المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مفهوم الخيال عند الشعراء واشكاليته في نظرية المحاكاة


مشعل الذايدي
03-22-2009, 12:42 PM
((مفهوم الخيال عند الشعراء واشكاليته في نظرية المحاكاة))
------------------------------------------

1_ لم يظهر بشكل مستقر وثابت مفهوم الخيال من خلال الرؤى الحديثه والمثمره _ وهو انه انفعالية توليد الصوره والتي وظيفتها تصوير الحقائق الفسيه والادبيه بكافة اطيافها _ الا من فلاسفة الرومانتيكية والفيلسوف (( كانت )) ، ونجد ان النقد القديم كان بعيدا عن هذا الفهم والمنهجية الحديثه التي نتداولها هذه الايام . حتى ان ارسطو ذلك الفيلسوف المفكر والداهية قلل من شأن الخيال وافترض وصاية العقل والمنطق عليه حتى اني من خلال قراءاتي لافكاره والمدونه في كتبه الفلسفيه اجد انه لديه _ أي ارسطو _ اشكالية وخلط بين مفهوم الخيال والوهم وشتان مابين الاثنين . الا ان مايحز في النفس ان هذه الاشكاليه انتقلت الى فلاسفة المسلمين اولا مما ادى الى ظهورها ومن ثم تأثيرها في النقدالادبي العربي القديم .ليطالعنا ابن سينا من خلال احدى منهجيات والتي يفترض بها ان الكلام المخيل (هو الذي ينفعل به المرء انفعالاً نفسانيا غير فكري ، وان كان متيقن الكذب ) وقد كان ابن سينا يحذر من عملية الخيال بكافة فنونها واطلق عليه مجازا التخيل أي اصطناع الفكره دون ان تهطل بذاتها على الاديب وهذا ما كان يحذر منه الفيلسوف اليوناني ارسطو في اغلب دراساته ناهيك عن الكلاسيكيون والاوروبيون
ولننظر هنا ما خطه ابن سينا في ( رسالة حي بن يقظان ) حيث يقول ( وفي حركة تطلب المعارف العليا يستعين الانسان بالعقل الفعال الذي يهديه عن طريق المنطق والفلسفه ، ويفضل مصر المعارف والذي هو مصدر النفس الملكية.وهذا العقل الفعال قدسي) نجد هنا ان ابن سينا لديه مفهومه الخاص به وهو التحذير من رفقة العقل الفعال والذي يقصد به القوى الحسية الاخرى ، ويصف ابن سينا منهب التخيل قائلاً: ( واما الذي امامك فباهت مهذار ، يلفق الباطل تلفيقاً ، ويختلق الزور أختلاقاً ، ويأتيك بأخبار مالم تزود، قد درن حقها بالباطل ، وضرب صدقها بالكذب . وانك لمبتلى بانتقاد حتى ذلك من باطله والتقاط صدقه من زوره .. )
ونجد الانعكاسيه على اثر هذا المفهوم الادراكي للخيال في النقد العربي عند عبد الظاهر فيما سماه أي الخيال بالتخييل او الايهام بالكذب ... لذا اجدني هنا انا كاتب هذه الدراسه عاجزاً عن ربط الخيال بالصوره في النقد العربي القديم واجعله حقيقة ضرب من ضروب العبث لاستقلال كل منهما بمفهوم خاص به ومميز عن الاخر ولم يكن بينهما رابطا الا منذ عهد قريب _ في مفهومنا الحديث _ اما فروع البلاغه والتي قد تكون لها علاقه واضحه بالصوره ومتصله بها اجدها قاصره الى الان في تحديد الربط الحسي والادراكي بين الصوره والخيال فلم اجدها عند بعض النقاد مرتبطه بشكل جلي وواضح وانما كان الاساس للاغلبية هو القدر والذي فهموه من خلال نظرية المحاكاة برؤية افلاطونيه وارسطويه ان جاز لي تسميتهما بذلك .

2_ وقد ربط النقاد العرب المحاكاة بالمجاز والذي اعني به التشبيه والاستعاره والكناية ويستحضرني هنا قول بن رشد (( والمحاكاة في الاقاويل الشعرية تكون من قبل ثلاثة اشياء : من قبل النغم المتفقه ، ومن قبل الوزن ، ومن قبل التشبيه نفسه . وهذه قد يوجد كل واحدا منها مفردا عن صاحبه ، مثل وجود النغم في المزامير ، والوزن في الرقص ، والمحاكاة في اللفظ ... وقد تجتمع هذه الثلاثه بأسرها ، مثلما يوجد عندنا في النوع الذي يسمى بالموشحات والازجال . وهي الاشعار التي استنبطها في هذا اللسان العربي اهل الجزيره ( الاندلس ) وهذا ماوجدته انا في استعراضي وقراءتي لملخص كتاب ( ارسطو طاليس في الشعر ) ومما اثار في نفسي الكثير من الاشكاليات واحداها اننا اذا سلمنا بقول بن رشد هنا في ان المحاكاة قد توافرت في الموشحات والازجال ، فاننا بذلك نكون قد نسفنا او بتعبير اكثر وضوحا قوضنا النظرية اليونانية من اساسها .
ووجدت ايضا ان الفلاسفة العرب كانو يميلون بشكل كبير الى الفيلسوف اليوناني افلاطون عندما يتعرضون لمفهوم المحاكاة واشكالية مصدر الشعر وهل هو الهام ام فن والذي اعتبره افلاطون انه الهام الهي من ربة الشعر ويستحضرني هنا قول ابي سليمان المنطقي فيما يحكيه ابو حيان التوحيدي : (( وقد علمنا ان الصناعة الفنية تحكي الطبيعه ، وتروم اللحاق بها والقرب منها ، على سقوطها دونها .. وهذا راي صحيح وقول مشروح . وانما حكتها ، وتبعت رسمها ، وقصت اثرها ، لانحطاط رتبتها عنها )) .
ويتضح هنا تفسير للعلاقه بين نوعين من الصناعه وهما الصناعه الفنيه والصناعه الطبيعيه على اعتبار ان الطبيعه تعتبر النموذج الامثل والمحتذى به وعلى الفن ان يحاكيه ولكن القصور عن محاكاته كما يقول افلاطون هو العجز عن الوقوف عند الظواهر الطبيعية _ على ان هذا القول لم يرتبط بقائله بمباديء ذات قيمه في صلته بالشعر او حتى بالفن مما يدل على ان النص السابق ماثور عن الاوليين .
ويرى بعض نقاد الادب من العرب ان الانسان قادر على المحاكاة متاثرا بالاقدميين من قبله وهذا ما يقوله الجاحظ في (( البيان والتبيين )) : ( ولذالك زعمت الاوائل ان الانسان انما قيل له : العالم الصغير سليل العالم الكبير ، لانه يصور بيديه كل صوره ، ويحكي بفمه كل حكايه .. وانما تهيأ وامكن الحاكية لجميع مخارج الامم ، لما اعطى الله الانسان من الاستطاعه والتمكين ، وحين فضله على جميع الحيوان بالمنطق والعقل والاستقامه ) ونجد هنا ان الجاحظ يدور حول احدى مبادئ ارسطو حينما قال ان الانسان اقدر الحيوانات على المحاكاة الا ان ارسطو ربط ذلك بالشعر ونشأته ونموه على ان الجاحظ استطرد في قوله مبدأ معين وهو ان الانسان يملك من القدره مما يؤهله ان يحاكي مختلف الناس والحيوان .
وقد استطيع هنا ان ابين ان الشعر الغنائي وسطوته على الادب العربي كان له اثرا سلبيا على النقاد العرب انذاك من محاولة استفادتهم من نظرية المحاكاة كما جرت على فم افلاطون وارسطو الا اننا نريد هنا ان نوضح امرا مهما للغايه وهو ان نظرية المحاكاة وان كانت لم تؤثر تاثيرا بالغا في ثقافة الادباء والنقاد العرب الا اننا ومن باب العداله يجب ان نوضح هنا امرا جليا حتى لانظلم النقاد العرب من باب عدم استفادتهم من تلك النظريه وهو ان احدى البوابات المنبثقه من نظرية المحاكاة والتي اطلق عليها ارسطو فكريا صلة الشعر بالفنون الاخرى كان لها تاثيرا واضحا وهاما في ادوات الناقد العربي حيث يقول ارسطو ان الشعر والفنون الاخرى انما هي جميعا تصور لجوهر الاشياء لا مظاهرها راداً بذلك على استاذه افلاطون ومن هذا المنطلق نجد ان متى بن يونس ذكر ان الناس (يحاكون) بالوان واشكال كثيره ومنهم من يشبهون بالاصوات ، وكذلك بالحركات ( واضح ان ذلك في الرسم والموسيقى والرقص على ماقال ارسطو ) ، كما يشبهون في الكلام الموزون بالشعر ، هذا ما استدليت عليه من خلال قراءتي لترجمة متى بن يونس للدكتور عبدالرحمن بدوي واجدني هنا ملزما بايراد كلام بن رشد حيث يقول (( وكذلك الحال في الصنائع المحاكيه لصناعة الشعر التي هي الضرب بالعيدان ، والزمر والرقص _ اعني انها معده بالطبع لهذين الغرضين )) ثم يسترسل بعد ذلك ليقول ان (( الناس بالطبع يخيلون ويحاكون بعضهم بعضاً بالالوان والاشكال ( في الفنون التصويرية ) والاصوات ( في الموسيقى ) )) الا اننا نجد ان النقاد العرب لم يستقر او يرسخ في اذهانهم سوى ارتباط الشعر بالفنون التصويريه ولم يحاولو ان يربطو الشعر ذاته بالفنون الاخرى مثل الرقص والموسيقى لانها اساسا هي بعيده عن اذهانهم وكانوا يضعونها تحت مظلة الفنون الجميله وربما هذا عائد الى التاثيرات البيئية والتي جعلت من الفنون كالرقص والموسيقى ليست من ضمن الفنون التصويريه وانما جعلوا الفنون النفعية كالنحت والنجاره والنقش هي اركان تلك الفنون . ويستحضرني هنا ثلاثة من كبار نقاد العرب اجد علي لازاماً ان استعرض اراءهم في علاقة الشعر بالفنون الاخرى وبالسيكيولوجية الذاتيه لدى الشعراء واستهل هنا بالناقد الاجتماعي المفكر الاديب الجاحط حيث يقول مرجحاً الصيانه على المعاني محتجا بان الشعر (( صياغه ، وضرب من النسخ ، وجنس من التصوير )) ويؤيده بذلك قدامه بن جعفر حين يقول في قضية الصدق واهميته في الشعر بحيث لايؤدي الى تناقض بين الشاعر وما هو عليه من حاله فقدامه بن جعفر لايلقي للنبل الموجود بالنص أي اهميه بقدر ما يولي الاهميه لصدق المضمون وجودة الصنعه لانه انما يحكم عليه بصورته التي هطل بها مستشهدا بالنجار والذي لايعاب صنعه برداءة الخشب بذاته انما بصناعته فيه ، لان الشعر شانه شان الصياغه والتصوير والنقش ويستشهد قدامه بما روي عن الاصمعي انه سئل : من أشعر الناس ؟ فاجاب : (( من ياتي الى المعنى الخسيس فيجعله بلفظه كبيراً ، او الى الكبر ، فيجعله بلفظه خسيسا )) ويعرج الى قول اليونان بان (( ااحسن الشعر اكذبه )) بل قد يسنده الى ارسطو نفسه وهو قد يكون غير واقعي ولايستند الى ادله وليس له اساسا من الصحه
وقد يكون مصدره غير محدد من احد السوفسطائيين والذين اطلع على ارائهم .
وباعتقادي هنا ان عبدالقادر الجرجاني هو اكبر المستفيدين من ربط الشعر بالفنون الاخرى ويتبين ذلك من خلال نظريته في (( النظم )) حينما اورد واقر ان الطريق للمعنى هو الطريق الذي يقع فيه التصوير والصياغه لايمانه ان الصياغه متوحده مع المعنى بكل اشكاله لان التغيير في جملتان مترادفتان في الدلاله قد يكونا لهما معنى اخر اذا تغيرت التراكيب اللغويه في ذات الجملتين مما ينتج عنه اختلاف ضمني بالصوره المراد ايصالها للمتلقي وقد تطرق من ذك الى وجوه حسن الصوره في اتساق الكلام . وعنده ان الجمل التي لاتؤلف الصوره الواحده حتى لو اتفقت بالمعنى الظاهري ليس بينها أي وحده بالتصوير وايضا يرى ان هناك جملا لها سياق لغوي واحد واتساق صوري واحد وهذه هي التي تجتمع في حقيقة الوصول للهدف النهائي ولم اجد ان هناك احد من النقاد العرب استطاع ان يصل الى ما وصل اليه الجرجاني في فهم الصوره وصلتها بالتعبير ، متعمداً في كل ذلك اساسا على فكرته في عقد الصله بين الشعر والفنون النفعية وطرق النقش والتصوير وكما ارى ان التجديد الخصب في بعض محاور النظرية السابقه والمتاثره على نحو كبير بالبيئه والتراث العالمي القديم بدا الى جانب ذلك الاتجاه التقليدي المحافظ في حديث نقاد العرب في عمود الشعر والذي يعني به نقاد العرب وجوه الشعر والتي استنتجت من النصوص الشعريه في العصر الجاهلي ومن ثم عصر صدر الاسلام والعصر الاموي .
3_ عمود الشعر
ونجد هنا ان منهجية النقاد العرب اختلفت بشكل كبير عن نظرة ارسطو لان ارسطو كان يضع معايير تراثيه تختص بالتراث اليوناني القديم وابقى على ادوات ومعاني واعتبرها انها هي الانموذج الذي يجب عدم تخطيه عند الحاله الكتابيه لذلك عاب ارسطو كبار شعراء اليونان من خلال هذه الالية التي عمل عليها وكذلك رفع الشعراء الادنيين مكانة مستخدما نفس منطقه السابق وفي الجهة المقابله نجد ان النقاد العرب كانو في عمود الشعر اسارى التقاليد لما ورثوا من تراث شعري حيث وضعوا اللفظ ليكون هو المسؤول من حيث الجرس والمعنى في موضعه في البيت ومنه مايتعلق بمفهوم المعنى الجزئي في تاليف القصيده ، ثم منه مايختص في تصوير المعاني الجزئية وصلتها ببعضها البعض في بناء القصيده وكانوا النقاد العرب يشددون على طلب الجزاله والاستقامه والمشاكله للمعنى وشدة اقتضائه للقافيه من ناحية اللفظ ومما كان يتبادر الى ذهنهم عند الوقوف على اللفظ هو الاهتمام بالمعنى الجزئي والذي يعتبرونه بمقام شرف المعنى والذي يوصل الى الصحه في تركيبته أي اللفظ والاصابه من خلاله الى اقصى درجات الجمال الوصفي واما ما يختص في تصوير المعاني الجزئية في بنية القصيده فانهم يعتبرونه يقع في زاوية المقاربه بالتشبيه ، ومناسبة المستعار منه للمستعار له ومن ثم التحام النظم والتئامها وقد اكون صائباً هنا اذ اردت ان استعرض مع الشرح والتعليق بعض النقاط والسمات الهامه والتي تعنى باللفظ كونه من اعمد الشعر واهمها على الاطلاق ولنبدأ بهذه السمه وهي
- جزالة اللفظ :
وتتوافر هذه الجزاله عندما يخلو اللفظ من امور تعيبه مثل السوقيه والابتذال والغرابه ويكون المعيار هنا هو معرفة العامه باللفظ الذي تسمعه ولا تستعمله في محاوراتها وعلني اورد هنا مثالاً شعرياً بسيطا ً لتوضيح المضمون السابق يقول الحطيئه :
يسوسون احلاماً بعيدا اناتها=وان غضبوا جاء الحفيظة والجد
أقلـوا عليهـم- لا ابـا لأبيـكـم=من اللوم او سدوا المكان الذي سدوا
اولائك قوم ان بنوا احسنوا البنـى=وان عاهدو اوفو وان عقدوا شدوا

ومن منظور هذه القاعده عاب كثير من النقاد شعر المحدثين ونجد ان اكتساب الالفاظ نبلا هنا يشبه النبل الطبقي مما يؤدي الى اغفال لموقع اللفظ من الجمله ولكن اثارني ما قراته ل عبد القاهر والذي يقول فيه ان استقراء الشعر الشعر العربي استقراء سليما يكذب هذه القاعده .

- استقامة اللفظ :
وتعتمد اعتمادا كليا على الجرس او على الدلاله او التجانس مع قرائنه من الالفاظ .
فيجب ان يكون اللفظ خاليا من تنافر الحروف مستقيما بسلامته اللغويه الا انني اعتبر ان هذا المقياس هو نسبي بالدرجه الاولى وذلك لاختلاف الالفاظ بين بيئه واخرى ناهيك عن اختلاف اللهجات بذاتها ومما ينتج عنه اختلاف الاذواق ايضاً على ان الخطأ هنا هو ان الالفاظ الثقيله قد تكون جميله في بعض الاحيان اذا وضعت في موضعها الصحيح ودون تكلف .
وللدلاله اللفظيه اهميه قصوى في ايصال المعنى بشكل محدد وواضح والا انتفت الاستقامه من اللفظ واصبح الشاعر في موقع لايحسد عليه من ضعف في ايصال ما اراد ايصاله وهذا ما وجدته في شعر البحتري في احد ابياته حيث يقول :



تشق عليه الريح كـل عشيـة=جيوب الغمام ، بين بكر وأيم .


فالايم التي لازوج لها سواء سبق لها الزواج ام لا وهذا مارجعت اليه في كتاب ( سر الفصاحه ) لابن سنان الخفاجي ص 73 فالمقابله بين الايم والبكر غير مستقيمة المعنى وهذه القاعده سليمه هنا لاغبار عليها .
وعندما يتجانس اللفظ مع قرائنه من الالفاظ يكون واضحا وجميلا الا ان عدم التجانس بينهم يؤدي الى ان يكون اللفظ معابا وهذا ما اخذ على مسلم بن الوليد في قوله :



فاذهب كما ذهبت غوادي مزنه=يثني عليها السهل والاوعـار


فكان من الاجدر بمسلم ان يقول السهل والوعر او حتى السهول والاوعار حتى يصل الى بناء لفظي واحد سواء بالتثنيه او بالجمع على حد سواء .

- مشاكلة اللفظ المعنى :
وهو يكون موقع اللفظ يحمل المعنى دون زيادة او نقصان بحيث يكون المعنى واضحا وجليا وقاطعا دون قصران ومن الشعراء الذين اخذ عليهم هذا المحور عيبا الاعشى حيث يقول :



استأثر الله بالوفاء وبالعدل= وولى الملامة الرجلا


فلو انه اختار الانسان كلفظ كان له افضل من اختياره للرجل بديلا عنه لان الملامه تتجه للجنسين سواء كان المخاطب رجلا ام انثى وعلى خط مغاير للاعشى يمدح النقاد بيت للحطيئه اجاد فيه من الناحية والتي نتعرض لها الان وهي مشاكلة اللفظ للمعنى حيث يقول :



هم القوم الذين اذا ألمـت=من الايام مظلمة اضاءوا

فالاضاءه هنا اتت كلفظ موفق واعطي معنى واضحاً لان الظلام يتطلب تلك الاضاءه .
ويمدحون النقاد في المعنى ان يكون شريفاً ... وشرف المعنى يقصد به توجه الشاعر الى الاغراب ، وان يختار السمات المثلى في المدح بحيث ان الشاعر لايبالي بواقعية التصوير فعند وصف الفرس مثلا فانه ينعته بالكرم وي صفه تطلق في الواقع على الانسان الا ان الاغراب اعطى الصفه طيفا اخر عندما ربطت بذات الفرس واذا تغزل بمحبوبته فانه قد يعطيها من الصفات التي قد تكون من الامور الغير واقعيه وذلك ليبين مدى شغفه بمحبوبته وهيامه بها واذا مدح الشاعر فعليه ان يذكر ما يدل على شرف المقام ابداعاً واغراباً دون ان يراعي الواقعيه في صفات الممدوح .
_صحة المعنى :
ويقصد به ان الشاعر اذا اورد معنى معينا يختص بحدث زماني او مكاني يجب ان يكون صحيحا من الناحية التاريخيه مثلاً وهذه القاعده لها علاقه وثيقه بلا شك في ثقافة الشاعر الذاتيه وتجربته الزمانيه ومما يحضرني الان في ما يعاب على بعض الشعراء من ايراد معاني لاصحة لها هو قول الاعشى في احد ابياته :



فتنتج لكم غلامان اشأم كلهم=كأحمر عاد ثم تنتج فتتئـم

ومما عاب الامدي على الشاعر البحتري في قوله :



نصرت لها الشوق اللجوج بادمع=تلاحقن في اعقاب وصل تصرما

وهنا يتضح الخطأ على حسب لعرف السائد وذلك لان المدي يرى ان الشوق يشفيه البكاء ولايزيد منه وكذلك يطالعنا من ناحية مخالفة العرف اللغوي ابي تمام عندما يقول :



اذا مارحى دارت ادرت سماحة=رحى كل انجاز على كل موعد


ومما يعاب عليه انه أي ابي تمام جعل انجاز الوعد كالطحن بالرحى وهو قضاء عليه وهذا في العرف اللغوي لا يكون الا للاخلاف .
_ الاصابة في الوصف :
وهي ذكر المعاني التي هي الصق بمثال الموصوف مثلاً كان مصيباً لا لانه مدح هرم بن سنان بصفاته الخاصه بل لانه مدح بصفات عامه للرجل الكريم وكان عمر الفاروق يقول ((كان لايمدح الرجل بما لايكون في الرجال )) .
-المقاربه في التشبيه : واصدقه ( مالاينقص عند العكس ) كتشبيه الخد بالورد او العكس وقد ذكر المرزوقي في شرح ديوان الحماسه واحسنه ما اوقع بين شيئين اشتراكهما بالصفات اكثرمن انفرادهما كي يبين وجه الشبه بلا كلفهالا ان يكون المراد من التشبيه اشهر صفات المشبه به واملكها لانه حينئذ يدل على نفسه ويحميه من الغموض والالتباس ).
-مناسبة المستعار منه للمستعار له :
بحيث تكون الصله بين المستعار منه للمستعار له واضحه وواقعيه وبينهما اشياء مشتركه لا ان تكون العلاقه بعيده بين الاثنين لان ذلك يكون عيبا في استخدام مبدأ الاستعاره من الطرفين وهذا ماوقع به ابي نواس حين قال :



بح صوت المال ممامنك يشكو ويبـوح


فالشاعر هنا يريد ان المال يشكو من يدي الكريم من شدة العطاء الا ان الاستعاره هنا كانت غير موفقه لان المال والانسان لاصلة بينهما .
_التحام اجزاء النظم والتئامها :
وهو الانتقال من جزء في القصيده التقليديه الى جزء اخر دون الاخلال في الوحده العضوية للقصيده ويكون الانتقال بشكل جيد الا اننا نرى ان النصوص الشعريه في العصر الجاهلي لم تراعي هذا الامر فالشاعر الجاهلي كان يتنقل من موضوع الى اخر كالاستهلال بالغزل ثم المدح او البكاء على الاطلال ومن ثم التوجه لموضوع اخر مغاير تماما لما استهل به الشاعر الا ان مايحسب بشكل عام لشعراء ذلك العصر واقصد به هنا الجاهلي هو حرفية الانتقال بين المواضيع بشكل جيد حتى ان النقاد العرب شفعوا للشعراء في العصور التاليه وحتى الحديث منها هذا التقطيع في مواضع القيده لانهم وباختصار اخذوا النص الجاهلي انموذجاً للنقد .
_ عمود الشعر :
وحول عمود الشعر وما انبثق منه من امور النقد والياته نجد ان مسائل الخصومه بين القدماء والمحدثين والذين انحرفوا عن قليلاً في صناعتهم عما يقتضيه عمود الشعر من اصول وقد كان هناك فريقا من النقاد العرب الذين تعصبوا للقديم لقدمه ونجد ذلك عند الرواة واللغويين بشكل خاص ، كابي عمرو بن العلاء والاصمعي ، وكان ابو عمر لايحتج ببيت من الشعر الاسلامي ، وكان يقول (( حتى ان هممت ان امر فتيانا بروايته )) ولا قيمة لهذه الاراء الا ان القول الفصل في هذه الاشكاليه كانت لابن قتيبه: (( .. ولا نظرت الى المتقدم منهم بعين الحلالة لتقدمه ، ولا المتاخر منهم بعين الاحتقار لتاخره ، بل نظرت بعين العدل للفريقين ، واعطيت كلا حقه .. ولم يقصر الله العلم والشعر والبلاغه على زمن دون زمن ولا خص به قوما دون قوم )) وقد انتبه النقاد العرب الى في موازنتهم بين الشعراء والتي من خلالها ظهرت الخصومه بين القديم والحديث الى التاثير البيئي والمكاني والزماني ايضا فالاختلاف بين بيئة البدو وجزالة الالفاظ عندهم وقوة الاعراب وبين الحضر وسهولة الالفاظ والمعاني وخاصة بعد الاسلام حين اتسعت رقعة الدوله الاسلاميه وشملت ممالك وحاضرات جديده ونزوح البدو الى اجواء المدينه والحضاره الجديده بالنسبة لهم بدأ الناس هنا يستسيغون الالفاظ السهله والمعاني العذبه لسهولة انتشارها بين ارجاء المعموره واتذكر هنا انه كان من اوائل من تعرض للتاثير البيئي في الشعر هو ابن سلام الجمحي في طبقاته فهو من استعرض شعر عدي بن زيد وبين سهولة الالفاظ لديه ولينها الى بيئته المتمثله بالحيره وريفها وعلل قلة شعر اهل الطائف وقريش بسبب قلة الحروب لديهم .
وبعد ان استعرضنا هذه الاتجاهات الادبيه ارجو ان اكون قد اعطيت الدراسه حقها واستطعت ان اوضح نقاطا ربما تكون في الماضي مبهمه على البعض ... هذا وان اخطأت فمن نفسي والشيطان وان اصبت فمن الله عزوجل .

عبدالعزيز رشيد
03-22-2009, 04:53 PM
الخيال هو مايربك لفظ الشعر قد تجده كثيرا وكثيفا فيحمّل اللفظ المستخدم مالاطاقة له بحمله وإن لجأ الشاعر إلى تحوير اللفظ أو تغييره يتبيّن التشويه كثيرا إذ أن الشعر حلاوته بسلاسة فكرته وملاءمة خياله بحسن لفظه فمن غير المعقول أن أتخيّل معركة وأصفها بمفردات في غاية اللطف! وكذلك الخيال يخضع للعقل وإن كانت المناهج الحديثة تنكر ذلك ولاتراها أجمل إلا أن العقل هو بصيرة المرء لإدراك الخيال بين وهمه وحقيقته بين جماله وقبحه وبعيدا عن الشعر تقبّل النقّاد لوحة شاغال لرجلٍ يشاهد نعجة بسبب محور اللوحة والخيال الذي كان يصبّ في مصلحة الرسمة,اللفظ هو ممثّل العقل في الشعر

سعدتُ كثيرا بماقرأت يامشعل
وأتطلّع لكلّ وجود لك

إبراهيم الشتوي
03-22-2009, 09:10 PM
( أن جوهر الشعر يكمن في التخيل و يقول إن التخيل إنما هو انفعال من تعجب أو تعظيم أو تهوين أو تصغير أو غم أو نشاط ، من غير أن يكون الغرض بالمقول إيقاع اعتقاد البتة ... ويضيف أن مسألة الصدق و الكذب ليست واردة ، أي بمعنى آخر أن الشاعر لا يلقي موعظة و لا يملي فكرة على متلقيه .) كما يرى ذلك ابن سينا..

إذ أن جميع الفنون تحتاج لهذا العنصر المهم والذي يعتبر مصدرا للجمال و منبعالإثارة المتلقي وجذبه لفضاءات النص ..

فتعتبر قوته بالقدرة على نضم صوره بتكثيف وتوليد لمعاني جديدة في قالب فني خلاب .

الودق صاحب الفكر المتقد ... مشعل الذايدي

حضورك حبور وتواجدك ودق ..

كم نحن بحاجة لمثل هذه الرؤى والتي طرحتها بإسلوبك الشيق ورؤيتك العميقة ..

ننتظر هتانك القادم ..

دمت باسقا وارفا ..

تقديري .

عبدالله العويمر
03-23-2009, 05:41 AM
بِاعْتِقَادي أنّ الخَيَال جُزْء ُ ُ مُهم يَدُل على الْكَاتِب وماهيّته

أستاذي

طَرْح ُ ُ أخذْت ُ مِنْه الْكَثِير
كُل الشّكر لايَفِيْك

أحمد الحسون
03-23-2009, 11:18 AM
أخي مشعل
قرأت موضوعك على مرحلتين نظراً لعمقه ، والجهد الواضح المبذول في تكوينه
أشكرك لهذا الموضوع الهام ، ولكن لفت انتباهي شيء مهم من دراستك القيمة ، أعتقد - لا أدري تماماً - أن حازم القرطاجني في النقد القديم قد تعرض لمفهوم التخييل والخيال، وإن أقرب صورة لهذا لمفهوم ربما وجدت بالمجاز المرسل، وإن لم يكن قد ورد بالتسمية هذه ( الخيال ) في تلك الآونة، لكننا لا نعزي اختلافهم حول أبي تمام إلا للخيال ، وما الغلو في المعاني والشطحات الخمرية عند أبي نواس إلا من هذا القبيل ، فنحن لا يمكننا أن ننفي وجود ظاهرة نقدية في القديم مقارنة مع الاصطلاح الحديث ، مثلاً : إن نظرية دي سوسير وتشومسكي اللغوية نجد بذورها القيمة في تراثنا عند إمام البلاغة عبد القاهر الجرجاني ونظريته ( النظم ) ، وباب الفصاحة والبلاغة ، وغيره من استفاضاته الطويلة في كتاب دلائل الإعجاز، ومثله الإرهاص الذي قدمه ابن قتيبة عن الحالة النفسية لقول الشعر، وقد قدّم لها العصر الحديث على أنها نظرية خالصة لعلماء النفس وعلى رأسه فرويد وأدلر ، والأمثلة كثيرة ، منها السرقات الأدبية التي ولدت في العصر الحديث بمسمى " التناص " أو التداخل النصي.
بل إن ما تحث عن اغلبه " كولريدج " قد نجده في النقد العربي القديم الذي لم يترك باباً إلا وطرقه.

أخي مشعل كل الشكر للبذور القيمة التي تطرحها في أرض المنتدى الخصبة بك وبأمثالك ، تقبّل مروري .
مني كل التقدير والود ومنك العطاء المتفاني كما أعهدك. ودمت

مشعل الذايدي
05-09-2009, 01:05 AM
الاستاذ / عبدالعزيز رشيد
مرورك الفخم من هنا يعطي للموضوع زخم ووهج اخر
شكراً لك من القلب يا استاذي الكريم

مشعل الذايدي
06-10-2009, 12:24 PM
أبراهيم الشتوي .. ازهر المتصفح بك يا استاذي الكريم