المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : رائحــــة مـدينـة


منى العبدلي
05-06-2009, 02:14 PM
ينساب ضوء شفيف خلسة من خلال فتُحة صغيرة في النافذة , يتبعه هواء مشحون بروائح من العالم القابع خلف الشرفة, رائحة الأرصفة الحارة وقد اطفئت بالماء , ورائحة البحر المشبع بالرطوبة , وتلك السحب المسافرة التي تقترب على استحياء من الأرض ، تحمل رائحة مطر تناثرت قطراته على أراض بعيدة .

للبحر معنى آخر في الصيف , بوسعك أن تشعر بتلك الإيقاعات الرتيبة لمياهه الهادرة على طول الصخور المتآكلة حين يلقي بأسراره فوقها ثم يرحل .

أنا والشرفة وحيدان تماما والبحر هائج ليومين متتاليين , لم آلف المكان بعد , ولا أشعر بسعادة أو حزن , لا شي .. لا شئ على الأطلاق .
ألمح في عيني من خلال المرآة ذلك التمزق الهائل في روحي وكأنما ريحٌ عصفت بذاكرتي وألقت بها ثم تولت . ظننت أنني بمقدوري استعادتها من جديد , وأن أعيد بناء ما تهدم , وحتى يستعيد كل شئ طعمه , أنفاسي , جلدي , أنسجتي , ذاكرتي سأبعثها من جديد , كل شئ سيعود كما كان . هكذا قررت وأنا أتأمل تلك المرآة الوحيدة متسائلا: كم من روح هائمة وقفت أمامك ؟
كم من عابر رمى بثقل غربته هنا ومضى ؟
ما أتعسهم أولئك الذين لا يخفون أسرارا .
أقترب بخفة من المرآة كمن يخشى هروب شئ والتقطها من جدارها , أقلبها يمينا وشمالا أنظر في كل جهاتها لعلي اختطف سرا من أسرار اولئك العابرين.
آه ماذا عساي أفعل ؟
يا لجنوني ... مددت يدي خجلا وأنا أعيدها إلى مكانها , معتذرا لها ولهم ولتلك الأيام التي غدت مجرد أحلام , ولتلك الأسرار التي تشربت ملوحة البحر. وكإثبات لحسن النية تناولت كأسا وشربت نخبهم .

إنها التاسعة صباحا , بدت الشمس متوهجة والظلال تتوارى جهة المغيب . روائح عطرة تنبعث من حزم النعناع التي حصدت توا وصوت البائع يجلجل في الأرجاء : نعناع .. نعناع طااازج
أخذت المدينة المجهدة تفتح مصارع أبوابها ووقع أقدام المارة يتزايد , تمتلئ بهم الشوارع كما الجراد المنتشر على الأرض , تمتزج أصواتهم فلم تعد أذناي تدرك شيئا منها .
أطلقت تنهيدة صغيرة وأنا اتابع المشهد الطويل, أيقاع واهن رتيب كأنما كتبته هذه المدينة على نفسها وأهلها . تفور صباحا تلعن ما اقترفته في ليلتها الفائتة تلفظ سكانها في ضيق كأنهم نبت أعياه العطش , يمضون بقية يومهم يتقلبون في شوارعها، تقيم فوق رؤوسهم بقية من أحلام البارحة. وفي الليل تتمدد خالية من الحياة لتتلقفهم قابضة على ذكرياتهم وعواطفهم , مطبقة بسوادها على كل شئ يدب . ليلها يحملني على البكاء كالطفل الذي فقد أبويه .غدوت فيه كشراع وحيد مبتل , مرتجف في لجة بحر لا قرار له.
ما الذي تفعله هذه المدينة بأهلها ؟
لم يعودوا بشرا احياء . صنعتهم دمى ملونة , يبدأون بها وتنتهي بهم
هل منحوها رقابهم لتسلط سيف بطشها عليهم ؟ ظنوا بأنها تمنحهم شيئا من المغفرة والبراءة . فما أعطتهم بالمقابل؟
إنها لا تحبهم على الأطلاق , إنها تنبذهم

حبست أفكاري في رأسي خشية أن تتسلل هاربة كما يفعل أهل هذه المدينة كل صباح , رتبت المكان وخرجت لا ألوي على شئ وكل ما أفكر فيه هو أن أصمد لعوامل التعرية..

د. منال عبدالرحمن
05-06-2009, 04:07 PM
رائحة مدينة تستفزُّ النّائمَ بين أصابَعكِ من سنابل ذهبيّة

فتُبهرنا بحضوركِ و نورك ..

أهلاً بكِ يا منى في أبعاد

أهلاً بحجمِ الجمالِ هُنا .

قايـد الحربي
05-06-2009, 04:19 PM
منى العبدلي
ــــــــــ
* * *


مُزهِرُ التّرحيبِ بكِ في أبعَاد ،
فَأهلاً وَ سهْلاً مُوْرقة .

:

[ رَائحَة المَدِيْنَة ] : مَدِيْنَةٌ للرّيحِ بِـ عَبَقْ ،
بَعْدَ أنْ أسْكَنَتِ الأُنُوفَ رائِحَة الْغَرقَى !

:

بِالمَحْكِيْ ، أذْكُرُ مِنْ نَصّ :
" مَديْنه : سَجِيْنه !
وَطَنْ : شِبْهِ فـَطْْن ،
وَ نَاسٍ تِدلّى مِنَ اوزارِ حُبْلى ..
تِدِينك : يَديْنِك ،
وْ تَسقط لـِ أعْلَى .
بْمَديْنَه سَجيْنَه :
طَريْقِك : هُو ــرِيْقِك
تُبلّـله خُطْوَه مُعَاقَه لْصَدِيقِك
وْ صَدِيْقك هَذا وُجِد ليُكمّل نُقْطَة فَرَاغِك
لذلك شطبْتَ اللي زاد بْصَدِيَقي ،
وِ صَارَتْ [ صَدِيقي ] : [ صدّ .. ] ، وْ فَرَاغ ! "
:

منى العبدلي

دَقيْقَةُ الوَصْفِ ، رَقِيْقَة العَصْف ..
تَكتبِينَ بِالألوَانِ ، وَ رِيْشَتُكِ مِن غَيْم .

شُكراً لكِ بلا حَدّ .

نهله محمد
05-06-2009, 04:22 PM
أولاً أهلاً بكِ يامنى...
أبعاد منزلك..وفي الروح لكِ آخر...
أما عن رائحة المدينة, سأعود لها حتماً...حتماً سأعود....
الآن الوقت يسرقني...لكنها فرحتي بكِ أبت إلا أن أرحب بكِ أولاً...

أسمى
05-06-2009, 04:55 PM
منى العبدلي..
هذا التتالي من حديث وما وصفتِ واصطبَغَ بأحاسيسك
وِشايةٌ بـ عَلَنْ..اننا أمامَ حرفـٍ جميل.
جميـل.

:
سعيدة بقراءتك وأكثر.

منى العبدلي
05-06-2009, 05:44 PM
الأخوة الكرام

اسعدني كثيرا كثيرا هذه الحفاوة وحسن الاستقبال الذي غمرتوني به والذي لا أملك حياله سوى الصمت فألصمت ابلغ من الكلام أحيانا

اشكر كل واحد منكم بأسمه عميق الشكر والتقدير على طيب اللقاء وجمال الحضور

ممتنة بحجم السماء

عبدالله العويمر
05-06-2009, 09:32 PM
مُنى
حَديْثَك ِ مَدَائِن ُ جَمَال


رَائِحة ُ المَديْنة

حُضُور ُ ُ يَدْعُو لِلْفَرَح ِ بِك

أهْلاً بِك ِ ، وأكْثَر

حمد الرحيمي
05-06-2009, 10:33 PM
منى العبدلي ...



أهلاً بكِ في أبعادكِ الأدبية ..




حضورٌ أول ينبئ بقلمٍ متوهج الإبداع و الجمال ...


و حضورٌ استظل بوارف أناقته / رقته كل عابرٍ لرائحة المدينة ...






منى ..



قلمٌ أخاذ الملامح ... شكراً لكِ عليه ..

أمل الدوسري
05-06-2009, 10:35 PM
وكم نتمنى أنْ يُلهمنا الله تعالى الصمود أكثر أمام الطقوس المتباينة !

منى العبدلي
ما أجمل الهروب حينما نحتاجه !
كنتِ جميلة هنا

عائشه المعمري
05-06-2009, 11:38 PM
منى العبدلي

أهلا بك مَسروده بلا نهاية
لكِ فقط


،

من أين تُريدينني أن أبدا يا مُنى
أشعلتي كُل الأشياء
وأطفئتِها لـ وحدك

ما لفتني في هذه القصه
حبكة التهيئة لـ الحدث الذي أحدث تغييراً كاملاً في القصة
وهذا يعتمدعلى ذكاء السرد وبراعة التتابع

كما أنكِ لم تنسي تفعيل الجانب الحسي لـدى القارىء
كانت كُل الأشياء بـ ملمس معين
وبـ رائحة معينة أيضاً

وكذا الحال في الجانب الحركي ،
فمن براعة القاص ، أن يُربك التفاصيل
يُثيرها ـ، لـ يستفز الحدث في التنامي

لغتكِ عبقة بـتضاريس حية
بلا حدود لـ المُتعة
__________


منى
بإختصار حُضوركِ لـ أبعاد
نُور
يُشعرني بـ الإطمئنان

عبدالله الدوسري
05-07-2009, 04:05 AM
تتفحصها بنظرة عميقة بقدر ما يسمح لك الموقف الخاطف ،،
فلتمح قسمات ليست غريبة في كل شئ ،،
كنغمة قديمة عزفت بعد نسيان ،،
ونظرة محملقة تحرك الباطن بقوة مذهلة ،،
تستعيذ من الأفكار في سرك ،،
ولكنها كانت ألصق بالقلق والحيرة من رائحة سكناها ،،

منى العبدلي ،،،
على أراض بعيدة يحملك بليغ الوصف ،،
تقول غير عابه بالمواسم ،، وتقول رائحة أيامها ،،
ويقاطعها الزمان بهدوء الذكريات الغابرة على الصور ،، ولو أن تعود ،،

نص جميل ،،
سعيد بتواجدي هنا ،،
تقبلي تحياتي

منى العبدلي
05-07-2009, 10:22 PM
ايها الكرام ...

يصاب القلم بالعجز دون هذه الحفاوة وهذا الهطول الرائع , وكم يحار الفكر كيف سيختار الكلمات المعبرة لتفيكم حقكم وأعلم أنها لا تفي. يستحق كل واحد منكم ردا مستقلا له .

ممتنة لكم جدا وجدا

نهله محمد
05-09-2009, 10:42 AM
هكذا هي المدن يامنى..
تكسر على رؤوس ساكنيها
كؤوس الخمر ليلاً...وتهندم مظهرها نهاراً..
ومابين تلك وتلك...قوائم لاتنتهي من الأحلام
يذورها السكون في جيب الضجيج..
ونتعرى......لاحقاً..



....
هذا الحرف ياصديقتي
أقسم عليه الماء إلا أن يكون أكثر منه شفافية.......