المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : طفلان على بابِ اليُتم


د. عمرو الساهري
03-18-2010, 07:58 PM
http://www8.0zz0.com/2010/03/18/16/915905948.jpg (http://www.0zz0.com)


طفلان على بابِ اليُتم

*
*
*
*

وأغلقتُ على حزني بابَ غرفتي ، ولا يزالُ جُرحُ فقدِكِ مفتوحاً؛
ينزُّ حسرةً وشوقاً وأنينا ، فيدمعُ قلبي وتحنُّ روحي للوصال،
وابكي بصمتٍ وتذبلُ عيني وأنزوي وحدي بزاويةِ الذكري.
وأغمضُ عيني وأظلُّ أترقَّبُ مقدِم سفينتك على موجِ شواطئ أحلامي ،
وأحبسُ الضوء في ذاتي وأتحسَّسُ طيفك بسماء خيالي،
واقفُ طويلاً أمام مرآتي لأراكِ؛ فهم أخبروني بأنَّني أشبهُكِ
ولا أحد يعرفني مثلُكِ ، ولا أحدٌ يهمُّهُ أمري مثلُكِ ..
-
تصوَّري ، لقد صرتُ أطْول وصرتُ أحلي .. وصرتُ أكبر
والتقي البحران بالسماء على قزحيةِ عيني ،
وانغمسُ الليل ونام بضفائر شعري ،
وتنفَّس الصبحُ من بهاءِ جبيني ،
وأزهر عودي وفاح منه الدلالُ والياسمين.
وكلما يصيرُ القمرُ بدراً ينسابُ جدولي ..
وترقصُ على صدري تفاحتان..
أتخيَّلُكِ أمامي وأعرفُ كم كنتِ تنتظرين دخولي للعالم الكبير؛
فأغمضُ عين الخجل وأزرعها في دفء أحضانك،
وأخافُ أن تلتقي العينان،
فتمشِّطي شعري بأنامل الحنان ،
وتُسكِّني رهبتي وارتعاشي بتحريك الشفتان،
وتهمسي بأذني بترانيمِ الفرح العتيقة العميقة،
وأغيبُ عن نفسي فيوقظني صريرُ الباب.
ومشاكسة أبي ، فاشدُّ طرف ثوبي،
وأقفُ وأقبِّلُهُ من بين عينيه
وكم تمنيَّتُ لو قبَّلتكما معا.
*
يمرُّ العامُ بعد العامِ بعد العام وأنت لا تغيبين عن عيني ولا لساني ،
تصوَّري .. لا زلتُ للآن أعانقُ دُميتي التي أهديتنى بيومِ ميلادي ،
ولا زلتُ كالأطفالِ أثرثرُ لها عن حبِّي لكِ ..
ولا زلت أحكى لها عنَّي وعنكِ ..
لقد قلت لها وهى أخبرتنى بكتم السرَّ ،
بأنَّني ذات طفولةٍ قد استرقتُ السمع ،
وهرولتُ مسرعةً أطرقُ أبواب الكبار،
ولعبتُ بمساحيقك البيضاء،
وأحمرُ الشفاهِ ودهنتُ وجهي ،
ونفشتُ شعري وعطَّرتُ صدري وخلف أذني،
وما كنت أعرف لماذا أفعلُ هذا ؟!
فرأيتني وضحكتِ بصوتِ الهديل..
وأمَّنتِ خوفي وعلمتني..
ولكنَّكِ ضعتي وضاعت بعدك حلاوة الأشياء ،
ولا زالَ عِقدُكِ نائماً بعنقي يتراقصُ على دقَّات قلبي،
ويلهجُ مع كلِّ نَفَسٍ حروف اسمك
ولا زال الكون ساكناً بغيابك
ولولا إيمانى لسببتُ الدهر
ولعنتُ الذي فرَّق بيني وبينك.
*
أبي ..كلما يراني يضحك ويخفى ببسمته ألم الفراق ،
ويأخذني إليه ويمسح وجهي ويزيل بدفئه مرَّ الشوقِ والاشتياق،
وبعدها يختلي بنفسه ويسحقه الحزن ويبكي عليكِ،
فاسمع النحيب وأجري إليه فيعاود الابتسام،
ويقول بأنَّك كنتِ فائقة الجمال وقلبك كان كبيراً،
يحوذ الدنيا بما فيها ،
ويقول بأنَّهُ كان طفلك الثاني،
ويغنى اليكِ
" وقصرتُ عليك العمرُ وهو قصيرُ
وغالبتُ فيكِ الشوقُ وهو قديرُ
وأنشأتُ فى صدري لحسنكِ دولةَ
لها الحبُّ جندٌ والولاء سفيرُ
فؤادي لها عرشٌ وأنت مليكهُ
ودونك فى تلك الضلوع صغيرُ "
فينكشف سِتر الروح ويأخذنا البكاءُ ويصعقنا تيار الحنين..
*
أشتاق وجهك كلَّ صباحٍ ،
وكلَّ مساءٍ بكل الثواني وكلِّ الأماكن ،
بوقتِ الحنينِ ووقتِ السحر.
وأعرفُ أنَّ رحيلك عنَّا ،
جاء بأمرِ الإله ويبقي حقاً ويبقى قدر.
لكنني ككلِّ البناتِ ؛
أحتاجُ دفئاً ،
أحتاجُ صدراً،
أقصُّ عليهِ كلامي
وأرمي إليه بهمِّي وقت الضجر.
اشتاق دفئك حين الشتاء ،
وكم أتمني لو تأخذينى لنجري سوياً دون اهتمامٍ ،
بعرضِ الشوارعِ تحت المطر .
أحتاج كفَّك يحنو علىَّ ،ويمسح رأسي ،
بوقِتِ اللهو ووقت الخطر.
أحتاجُ دوماً إليكِ صديقه ،
حين الربيعُ يطلُّ عليَّ ،
بنظرةِ حبٍّ ،
وصدقِ بيانِ ،
الحبيبِ المُنتظر.
أحتاج خوفك حين الصيف يسرقُ قلبي،
وألبس فستان عرسي وأجري ..
بين الحضور ،
بكفيًّ كفَّك..
وصوتٌ منك ينادي الجميع
كُفُّوا عين الحسود عنها ،
فبنتي تبقى أحلى عروسٍ ،
وأغلى قمر..
أحتاجُ وجهك حين الخريف ،
حين يجذُّ مخاضِيَّ صوتي ،
وأبكي من المجهولِ طويلاً ،
وتأتي بطفلي بين يديكِ ؛
تنادي علىَّ ..
خذيه اليكِ..
والقيه دوما بيمِّ الحنين،
طفلٌ جميلٌ بديع الصور.
أحتاج دوماً إليكِ فأنتِ قلبي وعقلي،
وصلب شعوري،
وتبقين أنتِ لعيني النظر.
*
جميع صديقاتي قد خرجن واشترين لأمهاتهن ما لذَّ الحبُّ وطاب ،
عطوراً ، وشيلان الحرير ، وأقراط من الذهب
وأنا وأبي ،
ذهبنا واشترينا الورد
ونثرناه على قبرك
وغلفناه بما تيسَّر من سور الإخلاص والصبر وحقِّ اليقين
*
كلُّ عامٍ وأنتِ العيدُ يا أمِّي
*

د / عمرو الساهري
2010

بدور الشمراني
03-20-2010, 11:48 AM
الله أخذتني لعالم آخر
النص مشوق يفتح للتأمل مجالات كثيرة إبتداءً من الحزن المسجون خلف الباب
وانتهاءً بالورد والقبر والتصريح بإسم المعشوقة ( الأم )
عمرو الساهري
كنت أكثر من رائع
ورحم الله موتانا وموتى المسلمين

وادرين
03-20-2010, 01:48 PM
د / عمرو الساهري

كل عام وامهات العالم بالف خير
الام كلمه صغير بحجمها كبيره في معناها
لا يحس بها الا من فقدها
وفقد حضنها وعاش اليتم
اللهم احفظ كل امهاتنا

اللهم آمين

نص شامخ بشموخ حروفه

تحياتي

عمق الألم ... wadren

د. عمرو الساهري
03-22-2010, 07:07 PM
الله أخذتني لعالم آخر
النص مشوق يفتح للتأمل مجالات كثيرة إبتداءً من الحزن المسجون خلف الباب
وانتهاءً بالورد والقبر والتصريح بإسم المعشوقة ( الأم )
عمرو الساهري
كنت أكثر من رائع
ورحم الله موتانا وموتى المسلمين

الأستاذه الفاضله / بدور الشمراني
*
واكتمل هلال الكلمات بمقدم نور ردك وصار بدراً يا بدور
شكراً جزيلا لمرورك الراقي

د. عمرو الساهري
03-22-2010, 07:11 PM
د / عمرو الساهري


كل عام وامهات العالم بالف خير
الام كلمه صغير بحجمها كبيره في معناها
لا يحس بها الا من فقدها
وفقد حضنها وعاش اليتم
اللهم احفظ كل امهاتنا

اللهم آمين

نص شامخ بشموخ حروفه

تحياتي

عمق الألم ... Wadren



الأستاذه الفاضلة / وادرين
-
من بوح صدق حروفك الصادرة من عمق الألم
فاحت علينا روائح الذوق وانتعش الجسم وتجدد بالحروف الأمل
شكرا جزيلا

وديع الأحمدي
05-07-2010, 11:13 PM
د. عمرو
فتحت لي نافذة حنان , لم توصده حتى وانت تختم النص ...
دمت بـ روعة ,,


تحاياي