المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : موعد مع شخصية هامة.....قصة بقلم بوفاتح سبقاق


بوفاتح سبقاق
11-13-2008, 11:09 PM
- لا تقلق يا هذا ، أنت على الأقل ودعت أهلك و ذويك .
- ما يحزنني هو عدم معرفة سبب وجودي هنا ...
- ومن منا يعرف سبب وجوده هنا أو هناك إلا الله يا بني .

فتح عيناه على هذا الحوار فإذا به يجد نفسه وسط غرفة صغيرة
بدون تهوية ، حوالي عشرين رجلا منهم الجالسون و النائمون و آخرون
خلف الباب يسترقون السمع .
تبدو على وجوههم علامات الحزن و التساؤلات العديدة و القاسم المشترك
الوحيد بينهم هو اللحية ، غير أنهم يختلفون في شكلها و حجمها ن فهناك من أطلقها بقوة في حين تعمد آخرون التقليل من كثافتها و تنظيمها .
- مرحبا يبدو أنك من مجموعة ليلة أمس ، هل أنت معني بالحملة الأخيرة ؟
- كنت سائرا في طريقي ، أوقفوني و أركبوني سيارتهم و قالوا لي لديك موعد مع شخصية هامة ...
- و هل تعتقد بأن هذه هي قاعة الإنتظار ؟ أي لقاء هذا الذي يرمي بك هنا أنت واحد من الجميع و جهز نفسك لما هو آت ، أنت تعيش الحلقة الأولى من مسلسل غير منتهي .
أراد أن يرد عليه و يبعد عنه هذا التشاؤم ، نظر حوله و لم يرى ما يبعث على التفاؤل أو الأمل ، هذا هو المكان الذي يطلقون عليه الحضيض .

و مازاد في دهشته هو طبيعة الوجوه التي لا توحي بأي خطر على المجتمع
يبدو أن أغلبهم من قطاع التعليم ، فاللغة العربية حاضرة بقوة في أحاديثهم
الأقلية المفرنسة تحبذ مقولة اللغة الوطنية لكي تفك أي إرتباط مع العرب و المشرق .

إستوعب الحقيقة المذهلة ، إنه في مـأزق كبير و من الواضح أنه ضمن مجموعة من المعتقلين السياسيين و عليه أن يكشف للسلطات هذا اللبس
و لكن أنى له ذلك ، و هل هؤلاء الأشخاص لا يحبون الوطن ؟ بالتأكيد كل واحد يعشق وطنه بطريقته الخاصة ، حتى من يقوم بإنقلاب يرفع شعار الوطنية و ينادي بالحفاظ على المصالح العليا لبلاد ، و من يسفك دماء
الأبرياء يعتبر الأمر ضريبة الحرية و جسر ضروري للمرور نحو الإستقرار
القاتل و المقتول كلاهما يرفع سلاحه بإسم المبادئ و المثل و التضحية و الحفاظ على مكاسب الأجداد و مستقبل العباد .

مرت الأيام رتيبة و مملة و لم يسأل عنه أحد ، نفس الأحاديث و الوجوه و الأكل ، المتغير الوحيد هو الزمن ، في البداية كانت تأتي بعد الأخبار عن الأوضاع المتقلبة في البلاد ، ثم نظرا لعدم وصول أي معلومات ، أضحت الإشاعات محورا للنقاش ، غير أنه تفطن لتلك اللقاءات المتكررة بين مجموعات معينة ، فدخل في إحداها ، فعرف حقيقة الأزمة و فهم خلفيات الإنسداد السياسي و خبايا اللعبة الديمقراطية ، لأول مرة يجد نفسه وسط مناضلين من الطراز الرفيع ، حاول تبادل الآراء و التأثير عليهم ة لكنه
وجد نفسه ينساق إليهم نظرا لكثرة الحجج و البراهين لديهم على فساد الأنظمة و ضرورة الرجوع الى الأصل و أن لا صلاح لهذه الأمة إلا بما صلح به أولها .
بعد شهور عديدة أدرك بأنه يقيم بمدرسة و ليس سجنا ، فهناك مواعيد
للنقاش و التشاور و أخرى للعمل ، هكذا إجتمع رجال مع بعضهم كان من الصعوبة بمكان جمعهم في الخارج ، وجد قناعاته تتغير شيئا فشيئا ، ليس ثمة حكم بل نادي خاص يدير شؤون الناس ، و ليس هناك قانون بل كل ما في الأمر ديمقراطية شكلية إرضاءا للغرب .
الأمر الوحيد الذي لم يكن معروفا ، ساعة الإفراج و كيف سيكون هناك إطلاق سراح بدون محاكمة ؟ لم يظهر أي شيء يوحي بعودته الى عائلته و بدا و كأن إقامته ستطول الى وقت غير معلوم ، أصبح متيقن بأن الذين قرروا إدخاله الى هذا الجحيم ، منشغلين بأمور أخرى .

ذات صباح لاحظ أن ساحة السجن يسودها نوع من السكون على غير العادة و الوجوه تبدو متحفزة لشيء ما ، حتى تحركات الحراس يسودها
شيء من الحذر و الغرابة ، كل شيء يدل على إمكانية حدوث أمر طارئ
و فيما هو مستلقي على فراشه ذالك المساء ، سمع صراخا و ضجيج و طلقات نارية ، أسرع بالخروج فأبواب الزنزانات مفتوحة على مصراعيها
إنه تمرد داخلي كبير و الصراع بالأيدي و المعدات متواصل و الرصاص
يتهاطل من كل الجهات و الأجساد تتهاوى و تسقط في دماءها ، في حين أخذ بعض الجرحى يحاولون النهوض عبثا ، و يصرخون من الألم ، أخذت مجموعة أخرى تهلل و تكبر ، اللون الأحمر يملأ المكان و المشهد لا يقارن سوى بأفلام الرعب الدموية ، شاهد أحد الحراس يفتح الباب الكبير ، أسرع العشرات من المساجين بالهروب في حين فضلت القلة البقاء في زنزاناتهم
وقف يتأمل المجزرة مندهشا ، قدماه في حالة تجمد تام و تفكيره مشلول
وجد صعوبة في إختيار وجهته و فجأة داهمه تيار الوعي فلاحظ أن أغلبية الأحياء توجهوا نحو البوابة الكبيرة ، هرع نحوهم و هو مدركا بأن يد الله مع الجماعة .
خلف الأسوار كانت الفوضى عارمة ، سيارات و آليات عسكرية و قوات مكافحة الشغب ، كل الأسلاك الأمنية موجودة و الناس الذين في الخارج لم يفهموا شيئا ، المهم أن كل شخص يسعى الى الفرار بجلده ، المساجين يجرون نحو كل الإتجاهات و الرصاص يعزف كل أنواع الألحان .
وجد نفسه مع مجموعة يعرفها ، من حسن حظهم كانت الغابة قريبة ، ساروا عبر الوهاد و الجبال ، لا ينظرون خلفهم و لا يتوقفون و من حين لآخر كانوا يسمعون أزيز المروحيات ، فكانوا يختبئون ثم يواصلون المسير ، المنحدارت الجبلية تتطلب الحذر الدائم في حين تبدو الوديان الجافة أقل خطورة .
بعد يوم من المسير وصلوا الى منطقة آمنة و معزولة و دخلوا وسط كهف شاسع ، أخذ كل واحد جانبا منه و بقي أحدهم في الخارج يحرس .
- لقد نجح الهروب الكبير و نجحت الخطة ، ستتكلم وسائل الإعلام المحلية و الدولية عن هذا الإنجاز البطولي المميز .
- و لكن الى أين نتجه ؟ و متى ستتوقف ملاحقتنا ؟
- لا تقلق يا أخي ، أنا إبن المنطقة و أعرف كل خباياها، سنصل الى مبتغانا قبل حلول الفجر .

إستمع الى كلامهم و إقتنع بما لا يدع مجال للشك بأن الأمر مجرد نهاية حلقة و أن المسلسل ما يزال مستمرا .

سَحَر
11-14-2008, 01:16 AM
أخطر شيء في كتابة القصة القصيرة هو امساك
القاص بخيوط [ التدافع ] في الحدث , وهذا مايشكل معضلة كبيرة عند أكثرهم .. لكني هنا
وجدتُ قاص [ محترف ] ماسكا لزمام الأحداث


شكرا لأني قرأت

نوف عبدالعزيز
11-14-2008, 02:00 AM
أحسست بالإندريالين يندفع في جسدي و هم يهربون مارست الركض معهم إلى النهاية

شعرت بحبكة القصة و كأنها تركض متسارعة و عيناي تتلهف لقراءة السطور حتى آخر حرف

أسلوبك جميل يمضي بنا إلى طريق النهاية الغير متوقعة على الإطلاق تعجبني القصص

من هذا النوع فأنا أحب أن يفاجئني الكاتب بعكس ما تخيلت ..

أستمتعت كثيراً بالقراءة شكري للمتعة التي منحتنا اياها :)

و أهلاً و سهلاً بك في أبعاد تشرفنا بقدومك

كل الإحترام و التقدير لك

بوفاتح سبقاق
11-14-2008, 12:48 PM
تحياتي سحر و نوف
يهمني كثيرا أن تكون القصة منبرا
للتعبير عن قضايا الإنسان
سلامي و تقديري