المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : جزء..من رواية " ابو جحظة البرمكي"


محمد الزهـراني
03-07-2009, 10:53 AM
كتابة : محمد الزهراني :
رواية تحت الطبع :
----------------

1-
أبو جحظة البرمكي :
ليس له علاقة وطيدة بالبرامكة ولا بذلك الشاعر الذي ظلمه التاريخ ، وإن كان يحفظ من شعره الكثير ، كانت علاقة البرمكي بالكتب الدينية علاقة مراحل ، فحين كان صغيراً وبريئاً كوردة ، أحسن والده تعليمه أصول الدين المعتدل ، وأحسنت سلمى والدته ، تربيته على الخير والفطرة الحميدة ، ولما كبر وتداخلت مسارب التفكير طرأت عليه عدة مراحل وتحولات فمن" صايع ضايع" إلى متدين متشدد ، إلى علماني تنقصه الحجة ، وأخيراً إلى ليبرالي فاشل ، كما يقول أصدقاءه جمعته الظروف بمجموعة دائماً ما كان يسميها بالمجموعة الطيبة ، ولعله كان يدرك تصنيفها جيداً : أبو المهاجر ، سليم سلامة ، متشدد ، ومغلق كرجال العصور الوسطى دراسته الجامعية في الأزهر . ويعرف من المجموعة أيضاً : أبو محجن اليمني الذي اتفقت الجماعة على وصفه بالصوفي اللين ، ومسيلمة الليبي وبابكر السوداني ، وغيرهم من الأسماء الحركية .

يقول البرمكي في مذاكراته فيما بعد :
سافرت إلى باكستان ذات حماس ، ووجدت من يسهل لي فرصة جهاد الشيوعيين في أفغانستان كنت قبل المجيء في حالة يأس شديد ، وضياع فكري ، لا شك أنا أحب الاستشهاد في سبيل الله كل مسلم يريد الجنة لاشك تراثنا الإسلامي مليء بالبطولات والأسماء التي غيرت مجرى التاريخ ، لم أكن أجد صعوبة في التنقل أو الضيافة أو التدريب كل شيء جاهز ومخطط له مسبقاً ، هناك إخوة لنا يقومون بتدريبنا من فلسطين وسوريا سبق لهم المشاركة في حروب العرب الفاشلة مع إسرائيل كنا عند بدء القتال 1000 عربي تقريباً معظمهم من مصر والسعودية والكويت واليمن . وأغلب من جاء من الخليج لم يكن يعرف استخدام السلاح لكن مع الوقت أصبح الجميع محترفين حرب عصابات وأنتهى الجهاد في ظني بهزيمة الروس الكفرة وعدت إلى (المدينة المنورة) معززاً مكرماً ينظر إليّ الكل بعين الاحترام .
في تلك الفترة عاد الكثير من المتطوعين إلى بلدهم خصوصاً لما تحول الصراع إلى تصفية حسابات شخصية بين زعماء الأفغان . لكني لما عدت فيما بعد وجدت الأمور مختلفة كثيراً جماعات متعددة أفكار متباينة . زعامات فكرية مؤثرة . وما كنت أدرك أننا سنحترق بين هؤلاء .

2-
لما عدت إلى "كابل" وجدت "سليم سلامة" صديقي السابق ، صديق القتال والتشدد والعنف والتطرف . لم يتغير شكله كثيراً ، صعيدي بامتياز كما عهدته .

سألته : = أبو المهاجر : لماذا لم تعد بعد انتهاء الجهاد ؟
- من قال لك أن الجهاد أنتهى ؟ الجهاد يا صديقي المترف إلى يوم القيامة .
- طيب "ok" لماذا لم تعد إلى مصر ؟ تشوف أهلك وأخوانك وصحبتك ؟
- يا سيدي نحن هربنا من المعتقلات ومن التعذيب الناصري ولم نجد مكاناً يقبل بنا دون تأشيرات وأوراق رسمية الا هنا في أفغانستان ، كان صعباً علينا ، أن نعود ونعتقل مرة أخرى ، وكان صعب علينا أن نجد وظائف تقبل بنا لو عدنا .
ثم أننا مجاهدين يا أخي لكل شيء : جهادنا مستمر ضد المجتمعات العربية التي نرى أنها كافرة وضد الامم المتحدة لأنها كافرة وكل الأنظمة كافرة ، يا أخي باختصار الناس تعيش في جاهلية ولا يوجد النور الا في عصر النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء فقط . ما بعد ذلك تقليد وكذب وتشويه لاصول الاسلام ".
المهم يا بن البرمكي" أيها العائد من أرض النبوة والنور دعنا من أسئلة العودة والغياب، علينا أن نتواصل أكثر مع أخواننا المجاهدين في مصر والمغرب والسعودية واليمن والجزائر وتونس وليبيا .
= قاطعته قائلاً:
" يبدو أنك تعودت على حياة الكهوف والجبال . إنها تلك الهجرة التي تدعم التكفير"
• ابتسم بخبث لم يستطيع أخفائه . قائلاً بلهجته الخاصة "
"عقبال ما تحب الكهوف زيي يا باشا" . ومتنساش التكفير أهم حاجة التكفير ."


3-
حاولت في أول أسبوع وأول شهر أن أتعود على المشي والتنقل ومحاولة اخفاء "كرشي البارزة" من أثر الكبسة والراحة قبل المجئ إلى أفغانستان ، نجحت في ذلك وكانت لي ذكرى سيئة مع الأفيون في أفغانستان ، ورغبة جديدة . لكني حيدت أبليس جانباً وأدمنت القهوة العربية والتي كانت تأتينا (توصية) مع كل قادم جديد .

كنت قد التقيت بمسيلمة الليبي من أجل أن يدبر لي جواز سفر جديد، لخبرته في التزوير إذا كان مسيلمة في الأصل معارض ليبي أقام فترة في لندن وارتبط بالمخابرات الإيرانية حتى استطاع أن يدبر له ثمناً ليشتري به مرقصاً في أحد الفنادق البريطانية .. ورغم شخصيته المعقدة الغامضة الكريهة الا أن خبرته في التزوير كانت مهمة ، فقد اعتمد عليه أبو المهاجر كثيراً في تسهيل دخول وعودة الكثير من الشباب إلى مصر والسودان واليمن والجزائر وليبيا .
دخلت اليمن هذه المرة بزي باكستاني وأستقر بي الحال . كما في كل مرة في أحد الكهوف الجبلية تحت حماية القبائل المسلحة والخارجة عن القانون ، ومن ثم شاركت المجاهدين معركة القضاء على بقايا الحزب الأشتراكي في الجنوب ، ولم تعد مشقة الطرق الجبلية تشكل بالنسبة لي أي صعوبة ، أصبحت حياة المغارات متعة بالنسبة لي وقدر صنعته بإرادتي ، في اليمن تشعر بصلابة الرجال وتزداد شجاعة ، ولم أجد أية خلافات فكرية أو مذهبية رغم أن الزيدية في اليمن تشكل حسب علمي 30% من البلاد وشيعة اليمن لا قوة لهم يمكن أن تعيق أفكارنا نحو الشيوعية ، في اليمن كان "القات" بديلاً عن أفيون الأفغان ، رغم أن البن اليمني لا يضاهيه شيء في تعديل المزاج ، وفي أحدى جلسات القات تعرفت على (أبي محجن) عبدالملك بن رحمة ، رجل في العقد الرابع من عمره ، متوسط القامة ، نحيل ، تميزه السماره ، تظهر على ملامحه آثار الفقر والتعب وفي عينيه كل معاني الحزن والهم وسيل جارف من دموع الإحباط والاضطهاد ، أصغيت له في تلك الليلة ليتحدث كمن طال به الصمت دهراً ، قال أبو محجن :

"خذ عني شيء من الحكمة والايمان ، لم تنفع أبي وجدي شعارات القومية لذلك حافظت على فطرة التدين وبساطة الحياة الدينية ، حفظت من القرآن الكريم ما تيسر وقرأت امهات الكتب في التفسير والفقه في كل المذاهب ، لم يكن لي شيخ أتلقى عنه ..المسألة تحتاج إلى صبر على العلم الشرعي وأنا كنت أضيق كثيراً بكل تنميط للدين .. اتخذت "التصوف" على طريقتي .. مع حب للفن ، والعلاقة بين الفن والتصوف من المباحث الاشكالية .. فأنا أؤمن بأن الصوفي متصل بالحق، ولا يعني أنه منقطع عن الخلق .. التصوف ذكر ليس شرطاً أن يرافقه اجتماع ، لكنه وجد لابد أن يرافقه الاستماع .
يغمرني شعور عارم بقوى تغمرني بفيض من النور ، وأحياناً أشعر بوجود رؤى خارقة واشراقات استدعيها دائماً بالسماع الموسيقي ، أو الرقص أو تحريك البدن بطريقة منتظمة وبإيقاعات متفاوتة الشدة ، هناك علاقة ارتباطية بين الفن والتصوف ، لإن الفن يشمل على الوسائل التي يستخدمها الإنسان لإثارة المشاعر والعواطف خاصةً عاطفة الجمال كالتصوير والموسيقى والشعر .
أنني أشعر بأن البعد الوجداني للفن يعتبر أحد أهم ملامح التشابه البنيوي مع التصوف .. وعلى يد "هنري برجسون" وصل مفهوم الفن إلى قمة الصوفية فالفن في فلسفته "عين ميتافيزيقية" بمعنى أن الفن "حدس وإدراك مباشر قادر على النفاذ إلى باطن الحياة " المتصوف ذات عازمة متحررة من عبودية الاهواء وسلطة الجسد ، وجسدي كما ترى جسد يماني متعب معلق بين السماء والثرى ".
- هذا بعض ما عندي أيها القادم من بلاد الأفغان إلى أرض الحكمة والإيمان .
أنهى أبا محجن تنظيره الصوفي بضحكة صاخبة ... وبدأ يغني بمرافقة العود ، حيث كان عازفا جيد لبعض أغاني أبو بكر سالم ، ورحنا نردد :
باشل حبك معي القيه زادي ومرافقي في السفر .
وبا تلذذ بذكرك في بلادي في مقيلي والسمر .


4-


وبعد عودتي إلى باكستان في خريف 1996م ، وكان معي صوفي اليمن الفنان ..
كثيراً ما كنت أتساءل :
"لماذا نحن هنا ؟ ولماذا نقاتل .. ،
ولمن نزهق الأرواح ..
ومتى تنتهي فصول الدم المسفوح .. ،
كنت أراجع نفسي دائماً وأنا مقتنع تماماً بأن "من قتل نفس بغير حق فكأنما قتل الناس جميعاً ، وفي المقابل ومن أحياها فكأنما أحيا جميع الناس .

كثراً ما كنت أتساءل بكاءً :
" لمن تركت أهلي .. وأحبابي .. وذكرياتي الجملية وأصدقاء الطفولة .. وكنت أقول : هل يستحق أهلي تلك الغصة التي تركتها لهم ، وهل يستحقون تلك الحرقة التي زرعتها في قلوبهم خصوصاً ، والدتي الحبيبة ، التي وصلت الأخبار عنها في رسالة قصيرة "جحظة .. أمك في العناية المركزة اصيبت بانهيار عصبي وربما جلطة في الدماغ" .
كثيراً ما كنت أقف عند المعنى الدلالي للتكفير لعلي أجد بعض التفسيرات وفي ظل انعدام الكتب المتنوعة لا أجد إلا مرجعنا المتعنت أبو المهاجر ، أناقشه ونتجادل وحين يرى مني نفوراً أو تراجعاً يردد لي دائماً "من مات وليس في عنقه بيعة ، مات ميتة جاهلية" فهل تريد أن تموت يا برمكي هكذا ؟ .



وذات نقاش حاد بيننا كدت أن أقطع انفاسه واستريح من جبروته ، انتبه للأمر وقال ممازحاً :

- الزارع كافر . لأنه يغطي الحب بتراب الأرض ، وكذلك السحاب المظلم حينما يغطي الشمس ويحجبها ، و الليل الليل يا صديقي المتردد ، كافر لأنه يستر بظلمته كل شيء ، قلت له :
- لعلمك يا صديقي المتعنت : قد يأتي الكفر بمعنى البراءة !
- قال لي . وهم بإنهاء الحديث : أصل الكفر عند العرب تغطية الشيء .
- فهل تستر في نفسك شيء أيها البرمكي .
- أجبته : لو اخذنا برؤيتك العنيفة لحكمنا بالإعدام على (من يزرع وعلى السحاب الذي يسقي الزرع ، وأيضاً على الليل الذي نأوى إليه لنسكن ونرتاح .
- يا أبا مجاهد إنك تستر في نفسك أكثر مما تظهر ، وأنفض النقاش معلناً عداوة خفيفة بيني وبين تنظير ومنظر أهوج .
==============


يتبع :

عائشه المعمري
03-08-2009, 11:28 AM
بالرغم من أن إطلاعي ، على هذا النوع من الروايات قليل جِداً ،
إلا أنني وجدت في روايتك ، ما يُرغم على المُتابعه

مُنذ أمس ،
وأنا أنتظر إكتمال الـ يُتبع ..
هَلا أكملت يا مَحمد

محمد الزهـراني
03-08-2009, 09:03 PM
عائشة :

فقط .. تستكمل الطباعة ..
شكرا على رغبة المتابعة

حمد الرحيمي
03-08-2009, 09:13 PM
محمد الزهراني ...



جزءٌ يستحق المتابعة لسلاسته و عمق ما يحمله من رؤى ...








مودتي ..

محمد الزهـراني
03-09-2009, 01:03 PM
حمد الرحيمي

ممتن لتعقيبك
مودتي