المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قصة قصيرة يوم أزرق


محمد بقوح
05-28-2009, 01:27 AM
.. لم يهتم بالمطر ، الذي بدأ يسقط بغزارة على جسده النحيل .. في هذه المدينة ، التي فتن بها حتى الثمالة .. منذ صغره ، مدينة الحركة و البطالة كما يسميها ..، المدينة التي تكبر كل يوم ، لكن هو.. يصغر كل يوم . إنها مدينة المتناقضات ، حسب تعبيره : الكبير يزداد كبرا ، و الصغير يزداد صغرا ، بل غرقا ..
ظل في مكانه ، بقامته القصيرة ، وشعره الأشعث .عدّل من جلسته ، بفعل قوة المطر ، فعاد شيئا ما إلى الخلف . جلس على كرسيه الخشبي ، كما يفعل دائما ، منذ مغادرته للمدرسة بسبب مشاكل أسرته .
كان في حدود العاشرة من عمره ، رغم ذلك يبدو أكبر بكثير . لكن "الشطارة " ، كما يقول ، لا تقاس بالسن ، بل بالخبرة في الحياة ، ليقنع نفسه في النهاية ، أنه في خارج أسوار المدرسة ، و في أرصفة الشوارع ،على الأقل ، يكون أقرب إلى كسب قوت يومه ، الذي يدعم به وضعية أسرته الفقيرة .. و يقي به نفسه من شر أفواه " حومته " .
يرتدي ثيابا رثة ، و ممزقة من بعض الجوانب . هو لا يهمه الشكل :هذا ما يصرح به لرفيقه هشام كلما تناقشا في الموضوع ، رفيقه العزيز و الوحيد في الحرفة ، منذ غادرا معا فضاء المدرسة مكرهين .
الرصيف حيث هو قابع الآن ، ينتظر خال من المارة إلا من بعض الرجال الذين يسرعون في خطواتهم ، غير مهتمين بصيحاته الخافتة أحيانا و الصارخة في الكثير من الأحيان ، من أجل أن يتوقفوا ولو لحظة لتلميع أحذيتهم .
- آسي ..أرا سبّاطك .. أرا تسيري ..
يبدو أن آذان الأحذية هذا الصباح الممطر مقفلة بالإسمنت ،هكذا خمّن الطفل عيسى ، فعادت إليه وحشته و غربته ، في حين اكتفت الأجساد المارة أمامه بإلقاء نظرة صغيرة على حاله ، و هي نظرة لا تخلو من رأفة حينا ، و لا مبالاة حينا آخر .. و المظلات المختلفة الأشكال و الألوان ، المرفوعة فوق رؤوس أناس على عجلة من أمرهم .. بلا سبب يذكر .. تقاوم دقات المطر التي باتت أقوى من ذي قبل .. لست أفهم - يفكر هشام - لماذا لا يلمعون أحذيتهم في يوم ممطر كهذا ..؟ مع العلم أنه كباقي الأيام ..، إن لم أقل أفضل الأيام جميعا ..
التصق جسد الطفل عيسى أكثر بكرسيه الخشبي . جمع أشياءه و أدواته التي يستعملها في مسح أحذية الراجلين .. و أدخل الكل في كيسه المعهود البلاستيكي اللون . لكنه ظل جالسا على كرسيه و ممسكا به بقبضتي يديه ."أمس القريب ربحت مصروف ثلات أيام . و أدخلت الفرحة و البهجة إلى قلوب أفراد أسرتي .. و اليوم .. لكل يوم رزقه ."
توقفت في هذه اللحظة سيارة ، يبدو من خلال لوحة أرقامها أنها قادمة من الديار الفرنسية "هذه همزة أتى بها الله حتى عند قدمي " .. ، هذا ما قاله عيسى .، وهو يراقب سيارة ميرسيديس الفخمة ، و هي تحاول أن تتموضع ، بالشكل المناسب ، بين باقي السيارات ، لكن بدون جدوى .. في هذه اللحظة بالضبط ، وقف الطفل عيسى ، و كأن نحلة لسعته ، وأخذ يشير لسائق السيارة إشارات ، تبين للسائق كيف ينجح في موضعة سيارته .. و بالفعل لم تمر دقائق حتى وجدت السيارة السوداء مكانها في البارك . خرج منها رجل قوي البنية . شكر الطفل هشام الذي حاول أن يتحدث إليه من النافذة ، ليقاطعه الرجل قائلا :
- من فضلك ..أولدي شِي مسحة لهاذ السيارة .. تكون مزيانة بزّاف (واضعا في كفه ورقة نقدية لم يصدق هشام بصره)...
ابتسم عيسى و طمأن الرجل بكونه سيجد سيارته في أحسن الحال و الأناقة ، ثم ابتعد عنه الرجل شيئا فشيئا حتى اختفى وراء البنايات الشاهقة ..

إبراهيم الشتوي
05-28-2009, 03:23 PM
تفاصيل زرقاء عبر مطر السماء الذي يندلق للأعلى..

قصة تتكرر في اليوم بألف غصة ..

وتظل الأبواب مشرعة لمسارب الضوء إذا ما أحسنا صنعها ..


الأستاذ القدير ... محمد بقوح

حضورك في أبعاد أدبية حبور ..

فأهلا ومرحبا بك وبالإبداع والنعناع الذي يسكن حقول وعيك ..

ننتظر هطولك الهتان العذب بكل عطر ..

تقديري يا ودق.

د. منال عبدالرحمن
05-29-2009, 12:29 PM
لأنَّ المطرَ شفّافٌ و خفيف .. كانَ ذاكَ اليومُ أزرقاً ..

أستاذ محمد بقوح ,

أهلاً بكَ في أبعاد أدبيّة , نرحّبُ كثيراً بالضّوءِ القادمِ مع حرفك

و نشكركَ كثيراً لطيبِ الحضور .

عائشه المعمري
05-30-2009, 12:01 AM
.
.
.


يومٌ أزرق ،
حينما يأتي المطر ونظن بأنه سبب لـ خطف أرزاقنا ،
يجب أن نوقن بأنه قادم بـ رزق أعظم .


أستاذي القدير ،
محمد بقوح
أهلا وسهلاً بك في أبعاد ،
كـ بركة مطر .
أو كـ سِر البركة



شُكراً لـ هذا القدوم

محمد بقوح
05-30-2009, 02:07 AM
ابراهيم الشتوي
منال عبد الرحمان
عائشة المعمري
أحييكم جميعا و شكرا على كلمات الترحيب البهية
و أعتبر نفسي قد دخلت إلى بيتي ، في هذه الأبعاد القريبة بوهجها الأدبي ، و التي جئت إليها راكبا صهوة صدفة جميلة جمعتني عبر الرقمي بالأخ سعد المغري الذي أحييه و أشكره بالمناسبة ..
محبتي ..

عبدالله العويمر
06-04-2009, 02:10 PM
محمد
تَمْتَلِكُ قُدْرَة جَمِيْلة ً عَلَى جَذْب ِ القَارئ ليَقْرَأ حَتّى النّهاية بِدُون أن يَشْعُر بِالمَلل

جَمِيْل ، وأكْثَر

محمد بقوح
06-11-2009, 03:30 AM
محمد
تَمْتَلِكُ قُدْرَة جَمِيْلة ً عَلَى جَذْب ِ القَارئ ليَقْرَأ حَتّى النّهاية بِدُون أن يَشْعُر بِالمَلل

جَمِيْل ، وأكْثَر

أحييك الأخ عبد الله
و شكرا على توقيعك الأجمل
محبتي