المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : حين لاتموت الأشياء ..،


خلود عبدالله
04-25-2009, 05:41 PM
" حين لاتموت الأشياء "

- طقطقة الأشياء فوق بلاط الغرفة يشغل حيز من رأس الليل
- المكتبة الصغيرة في الزاوية تسكن أدراجها ضحكة ساقطة من السقف ،
- يتغلغل بين ثنايا الكتب المرصوصة فوق الرف قصاصات على شكل قلب صغير تقرض أطرافه هوام الفشل والحب ..
- وجه الطفل المُعلق بين الحلم واليقظة تناثرت ملامحه كحكاية مؤجلة تطلي جدران الغرفة بالألوان والصور ،
- شفتاه الصغيرتان سقطتا بهدوء فوق إستفهامات كثيرة كانت تحوم بهلع في وسط خطوط البلاط البيضاء!
- يمتلأ الدار بالدخان ، إنها السيجارة المشتعلة منذ البارحة كانت تمشي بجوار ظفائرها الشمطاء إمرأة ، تقفل فتحتي أنفها بسدادتين من قطن ممتلأتين بالماء ، تُحيل جسدها ضباب من سحر ، يشبه الحُلم الأول في عيني أنثى فاتنة تنام وأصابعها تخدش خدي قوس قزح كل ليلة !

- يد زياد تمتد من تحت اللِحاف المُترهِل لتحرث في فضاء الغرفة تفتش عن فُتات أحلام كان دفنها هنا قبل عشرون عاماً من الآن يراها مازالت تتجول في تفاصيل المكان وبعضها مازال متعلقاً بطرف قميص النوم المعلق فوق مسمار صغير يرزح خلف باب الغرفة وبعضها مازال يقف بلا حراك أمام خزانة الملابس ، وبعضها يثير شغب هادئ مع نورس شارد فوق النافذة، والمرأة التي تقف أمام دخان سجائره مازالت تدخل مع أول زفير بارد يتوغل أعماقه تُثير شتاء حزين ينتشر في أنحاء جسده، تخلق واقعاً بائس تبلل بها وجهه ، واقعاً أخرس بلا فم فقد النطق حين تسلق لسانه حِبال أوهام شائكة ....!

- والطفل الذي خلعه من داخله مايقارب الربع قرن مازال متكوم في زاوية الغرفة بنفس الشَعرُ الأجعد والفم المتسخ بالحلوى والقميص الصوفي الأزرق والحذاء الممتلء بالطين مازال يحتفظ بالفرح في جيب بنطاله ، وتنام في حجره حكايات الليل ذات القامات القصيرة التي تطول مابعد النوم وتتعملق على ذواتنا في الداخل ، مازال يرتب الجزيرة الصغيرة في بؤبؤة عينيه التي ينبت على سواحلها الأحلام ، وينمو فوق رؤس أصدافها الفرح ، الجزيرة التي لم تلوث بحارها عوالق الحياة والرغبات والتعب ،

- يتحسس زياد الحزن الذي دسه تحت وسادته لم يجده مكانه ، كان الحزن هو الوحيد الذي تحرك و نفث في أنحاء بدنه و تضخم في أوردته بوجوه غريبة تتكاثر و تكبر في العام ألف عام !
يتململ ، يُبصق الثرثرة جانباً وينقلب مُستوياً على ظهره ، يلمح شيئاً يتدلى من سقف الغرفة ، يضع زياد كلتا يداه على وجهه ، يمنع سقوط موت معلق .. يترقب الكارثة .. لا صوت ، لاحِراك ، لاشيء , يزيح أصابع يديه من فوق عينه بالتدريج " إصبع ، إصبع " .. إنها خفافيش أفكاره تتدفق لتملأ المكان ، تلك الأفكار المومياء لم تتغير ، يتسلل من بينها عصفور صغير يختنق ، إنه الأمنية الصغيرة التي لم تكبر ، يقفز من سريره ويستوي جالساً على الكرسي أمام المكتبة العتيقة ، ذلك الكرسي الذي كان يحمله دوماً بتفاصيل قلقه ويلف به خارِطة القلب في لحظات خاطِفة ، يطلق تنهيدة مجروحة تأخذ الألم أكثر من ماتطرده يغمض عينيه ورأسه تحتضنه كلتا يداه وأصابعه تتخلل شعره وبآه مشتعلة في أصبع سيجارته ..يصرخ قائلاً : حسبتُ أنني هاجرتُ ربع قرن عن عمري ، لأكتشف أن عمري هو الذي كان يرافقني كل لحظة حتى أنه يجلس قَبْلي على نفس المقعد المُعدُّ سَلَفاً للرحيل إستعداداً لإلتباسي ورفقتي !

مؤرق أن يأتي الماضي بريئاً من النسيان ، بِحضارة لَمُّ شتات الذكريات والأفكار ،
مؤرق أن نموت ويتدلى من طرف تابوتنا الخشبي وجوه الأصدقاء والأحلام والأرض
والمدينة التي تغرق أضواء شوارعها في فتيل الغربة ، و الأصوات النائمة في الذاكرة !
مؤرق أن لاتومت الأشياء ، تلك المُرَقطة بأقدارنا !


:

خلود عبدالله

د. منال عبدالرحمن
04-26-2009, 07:41 PM
هل هي الأشياءُ حقّاً , تلكَ المرقّطةُ بأقدرانا ؟

أم هيَ خيباتُنا و أحلامُنا الموؤدة الّتي تضعُ أختامَها على الأشياءِ من حولِنا ,
فتجعلها تتضخّمُ و تملأُ المساحاتِ من حولِ رؤانا و أمنياتِنا .

خلود ,


هنا قصّةٌ ممتلئةٌ بالكثيرِ من تفاصيلِ فلسفةِ الحياةِ و النّظرِ إلى ما هوَ ابعدُ من حدودِ الوحدة ..

رائعة !

مَنَالْ أحْمَد
04-26-2009, 09:08 PM
:

تلك الأشياء لا تموت غالباً
بل تبقى تتردد في أنفاسنا..نموت نحن وتبقى تحصينا شيئاً آخر ينتمي إليها..!



رائعة جداً خلود
تحية وعطر

.

سعد المغري
04-27-2009, 08:56 AM
..

خلود عبدالله..

بدأت القراءة ببـ.جاذبية وأحسست
أن هناك مايشدني إلى التوغل بأعماقها..
قراءتها بـ.كامل الحواس وبلغتكِ المتينة
التي تمتص أفكار ومشاعر القارئ
وكأن الحدث بما فيه من تكثيف رائع
أتى لـ.يفجر في وجوهنا الـ.تساؤلات والـ.تأملات..
قصة بديعية وحبكة بـ.هية وفكر عميق
وسبك نقاء الـ.روح...
تحية كبيرة لـ.هذا القلم "كبر السما"
..

عطْرٌ وَ جَنَّة
04-28-2009, 06:26 PM
لاتَمُوت الأشَياء .
واسمك فِيها , يُخلّدها وَ يُبقيها على قَيد الْحَياة وَالماء وَالتنفس .
- قِصة مُمتلئة ..كَثيرة ..وَمُورِقة جِداً
أحببتها بملء عيني وربي ,

http://www.qamat.net/vb/images/smilies/a36.gif

عائشه المعمري
04-30-2009, 02:22 AM
مورق أن لا تموت الأشياء ،
أن لا تكون لها نهاية ، أليس كذلك ،


وماذا يبتغي هذا الزياد من الحياة
سوى حلم يتدلى ، بأنثى وطفل ،

هذه الفكرة البسيطة ، تصوغها خلود
على قالب قصصي مُدهش ومُختلف ،


مُتشحة بالضياء

أحمد الحسون
04-30-2009, 06:11 PM
أختي خلود

بعيد وعميق هذا التأمل
أجدت في التوصيف

وفي الطرح .

دمت بخير وعطاء دوماً.