبة فلكم عَنَت لها ولزوجها محمود الكثير في فترة الخطوبة "يا سلام لو ياخدو الحِنيّة منك ويخافوا عليا ياخدو كل مافيك قرئتك والبراءة في عنيييييك...."
ذلك الرنين المتواصل وصوته المزعج قَطّرَ الكثير من قطراتِ الحيرة في فكرها حتى أوشكت أن تجيبه...
ولكنها قررت تجاهله في اللحظة الأخيرة...وبتدخلٍ قسري من القدر الذي يأتي في موعده دائماً ليُعري الحقائق كمخرجي السينما ينزعون من أفلامهم مشاهد الغموض في اللحظات الأخيرة...و لدقيقةٍ فقط .....تزغزغ يد " رسالةٍ قصيرةٍ" إِبط نقال سعاد فيُغرّبُ في ضحكةٍ طفولية مُلفتة تثير فضول الصديقات الجامح في هدى التي اعتادت أن تجيب على هواتف صديقاتها وتُقلّب رسائلهم ، خطأً تدوس على الأزرار...فتوجهها الشاشة الصغيرة"لفتح لوحة المفاتيح المقفلة اضغط * ثم فتح القفل"
عدد المكالمات الفائتة =9 باسم ميدو
وكذا الرسالة لذات المُرسل المغرم الذي تُزركشُ اسمه بوجوهٍ تعبيريةٍ أحداقها قلوب..تزحف إلي خدِّ هدى الأيمن ابتسامةٌ ساخرةٌ لسان حالها يقول" هذه المجنونة لا تكف عن العلاقات العابرة "و تُكملها بذهول مُتدرج يخنق ابتسامتها رويداً رويداً...
" سعاد يا حبيبتي إياكِ أن تنسي مسح رقمي
واسمي من قائمة الأسماء والرسائل
حتى لا تدرك هدى ما بيننا
فينهار خاتم الخطبة الماسي...
حبيبك محمود..

المرسل :ميدو
بتاريخ: 3/5/2006
الساعة:10,30مساءً....


*
لكل منا قدر..وما أصعبها الأقدار حين تتشابك..!

"

شموخ أنثى
09-28-2008, 10:43 PM
[ نهلة محمد ]

لقلمك [عذوبة] لا يملّ القارئ ملاحقتها ...!!

ليتذوق نهايتها رغم صوت الـ [الآه] المرتفع والذي ما زال يرن بأذني ..!!

كجرس [أفعى] سامة يستفحل السّم دمها ويستحيل أن تموت مسمومة ...!!

وللخيانة تعاريف ينأى حتى[ القلم ]عنها ....!!

لنصك حلة [بهية] ألبستنا حلة الدهشة بأيادي [خفية] ...!!

مبدع أنتي يا نهلة بلا حدّ.......!!

لكـ

http://up3.m5zn.com/thumbnailer/9-2008/ebvquiuuof4.gif (http://up3.m5zn.com/showimage-9-2008-ebvquiuuof4.gif)

ولا تجـــــــــــــــــــزئ ....!!

ياسر خطاب
10-02-2008, 05:09 AM
يتكاثر حرفك بماء الحياة على رقعة رطبة هي الذائقة , فينبت البنفسج في ألوانه الأكثر عذوبة
لذلك نحن هنا نشهد واقع الخير لهذه الحرفة

نهلة محمد
وكفى ..

بَسمَة آلْ جَابر
10-03-2008, 02:35 AM
:
ولِ أنْي قرأتُكِ أكثر مِنْ مَرة
مرتين .. وثـلآثة ،
سأتركْ لكِ مِنْ عِنفوانْ قلبي ورده نّدية كــ قلمكِ المُفصِل لِ سرد مؤلِم !

أنتِ .. جميلة واللهِ .،

.

نهله محمد
10-04-2008, 07:25 PM
شموخ أنثى...
سكين الخيانة البعيدة عنا
أخف وطأة على القلب من طعنة طائر من
نفس الجنس..هنا يكمن الألم الحقيقي...
شموخ...
ضفيرة أنتِ في رأس الشمس
تتدلى فوق صفحتي..

نائية
10-08-2008, 04:38 PM
لدي الكثيرُ لأقولَه لكِ يا نَهْلَة ،
و تعلمينَ قدر ماذا أقدّرُ قلمكِ ، و أقدّرُكْ .
وتعلمِينَ بأنّني كثيراً ما أجدكُِ قاصِمة و جميلة ،
و تلملِمين التبعثرَ من حولك بهدوْء ،

لدي ما أود قولَه ، و وقتي الآنَ يسلِبُنِي منكِ ،
سأعودُ أعدكِ لنتحدث سوية ،

،
أنا و أنتِ ، و فكرُنا ، و الأقلامْ .
ْ
دمتِ " أنتِ " يا حُلْوَتِيْ ،!

نهله محمد
10-09-2008, 04:15 AM
الله يا ياسر...
ما أجملها شهادة من كاتب بحجمك...
لكن...لازالت أحرفي تحبو,والكلمات تقف وتتعثر,
والمعاني تمسك أيدِ بعضها بصعوبة وتلعب
محاولةً تقليد الأطفال في القفز على عشب الورق...
لازال أمامي الكثير لأكون نهله وكفى...!
ليتني أبلغها فعلاً....
ياسر...
ألم يقل لكَ أحد من قبل أن الشواطيء أجمل
مافي العالم...وكنتَ شاطيء النص...

نهله محمد
10-14-2008, 09:48 PM
يابسمة....
ولأنك أجمل من الجمال ذاته
ترددت كثيراً أي الكلمات تليق بذاك البهاء...
ربما...لو قلتُ بأن الروح
ما أن تصلي روعةً حتى تخشع لها الأرواح الأخرى
حولها وتنصت لتلك الصلاة بحواسها وليس بأذن أو عين وتكتفي...!
صديقتي...
عين انبجست هنا في متصفحي...عذبة كانت...

نهله محمد
05-19-2009, 06:01 PM
لدي الكثيرُ لأقولَه لكِ يا نَهْلَة ،
و تعلمينَ قدر ماذا أقدّرُ قلمكِ ، و أقدّرُكْ .
وتعلمِينَ بأنّني كثيراً ما أجدكُِ قاصِمة و جميلة ،
و تلملِمين التبعثرَ من حولك بهدوْء ،

لدي ما أود قولَه ، و وقتي الآنَ يسلِبُنِي منكِ ،
سأعودُ أعدكِ لنتحدث سوية ،

،
أنا و أنتِ ، و فكرُنا ، و الأقلامْ .
ْ
دمتِ " أنتِ " يا حُلْوَتِيْ ،!

وتعلمين يا نائية
أنكِ تفردين قلبكِ ليصبح مظلة المتعبين....
تستطيعين عصر قلبك
ليصب واصباً من الحب في الأرواح التي مزقها العطش...
وتجهلين أن بعض الكلمات التي ترددينها
بالنسبة لي مشفى مختصر , مازالت " ياحلوتي " إحداها...
لم يكن هذا الرد ولا عودتي له عادية...
ثمة احتياج لوجودكِ مثلما كنتِ دائماً....
أتمنى دائماً لو تكونين بخير....

خلف المهيلان
02-06-2010, 09:15 PM
نهله ،، اسم على مسمى / حقيقه / ابلغ رد هذا الاسم //
/ وكأنه بحر لحين يكثف غمام الاحساس والعمق حببتيني بقراءت القصص والرويات متابع لك جيداً//
ولكن / احيان ماجد رد يبيض ببشاشته / فكرك المشرق ولاصباح يضاهي هذا النور المنبثق من مخزون ثقافي عريق وخبره طويله وتنم عن نضوج ودرايه واضحة الملامح والسبك والحبك//
/ بكل نص تكتبه اناملك الذهبيه متعه ويترك بنفسي اصرار على الاستمراريه وربما يحفز على كتابة نص جديد //
// شكراً لك / ولا تقسين على الرجال ياشقيقتهم المشرفه لهم بهكذا مطر من طهر روحك النقيه ///
ولا ترى بزعل وإنسخ كل ماتكتبينه بالوورد عندي ومااقراه الا بالوورد بعد نسخه هذا العقاب المحتمل والله اعلم/ ؟ /

الحقيقه تناولتي واقع مرير وابكثره والحديث عنه يطول لكن كماقال عليه الصلاة والسلام لنفسك عليك حق وزوجك حق فعطل كل ذات حق ًحقه
وسطية ديننا واعتداله اساس العدل ولن يجد احد لذه بيا تقصير حتى يرجع لتطبيق الدين لان الحياه الطيبه والسعاده الي نبحث عنها بقوله عزوجل
مَنْ عمل صالحاً منْ ذكرٍ أو أنثى وَهُو مُؤمِنٌ فَلَنُحْيِينّه حياةً طيبةً ولَنَجْزِينَّهُمْ أجْرَهُمْ بِأحْسَنِ مَا كَانُوا يَعمَلُوْنَ

فرحَة النجدي
02-11-2010, 04:19 AM
وحدهُ الكتاب الزوج الصالح


و الصديق / الصديقة الصالحة أيضاً .!

جميلة يا نهلة ،
وافر التقدير ..

بثينة محمد
02-14-2010, 05:25 PM
أنتِ يا نهلة مجرمة الحكايا . :) تجيدين عصر الجرح .