المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ذاكِرة مُنهكة


مَنَالْ أحْمَد
10-20-2008, 08:49 PM
:



::الفصل الأول::

زاوية شاغرة بها
ومنضدة يتكأ عليها ورق ومحبرة
مقعد وجسد باهت
شعرها منسدل بفوضى على الأكتاف
جميلة الملامح بوجه كـ قمر في أُبهة الليل
بذات العين التي كانت تستنطق الفرح من أقصى قرونه
هنا وفي هذه اللحظة تنستنطقُ الدمعُ بكل طقوسه ومن كل ثنايا محاجره!
لتدوّنه في أوراقها المركونة..
ترى أي وجع أتقن النقش على جذوع بهجتها؟
وأي يد تمادت في اطلاق نفسها للامام ..فإقتصت البسمة من على ثغر لحظاتها؟
الذاكرة تهرب بها للخلف..
أصوات مذعورة.. وقدمان حافيتان ... جليد في أطرافها.. وثوب ممزق..
شيء ما كان يمتد ظله وأمامه هي
تركض
وتركض
تتعثر بشيء ما فتصحو.. جبينها مبتل وقلبها الصغير يخفقُ بشدة..
وجفاف يسكن أحشائها..
مدت يدها المرتعشة لكأس الماء بجانبها.. تناولت قطرات بسيطة منه.. واستندت على وسادتها..
وخزة عميقة في وريدها..
نهضت (أمل)بجسمها الدقيق في تقاطيعه..متثاقلة تمشي بكسل.. أخذت طريقها لخزانة ملابسها..
ثوب زهري وعباءة سوداء وشال .. يتشكلون بأناقة فاتنة على جسدها الممشوق وقدها الناعم...
السواد حين يتوسطه وجهها القمري يُبرز ملامحها بانوثة لا متناهية..
كما هو بجماله الرباني وهالة النور الساطعة في أعلاه.. وعينان بلون ظلمة الليل ..
يغرقان العيون حولها في تساؤل عن منبعُ هذا الطهر.. أما هو فقد هام بها لذاك البياض الذي يسكنها..
فجمالها لم يكن في كمال جسدها الذي تنطق خلاياه بإنوثتها ولا في عينيها الآسرة..
بل شيء ما في روحها..
خرجت من بوابة منزلها الفخمة بعد أن قبّلت رأس والدتها وجدتها الحنون..
شعرت بما اعترى الجدة من قلق عليها حين سألتها ما بك صغيرتي..لونكِ شاحب وتبدين نحيلة؟
تمتمت:
-لا شيء جدتي اطمئني ..انها فقط آثار السهر للمذاكرة..
وابتسمت حتى تبدد قلق الجدة ومضت..
حين تورات قالت الجدة
حال (أمل ) يبعثُ بالقلق لأيام قليلة مضت لمست على وجهها الصغير آثار خوف وشيء ما.. لا أعرف ما هو..
وجهها اليوم يشبه ذاته بذاك اليوم ؟!
أتمنى أن يكون خيراً
فردت الأم:
وماذا يمكن أن يكون..أني ألاحظ ما تلاحظيه يا أماه.. أنها ذكرى رحيله ..تقترب كثيراً..

تمتمت الجدة:
-يا قلبي عليكِ صغيرتي...ليت الذاكرة شيء يمكننا استئصاله... فكم أكره تلاعبها بأوجاع تلك الصغيرة..
نزلت من السيارة.. وهاهي تأخذ طريقها لقاعة المحاضرات في آخر الروّاق... هدوء غريب
ومقاعد جانبية خالية.. إنه هو بابتسامته المشرقة ونظرته المسافرة في روحها... يستطيع بعينيه أن يقتحم كل أجزائها فيعرفُ بيقين كيف هي!











يتبع...


للمارين هنا
http://www.soft-sadness.net/vb/images/icons/soso.gif

...!

د. منال عبدالرحمن
10-20-2008, 10:39 PM
و بذاكرةٍ منهكة , متشبّثة بما سيأتي بعد ,

أنتظرُ الـ يتبع .



منال ..

http://krwetatnt.net/vb/images/smilies/a046.gif

أحمد الأحمد
10-21-2008, 03:03 AM
في فيض القلم; وحدها الأحزان قادرة على احتلال منابت ذاكرتنا !
و كأنه كتب على تلك الذاكرة المنهكة أن ترتدي سواد دائم..
وحدها الأحزان متمكنة من أرواحنا...


رائعة يامنال..

دمتي بخير

مَنَالْ أحْمَد
10-22-2008, 01:02 PM
و بذاكرةٍ منهكة , متشبّثة بما سيأتي بعد ,

أنتظرُ الـ يتبع .



منال ..

http://krwetatnt.net/vb/images/smilies/a046.gif







:
قُربكِ جنة عزيزتي..
شكراً لكِ وعليكِ

ورد

...!

مَنَالْ أحْمَد
10-22-2008, 01:06 PM
في فيض القلم; وحدها الأحزان قادرة على احتلال منابت ذاكرتنا !
و كأنه كتب على تلك الذاكرة المنهكة أن ترتدي سواد دائم..
وحدها الأحزان متمكنة من أرواحنا...


رائعة يامنال..

دمتي بخير







:
نحن معجنون به..
فكم نسعد في تفاصيله ويسعد.!

أحمد الأحمد
لا تبتعد كثيراً

ورد


...!

مَنَالْ أحْمَد
10-22-2008, 01:32 PM
:

:: الفصل الثاني::


شعرت بالعبوس في ملامحه حين نظرت إليه.. كأنه يقول لا تحزني.. أنا هنا بكل روحي !
إنها تقترب وتقترب .. ونظرته تزداد رجاء بأن تبتسم وتُبدد هذا الأسى من ملامحها الملائكية..
ما بكِ ملاكي.
صوت اعتادته وتشتاقه كل حين.. إنه يتردد وصداه في هذا الروّاق.. توّد احتوائه وتسخيره لمسامعها كل ثانية ..لها فقط وللأبد...
ضجيج وحديث المارة.. قهقهة وأصوات صاخبة... ذهاب وإياب لأرواح تحيا... زملاء واساتذة
.. دبيب روح الحياة جعلها تستوعب أن الذي مرّت به قبل قليل كان مجرد طيفه.. الذي يرافقها في كل ذرات الوقت.. ومع كل أنفاس الموت الذي يسكنها بعده!
لم تشعرُ بنفسها تتهاوى على المقعد القريب منها..أسندت رأسها على الحائط وأغمضت عينيها..
دمعة تائهة انسابت فأحرقت وجنتها الشاحبة لتشعر بنفسها وكم تمادت الذكرى في تقليبها على جمرات الرحيل..
أفاقت من غفوتها اليقِظة!
نهضت محاولةً الإستمرار في طريقها للقاعة .. بهدوئها المعتاد ووقارها الأنثوي الساحر..
اتخذت مقعداً وجلست.. وكل كيانها ما زال برفقته ..حتى أنها لم تلحظ أن العيون كلها كانت تراقبها..انقضت تلك الساعة وهي هناك بينه والجمع حولها غارقون في صومعة الحياة التي فقدت ألـوانها بعينيها.. لم تعد ترى سواه ولم تعد تتنفس إلا رائحته..
في حبر الورق ترى خطوطه حين كانت تشاغب وتكتب حرفيهما.. وعلى أغلفة الكتب لا تقرأ إلا أسمه..!
وتلفُت نظراته حين كان يجلس أمامها أكثر ما يجعلها تشعر بأن ما تركه من فراغ شاسع لحدود لا حدود لها..
بين نفسها يتردد ذات السؤال منذ ذاك اليوم ( كيف يذهب هكذا؟)..
تلك اللحظة..
كعادتها منذ أن عرفته..كانت تنتظر في حديقة الكلية.. كل حواسها مطمئنة.. ونور الشمس يلفحُ وجهها بلمحة وردية..
أحست بقبضة على قلبها.. ظلام عَبَرَ نافذة عينيها لبُرهة.. تسمرّت في مكانها وتلت بعض تعاويذ لعلها تشعر بطمأنينة..
كان بيدها كتاب تقرأه.. توقفت في مكان ما به فأثنت الصفحة وأغلقته..
نظرت للساعة ... وقالت بداخلها:
كم تأخر.. ليست عادته!!
أخرجت هاتفها المتنقل من الحقيبة ..ضغطت رقمه.....ولكن لا مجيب.. هاتفه مغلق!
بدأ القلق يسكنها..فقررت أن تمضي لتسأل احدهم عنه.. وحين همت لذلك رنّ الهاتف.. توقفت وأخرجته لتجيب... انه رقم غريب ترى من يكون؟
-نعم.. أنا من أقاربه... ما به؟ والهلع يعلو جبينها..
صرخة تبددت في فضاء ذاك الفناء... لا شيء يذكر.. انها جسد يتهاوى.. وروح تغيب عن الحياة.. وكأنه لم يعد لها حيّز بها.. فاختارت لا اراديا الغياب..السفر... بغيبوبة تستمر طويلاً!










يتبع
http://www.soft-sadness.net/vb/images/icons/soso.gif

...!

وَرْد عسيري
10-22-2008, 01:32 PM
وَهن ، ذِكرَى ، رَحِيل ــــــــــ ثُم [ أَمَل ]
كُلها إِلى جَانِب سَردِ مَنال مُحرضَاتٌ لِلتمسُكِ بِبقِيةِ القِصَة


جُودِي مَنَالي
http://ayah227.googlepages.com/wh_73073504.gif

مَنَالْ أحْمَد
10-29-2008, 10:20 PM
وَهن ، ذِكرَى ، رَحِيل ــــــــــ ثُم [ أَمَل ]
كُلها إِلى جَانِب سَردِ مَنال مُحرضَاتٌ لِلتمسُكِ بِبقِيةِ القِصَة


جُودِي مَنَالي
http://ayah227.googlepages.com/wh_73073504.gif




شكراً لكِ هذا القرب غاليتي
لا تبتعدي كثيراً


قبلاتي
.

مَنَالْ أحْمَد
10-29-2008, 10:41 PM
:


:: الفصل الثالث ::

غرفة بيضاء.. ورائحة الموت في محيطها.. سقفها ممزوج بجدرانها!
وصوت مزعج لجهاز ما متصل بها... أفاقت.. نعم أفاقت من غيبوبتها التي استمرت 3 أسابيع بعد ذاك الصباح وقبضة الجزع التي مرت بها...!
تذكرت الهاتف والصوت القادم منه... كان صوت نبأ رحيله... بحادث فاجأه وهو في طريقه إليها..
أفاقت لتعي مرارة ما تبقى لها...
حياة يسكنها الموت وذاكرة سينهكها الوجع..
وأنفاس تشهق بالإختناق كل حين... يا لقسوة القدّر... كم توّد ان تعود لذاك الغياب.. التلاشي والسفر بعيداً .. بلا ذاكرة!


مابهذا اليوم... لما لا يغيب عن ذاكرتها؟
انه يشعل بها نيران تجعلها تحترق .. ويجعل كل خلاياها ترتجف..
كيف يمر الوقت هكذا وما زالت تتنفس؟
انها لا تصدق نفسها... لم يعد هنا.. لم تعد نظرته بواقعها.. ولا أنفاسه في هوائها..
ضحكاته.. مقالبه وحبه.. حبه النقي الذي أسكنها الغيم لتحط بعد رحيله في حضيض النحيب وجذور الفقد!

اليوم .. وهي في طريقها للمنزل.. شاردة الذهن وكأن الجليد في وقتها يابى الذوبان!
دق الهاتف.. أيقظها من سباتها.. الأصوات كأنها تأتي من زمن بعيد.. وذاتها تعكس اتجاهها عنه!
- نعم أمي انا في طريقي إليكم.. لا تقلقي لا زلتُ أتنفس..

مضى اليوم كخطوة تتراجع بها لتقترب من القبر... وكفنها موشوم بآيات الوجع.. الذي
سأم الإلتفاف حول روحها في انطلاقة الحياة حولها!
شاخت في كينونتها الأشياء..لا نبض ولا أنفاس.. بنظرة شاردة لـ اللاشيء أمامها..
أسندت نفسها للوراء وأطلقت تنهيدة متعثرة!

خففت من سرعتها حين بدأت أسوار منزلها تقترب والنخيل في السماء امامها كأنها أشباح عملاقة تفتح اجنحتها لتحتضن أنظارها المشتتة..

دخلت وكانت أمها تنتظرها وعلامات قلق على محياها.. وحيرة لم تعهدها تعلو وجهها..
-أمي مابك أرى أمراً ما يسكنكِ,هل أنتِ مجهدة؟
ردت بتلعثم وكانها تخشى شيئاً ما:
-لا يا صغيرتي أنا فقط..قلقة جداً عليكِ.
-لا تقلقي يا أماه..ها أنا بجانبك ولا شيء يدعو لقلقك..اطمئني.
رافقت ما قالت بابتسمامة لا لون لها..الأم تعرف جيداً أنها ليست بخير..
-أمي سأذهب لتغيير ملابسي وأسترح قليلاً,هل تأمريني بشيء.
-لا يا عزيزتي.. لا تتاخري كثيراً سننتظرك بعد نصف ساعة للغذاء.
-حسناً أمي..
في طريقها لغرفتها التي تقبع في الطابق العلوي..لمحت جدتها وهي رافعة كفيها تُسبح وتستغفر على سجادة الصلاة ..
يتضح من وضع جلوسها أنها انتتهت من تأديتها..فقررت أن تمرُ لتطبعُ قبلة على جبينها الطاهر وتستشعر دفء الإيمان لربما يتبدد هذا الاحساس بالفراغ من ملامحها.
-جدتي الغالية كيف أنتِ..اشتقتكِ كثيراً..
-أنا بخير حين تلفحني أنفاسكِ العطرة يا صغيرتي.. كيف أنتِ وكيف مضى يومكِ..
أخذت تجر تنهيدة ثقيلة من صدرها..كأن سؤال الجدة جاء ملامساً للوجع الذي يسكنها..سابراً أغوار نفسها ومستنطقاً ذاكرتها المرهقة..فقالت:
-آه يا جدتي أشعر بأن ممرات ذاكرتي تضج بالألم فهي تعج به في كل زواياها.. ذكراه سعادة موجعة يا جدتي ..موجعة كثيراً.
-صغيرتي هذا قضاء الله يجب أن ترضي به..ونعمة النسيان ستتكفل ببث الحياة بقلبك من جديد..
-لا أريد الحياة جدتي.. بل أريد الموت لجسدي كما روحي التي أسلمت أنفاسها منذ رحيله..
أريد أن أكون بقربه هناك..فربما الموت ينصفني بسعادة تجمعنا مادامت الحياة لم تفعل!
-آه يا صغيرتي ..هل تريدين أن ترحلي وتتركي قلوب أحبتك تتبعثر حزناً وألماً؟
نطقت بذلك الجدة وكانت ترافق كلماتها دمعة استقرت على وجنتها النقية رغم تجاعيد السنين المحفورة فيها..
آلمت (أمل) تلك الدمعة الغالية من عيون جدتها.. لطالما كانت الأقرب إليها من الجميع.. بل هي اكثر من شعر بآلامها ووقف بجانبها...
فشعور الفقد مرّت به حين رحيل الجد الذي كانت حياتها معه مليئة بالحب الذي تفتقر إليه زيجات اليوم..
احتضنت أمل جدتها ومسحت دمعتها..رفعت وجهها وابتسمت حتى تزيل الحزن من وجه جدتها..ومضت لغرفتها..






يتبع..











...!

مَنَالْ أحْمَد
11-10-2008, 12:09 PM
:
:: الفصل الرابع والأخير::


وهي تأخذ بنفسها لغرفة الطعام .. سمعت تمتمات آتية من هناك..
لم تسمع منها سوى.. والدها حين قال:
الموقف صعب جداً..كيف سنقنعها بالموافقة؟
وحين أقبلت صمتَ ووجه لها ابتسامة شعرت بأنها تحمل شيئاً..
تقرأ في وجهه تردد ورهبة...تسائلت بداخلها...ترى ماذا يجري؟
لم تنبس بكلمة سوى طابت أوقاتكم .. ووجهت لأبيها سؤال وهي تهم بتقبيل رأسه:
كيف أنت يا أبي ؟اشتقتك ورب الكعبة..
ابتسم برضا وقال:
أنا بخير ابنتي الغالية ..اشتقتكِ أكثر يا (أمل)..
وعادت ملامح الحيرة والتردد لملامحة مجدداً حين صمت..فهمت بسؤاله:
-هل أنت بخير أبي؟
هنا نطق أخيها وقال:
-أمل..هناك من تقدم لخطبتك وجميعنا نراه ملائماً..وأبي متردد في فتح الموضوع معكِ..
خيّم الصمت على الجميع وكأن غيمة جليد سكبت نفسها على المكان..
صمتت أمل وجلست بهدوء..
لم تنطق.. ولم يبدو على ملامحها أي رد فعل محدد.. باردة حد دهشة اثارتهم جميعاً..
- لستِ مضطرة يا (أمل) بالضغط على نفسك والتفكير..ان لم تريدي نردُ عليه بالرفض..فقط كوني مبتسمة وبسلام..
قالت ذلك الجدة وبنبرتها قلق وخوف..
فرد أخيها بانفعال:
-انها ترفض كل من يتقدم..لمتى ستظلُ تفعل؟هل تريد البقاء هنا للأبد..كل بنت مكانها بيت زوجها.. ومن رحل يرحمه الله فهذا قضاء الله وقدره و...
قاطعته (أمل):
ان كنتم ترونه مناسباً انا موافقة...أبلغوه بذلك!!!
اعتلت الوجوه هالات الاستغراب.. صمتوا من شدة دهشتهم لردة فعلها الغير متوقعة وموافقتها السريعة..
- لكن يا ابنتي أنتِ لم تفكري حتى بالموضوع..ولم تسألي من يكون..ليس هكذا تتخذ القرارات المصيرية..
فردت بابتسامة باهتة:
جدتي اظن بل أثق بأن أبي يريد لي الأجمل..لذا أنا احترم آرائه وقراراته..
كما أخبرتكم ..ان كنتم تروّنه مناسبا فلا مانع لدي!
قالت ذلك وبداخلها تقول.. ما الفرق... هو موت قابع بي ان كان هنا أو بأي مكان آخر..رفعت رأسها ونطقت:
-لكن لي شرط بسيط.؟!
رد الوالد:
-قولي كل ما تريدين فلا نريد إلا سعادتك..
توقفت عند كلمة السعادة ورددت بداخلها (وهل للسعادة وجود يا أبي؟ لا أظن لا أظن)
أردفت قائلة:
- بلا فستان أبيض.. وليكن حفل عائلي بسيط...هذا كل ما اريد..
قالت الام:
-ولكن يا (أمل) أنتِ فرحتي الأولى.. لا تحرميني من ذلك..
ردت بألم ودمعة تترقرق على طرف أهدابها:
صدقيني يا امي لا أستطيع..عاهدته أن لا البسُ الأبيض لغيره..سوى الكفن الذي سيأذخني بقربه...لا أبيض سواه!
أطرق الجميع برؤوسهم.. قال الجدة وبداخلها وجع وقلق على صغيرتها محاولة بث الرضا للجميع:
- المهم يا عزيزتي أن تكوني مرتاحة..وتلك ماهي إلا مظاهر لا معنى لها..
قالت ذلك وهي توّجه نظرة رجاء لأمها..
- لا بأس ليكن ما تريد.. ولندعو لها بالسعادة..
أضافت ذلك الجدة.. فسكت الجميع ووجهوا انظارهم للمائدة .
كانتا الجدة والأم قلقتان جداُ فلم يفرحهما قراراها بقدر ما أحزنهما..
كأنها تهرب من شيء ما..لا تبحثُ عن شيء.. ولا أمل يسكنها لشيء..كل تفاصيلها بلا لون..
مضت الأيام سريعة ..حافلة بالعمل واستعدادات الخطبة..أما هي..
فلا شيء يذكر..سوى ذات الجليد في أطراف حياتها..والذكرى التي تستوطن كيانها..
في كل أمر يخص زينتها وعش الزوجية القادم..كانت كلماته وأحلامه البسيطة معها تقفز إلى ذهنها..فيزداد شعورها ويقينها أن ما تُقدمُ عليه.. ما هو إلا استمرار للموت الذي رافقها منذ ذاك الصباح..
بداخلها تُردد وكيف بحياة سيعيشها قلب ينزف؟ وروح تناجي الرحيل في كل لحظاتها..
كيف ستكون ودمها ممزوج بذاك الذي يسكن القبر..ودقات قلبها تعزفُ فقده .. لاشيء لا شيء..
وأتى اليوم المحدد..
اليوم الذي تُصلب فيه على أعمدة حياة أخرى..لم تكن تترقبُ فيها أية حياة تتنفس..
أنها تجر فيه خطواتها لمصير مجهول بنفسها بإرادة تسكنها غيبوبة وبلا أدني تفكير..
يأتي ومنذ بدايته تعتليه أنفاسها المختنقة.. وهودج الغمام متلبداُ في سمائها.. تنهيدة تأبى الإنطلاق.. وزفرات منتحرة برئتيها..وبداخلها صوت يقول..
هذا اليوم كان يجب أن يكون له.. بكل نقائه وقدسيته له.. بكل أهازيجه وضحكاته له..
ولكن ما تشعره بهذا اليوم...أنه بكل موته وجزعه وساعاته الباردة سيكون وبرفقة ذكرى
من صميم الوجع..
هاهي وبمليء حواسها الغافية صدر الحزن والألم...قريباً
تُزفُ للموت..وفي أفقها المحتضر تعلوا الزغاريد.. وهمسات فرحة رمادية.. وابتسمات فقيرة وأخرى جاهلة!
أرادت قبل اللحظات المصيرية القادمة أن تكون بينه اكثر..تقبل رائحته الباقية في رسائله..
وتحتضن ملامحة في صورته المندثرة تحت وسادتها.. لم تعي لنفسها وهي تنتحب في تلك اللحظات.. كانت الدموع شلال منساب بغزارة.. والذاكرة مصابة بالإنهكاك.. توقفت هنا بينه..
في قصاصات حبهما.. وهدايا كم بكت رحيل صاحبها.. وخاتمٌ بسيط أهداهُ لها ذات حب ولحظة تكللت بوعد أن تكون له فقط.. فأخذت تلوم نفسها بشدة وتنهرها..
أنها تخون الوعد..تخونه..
دوّنت تلك البقايا والاعترافات لأوراقها الوفية ووضعت جسدها على تلك الأاوراق وغفت
مع أنغام حفلة الدموع والنحيب..وقد إمتزجت الاشياء بدموعها وشظايا احتضارها..
غفت..وحولها بتلك الغرفة..باقة الورد.. ورداء خطبتها الأنيق..
غفت .. لتثبت لها وله وللقدر أنها كتلة وفاء لا تتفتت..!
غفت غفوّتها الأبدية..ليتحقق ما أرادت ,بأن يكون الأبيض لكفنها فقط.. !
فزُفت إليه.. وسط بكاء الجدة الصامت.. ودهشة الأم وإمنياتها المكللة بالموت..ودموع الأب الخائرة قواه ونحيب الأخ المصدوم..!
بكل وفائها ونقاء قلبها المملوء به .. بمسحة طهرها والنور الساطع من روحها....رحلت مع ساعة رحيل الشمس وقبل هطول ليلٌ لن يرافقها بعد الآن .











...!

مَنَالْ أحْمَد
11-10-2008, 12:11 PM
:

انتهت
6\يناير\2008
http://www.soft-sadness.net/vb/images/smilies/wad.gif











...!