المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أقساط هند....


درر الشام
10-28-2008, 02:22 PM
قطراتٌ تنضح من جبينها...مجهدةً متعبة؟؟؟سيدةٌ قد غزا العمر حياتها تاركا آثار معركة ضروس على وجهها
كانت في السوق تتمشى..وحيدة...لكن لعنة الشراء تتبعنا – نحن معشر النساء – فنشتري ما لا يلزم قبل ما يلزم
بدأت تثقل الأغراض يديها الهرمتين..وبدأت تتباطأ الخطوات
رنت بنظرة سريعة حولها ...علها تجد من يساعدها في مهمتها تلك لإتخام المطبخ بأغراض يصعب عليه هضمها...
فتاة...
تسرق الشمس ضوءها من لون ضفائرها
وتحت تلك الطبقة من غبار الطريق و عوادم السيارات..وجه يستهويك النظر إليه
مدت يدين صغيرتين...حملتا كل أوساخ الطريق...تعرض المساعدة..
ياااااااا لطفولة تلك اليدين...كانت كفًا لطم حاضر السيدة و أعادها ما يزيد عن العقدين من الزمن....حين كانت يدا طفلتاها بذاك الحجم الصغير.......
وضعت الأغراض على طرف الطريق و سألتها:ما اسمك؟
بذكاء الأطفال الساذج حاولت الطفلة التملص من الإجابة..وقالت: سأساعدك في حمل الأغراض إلى البيت...
وهمت في حمل أكياس قد تفوق وزنها...محيطةً تلك السيدة بهالة من الاستغراب و الدهشة
وصلتا إلى حيث من الممكن أن يبدأ الحديث بينهما
وضعت الأغراض عند باب المنزل...ونظرت للسيدة منتظرةً أن تمن عليها ببعض القطع المعدنية الصغيرة
طبطبت السيدة على ظهرها مطمئنة: أنا مثل جدتك...لا تخافي
ويبدو أن تلك الكلمات كانت صمام أمان لبركان من الدمعات الساخنة...وبنظرة مكسورة قالت الفتاة : لكنك تتكلمين ....أما هي فما عادت تكلمني
وبدأ حب الفضول يغزو تلك السيدة فدعت الطفلة للدخول و بدأت القصة:
أعيش مع جدتي في غرفة صغيرة..كل صباح توقظني وتأخذني معها لزيارة الجارات...نمر على أبوابهم و نفطر من طعامهم....وابتسمت سعيدةً قائلةً : وأحيانا يعطوني كولا
سألت السيدة باستغراب: وأين ماما؟؟؟
نظرت الطفلة بلا مبالاة هزت كتفيها وقالت: لا أدري...ذهبت وقالت لي جدتي أنا أمك الآن
وبمزيد من الدهشة سألت السيدة: وبابا مبسوط لأنك مع الجدة؟؟؟
فاستغربت الطفلة قائلة:أنا ما عندي بابا فقط أنا وجدتي....لكنها منذ يومين وهي نائمة..لا تكلمني و لا توقظني ولا تجيبني
إنها نائمة...يجب أن أذهب لها فقد تأخرت و قد تنتظرني...يجب أن أذهب
أمسكت السيدة بيد الفتاة واقترحت أن تذهبا معا للاطمئنان على الجدة

أزقة وعرة...قمامة متناثرة...حيوانات شاردة...تلك كانت الطريق لمأوى تلك الصغيرة
وصلتا إلى علبةٍ كبيرةٍ من الصفيح البالي...قد تبدو تائهةً من زمانٍ مختلف
ابتهجت الفتاة قائلة: هذا منزلي ...تفضلي...سأنادي جدتي
دخلت مسرعةً ضاحكة...خرجت حزينةً دامعة:
ما زالت لا تكلمني...
شدت السيدة ركبتيها المتعبتين وحاولت الدخول...
نظرت حولها فلم تجد إلا علبًا متشابهة...لكنها بعيدة
الرائحة مزعجة...كما هو حال كل شيء هنا
لكنها في الداخل أشد...
بنظرةٍ أوليةٍ على الجدة أدركت السيدة أنها ما عادت من عداد الأحياء ..فحضنت الطفلة بحزن محاولةً استيعاب ألمها
من البعيد كان صوته ينادي...هند من معك؟؟؟ارتعشت هند خوفًا و احتمت بالسيدة...ذاك غلامٌ من الجوار يحمل عصا
هدأت السيدة من روع هند و جلست بعيدًا مع الفتى لحواٍر من نوعٍ آخر........
بدا مستوحشًا في البداية لكنها ملكت مفاتيح ترويضه ....
هند فتاةٌ لا والد لها...سكنت جدتها ووالدتها قبل مولدها بأيام..وبعد ولادتها وضعت أمها حدا لحياتها منتحرة...وبقيت هند مع جدتها
أنا أحافظ عليها من شباب المنطقة...هي صغيرةٌ...أين الجدة؟؟؟؟
بلا وعي...سحبت السيدة هند من يدها ومضت خائفةً من الطريق...عائدةً لمنزلها ...و دوامات من الأفكار تجوب رأسها
هند ضائعةٌ....في ذاك القصر الكبير...عيناها لا تستقران بمكان...لكنها أصبحت هند جديدةً...نظيفةً...مرتبةًً... وأصبح لها جدةً جديدةً وحضنًا ما كانت تجرؤ حتى على الحلم به...صارت السيدة هي الأمان
وتمر الأيام....
وتكبر هند
لكنها تكبر بلا نسب...
اعتنت بها السيدة وعلمتها القراءة و الكتابة و الأدب و اللباقة ...وكماليات كثيرة...لكنها ما حصلت على شهادة رسمية ولا حصلت على نسب...
شبت الصبية ملفتة جميلة...وبدت تغزو قلوب شباب الحي والأحياء المجاورة ..بطلتها وجمالها و أدبها و تواضعها
وبدأت سيدات الحي بممارسة هوايتهن بالسؤال عن تلك الجميلة...هند
كلهن تكن سعيدات إلى أن تصلن إلى منزل هند و تعرفن أنها دخيلةٌ هنا و لا نسب لها
تمر السنوات ...بنات تلك السيدة تأتين من الخارج...تعتني هند بالصغار ...وتخدم الكبار...الجميع يحبها...خاصة الأطفال
كانت تحتضن الرضع منهم وتتمنى أن تكون أمًا يومًا
وتمر الأيام
تموت السيدة...تجتمع الأسرة...توزع التركة......يباع القصر...وفي الوصية منزل صغير لهند
تعترض العائلة...تتفرق..وتبقى هند وحيدة من جديد
وتمر الأيام..
وما زالت هند تتمنى أن تكون أمًًا يومًا
وما زالت مرفوضة كأم...
وتمر الأيام...آكلة عمر هند......وهي ما تزال...تسدد أقساط خطيئة...ما ارتكبتها

شاعر البدر
10-28-2008, 05:43 PM
الْمَهاَ
ْْْ
بِداية اهلاًبِكْ
ــــــ
مِن اجْمَل مَايتَمَتًع بِه كُتًاب القِصًة والرواياتْ
سِعة اِطار افقْ الخَيالْ
هُنا
لغة سَهله ..مفردات اوصَلَت نتاج ماكتبتيه بِكل سهوله
رغم وجع ما حوته مِن الم
عوده..
هُناك الوجع الاخير ...والاكبر
هند..تسدد اقساط خطيئة لم تقترفها!!


المها ...رائعه

درر الشام
10-28-2008, 10:21 PM
أكاد أطير فرحا...
الف شكر لك أخي الشاعر

تحية ملؤها السعادة
المها

مَنَالْ أحْمَد
10-29-2008, 10:10 PM
:


جميلة سلسة وواقعية مؤلمة

المها..

شكراً واكثر











...!

درر الشام
10-30-2008, 05:28 PM
شكرا لطلتك منال
أبهجتني...

تحيتي
المها