المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : شرف الخصومة


حسين الراوي
03-28-2010, 12:25 AM
النفس الرفيعة والأخلاق الكريمة والمعدن الأصيل يُجبرون صاحبهم في معظم الأحيان على أن يكون شريفاً أين ما كان وفي أي لحظة وفي أي موقف. هناك صنف من الناس لا تجعله الخصومة، أو المنافسة، أو الغضب، أو ضغط اللحظة أن يكون إنساناً فاجراً مع الطرف الآخر الذي أختلف معه لأي سببٍ كان، وهذا الصنف تسري الشهامة في عروقه كما يسري نور الشمس في امتداد السماء، والعظماء أرواحهم لا تقبل منهم إلا أن يكونوا كاملين الأناقة في الجوهر والمظهر. ذُكر أن عمرو بن معد كرب تقاتل مع أحد أعدائه من الأبطال، وحينما كانا يتبارزان بالسيوف ضرب عمرو سيف خصمه ضربة شديدة فكسره من عند نصله، فوقف ذلك الرجل ينظر إلى عمرو مذهولاً خائفاً بين يديه، فأخفض عمرو سيفه وادخله في غمده وقال للرجل: ليس من المروءة أن أقتلك وقد أصبحت الآن أعزل. ثم تركه خلفه ومضى. وذُكر أنه في يوم معركة أُحد، وبعد أن انهزم المسلمون وقُتل بعضهم والبعض الآخر تشتت وتخفى في الجبال والوديان، جاء أحدهم إلى أبي سفيان وفي ذلك الحين لم يكن أسلم بعد وقال له: يا أبا سفيان إن يثرب الآن سهلة المطلب والمنال غير منيعة، هيا بنا نتجه إليها. فقال له أبا سفيان: وكيف نهاجم يثرب الآن وليس فيها سوى النساء والأطفال من بني عمِنا؟ وذُكر أن أحدهم جاء بعد معركة صفين إلى معاوية بن أبي سفيان وقال له: اصطنعني، إني خبير في أمور الحروب، وأعرف كيف أتعامل مع شؤون زوارك وندمائك، ولقد جئتك من أجبن الناس وأبخلهم وألكنهم. فقال له معاوية: من تقصد؟ فقال الرجل: أقصد علي بن أبي طالب. فقال له معاوية: كذبت يا فاجر، أمَّا الجبن فلم يك قط فيه، وأمَّا البخل فلو كان له بيتان بيت من تبر وبيت من تبن لأنفق تبره قبل تبنه، وأما اللكن فما رأيت أحداً يخطب أحسن من علي إذا خطب، قم قبَّحك الله. وذُكر أن الأديب توفيق الحكيم وقعت بينه وبين الأديب طه حسين خصومة، فقرر طه حسين أن ينقل تلك الخصومة إلى القٌرّاء عبر نشرها في الجريدة التي كان يكتب فيها آن ذاك، فلما علِم توفيق الحكيم بهذا الأمر وسّط أحد الشخصيات ليرد طه حسين على قراره، فما كان من طه حسين إلا أن قبل توسط تلك الشخصية، ولم يكن الحكيم يخشى خصومة طه حسين بقدر ما كان يوّد أن يبقى الود والاحترام بينهما. أما اليوم، فمعظمنا بلا شرف خصومة، ونفجر من أول دقيقة خصومة، ونسوي «هوووليلة» لما نزعل مع بعض، وننسى العيش والملح والبطاطا والبيدنجان اللي كان بينا، بسبب أدنى اختلاف بسيط يحدث، وزيطة وزمبليطة وللي يحب النبي يضرب! أرسل لي أحد القراء برسالة طويلة عبر الإيميل يحكي فيها باختصار أن مطلقته فور أن طلقها أخذت برفع القضايا المتتالية ضده، إشي متعة، وإشي عدة، وإشي نفقة، وإشي حضانة وانت رايح على طول امتداد الخط القانوني! يقول ان المضحك في الأمر أن صحائف الدعاوى القانونية (غير القانونية) التي قدمتها ضده مطلقته مليانة بكذب ودجل وبهتان وزور، لدرجة لو أن إمام الكذابين أبو شلاخ على سِن ورمح شمر عن ساعديه واستل قلمه وقعد سبعة أعوام مجندس في كتابة صحيفة دعوى ضد أي مخلوق، ما راح يقدر يكتب أبو شلاخ ربع اللي كتبته طليقته ضده! كتبت للقارئ صاحب الرسالة أن الخلل مو في الطلاق ولا في صحائف الدعاوى ولا في بعض المحامين الطماعين قليلي الإنسانية، ولا الخلل حتى في إمام الكذابين بو شلاخ، الخلل كله بالقوانين الشخصية في المحاكم اللي كأنها تقول للناس: بلا شرف خصومة بلا بطيخ!




نشر في جريدة الراي

http://www.alraimedia.com/alrai/Article.aspx?id=193120 (http://www.alraimedia.com/alrai/Article.aspx?id=193120)

سميراميس
03-28-2010, 02:04 AM
مقال رائع و يستفز القراءة على الإسهاب أكثر لا مجرد المرور العابر أو الإكتفاء بالقراءة ، لدي نقاط عديدة سأكتبها بإذن الله
لك الورد أستاذ حسين الراوي و سأعود بإذن الله

سميراميس
03-28-2010, 05:22 AM
" شرف الخصومة " الموضوع عندما قرأته ذكرني بمقولة عظيم " لعداوتي شرف ليس من يستحقها " ، و لأنني قرأت هذه المقولة منذ طفولتي فقد وثقتّها تماماً ليست مثالية أو محاولة للتشبث بها بيد أنني تجريبية أكثر من أنني أكون مثالية ..
أتوقع أن يرد أحدهم و يذكرك بقول : الزمن تغيّر و القلوب تغيّرت و ضعف الوازع الديني و و من هذه المبررات الجوفاء التي نرددها مع كل تغير طبيعي قد يحدث .. السبب الأول في تبعثر المشاعر بين الناس و عدم القدرة على السيطرة
على تلك البعثرة يعود لإنعدام الوازع الحضاري و ضبط النفس ، ليس لتغيرات الزمن و إن كان قياس إنعدام الوعي الحضاري هو عائد لتغيرات الزمن و تلوّن الأقدار إلاّ أن فيكتور هوجو قد قال الإستطاعة و الإرادة و المعرفة من أهم الأشياء لصنع ( العالم ) ـ العالم مجازية هنا لأنني لا أذكر لفظة هوجو ـ فنحن نملك التغير و بيدنا ضبط الأمور لا لإعتناق القدرية الحتمية حد السلب و لابد من إستنطاق الطاقة الداخلية فينا لخلق حراك إجتماعي جميل و إيجابي ..

تطرقت لتوفيق الحكيم و طه حسين و معاويه بن أبي سفيان و و هؤلاء قد يصنفون فئة نخبوية مرتشفة لأسس و إنعكاسات لم تتوافر للآخرين عقلانياً و فكرياً و إجتماعياً أيضاً ، فالمثقف من الطبيعي أن ينعكس دور أدبه و ثقافته عليه في تقنين خلافاته و كلما تثقف المرء سواءا كانت ثقافته تحصيلية او تراكمية ( كما في بعض العوام الملمين كثيراً و هم لم يدرسوا ) كلما تصاعد شرف عداوته و خصومته ، بيد أن عدوه لابد أن يكون مساوي له لا مجرد شخص عادي جاهل أحمق ..
و لا حكم مطلق في هذه الأمور بيد أن الرائع طه حسين رغم سخاؤه الأدبي و ثقافته الأدبية الجمة إلاّ أنها لم تنهاه عن " غسل المشاعر و عرضها على حبل القراء كي تجف "
هذه الأمور نسبية و لكننا لا ننكر دور العلم و المعرفة في ضبط المرء لنفسه ، منذ فترة و أنا ممن يفضلون الحكيم على طه حسين و الآن وثقّت هذا التفضيل بجرعة إضافية ..

* الفروق الفردية تلعب في ضبط المشاعر و التحكم بالإنفعالات .. الرجل و المرأة بالنسبة لي سواء في كل شيء :) و المفاضلة هي بما توفر من تعليم و ثقافة و تجربة و عمر ..


شكراً لك أستاذ حسين الراوي ، الجزء الأخير من المقال وجدته يختلف عن الأعلى

سلطان الوثر
03-31-2010, 05:14 AM
لك التحايا من القلب على هكذا قلم ياحسين

وألف شكر

محمد الغشام
03-31-2010, 09:41 AM
,

الغالي : حسين الراوي
هذا الحديث اللذيذ الذي يجعلنا نرى المقصد والفكره بخطوات تثرينا بمعلومات ..

امتعتني كثيراً .. ويبقى الشرف متواجد ولكن القوّه النفسيه الداخليه من الأسباب التي لابد ان يتحلى بها الشخص

ممتع ومدهش ومتابع لك أيضاً
عاطِر التحايا
:34: