المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : خيال ...! :)


بثينة محمد
12-05-2009, 12:29 AM
انتظرت بابتسامة حزينة على المقعد الخشبي ، كانا يتلاقيان كل عصر و كل مساء و يتحدثا ، أحيانا ؛ كانا يصمتان . إن لم تتحدث هي كان يصمت هو !. منذ أيام تشاجرا و اختفى بعدها. انتظرته عدة أيام . تمنت أن يصالحها ، تمنت بشدة أن يداوي الجرح الذي أدماه . و لكنه اختفى!.

ما زالت تنتظر ، عَبَر كل من تعرفه أمامها و هي جالسة تكاد تتصلب ، و لكنه لم يأتي . كانت تصمم و تبقى بعناد حتى تطلع الشمس و تحييها بملل . مرضت في اليومين الماضيين و لكنها لم تيأس . كانت تأخذ نفسها و تجلس تنتظر ، و حين أرهقها التعب جلست في الظل قرب شرفة المنزل حتى تستطيع أن تراه إن حضر . رغم كل هذا لم يلُح وجهه الضاحك !.

قامت بإرسال الرسائل ، تركتها بنفسها في بريده ، و لكن لا شيء حدث . كانت تفكر و هي تنتظر ، و تقول لنفسها : " إنه لم يهتم بغضبي منه ، لم يتأثر بتاتا ، لم يأتي حتى ليطمئن علي أو ليرى حالي " . بحثت في أعماقها و وجدت أمنية الأنثى بالأمير . تحت الغبار وجدت رغبة صغيرة تتحدث عن عدة حوارات جميلة لا تحدث بينهما . أخذت تقرأ و تتخيل أنه يقول : " أنتِ اميرتي الجميلة و الرقيقة ، و أنا أرى الغيم في عينيك و العصافير على شفاهك تزقزق . " و هي تمسك قلبها و تسأل : " لمَ تحبني أيها الفتى الطيب ؟! " و هو يجيب : " لأني منذ رأيتك و أنا أشعر بقوس السعادة يتجه إلى قلبي لا محالة ، و مذ حادثتك و أنا أشعر بفؤادي يسكن و يهدأ كنوم الطفل ، و لأني حين أنظر إليك تضحكين أشعر بأني أمتلك كل شيء .. " و كانت هي تبتسم و تنظر إلى موطن قدميها و تفرح و تهفت لقلبها بخفوت : " لقد نجح ! " .. لكن كل هذا كان خيالا و وهما منها ، حين كانت تصمت و تنتظر منه أن يتكلم كان يستقر في صمته عابثا بمزاجها ! و حين تسأله لم يحبها ؟! كان يفسر الماء بالماء . و يختفي أحيانا كثيرة بدون أن يترك لها خبرا ، و يدعها بكل أريحية تضيع نفسها في انتظار لا طائل منه و يأتي بعد اعتجانها بالغضب و القلق ليعبس في وجهها و يقول : " أنت تحبين الشجار ! " . شعرت بالحنق من نفسها و على كبريائها حزنت . كل ليلة كانت تنام غاضبة و تقول : " لن أنتظره غدا " و يأتي الغد منذ تفتح عيناها تهرب إلى المنتزه و تنتظره ساعات طويلة و أيام مضجرة .

أخيرا ، في اليوم الخامس بدأت تشعر بالقلق ، لقد أخبرته في احدى الرسائل أن هناك من تقدم لخطبتها و لكنه لم يرد !. قررت أن تتصل به رغم أن قلبها كان يقنعها بأن لا شيء يدعو للقلق و إنما هو ( لا يهتم ) . لكنها عاندت مشاعرها و فضلت أن تكتشف بنفسها . قامت بشحن هاتفها و اتصلت : - الو ، كيف حالك ؟
-- أنا بخير ، لله الحمد . و كيف حالك أنتِ ؟
- أنا بخير ، الحمدلله .
- سلامات ، أنت مختفٍ من عدة أيام ، هل أنت بخير؟ هل طرأ شيء ما ؟
-- كلا ، كل شيء على ما يرام ، لكنني في المزرعة منذ يومين و لم أعد إلا هذا العصر .!! لم يكن لدي ما أستطيع الرد به على رسائلك .
اختنقت بتصديق قلبها الذي تجاهلته : - حسنا ، أنا لا استطيع الإطالة ، ليس لدي ما يكفي من المال . علي الذهاب الآن .
حاولت التمسك بالهدوء و التصرف بلباقة ، فقد فقدت كل صبر الآن من هذه الوقاحة و اللا مبالاة !
سألها : -- هل ستأتين إلى المنتزه هذه الليلة ؟!
- نعم .
-- إلى أي ساعة ستسمرين ؟!
- لا أعلم ، و لكنني لن أطيل البقاء .
-- لماذا ؟ أوه ، ستضطرين للاستيقاظ مبكرا في الغد !
- نعم . هذا صحيح .
- عن إذنك ، مع السلامة .
طوط .. طوط .. طوط !.

ظلت تفكر : " إنه لم يكترث يوما بفكرة انتظارها ، لم يصدق بأي شيء وعدها إياه . أخبرها كثيرا بأنه سيتخلى عن لا مبالاته . و في آخر شجار لهما و عدها بتعويضها و مصالحتها ! و من ثم اختفى !. كم هو مليء بالأنانية !!. "

قالت لنفسها بشحوب : " لا بأس ، الكتاب مبين من عنوانه . لن أنتظر اكثر ، يكفي ما حدث ، لن أعلق نفسي بالمشنقة بيديَّ . "

تذكرت كيف دخل حياتها كعطر جميل غريب ، و تذكرت كيف نصحها قلبها بترك العطر و التبخر بالبخور و دهن العود ، و تذكرت : كم كان قلبها صادق .. و هو لا !.

نهضت عن المقعد ، أبعدت الغبار الذي تناثر على معطفها من كثرة الانتظار .. نظرت إلى حيث يأتي كل يوم ، أو كان يأتي .. انتظرت للمرة الأخيرة بقلق ، الفرصة الأخيرة لمجيئه ... و لكنه لم يظهر ..
لم يكن هناك سوى الظلام . و .. الحقيقة : " كان قلبها صادقا ؛ و هو .. لا !!. ".

عائشه المعمري
12-05-2009, 04:21 PM
بثينة محمد

أهلا بكِ

،

الحقيقة وحدها من تنتصر في النهاية ،
حتى لو كانت مره لابد من تجرعها ،
لـ تستمر الحياة ,

يحدث أن يكون ما نشعر به ، ومض خيال ..
ويحدث كثيراً ،،



سردك جميل ، شفاف
مما أضفى الحوار في القصة مزيداً من المتعة



كل الشكر

بثينة محمد
12-07-2009, 06:07 PM
تستلزم الحقيقة نوعان من القوة :

قوة البصيرة / لنستطيع رؤيتها ..


قوة الصدق / لنستطيع الإيمان بها و الخروج من الوهم ..!


شكرا لكِ يا عائشة لمشاركتي هذه القوة :)