المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : آآآآآآآآآآآآآآه يالرياض !


ناصر محمد
07-29-2009, 12:19 AM
.
.



كان احتمالي أقل من أن أبقى في الرياض تفترسني وحدة قاتلة ، فغبت عنها أياماً
في رحلة تقاسم تركة ثقيلة من الحزن ، خلّفها رحيل أمي مع ذوي القربى.


***

الحزن يشعرنا بالضعف أحياناً ، فيقذف بنا إلى العزلة ، لنخلو بأنفسنا في لحظات تأمل ومراجعة للنفس ،
وما أخذته السنين معها من العمر ، والأحباب ، وكل ماعزّ فقده !


***

بعيداً عن الرياض..
إكتشفت أن الرياض أخذت مني أكثر مما أعطتني ، إن لم تكن أخذتني كلي !
أفتقدت سنوات من عمري ، لا أدري هل سرقتها الرياض ، أم أنها تاهت في معمعة
زحامها وصخبها ، أم أن الأرقام فقدت مدلولاتها ؟!
لكن ماتبين لي أن الرياض تأكل السنين كما بدين يقضم شرائح (الشيبس) بشراهة !
عرفت أن يوم الرياض نصف أيام المدن الأخرى..!
تذكرت أجيالاً عبرت ذاكرة الرياض لم أشعر بها إلا عندما تأملت الرياض عن بعد..
لم يبق إلا جيل أو إثنين ستتنحى في غضون عقد أو عقدين ،
لأجد نفسي وأبناء جيلي الذي تاه على مفترقات طرق مرحلة ضبابية
صنعتها متغيرات كثيرة ليس له يد فيها ، سنجدنا قادة المجتمع !
استدعت ذاكرتي كثيرون ممن كنت أظن بغيابهم تتعطل أشياء عديدة..
وقلة منهم من كنت أجزم أن غيابهم يعطّل الحياة..
كثيرون منهم إجتازوا بهدوء صخب الرياض إلى حيث غياب أبدي ،
أو ركنهم أرذل العمر على هامش الحياة ، ومازالت الحياة تسير بدونهم !


***

في رحلتي القصيرة توقفت عند قرية صغيرة تحتفظ بجزء من تاريخ حياتنا المسافرة..
غادرتها تلميذا في المرحلة الإعدادية ، صوب العاصمة ، وهاهي الأقدار تعيدني لها ثانية
بعدما أسقطتها من حساباتي ، إلا أن أعبرها ذات صدفة ، تركت لها باباً لم يوصد ،
وفاءً لذكرى الصبى الغض ، وعبق الأمس العاطر ، الذي تركته في أحضانها ،
حين لوّحت لها طفلاً بكف الوداع !
عدت إليها رجلاً ، لم أكن أظن أن في أعماقي طفلاً توسد برأةً وحياةً بكر وغفى منذ ذلك الزمن ،
وهاهو يصحو حين دلفت إلى بيتٍ عتيقٍ خربٍ إنكفأت جدرانه على بعضها ،
وإنكمشت حجراته ككهل شكى العقوق ، وجور الزمان !
جِلتُ في أرجائه التي تركتها أرحب مما وجدتها عليه..
لم أجد وراء ابوابه المواربة مما تركت سوى بعض ذكريات متناثرة هنا وهناك..
بعضها لايزال ندياً يفوح بتفاصيل المكان والزمان الغابر..
وبعضها ذهب في ذمة العناكب التي ضربت عليه سياجاً من الوهن..
والآخر يتماوج متداخلاً بين هذه وتلك..!
قضيت في فنائه بعض ليل أسامر أشباحاً تطل علي من هنا وهناك !
تزورني من ذلك الزمن ، وجوه شتى ، بعضها غيّبتها الآجال تحت غياهب الثرى ،
وبعضها تاه في زحام الحياة ، ومدّ التمدن ، الذي زحف على الأرياف والصحاري ،
وعلى كل شيء جميل !
تجوّلت في شوارع القرية الصغيرة سالكاً طرقاً أعرفها جيداً كانت تقل خطواتي يوماً ما..
فهذا الشارع الذي كنت أتخذه طريقاً لمدرستي صباح مساء..
وهذه البيوت العتيقة ، بجدرانها الآيلة للسقوط..
وهؤلاء هم أهلها البسطاء..
و..و..و..؟
لم يتغير شيئ ؟!
لكنني أحس وكأنني لأول مرة تطأ قدماي هذا المكان..
وراء عينان تائهتان ، أحس بضجيج داخلي يجوس في أعماقي كأنه صرخة تبحث عن فم ،
لست أدرك كنهها..!
في صباح اليوم التالي جِلتُ ثانية وبحثت عن أشياء تركتها هناك ولم أجدها..
الصباحات المتوثبة..
النسائم الرقيقة النقية..
الفضاء الصافي الرحب..
والفسحة في كل شيء ، في النظر ، والشوارع ، والنفوس ، والوقت ، والارزاق !
لم أجد بعضا منها فعرفت من الذي تغيّر !


***

تنكر لي المكان ، ونسيني الزمان ، فاجتاحني شوقٌ عارم للرياض التي غادرتها ،
لا الرياض الأخرى التي عرفتها للتو..
عدت إليها فاستقبلتني بوجه آخر غير الذي تركتها به كواحد من الغرباء الطارئين .
لم أجد تفسيراً لهذا الجفاء سوى أنها عرفت بما كشفه لي بعدي عنها لأول مرة منذ سنوات طويلة..
الرياض الأخرى تأخذ ولا تعطي..
الرياض الأخرى ليس لها حبيب ، تُحَبْ ولا تُحِبْ..
تبدي لها الودّ فتجد من الصلف..
تتقرب إليها فتزدريك بجفاء..
يأتيها الطارئون فيعيدون حساباتهم..
يأتي إليها طالبي الجوار فيختارونها مقام أبدي..
الرياض الأخرى أشبه برحى تدور..
هناك من يقفون عليها بثبات..
وهناك من يصبهم الدوار فيقعون في فوهتها ولا تسل عنهم..
ومن يسقطون سهواً بجانبها..
وآخرين تلفظهم بعدما استعصوا على فكّيها..
قلة يديرونها ، وكثيرون يدورون بين فكّيها..!


***

لن تعرف ما أخذت منك الرياض إلا عندما تختلي بنفسك بعيدا عنها ،
ولن تعرف ما أعطتك إلا حينما تحدد مكانك من الرحى .
عرفت ماذا أخذت مني الرياض ، لكنني لم أعرف ماذا أعطتني ،
لأنني لازلت أبحث عن مكان فيها..فيبدو أن آخرين أخذوا مكاني ،
أو أنني فقدت القدرة على الإهتداء إليه ، كمن يأتون الرياض لأول مرة ،
ولايعرفون حتى أين يقفون منها !



.

حصه العامري
07-29-2009, 12:40 AM
وكَمْ كنت أحسب أن مَدينتي - العينْ - وحدَها تُنضِحنا
وحدَة وتُجوعنا من مذاقْ اللُقيا ورائِحَة براويزْ لم نكن نعَي يوماً
أننا سنخمد في صَدرها
صورْ رحيلْ وضجة الفقدْ.

هَل نحن المساكين
أمْ المُدن ؟


يالله
تجسدتنا الرياضْ هُنا ياناصرْ.
هل تهرب هِي أيضاً ؟

تَرَانِيْمٌ الْهَائِمَةٌ
07-29-2009, 01:31 AM
[ نَاصِرْ مُحمَّد الْمُرْشَدِيْ ] ..
رَبِيَّع النَّصَ يُغنَّيْ فِيْ مَدِيْنَتِنا طفلا ُ ٌيَبُوْحَ بالسَّرَ مَنْ قَاداْ عَلى حقَّ رِياضَ الْرَّؤْىَ ..
لَنْ أَبْكِيْ النَّص لْأنَّهٌ فُطِمْ عَلَى حَلِيَّبَ أُم كَانتْ تُرضِعهُ عشْقَ الَوْطن .
حَملْنا يَنابِيَّعاً عَلَى ظَمأَ فَ يَحَلُوْ لنا الْملْحُ هُنــا
كَالعزْمِ وَالْقَدر شُكْرَاً لكَ .

محمد القواسمي
07-29-2009, 04:42 AM
الأستاذ ناصرْ

لعلّي لم أزرِ الرياضْ من قبل ، ولكنّك وصفتَ ما وصفتَ عن كل المدنِ العربيّة ،

ولعلّ عنوانُ النصّ هو ما جاءَ بي هنـا ، لعلّي أعلم شيئاً عن مدينة سأزورها !!

( يبشرّك بالخير )


لكَ وردة