المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : احتماء .... بالضوء !


سحر الناجي
05-07-2010, 03:14 PM
http://www10.0zz0.com/2010/05/07/11/127180409.jpg (http://www.0zz0.com)

** إنزلاق تحت الروح
أصطلي ببارقة وجع تسري تبخترآ على ضفاف أوردتي ..
والحقيقة ألملم شتاتها بأصابعي المرتعشة وألقي بها إلى العالم من كوة جدارية مهترئة تراءت لي صدفة من زقاق الفأل ..

ما الذي يحيكه ذاك المتلبد بالمدينة .. والناس نيام ..!
فرضيات شتى تتطاير كقراشات تلوذ إلى النور وتحترق ..
لأنني والظلام على شفير الكراهية ..
صنعتَ لنفسي مكانا قصيا في أدغال البوح ..
هناك .. حيث الوهج يتعالى زفيره في وجه العتمة ..
ينهرها بشظايا بلورية مغروسة في جبينه ..
ألوذ إليه .. وأحتمي بألوانه الساطعة .. ودفء يسري في عروق الوقت ..
كل ما هو مضئ .. ألتقطه كي ينزاح ذلك الأسود عن مرج عمري ..
دأبي على أداء هذه المهمة .. تمخض عنه إشراقة لصوت تمتم في خاطري وأنا ألاحق بقايا ضوء أخيرة :
الله نور السموات والأرض "
أحرف ذهبية .. تكسوني بطيلسان أخضر .. وأنا أسجد عند العرش ..
والجنة .. أنوار صنعها الله بيده .. علَي أجتهد وأسعى إليها ..
إدرك أن ثمنها باهظ .. وأنها حُفت بالمكاره ..
فأنى لي الفردوس .. وأنا كليلة الجهد ..
إبتهلوا لي بالثبات ..
دمتم للإبداع سراج لا يخبو أبدا ..

سحر الناجي
05-07-2010, 03:22 PM
http://www6.0zz0.com/2010/05/07/10/221215068.jpg (http://www.0zz0.com)


** أطياف .. وسراب

فوق الفضاءات الواجمة ..
صوب الجدار ..
على ذاك ... المدار
حائط للأفق .. ملبد بالصمت
أطياف .. وسراب
ورمال ..
تمتد أصابعها على وجه الطريق ..
تنهش التضاريس ..
وشئ من الحصاة
وجبال ..
أبدآ لا تنحني ..
شاحبة السفوح .. حزينة
يلجمها الصقيع ..
وتلال ..
تعانق قرية ..
بيوتها مشرعة للمدى ..
خاوية ..
من الضوء .. ورحيق الندى
ضاوية ..
إلا من صيحات للريح ..
وطيف جريح ..
يسكنها .. يجوبها
بدبيب .. غريب
كأنما نوافذها المهشمة ..
قد صفعها الجنون
وأبوابها تزمجر في وجه الليل ..
مع صراخ المجون ..
الذي قدم بجدائله السوداء ..
وألوان رمادية .. للخواء
وعواء ..
يهمهم فزعآ .. ويخدش السكون
وظلال .. تنهض في ضوء القمر
وظنون ..
وليل .. يتربص بالعيون
حينها لا جهد .. ولا زمهرير ..
يقنع المسافر .. بالمكث
أو القانع الفقير ..

....................

سحر الناجي
05-08-2010, 12:37 AM
http://www2.0zz0.com/2010/05/07/10/857938301.jpg (http://www.0zz0.com)

** مواجهة مع الظلام
على قاب قوسين أو أدنى - أنا - من عبور محابري إلى مدن الخيال ..
على كتف السكون أبعثر في أريحتي ترنيمة للراحة .. وأستشيط خمولا ..
ذكريات تماطلني في الحضور .. وبعد سجال قارص بالتأفف تلوح على واجهة رأسي واجمة ..
كان المساء يبعثر خصال من ظلمته على قفير لا تلحظ العيون في طياته إبهام للمحسوس ..
كدأبنا دوما .. نلوذ إلى القفار فرارا لنحتمي بأصالة تتفسخ في صدورنا ..
رحلة جماعية , ووجوه تنبت الفرح على روابي الحميمية ..
جلسنا في العراء .. تسامرنا ضحكنا .. وإلتفاتتي لا تكف عن التحديق في ذلك المبهم ..
في الليل البهيم أحاول أن أسبر غور الماكث هناك سودآ بكل ثقلهِ ..
اقترحت إحدى صديقاتي بأن نجدد الدماء في عروقنا المتصلبة .. بالسير على أرض مجاورة تجانب حضورنا ..
ابتلعت ريقي .. وتعذرت بجرح ينخر قدمي ..
ولكنها أصرت - وودتُ لو أنني أزحت عنادها من فرائص شراييني المرتعدة فرقا , ربما ..بلطمة تزجرها : كُفَي .. إني خائفة ..
وتماسكت .. وصلبت قامة ترتعش في عروقها القشعريرة .. أمسكت بيد صديقتي الأخرى ومشينا ..
وعندما .. وصلنا لأطراف الظلام توقفتُ .. شعرتُ أن عظامي لن تتحرك قيد أُنملة ..
الأشجار المهمة .. وبحور من المجهول تستفز وعيي .. وتستنفر بقايا صمودي
كم أكره ذلك المجهول المتوشح بقتامة تنهش جلدي ..
قالت صديقتي ترمقني بتشكك : هل لديك مشكلة ..هل تخافين من الظلام ؟
نظرت إليها مصعوقة , قلت بتلعثم : ماذا .. ماذا قلتِ للتو ؟
- الخوف المرضي من الظلام .. هل تعانين من مشكلة مماثلة ..
يا إلهي .. كيف تجلت لديها هذه القناعة , قلت من فوري لاهثة : لا .. بالطبع لا .. ولكنني ..
وصمت .. فألحت صديقتي الأخرى على المتابعة , سألت باهتمام : ولكنكِ ماذا ..؟
اقتربت الحقيقة من حنجرتي بغصة قاتلة , شعرتُ بالدموع تتجمع في عيني .. قلت بصوت متحشرج ..
- ولكني .. كلما أُحطت بالظلام .. تذكرت ظلمة القبر وعذابه ..
وأسرعت قافلة إلى مكاننا .. وكأن العالم بكل صخبه قد غُيب عن كل حواسي .. أو هكذا أنا تخيلت ..

تحيتي

سحر الناجي
05-09-2010, 04:31 AM
http://www7.0zz0.com/2010/05/08/08/993302288.jpg (http://www.0zz0.com)

** تراتيل .. وحلم

أحتمي بغفوة سيجت محاجري بذبول الإنغلاق ..
لا أنام .. وما تراتيلي قد انتهت , فقط أتمتم بالذكر وأرمق سقف الحجرة بعيون لا ترى إلا السراب ..
وعندما أصل إلى " ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا " ..
يسقط وعيي , ينحدر إلى ضباب الهذيان ولا يقوى على صلب تركيزه .. ينزلق ويسقط في يدي محاولة انتعاشه .. أدعه فقط يذهب ..
وشيئآ فشيئآ .. حتى صفقت أجفاني بانسدال رائع لم أمارسه منذ زمن ..
حلمت بالليل والمطر .. كان بيتي على سفح روابي مبهمة التضاريس .. ولكن جبل مكسو بالعشب والأخضرار كان يقف شامخا بالقرب ..
وجسر يمر قبالته وأعبر عليه ..أقطعه ورفيق يلازمني ولم أتبين وجهه مليا ..
ما أذكره بتفاصيل أكثر هو الطعام .. كان لدي ضيوف وأطعمتهم ..مائدة عشوائية وفوضى تناثرت هنا وهناك ..
في منامي أنعشني المطر .. الذي انسكب بهطول حريري جعل وجه الظلام لامعا ..
كان للرحمة انسدال أيقظ كل كل خميلة للفأل .. والمخلوقات تُسبَح وترتل بالحمد ..
حتى في غفوتي كرهت الظلام ..
فرحتي بالغيث .. شوهتها انفعالات تشبثت بقلبي وبخالبها تركت فزعا ..
صحوت بعد أربع ساعات من النوم فقط ..
صحوت ولم أعير خمولي بالعودة للكرى أي انتباه ..
نفضت عني كل ركام النعاس وتسللت إلى قهوتي أستجديها الصحو ..
وسط هذا الحراك الآثم بالتعب .. لم تفارقني دقائق الحلم ..
ولا الليل الذي نثر رمادية على قسمات الخير .
تحيتي

سحر الناجي
05-11-2010, 11:44 AM
http://www12.0zz0.com/2010/05/11/07/430964544.jpg (http://www.0zz0.com)

* أنا وجدتي .. والعفريت
يا لحرف يتسلق أصابعي .. ويتخذ من كفي مهجعا ..
وهطول للأطياف يغويني بنبشِِ ذاكرتي التي باتت على مقربة من جمجمتي.. لأقتنص من مجرياتها الروعة ..
في الحقل أقف مشاكسة العشب بقدمي .. أركل الإخضرار وأعدو .. أتربص بالفراشات وراء شجر التوت وصوت الريح الهامس كان يعلو من وراء التلال.. بينما قرص الشمس يرسم على ثغره بسمة حمراء قهقهت لها كل النهارات ..
على امتداد بصري كنت أتخيل جدي يمتطي التعب ويأتي منحنيا من بين سنابل القمح .. وحزمة من زهور الريحان معلقة بكفيه , جدي .. وخطاه المتثاقلة .. ومحياه الهزيل الذي يلوح لي وهو يدس بقدميه إلى قلب الدار ..
صغيرة كنتَ وأحبو على المرج بجديلتين كورتهما لي أمي على جانبي وجهي . . لم يكن يدور في خلدي وقتذاك .. سوى اللهو ومطاردة الروائح العطرة ..
منذ أن رحلتُ من تلك الضفة اليبضاء .. وأنا أتلطخ ببقع من رمادية الظلام ..
والحكاية لا تنبري إلا ببداية قد تراخت على قناعات هشة .. بينما آلية الرعب تتوغل في قلبي وتهيمن على كل مدني الوليدة ..
كان المساء يحل عادة بسواد ينتشر دخانه من الشرق حتى يخنق بقايا النور ..
والنوم شاطئ تتجسد عنده كل المخلوقات المهيبة ..
فقط وجه جدتي ما كان يلمس قلبي ويهدهده بالأمان ..
قلت لها يوما : جدتي هل حقا أن العفريت يأتي ليلا ويخطف الصغار ويأكلهم ؟
تمتمت تتثاءب من وراء شيخوختها : ألا تملي الإصغاء لكل ما يقال .. من أين سمعت هذا ؟
قلت أمسك بيدها المجعدة : إبنة الشيخ ظافر .. يقولون بأن العفريت قد خطفها ..
سألتني : وهل تصدقين هذا ؟
أجبت بحماس : لا أدري ولكنهم يقولون بأن العفريت قد التهمها ورمى بعظامها في البئر ..
ضحكت جدتي حتى أن الليل تلصص بفضول يصغي لصدى فرحها المبحوح , تنهدت في النهاية وقالت تنظر للسقف : يا للصغار وخيالهم الجامح .
ثم التفتت إلي وقالت : حبيبتي .. لقد ماتت الفتاة - يرحمها الله - لأنها تعثرت ووقعت في البئر .. ولم ينتبه أحد إليها إلا بعد أن غرقت المسكينة ..
همست : ولكنهم يقولون ..
قاطعتني بحزم : لا تلقِِ بالا لما يقولون ..
وعاودت التحديق بي تداعبني : ما رأيك بحكاية تُنسيكك هذه الخرافة ؟
هتفتُ بفرح : أجل يا جدتي .. أريد حكاية الضفدع
قالت بهدوء تبدأ ترنيمتها الليلية المعتادة : كان يا ما كان في قديم الزمان ضفدع يعيش مع أمه بخير وسلام ..
وغاب صوت جدتي تدريجيا وأنا أنساب وأغرق مع الكرى ..
غاب .. فيما بعد وانقطع عن الدنيا .. وبقي كهمس لذيذ يجوب رأسي بحكايات الزمان ..
غاب .. ولكن العفريت المتوشح بالظلام .. لم يرحل أبدا .. بل مكث في أحلامي واتخذ من روابيَ ملاذ ومسكنا ..
تحيتي

سحر الناجي
05-14-2010, 02:05 AM
http://www10.0zz0.com/2010/05/08/08/186607398.jpg (http://www.0zz0.com)


** جئتَ أنظر إلى السماء

لاأُريد أن أُتهم بالتناقض من خلال سردي اللاحق كوني نسجت من الظلام أسطورة سوداء سوداء ونقشت أبعادها على كل أركان ذاتي , ولكن تداهمني أوقات أخلع عني أسمال الفزع وألقيها جانبآ لأواجه هذا المجهول بشجاعة تذهلني أنا شخصيا .. وهذا ماحدث في السياق التالي حيث قد يندهش البعض لهذه المصالحة الوقتية مع العتمات .. وأين ؟.. في مكان يعتبر منبعا لكل الهواجس والظنون .. بل والأطياف والأشباح كذلك .. ولكنه حدث :

******

* ذات يوم شتائي كان يحتضر على مشارف الدنيا .. حيث البرد والزمهرير .. وطقس منعش وأنسام كالحرير .. حيث الموت والحياة , وحفنة من مناخات زاهية ,, وأجواء ملبدة بتناقضات شتى .. هكذا كان رحيل الشتاء , متأرجحآ بين الركود والهدير .. متألقا بالحرارة أو مكتظا برعشات تعصف بالأبدان لبرودة الأجواء , حينها تجلت لنا الغاية .. غاية من يريد أن ينقي عمره من شوائب السأم وينفض عنه أتربة التعاقب.. غاية مزركشة بالسعد .. فقررنا - من خلال تصويت جماعي - أنا وعدد كبير من أفراد أسرتي الهروب إلى الصحراء .. إلى السكينة بكل عذريتها .. إلى الصمت الحاني والرمال المتوهجة بلون الذهب , فأخذنا نلملم ضجرنا الملوث بصخب المدينة ونلقي به على حافة تحركنا .. نعم .. عزمنا وتوكلنا ومضينا ..
صحيح أن الرحلة كانت مسرفة بالعناء .. والمسافات ملطخة بالرتابة , لكن ما كدنا نضع رحالنا حتى انطلق كل منا يحتضن البيداء ويلطم وجه الأرض بخطاه المرحة .. كانت الطبيعة بكل رونقها تتلقى حضورنا .. ودروب شاسعة من بياض البادية تتخللها هنا وهناك شجيرات ونباتات صحراوية .. وغروب قرمزي أهرق على سفوح الجبال بألوان قانية من دماء النهار .. كل هؤلاء كانوا يحتفلون بنا ..
وما كاد ينتهي نصب الخيام , حتى حل المساء .. وجاء الليل على عجل يظللنا بعباءته الحالكة .. جاء يتسكع بغطرسته السوداء .. بينما الرياح تهب بأصوات فرحة وأهازيج مشاكسة , لذلك تركت الجمع متحلق حول النار وارتديت "فروتي " ثم تلفحت بوشاحي .. ومضيت أسرع الخطا إلى قلب المجهول , لم يتجسد لي الليل كفزع حينها.. ولم أستنهض تلك الرهبة التي تلازمني على الدوام في حضرة الليل .. لا .. كل هذا كان في منأئ عن وعيي , فقد كانت أمنيتي منذ زمن بعيد أن أختلي بالليل وقمره .. أن أصافح نجومه بعينيَ .. وأوزع بين المجرات أحداق لا تقدر على رصدها .. إذ لا أضواء ولا صرخات تعكر صفو السماء .. لا ألم ولا شر ولا سقم .. ولا حتى وساوس ترغمني على البقاء في ظلال النور .. لأني ذهبت أفتش عن ضوء من نوع آخر يسكن قلب السماء ..
ولكني ما كدت أن أسير قليلآ , حتى سمعت خطوات صغيرة لاهثة تتبعني .. تلفت إلى الوراء , فإذا هي " مها " إبنة أختي ذات العشرة أعوام .. سألتني بفضول :
- خالتي .. إلى أين تذهبين ؟
قلت : جئت أسير قليلآ وأنظر إلى السماء ..
وقفت هي مترددة للحظات .. فسألتها : هل تريدين مرافقتي ؟
أشارت برأسها بالإيجاب فقلت لها : حسنآ ..اقتربي ..
ألصقتها إالى جانبي وشددت عليها طرف "الفروة" أحميها من برد الصحراء , وبينما كنا نسير أخذت أتأمل صفحة السماء .. وأنظر إلى النجوم المبعثرة بتزاحم عجيب .. وإلى القمر الذي كان يطل حينآ من وراء سحابة صغيرة ويختبئ أحيانآ .. فقلت بلا إدراك مني :
- سبحان مكون هذا الكون !
فعلقت مها بدهشة : نعم يا خالتي .. النجوم كثيرة وواضحة وجميلة الليلة ..
ثم سألتني فجأة :
- خالتي .. هل تنظرين إلى النجوم لأنك تتوقعين أن يطل عليك وجه جدي يرحمه الله من الأعلى ويكلمك ؟
صفعني سؤالها .. توقفت عن السير .. وجعلتها في مواجهتي .. قلت مقضبة : ماذا ؟؟
انتبهت الصغيرة إلى عبوسي فارتبكت .. بينما استرسلت أسألها :
- من أوحى إليك بمثل هذه الفكرة يا عزيزتي ؟
قالت متلعثمة : هم يقولون ذلك ..
صحت بنبرة حادة : من هم اولئك يا مها ؟
وأخيرآ أمام إصراري .. لم تجد مناص من قول الحقيقة ..ألقت ذراعيها إلى جانبيها وقالت متنهدة باستسلام :
- هذا ما شاهدته في أحد الأفلام الكرتونية .. حين يموت الأب ويصبح نجمة .. ثم يظهر من السماء ويتحدث إلى إبنه ..
- يا إلهي ..
علقت بشرود وحيرة .. صدمت لهذه القناعة في رأس الصغيرة , ومع ذلك تماسكت وقلت بهدوء وأنا أجلسها على الرمال وأضع وشاحي حول رأسها .. ثم أجلس قبالتها :
- إسمعي يا حبيبتي .. ليس كل ما تشاهدينه على التلفاز .. يجب أن يكون حقيقي ..ونقتدي به ..
سألتني تنبهني إلى عدم فهمها : ما معنى هذا يا خالتي ؟
نظرت بحيرة حولي وأنا أغوص في عمق الظلام وأفكر في كيفية تبسيط المعلومة لها .. وفجأة واتتني فكرة , فقلت أشرح لها :
- إستمعي لي جيدآ يا مها .. أنت تعلمين جيدا بأنني كاتبة .. أليس كذلك ؟
قالت : بلى .. اعرف ..
قلت : إن للكاتب خيال واسع يا صغيرتي .. يشبه عالم الأحلام .. األا تحلمين أحيانآ وأنت نائمة وترين أشياء في منامك غير حقيقية ؟
أومأت برأسها قائلة : بلى .. كئيرآ ..
قلت : وهذا إلى حد كبير يشبه ما يحدث مع الكاتب .. تنتابه حالة مثل أحلام اليقظة , فيبدأ يكتب ويؤلف بسهولة قصصآ وحكايات من وحي خياله فقط ..
وأردفت : وهذه الحكايات فيها أشخاص يتكلمون ويأكلون ويغضبون .. مثلنا تمامآ .. لكنهم غير حقيقين ..
وتابعت : يعني الفيلم الذي شاهدته هو فيلم غير حقيقي ويجب أن لا نصدق كل ما جاء به ..
قالت بحماس : آه .. الآن فهمت ..
قلت أسألها بتشكك وأنا أبتسم : ماذا فهمت ؟
قالت تشاكسني وتتحدث ببطئ ودلال وهي تعبث بيدي :
- أنني حين أشاهد الأفلام يجب أن لا أتأثر بها ..
أسعدني قولها .. قلت وأنا أربت على خدها ثم أحتضنها:
- : أحسنت يا حبيبتي .. هذا ما يجب أن تفعليه دائمآ ..
وماهي إلا دقائق حتى سمعنا أصوات من صوب الخيام تدعونا لتناول الطعام .. فأسرعت وإياها نتسابق في الجري ونضحك .. وكأن الصحراء كانت تراقبنا بفرح ..والنجوم تطل علينا بوابل من السرور ..
أو كأن الظلام في ذلك الزمن البهي قد اختفى إلى الأبد ..

تحيتي

سحر الناجي
05-17-2010, 04:16 PM
http://www14.0zz0.com/2010/05/17/11/212970784.jpg (http://www.0zz0.com)

* بقايا إنسان .. وضوء

ويمضي ..
مبعثرآ ظله على الطريق ..
ذاك الكهل .
وحفنة ظلام ..ولوعة.. وآلام
حلمه الغريق ..
صامتآ ..
مجهد الخطوات .. والروح
صامت .. وزفرات
تلوح
تندلق من وجعه
تعانق أدمعه ..
أنظاره
التي تنغرس للتو في الفراغ ..
لا ترى غير قلبه ..
وعتمات ..
وماض ..
في جوفه ,, قضى نحبه
وأنين .. ودموع
فقط تلوح في عينيه
الجموع
يتسول المارة عطفآ ..
يستجدي الكرام ..
فقد أضناه الجوع ..
وفي المدى أطيار
وأنوار ..
غائرة في البعد يطويها ..
ضمور ..
أرواح في قلبه يظللها ثبور..
ووجوه نحوه .. لا تقربه
وغفوة نهار ..
تعدو .. تلهث خلف الأسوار
عيون ضائعة .. في صخب المكان
ورحيل
وبوادر عويل
كأنما هو يبحث ..
عن أشلاء ذاته ..
عن ضوء َهُزلت سماته ..
كأنه يلملم رفاته
وقسمات أصابعه التي جفت
وماضيه الذي دفنه
على جدران شرفة خربة ..
في تلك البقاع ..
وهذا الضياع
وذكرى .. تتبدى في الأصقاع ..
عندئذ أدرك .. أن الدنيا ليست وطنه ..
وأن عمره لن يعود ..
ولن يكف الضوء عن الشرود ..
فقد بات شريدآ ..
ذاك الكهل ..
بلا حدود


تحيتي

سحر الناجي
05-19-2010, 03:04 AM
http://www14.0zz0.com/2010/05/17/21/673159230.jpg (http://www.0zz0.com)

* أمنيات .. في بحر الظلام

ما الذي يمكن ان يجنيه الكفيف إذا ما قدُر الله عليه رزقه وفقد نعمة البصر , سوى التمني بزوال العتمة وهو يتحسس طريقه نحو المجهول ..
وما الذي غرسه في ممارساته ثم حصده تبعات , من هو على شاكلة معظمنا بحيث يتمرغ في هذه النعمة العظيمة ويرفل بها ثم يعصي الُمنعم بالنظر الآثم بها ..
تحيرني الطفولة رغم بساطتها ونقاء البراءة المسرفة بالجمال بين طياتها ..
لكنني أتعذب وبشدة لمرأى طفل يتألم ولدموعه التي تنهمر وجعا دون أن يعرف ما يؤلمه , في موقف كهذا أشعر كأن صرخة تدوي في قلبي وتوقف خفقانه ..
يتوقف الكوكب بي عن الدوران حتى يُشل الكون وما به من حركات وسكنات أمام مرأى تنهار له كل قواي ..
الدموع .. الألم .. الحزن .. انفعالات لا أراها جديرة بالطفولة .. ولكن الله قدّر وما شاء فعل .. ولهذا حكمة عظيمة لا يعلمها سواه سبحانه ..
ولا شئ أشجاني وجعل القشعريرة تدب إلى أوصالي رهبة وخشوعا .. كالتالي من التفاصيل :
قالت إحدى الأخوات المحاضرات تذكر قصة حدثت معها أثناء إلقائها لموعظة في إحدى المدارس :
جاءتنا ونحن جلوس طفله صغيرة تبلغ من العمر تسع سنوات فقط , كانت تتقدم وترمق الفراغ .. كانت وكأنها على موعد مع الحكمة ..حيث الظلام يغمر بصرها فلا ترى إلا ببصيرتها..
لذا أنطقها الذي أنطق كل شئ .. اقتربت الفتاة ووقفت تنتظر, فاقتربت منها المعلمة ونظرت إليها بتأثر وسألتها :
- ألديك أمنيه يا حبيتي ؟
قآلت الصغيرة : هي أمنيات وليس أُمنية واحدة ..
قالت المعلمة : جيد .. أخبرينا بأمنيتك الأولى يا غالية .
قالت الفتاة بعفوية : أن أُبصر وأرى وجه أمي فأنا مشتاقة لرؤيتها كثيرا
سألتها المعلمه : ومآ هي أمنيتك الثانية ؟
قآلت: أريد أن أبصرر وأرى الكعبه..
ثم سألتها مجددا : ومآ الأمنيه الثآلثه ؟
قآلت الفتاة بعفوية : أنا أحلم بأن يعود لي بصرى كي أرى القرآن الكريم وأتعلمه وأتلوه ..
يا إلهي ...!
زلزلتني هذه الأمنيات وبشدة إلى حد أن كدتُ أبكي ..
ونحنُ من نبصر ونرى , لا نأبه إلى هذه النعم التي أحاطنا القدير بها ولا نكترث لأهميتها ..
وأتوقف هنا .. وكفى ..
تحيتي

سحر الناجي
05-20-2010, 02:45 PM
http://www9.0zz0.com/2010/05/20/10/940866722.jpg (http://www.0zz0.com)

** الظلام : قسوة بلا حدود
القسوة بالمعنى الراسخ لدقائق الصرامة , هي أن تُغلف قلبك بقشور صلبة من الكبرياء .. والغلظة .. والنفور.. أو بمعنى أكثر حيوية أن تمر على حياة الآخرين كريح صرصر عاتية لا تترك خلفها إلا الذكريات المقيتة .. هي من منظور آخر كذلك أن يجف لسانك وربما قلمك وتعابيرك من رذاذ الخير .. أن تتكهفر الرمادية في ذاتك مثل سحب سوداء تنذر بأعاصير الويل .. وهي بلا ريب أيضآ تعني أن لا تلقِ بالآ لمشاعر من هم حولك .. ولا تأخذك بهم رأفة ولا شفقة .. أن لا ترى في هذا الكون سوى وجهك ورأيك وأفكارك أما ما عدا هؤلاء فالعالم ليس فيه من يستحق ..ولما تفعل كل ذلك ..؟! ..الإجابة ببساطة لأنك وبدون اختيار من أحد توجت نفسك إمبراطورآ على عرش الأنانية وجعلت من كل البشرية حاشيتك التي تخضع وتذل لإرادتك .. لأنك اخترت الظلام يسكنك .. فلم تتح لأضاء اللين أن تتسلل إلى جوفك وتبددها .. إذا كنت كذلك .. فليكن الله في عونك .. لأنك وببساطة شديدة أنت شخص لا يستحق أن يكون إنسان ..

** لو كنت فظآ غليظ القلب
قالت له أمه وهي تبكي : ليتني ما أنجبتك يومآ ولا كنت لي وليدا أو ولدآ ..
حدث ذلك عندما أغلظ لها القول وصرخ في وجهها لأن الطعام لم يكن مطهيآ جيدآ .
وقالت أخته وهي ترتجف منه فرقانآ : سأكون كما تحب .. سأكون خادمتك .. سأنظف لك حجرتك .. وأمسح لك حذاءك .. ولكنني أبدآ لن أحبك
وقال له صديقه عمر وهو يفض الشجار بينه وبين أحد المارة في السوق : ماذا دهاك .. أتريد أن تضرب الرجل لأنه اصطدم بك غير متعمدآ ؟
أما والده فقال له بصوت حزين : إذا بقيت على هذا الحال من القسوة والسخط فاعلم أنك ستجد نفسك يومآ ما وحيدآ ومنبوذا ..
يسير في الطريق وتنهال عليه سياط الذكرى .. أقوال يعلو صداها مزمجرة في عظام رأسه .. فتخورعلى إثر ذلك قواه .. أحداث تصفعه وتلطم كل ثقته واعتزازه .. فيركل بدوره الحصا في طريقه والحجارة التي تشبة مضغة تخفق بين جوانحه .. يضع يديه في جيب معطفه وينكس رأسه منكسرآ لما ألم به .. وهناك على أرصفة الماضي يستحضر الحكاية.. وجوه غاضبة تنهض في رأسه .. أحداق باكية وحانقة تطالعه بلوم وعتاب .. حتى زملائه في الجامعة بدت ملامحهم كحفنة من الخطى الثقيلة التي تدوس رأسه وتحوم على وعيه ..
يتذكر ذلك اليوم حينما انفرد به أستاذه الوقور خارج قاعة المحاضرات وقال له بهدوء :
- اسمعني جيدآ يابني .. إذا أردت أن تتعلم .. فيجب أن تكون مضيئآ مثل نجم يقف بشموخ في الفضاء حيث يتوهج في الظلام .. ولا تكن أبدآ مثل نيزك يجوب السماء بنيرانه ليرتطم بالأجرام ويدمرها ..
وأضاف وهو يودعه : كن لينآ هينآ هاشآ باشآ .. إذا أردت أن تنجح في دراستك وحياتك ..
حتى أقاربه وأرحامه قذفوه خارج عالمهم , حتى جيرانه باتوا يتحاشون اللقاء به , فقد كان ينتهز حلول الزمن ليقتنص عثراتهم ويضعها تحت منظاره كظواهر مثيرة لعجبه ثم يطلقها مجموعة من الإنتقادات اللاذعة والسخرية المريعة .. أجل .. كان يتربص بالأحياء الدوائر , كان يتلمس بغروره آفات النفوس الخاطئة وينشرها صلفآ على الآذان المصغية .. وربما الأموات أيضآ لم يسلم بعضهم من نهش لحمه بأسنانه الملطخة بالهزء والشماتة ..
الآن هو وحيد كما قال والده على نواصي الدنيا .. الآن مهمش هو في الجانب المعتم من الحياة .. لا صديق .. ولا زميل ولا حتى قريب .. الجميع لفظوه من حياتهم حتى أصبحت تفاصيل أيامه بلا معنى أو حياة , ينظر إلى السماء حيث يظهر البدر مثل سراج وهاج .. يتأمله مليآ ويعبس .. في شروده يأتيه صوت شجي بعيد يقرأ القرآن .. توقفت حواسه عند الآية وراح يرددها بلا وعي :
" ولوكنت فظآ غليظ القلب لانفضوا من حولك .."
أجل هو فظ غليظ القلب .. تتجسد هذه الحقيقة في جمجمته وتتعاظم .. تهرول الآية في عظامه وتسير في دمه .. وكأن الضباب يتبدد من وعيه والظلام ينقشع .. وكأن النور يشع في إدراكه .. ويتجلى حلمه بكل وضوح ..حلمه الذي يهيمن عليه ويتنامى .. حلمه يدعوه للإسراع .. للركض , فراح يعدو ويعدو .. وعلى مفترق الطرق يقف ليختار دربه في الحياة .. وقف برهة يلتقط أنفاسه , ثم سرعان ما سلك طريق الإنسانية .. وراح يعدو بين أركانه ليحقق حلمه في أن يكون الإنسان المضئ ..

تحيتي

سحر الناجي
05-23-2010, 02:53 PM
http://www13.0zz0.com/2010/05/22/12/669001151.jpg (http://www.0zz0.com)


* قال لي القمر ..

همس كندى يقطر في دهاليزذاكرتي وينعش ما استظل في ركن سحيق من قلبي وتوارى , لوعتي تطل بوجه مكفهر حين تلامس المعاني حواسي وتتراخى على وجودي مستتبة ..كنت أمسك بتلابيب كتاب ترامت على صفحاته سطور مؤججة بالعذاب .. قصائد تروي معاناة الذين رحلوا فخلفوا أطياف ظامئة لحكايات تنهيها السعادة .. أبيات تنهش وجه النسيان إذا ما لاح على نواصي الزمن وترسخت أوتاده..
كادت أصابعي أن ترتجف حين انزلق الكتاب من يدي , فانتشلته من مغبة التمزق ورفعته إلى حيث كان متسمرآ قبالة احداقي .. أدركت أني أنزف دموعا لجمال شعر تهادى بالبكاء , لمست بأصابعي قطرات لزجة هطلت دون إدراك مني .. رجل يرثي محبوبته ويهيم في الطرقات حزينا وقد ضاقت عليه الدنيا بما رحبت ..
حين تكاثفت الأطياف في حضرتي كغمام ازدحم بالضجيج وجاءني وجهك يمشي على استحياء ويلتصق بمخيلتي , وضعت الكتاب جانبآ وتجرعت رشفات من الماء الذي لم يقدر على إزالة الجفاف من حلقي .. تسربت بلا إداراك إلى الخارج .. حيث العتمة كانت تجول بصمتها أنحاء المدينة .. تتلثم بالسواد وتنسل بين الدروب مهيمنة .. وعند الركن المنزوي في المكان أخذت أحدق في السماء .. كانت النجوم تظهر لي واهنة من بين أوراق الشجر .. وفي الناحية الأخرى في كبد السماء وقف القمر كسيد على حواف المدى ينظر إلى الكواكب بخيلاء .. رمقته مليآ ونكست طرفي أزلق برأسي إلى الأرض .. سمعت بعد وقت صوت يبارزني بالجدل .. هكذا توهمت وأنا أرفع بصري من جديد إلى ذلك المتباهي على عرش الأفق .. تخيلته ينظر إلي ويشاكسني .. وأسرفت في الخيال حتى سمعته يقول :
- ما شأنكِ والحزن هذه الليلة ؟
قلت : هي حكاية أثّرَت بي وتركت في نفسي ما تركت ..
قال : وكأني بكِ غير مصدقة ..!
قلت : أجل .. الحب العذري العفيف .. مجرد أسطورة لا وجود لها في هذا الزمان ..
قال : وما وجه الإستحالة لديكِ ؟
قلت : هل تصدق أن هناك رجلآ يهيم في الأرض بلا رشد من أجل إمرأة ؟
قال : ولما لا .. الأرض مكانا خصبآ لحكايات كهذه ..
قلت : ولكن .. أن يقفد صوابه إلى هذا الحد من التيه والضياع ؟
قال : أخبريني أنتِ عن قصتكِ ..
قلت : فارس هو .. أحب امرأة .. وملكت عليه جوانحه .. ومع ذلك .. كان يتعمد أن يقسو عليها .. ويضع بينها وبينه غروره كي لا يجعلها تشعل شموع الأحلام .. وحين تعلقت به .. غاب عنها .. وتركها تتخبط في حيرة .. والأدهى .. أنه أراد الزواج بها .. ثم تراجع .. وابتعد .. واختار أن يكون العذاب رفيقه .. فهام على وجهه .. لا يعلم أي الدروب يسلك .. هل تصدق ما فعله هذا الرجل ؟
قال : ربما .. أجل , فالنفس البشرية عجيبة تنضح بالعجائب .. ولعل للرجل ما أثناه عن خطوته ..
قلت بغضب : فليكن .. ولكن لا يترك تلك المرأة حائرة حزينة لا تعلم عنه شيئآ .. وطالما لديه المبرر المعقول .. لماذا تمادى من الأساس وراح يطاردها بعشقه المزعوم ..؟
ضحك القمر وقال : كنت أخالك مشفقة عليه .. وإذا بك حانقة ..
قلت : أجل .. كنت متأثرة بالحكاية .. ولكن ما فعله لا يغتفر .. إنه رجل غريب ..
قال بحنو : هوني عليكِ .. ماهي إلا حكاية فقط ..
قلت أوافقه : صدقت .. هي حكاية ملوثة بالغموض ..ولكنها صاخبة بالحزن ..
صمت القمر وأومأ مليآ يفكر .. ولا ينبس ببنت شفة , مضى وقت لا أعيه وهو على هذا الحال , وفجأة وثبت النجمة الحمراء إلى جانبه تحاول أن تخرجه عن صمته .. تقافزت وهي تدندن بكلمات خافتة عن الكون الرحيب .. والاضواء التي تأتي مشرقة من أندروميدا .. علا ضجيجها .. والقمر لا يبدي أي اهتمام .. وحين وجدته لا يلتفت إليها .. أشارت خفية للنجمة الزرقاء بأن توافيها .. دنت النجمة البعيدة متثائبة .. قالت بفضول : ما الأمر .. ماذا تريدين ؟
الحمراء هامسة : إنه القمر .. أنظري اليه حزين .. كئيب .. ولا يبالي بالفرح .. وقد سألته عما يهمه .. فلم يجب ..
همست الزرقاء : هل ترين ذلك الوجه الساهد في باحته على كوكب الأرض ؟
- أجل .. مابه ؟
- سمعت البدر يتحدث إليه قبل قليل , ثم لاذ كل منهما لصمت مطبق ..
- إذن لندعهما وشأنهما .. تعالي لنذهب ونعبث قليلا مع الشمس ..
وما هي إلا هنيهة فقط حتى مر سرب من الغيوم وحاصر البدر بالحجاب , فغاب القمر .. وعم السماء الظلام ..
لذا عدتُ أدراجي إلى حجرتي ذاهلة .. أبتسم لجُمح خيالي .. وأمنيَ نفسي بغفوة كانت قبل ساعات قد استعصت على الحضور والمكث ..

تحيتي

سحر الناجي
05-24-2010, 01:23 PM
http://www2.0zz0.com/2010/05/24/00/415549706.jpg (http://www.0zz0.com)

كنت في مواجهة عنيفة مع المجهول حين أدلقت ما يلي .. حزن .. وألم .. وغضب , وإنسان كاد أن يغادر حياتي إلى الأبد .. وآخر يبتدرها بالغدر ..

* ظلام يقطر حزنآ.. وغضبآ

إنني في هذا الأوان ..
في إنهمار الويل .. وتعنت الزمن , في دقائق تفاصيلها سواد .. وأفكار مثل نيران يتلظى بها وعيي ..هنا .. على شواطئ الذهول ..
الآن .. أحمل ملامحي الباكية .. وأمضي .. أرحل , في غياهب من الحيرة والعجز والإنهيار ..
أجرجر قسماتي الدهشة وراءي .. وصمودي المحتضر .. وبقايا من شموخي , ألملمهم جميعآ وأنغرس في وجه المدى , حيث سراج النهار ذليلآ يخفت ويذوب في حضن الظلام ..
كشبح برحت أنا .. تجهده همهمة المحن ..شبح بلا ظل .. كائن غير مرئي , أعياه هذا القلم .. وصفع الألم .. حتى النخاع ..
مازلت شامخة أقاوم سيل النوائب ,, ولكن ما أعيه الآن أن دماءي تصيح , وقلبي جريح .. وينزلق واهنا إلى سراديب حناياي ..
قلبي يختبئ من هول الخطب .. يتوقف شللآ لسقوطي .. وعثرات الدرب ..
ولكن سيدي .. لاتبالي
حتى وإن لوحت إليك بتلك العبارات ..حتى لو سال مدادي لومآ على متن الصفحات ..
لا .. لم أكن أقسو .. أو أنبش مكنون معاناتك .. لم يكن همي سوى استحضار ذاتك لتتصالحا ..
فلا تبالي .. لكوني مرآتك .. مرآة مشروخة فشلت في تحقيق صورتك ..مرآة ضبابية أنا .. أردتك أن تبدأ من جديد حطواتك ..
مددت لك جسرآ من الحقيقة ,, ولم أفلح .. فلا تبالي ..

** غضب
وحيدآ يأتي ..
في جسده سرب من الأقمار ,,
حالكآ ..
على نواصيه .. قهر .. وجهر ..
وأنوار ..
ليل .. وويل ..
بهيمآ.. والسواد ..
كوحش سرمدي ..
ليل .. لا تنجلي عواقبه ..
أُنقّبُ في ثناياه ..
شاهت نواقبه ..
ظلام .. يفترس الأحلام ..
ظلام وأوهام ..
قاتل .. يداهمني .. يظللني
ويفترش وجودي ..
يصفع صمودي ..
ليل .. وليس كمثله .. ليال
كفزع يجوب الأطلال ..
أنظر إلى عبراتي ..
تدفق رعشاتي ..
وتلك الذكرى ..
تسقط في رأسي وتعتلي ..
تتدحرج ..
تتجمر
في روحي وتصطلي ..
هل غضب هذا .. أم عذاب !
ويحي .. أم تراه سراب
بل غضب .. وحزن .. وعويل
وغرق
وفرق ..
صبر جميل
نازفة .. دامعة ..تيك الأمطار
قاتمة خاطرتك ..
وخلف المعاني .. أسرار
غضب .. وتعب ..
وغم وراءه غم ..
وضياع .. وشرود .. وهم
شرخ للتو .. ما يجتاح سوادك ..
جرح ينزفه .. صوابك
وانكسار
غضب .. وتأبى من يجاريك
تسكب الكلمات .. تلفظها ..
تجملها .. تزينها
هكذا .. دواليك
غضب .. وعبث للظنون ..
أو تسأل من أكون ؟
أنا يا عابرآ ذاك الطريق ..
يا عابثآ ..
قلبي غريق ..
بنت يثرب أنا
سليلة العزة . والعنا
أنصارية .. فارسية .. رومية
في دماءي عجب
في عروقي ذهب
لأني بنت ذاك الحي ..
من العرب
صمت .. وجنون ..
هذه .. من أكون :
تعب .. ووصب .. وغضب
أجل .. غضب .

تحياتي

سحر الناجي
05-25-2010, 06:08 PM
http://www12.0zz0.com/2010/05/25/15/627394211.jpg (http://www.0zz0.com)


* شموع .. وشروع

عم الظلام أرجاء الحي .. والهدوء تراكم مع فحيح للعتمة ..
فجأة وعلى حين غرة .. وجدتني أغرق في ظلام دامس وأنا أبحلق عيناي في الشاشة التي كنت أعمل عليها ..
- يا إلهي .. هل هذا وقته ..!
أختلس من قلبي نبضة وآمرها بالتوقف فتتملص مني وتعدور في مكان آخر من صدري .. و مع تفشي الصمت وإغفاءة النور , بدت الأصوات القادمة من الطريق أكثر وضوحا ..
سمعتُ أخي يتحدث إلى جارنا فهد ويسأله : ما الأمر ؟
أجابه الرجل بصوت مبحوح غلب عليه السعال والمرض : يبدو أنه عطل .. أنظر .. الشارع بأسره غارق في الظلام ..
وقال جارنا الطيب أبو محمد : لا تقلقوا لن يستغرق الأمر طويلآ , لقد قمنا بمهاتفة الشركة .. وسيأتون قريبا ..
أسترق الانتباه .. أبعثره والادراك يلجم محاولتي بالتركيز على خفايا ما يدور حولي .. أقبض على طرف ضوء هزيل كان يتلصص من تحت عقب الباب .. أحايله وأستدرجه حتى يلتصق بوعيي ثم أوزعه بتقطير على مرمى بصري ..
كانت رعشاتي تغط في ظلام كاد أن يفقدني رباطة جأشي , فأخذتُ أتلمس الليل ووجوه تلوح على بوابة خيالي وأنا أنفضُ رأسي .. ثم أعاود تحسس الفراغ متسكعة في اللامكان واللامنظور ..
هاجس يتضخم في إدراكي .. هاجس .. كظل يغمرني بقشعريرة ..يتكور .. يتدحرج على قلبي بالفزع .. إلى أن أضئت هاتفي .. ورحت أبحث بعصبية عن صندوق بني في أحد أدراجي ..كان هناك أشياء كثيرة مبعثرة فوق الصندوق .. أصابعي المنتفضة تزيحها غاضبة . حتى تمسك بذاك النائم في أحضان الخواء .. أخرجه بينما ارتياح يهدأُ من روعي .. وأنا أهمس لنفسي بسرور : أخيرآ وجدتك ..
وجدته يلوح إلي بابتسامة .. فبادلته البهجة ..
أخرجت منه قطيع من الشمع الممدد بين طيات تحفة كانت ترتسم على حوافها زخارف بدت لي كأنها تنانين تشهر نيران منطفئة ..
وواحدة تلو الأخرى أشعلتها.. وأخذت أوزعها في كل ركن وزاوية .. أبعثر الشموع على الأرض وجوار الباب .. حتى فوق الدولاب وعلى حافة الأربكة .. عدد هائل من الشموع أجهدني .. وعندما توقفت لاهثة ألتقط أنفاسي .. ولما تماثل لي المكان كواحة من السحر .. فجأة سطع الضوء .. وعادت الكهرباء من جديد .. فهويت إلى المقعد ذاهلة ..

تحيتي

سحر الناجي
05-27-2010, 03:44 PM
http://www6.0zz0.com/2010/05/27/11/581944689.jpg (http://www.0zz0.com)

بسم الله الرحمن الرحيم
* وحش الفضاء القادم
جميعنا - أو معظمنا - سمع عن ذلك الهول المتواري وراء ثلة من الكواكب ويقترب رويدا رويدا نحو مصير محتوم لا يعلم تفاصيلة إلا الجليل , إنه أبوفيس صخرة العذاب المتأججة بملامح الجحيم ..مخلوق ناري أرعن ينتظر السانحة الملائمة للإنقضاض على الأرض , هذا ما تقوله ناسا ووكالات الفضاء الغربية , ورغم أن الأمر لا يزال تحت المداولة وفي مرمى التليسكوبات العملاقة لمراقبة ذلك الغريب الوحشي , إلا أن الأنباء متضاربة بشأنه .. وتتأرجح بين التأكيد والنفي .. هذه القصة الفضائية الملهمة أشعلت شموع اليقظة في جمجمتي .. فتراءى لي ما يلي ..
* أبوفيس .. ضوء من الدمار
مثل أرتال من الهم تنزلق من عين الذهول وتتساقط ويلآ على روابي صدره .. خفقات لهول قادم .. ونبضات جامحة .. ثم القلق . أشباح للويل تتراءى في ظل خياله .وتخنق وليد للأمل حبا في رأسه وترعرع على طرقات ذكرياته حيث اشتد عوده على مر الأعوام .. وبات على قاب قوسين أو أدني من الفوز الساحق .. وسام فخر يعلقه على جدار عمره بأنه الفلكي الناجح ..
كان فيصل يعدو في الطريق ولا يرى من الوجود غير بقاع الوجود المدمر.. حرائق وأهوال .. وخاتمة تنذر بالزوال .. وانقراض شامل لبقايا حضارة شمخت عبر الزمان.. يتخيل حزن وعذاب . بكاء وعويل .. جثث ملقاة وأخرى تحاول برمق الروح الهزيل الزحف من الجحيم .. هذا كل ماكان يحفل به خياله وهو يقطع الطريق بعجلة ترسم توتره الجامح , كان يمر في دربه برجل يحمل أكياس معبئة بأنواع من المشتروات الشتى .. نظر إليه باستخفاف وتمتم :
- هل ستحيا أيها المسكين لتتنعم بما اشتريت ..؟!
تجاوز بوابة البناية الشاهقة .. وراح يقطع السلام بقفزات تشبه قلبه الذي يتقافز فزعا .. وصل الى الباب وأخرج حفنة من المفاتيح .. اختار أحدها وأداره في الباب ثم دخل ..
كان حامد يجلس على الأريكة ويضحك لمشهد رآه في التلفاز .. نظر إليه فيصل شذرآ وصاح :
- أتضحك والعالم يتخبط في الخارج ؟
أخفض شقيقه الصوت العالي والتفت اليه ذاهلاثم سأله باهتمام :
- ما الأمر .. ماذا يحدث ؟
قال له فيصل وهو يجوب المكان بخطوات عشوائية :
- هكذا أنت دائما .. كأنك شخص لا يعيش على كوكب الأرض ..
- أخبرني ماذا هناك ؟
قال حامد وهو ينظر اليه بقلق , فتوقف فيصل وقال بهلع :
- سنموت جميعا .. سيزول الشرق الأوسط برمته عن الخارطة ..
قفز حامد واقفا :
- ماذا .. هل ستنشب حرب أخرى في بلاد العرب ؟
- لا .. ولكن هناك كويكب قادم من السماء وسيضرب الجزيرة العربية وبعضا من البلاد المجاورة ..
- يا إلهي .. ماذا تقول ..
- هذا ما سيحدث في بضع أشهر ..أبوفيس غول الفضاء الحارق .. آت ..
- من أين جئت بهذه الأخبار ؟
- ألا تقرأ الصحف .. لقد أعلنت ناسا هذا الخبر اليوم صباحا ..
- ولماذا بلادنا تحديدا التي سيضربها الكويكب ؟
- لا أدري .. ربما بسبب ذنوبنا ومعاصينا .. بسبب إذلالنا وخضوعنا للغير .. ربما أننا لا نستحق أن نحيا حياة كريمة أنعم الله بها علينا .. هذه هي مشيئة الله..
- ربما أن ناسا مخطئة .. ألا تظن ذلك ؟
وأضاف حامد يحلم بشئ آخر :
- قد يضرب أبوفيس مناطق أخرى .. قد يقع في أحد المحيطات .. أو يستقر في إحدى الصحاري ..
- لا .. تحديثات المعلومات الفلكية والإخبارية جميعها تشير إلى هذه الحقيقة المرعبة ..
أومأ حامد جاحظا لاهثا .. متألما :
- ومتى سيحدث هذا ؟
- ربما خلال أشهر أو أسابيع قليلة فقط ..
جلس الشقيق الأصغر على المقعد مغيبآ في الذهول ..
وبلا وعي منه .. إندس فيصل إلى جانب أخيه صامتا مهموما مفكرا .. وأخذ يتخيل العذاب القادم .. حتى أشعل حلما نهض للتو في أعماق نفسه الكئيبة ..
ظهرت الصورة جلية في خياله .. كان هو القائد والبطل .. رأى نفسه على مشارف الفضاء مع عدد كبير من الشباب والرجال البواسل .. كان ينتظر قدوم الكويكب المتمرد .. رأى إصرارا عجيبا للوقوف في وجه العذاب القادم .. كان حلمه يأخذه الى محاولات عديدة أخذ يحارب بها الكويكب .. تجارب كثيرة وخطط محكمة ومعدة سلفا أخذ يجربها الواحدة تلو الأخرى للقضاء على الزائر المخيف حتى نجح هو ورفاقه الفلكيين بتغير اتجاه الكويكب وعودته مرة أخرى من حيث أتى ..
رأى الفرح والبشر وصرخات النصر تتعالى من حناجر قومه .. دموع للفرح هطلت من عيون فزعة بانتهاء الكابوس .. فابتسم ..
وحين عاد الى الواقع .. تنهد بمراره ..
أجل حلمه الكبير الآن هو كيف ينقذ الأرض من أبوفيس .. ليعود إلى هذه الأمة مجدها التليد ..
ليصبح الشرق الأوسط آمنآ من الكويكبات والحروب والرجعية ..!
هذا حلم أسطوري .. فهل يمكن تحقيقه ؟
تحياتي

سحر الناجي
06-01-2010, 06:47 PM
http://www5.0zz0.com/2010/06/01/15/926920676.jpg (http://www.0zz0.com)



ظلام من نوع آخر
أدرك على نحو يجعلني أغط في ذهول يسمَرني لثوان وربما لدقائق قد تمتد لساعات بالأحرى من جراء تعاطي الكائنات الأرضية والمتمثلة بالإنسان لممارسات قد تكون أقرب وأشبه بالجنون أو الحمق , حتى النفس البشرية يغمرها الظلام في جزء عميق من الذات المسرفة بالوساوس والغلظة .. هذا ما اكتشفته بعد رحلتي القصيرة والمضنية على ساحل الحياة , ولعل هذا السواد الملطخ بالغرور والعناد والإصرار على التدني إلى مهابط القسوة يكمن في زاوية منسية من القلب لا تصل إليها أنوار الفضائل إلا فيما ندر ..
ولا تدغدها حكمة المنطوق من درر السمو " مثل كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت و فرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها " أو "ابتسامك في وجه أخيك صدقة "
حقيقة أتلثم بالفضول وأنا أسير وراء مشعلي وأحمل معولي لأنبش هذه القبور الدفينة في أتربة النسيان ..
أعشق حل الطلاسم وإن كانت تغرق في بحور من الظلام .. وإن غارت في عمق سحيق لا أَجيد معه العوم .. ولكنني أستعين بالله وأستند على عزيمة تجيد الغوص وأذهب إلى ما وراء الطبيعة الإنسانية ..
وفي حكايات قديمة ومواقف علتها أتربة الزمان .. أنفض عنها البلى وأنفخ على سياقها لتبقى جلية بالعظات مقبولة للعقول والأذهان , وقد يحالفني الحظ مع اعتكافي في صومعة الرعب من جراء هذه المشقة .. و قد أنجح في مهمتي هذه حينا .. وأفشل كما أتوقع عادة أحيان ..
وللأمانة فإن إخفاقاتي بالفشل على مرارتها توعز لي مرارآ بالإبتعاد في حال تمخض بحثي عن فشل ذريع لا يعقبه سوى الحسرة والألم ..
فلا طائل من إصلاح نفس سادها الظلام ورسخ على متونها بدعائم الضلال التي تنتهي بصاحبها عادة إلى السقوط في براثن الويلات النفسية والجسدية ..
ولا جدوى من رتق نسيج للقلب اهترأ بالنفور والعنفوان حتى أخذ وجه صاحبه ملامح الازدراءالذي يلطم ناظره بأنفاس من الصلف ..
والأدهى من كل ما قيل أن تلتزم جماعة - وليس شخص فقط - بهذا النهج الذي غالبا ما يجعلك تتوقف عن سبر الأعماق وتعود خالي الوفاض إلى حيث البداية فقط ..
تجهم جماعي ..!!!!
القصة التالية جاءتني على عجل مع هبوب نسمات مسائية تجلت بضحكة لقريبتي التي جلست أمامي تبادرني بحماس قائلة :
- هل سمعت أخر طرفة يا سحر ؟
قلت أناولها فنجال من القهوة تعالت أبخرته بروائح " الهيل " الشهية : لا ..
وأردفتُ أحذرها من من مغبة ردة فعلي إذا ما فشلت في إضحاكي :
- ها .. إياكِ وتلك النكات السخيفة التي تكررينها دائما على مسامعي وتجعلني أرغب في ..
ضحكت ضيفتي بسعادة وقالت : ستضحكين وتعجبين .. أعدكِ بذلك لأنها قصة حقيقية ..
قلت أرتشف من فنجالي قطرات ساخنة من القهوة : حسنا .. هاتِ ما لديكِ ..
قالت : أنت تعرفين قصة أخي بدر , وما فعله لأجلنا بعد وفاة والدي يرحمه الله , حيث تحمل مسؤوليتنا جميعا وعزف عن الزواج من أجلنا حتى كبرنا وتعلمنا وتزوجنا جميعا ..
قلت : أجل .. أحفظ هذه الملحمة الإنسانية عن ظهر قلب , وكيف لا أفعل وبدر قد قدم نموذجا للرجل الرائع ومثالا للتضحية النبيلة في زمن شحبت فيه معايير الروعة ..
ثم سألت : وما شأن بدر في طرفتك ؟
قالت : قررنا بعد مداولات عدة أنا وأمي أن نزوجه . فقد حان له الراحة بعد هذا التعب الطويل ..خصوصا وأنه يقترب من الأربعين ..
قلت أبتسم : جميلة هذه الخطوة ومباركة إن شاء الله . وبدر يستحق كل خير .
قالت : ورُشحت لنا إحدى الفتيات , وقام أخي بدر بالتنسيق مع ذويها لزيارتهم أنا وأمي كي نتعرف عليهم ونرى الفتاة ..
قلت باهتمام : رائع .. وهل ذهبتم ؟
قالت تهز رأسها بقهر : أجل , ذهبنا وليتنا لم نفعل ..
قلت بدهشة : لماذا .. ماذا حدث ؟
قالت : ما كدنا نطرق الباب أنا وأمي حتى استقبلنا حشد من النساء , عمة الفتاة وخالاتها وشقيقاتها ..
قلت : ها .. وكيف كان استقبالهن ؟
قالت بمرارة : فاتر .. بارد .. صامت ..
سألت بذهول : كيف ؟
قالت : جلسنا ولم نسمع كلمة ترحيب واحدة , هل تصدقين هذا ..؟ ثم جلست السيدات متجاورات في مقاعدهن كل منهن تنظر إلينا من طرف خفي بريبة وحذر, بينما عبوس أقرب للغضب يكسو ملامحهن ..
- ماذا ؟
قالت : صدقيني .. هذا ماحدث , حتى عندما أحضرت العروس العصير .. لم تقدمه لنا بل وضعته على الطاولة قبالتنا .. ولم نسمع من أيهن كلمة تفضلن ..
بتشكك علقت : لعلكِ تبالغين يا عزيزتي ..
قالت بكل جدية : أقسم بالله أن هذا ما حدث ..
- أصدقكِ .. أكملي ..
قالت : وعندما وجدت الأجواء مشحونة بالتوتر والنفور , قمت ألطف الجو بشئ من المرح بالتعليق على فتاة صغيرة ربما هي إبنة أخت العروس , أخذتُ ألاطفها وأضحك لها وأداعبها بكلمات عفوية .. ولكني صدمت بأم العروس تقول بصوت أجش وملامح غاضبة : لماذا تضحكين .. هل يوجد ما يُضحك ؟
وتمتمت أخرى بسخط : الضحك بدون سبب قلة أدب ..
هتفتُ غير مصدقة : يا الهي .. هل قالتا هذا ؟
أجابت ضيفتي بمرارة : نعم
قلتُ أحاول خلق العذر : ربما أن القوم يعانون من ضائقة .. وربما لديهم مفاهيم ونفسيات جادة لا تقبل المزاح .. أو لعل لديهن مريض أو ظروف تستدعي هذا الإستقبال .. ..
وصمتُ لثواني ثم انفجرت بالضحك متابعة : هذا الاستقبال التجهمي ..
قالت : وليكن ما قلته حقا .. ألا يوجد بينهن امرأة واحدة تحسن استقبال الضيف وتكرمه ولو مجاملة ؟
قلت مندهشة : فعلا شئ غريب ..
ثم أطلقتُ سؤالا يكتنفه الفضول : وكيف انتهت الزيارة ؟
قلت : لكزتني أمي وهمست باستياء : لنذهب , وخرجنا ونحن نقسم أن لا نعود لهذا البيت أبدا
- وماذا فعل بدر عندما عرف بذلك ؟
ابتسمت وقالت بمرح : قرر العزوف عن الزواج إلى الأبد ..
أطلقتُ ضحكة من أعماقي لتعليقها , وقضيت ليلتي أفكر بهؤلاء القوم وأنا أتساءل : هل يعقل وجود شريحة مماثلة من الناس وعلى هذه الشاكلة وفي زمن علا فيه زبد الحضارة و والتثقيف الأخلاقي والمعلوماتي المُيسَر ...!؟

تحيتي

سحر الناجي
06-03-2010, 01:22 AM
http://www5.0zz0.com/2010/05/24/00/162240771.jpg (http://www.0zz0.com)

* هناك .. في الظلام
على حافة الطريق ..
ووجنة الغمام ..
بدر غريق
في السحاب ..
وتيك الدروب يأكلها السراب ..
وسرمدية الضباب
ولا ضوء ..أو نوء ..
عدا التراب
ورزمة من الأنوار قد شهق وهجها ..
فقط خابية الصمت تأكل ..
وجهها
كألق يتأرجح في القوام ..
كروح .. أجهدها السلام
كرمق ..
بلا نهاية
يتفشى
وفي الصقيع ..
مواسم بلا ربيع
فيمض الفتى الذي يترنح
متوشحآ أسماله
مأساته
تحت القناديل
وبين الأزقة .. يتسكع
أو يندلع
مرتعشآ
في الضياع الوخيم
في عتمة مستبدة
لا تنجلي
وغصة تعتلي
وعلى الوجع تنطلي
هناك
ما ينحتها الشتاء
صريم البقاء
في أغوار الأفق
على المفترق
صبي ورحيل
وحلم جميل
حلم .. قد نفق ..

********
تحيتي

سحر الناجي
06-09-2010, 10:15 PM
http://www5.0zz0.com/2010/06/09/18/445854894.jpg (http://www.0zz0.com)

** ضوء .. ( لا يزال ) في حياتي
هذه الليلة ..
أبث إلى الصمت شكواي وقد رقدت تمتمة الصمت على صدري تهذي بالشرود.. يأزني القلق لأنبلج إلى الماضي هائمة ..
هناك يخدش البهاء عبوري فأتمارى وكأني أتلظى بشهب مارقة من الأطياف المضيئة ..
فقط حين يطل وجه الظلام يبارزني ذاك النور بالحضور ..
أبي .. وضوء من الذكرى القابعة على متن الروح بتكوير الشمس .. أبي وهامش سيريالي رحب الروعة في دفتر ذكرياتي..
أبي .. يا هامة في ثنايا الزمن توشوش الزهو شيوعا ..يا همس رابض تحت جلد شوقي وتنبشه معاول الليل ..
" أبي " .. ويلسعني قلبي بالحنين .. يلدغني بخفقاته المتردية ألمآ ..
قال لي يومآ : إسمعيني جيدآ يا ابنتي .. أنا لن أدوم لكِ .. فالدوام للجليل .. ولكن إن شئتِ ديمومة نصحي فانصتي جيدآ ..
قلت بكل اهتمام : إلى ماذا يا أبي ؟ ..
قال : هذه الدنيا يا ابنتي .. كبحر لُجّي .. ظلمات فوقها ظلمات .. وقاربك يمحر عباب هذه المحن ..
وصمت ردحآ من الزمن ثم تنهد وقال : أعلم جيدآ أنك قوية .. وأن قاربكِ يستطيع الصمود في وجه النوء ..ولكن ..
وعاد إلى صمته , فهتفتُ أحثه على المتابعة : ولكن ماذا يا أبي ؟
قال : أخشى عليكِ الغرق يا حبة القلبِ ..
دهشت وأجبته بلهجة الفتاة المتهورة : كيف ذلك , وأنت قبل هنيهة كنت تقول بأني قوية .. !
قال : عليك بجعل جسد السفينة متينآ وخارقآ .. حتى لا تنهكه وتسقطه لطمات الموج .. أو نفثات العواصف ..
سألته بحيرة : لا أفهم يا أبي ...!
قال : جسد السفينة هنا هي الروح يا ابنتي .. وروحكِ كي تكون شامخة صلبة .. يجب أن تُغذيها جيدا ..
سألت من جديد : بماذا ؟
قال : بالإيمان والتقوى .. فكلما اقتربتِ من العظيم كلما أصبحتِ شديدة النزع إلى مقاومة الشدائد ..لأن الجليل سيكون معكِ في كل حين وأوان ..
وزفر ثم قال : فمن كان الله معه .. لن يهزمه شئ .. ولن تسقطه البلايا .. وإن تعثر ..
تسيل يقظتي بالهمة .. ويسبل التنهيد قطرات من المرارة على حواف فمي أمسك المصحف بأصابع مرتعشة .. أرتل فيه ما جعل السكينة تهبط كالنسيم إلى قلبي ..
وقبل أن أقوم من مجلسي ذاك وكأني كنت في رحيل على نواصي البياض , كنت أتمتم والدمع يطل حارقآ من عيني :
رحمك الله يا أبي .. رحمك الله يا عزيز الرجال .. وسيد الحكمة ..
تحيتي

سحر الناجي
07-10-2010, 06:11 AM
http://www2.0zz0.com/2010/07/04/02/401789309.jpg (http://www.0zz0.com)

*** في الظلام ..
* أختلي بوفرة من شجون شتى ..
نظرة شاردة من هدب الحيرة تنغمس في صدري ..
ورمق جاف للحياة ..
ووجه الصمت يلوح من قعرالزمن هائمآ ..
وفي جانب الظلام تأوه الخوف يتلمظ ببقايا قلوب افترسها ..
وعند هبوب الشمس .. تراكضت الأحزان تتوارى من الضوء ..
ولم يبق سواي ..
فحملت قلبي ومشينا نفتش في طيات يوم جديد
عنك .,

*********

* آويتُ إلى حديقة الليل ..
وبساط من حشائش الصمت يتمرغ تحت وقوفي ..
والهواء كخيوط للحياة يمسكها صدري فتتقطع إربآ ..
وجنى الجنتين دان ..
وهزي إليك بجذع النخلة ..
وياحبذا الفردوس ونعيمه ..
ورب إني لما أنزلت إلي من خير فقير ..

*******

* تمادى الألم في غيه ..
وتهادى على رابية الزمن يفتش عن بقايا ذكرى ..
وعن أطياف تتدحرج من سفح الحكاية ..
ولكنه أحيانا لا يرى وقع خطاه ..
فبنقلب رأسآ على عقب ..
ويمسي الكائن .. المنسي

تحيتي

سحر الناجي
07-10-2010, 06:18 AM
http://www13.0zz0.com/2010/07/04/02/319754719.jpg (http://www.0zz0.com)


*** في الظلام (2)
* فر ضوء مارق من الطريق واعتصم بنافذة مشرعة ..
وكلص أخذ يحاول في القضبان ..
حتى انصاعت له فتسلل إلى حجرة مغشي عليها ..
كانت العيون مغلقة في موعد مع الأحلام ..
ولكن الضوء أيقظها بصخب الألوان ..
فقام الوجه الناعس وألقى القبض عليه ..

*******
إنفرط عقد الضوء ..وانزلقت حباته الثمينة على وجه الليل ..
الطرق في هذه الرؤية تزداد التواء والأزقة تنطق ..
لاشئ يدوس الرصيف غير خطوات شاردة ..
وعند منتصف الألم ..
تسير الدقائق بخطوات متثاقلة ..
يشيح كل شئ وجهه عن زمني ..
حتى الفجر أصبح سراب ..

*******

* أردتُ أن أبعث برسالتي إليكَ :
أيها المار بثقل قلب على مقاس كل الإناث ..
ها أنت ترتكب بداية جديدة وخاتمتك . لغة لا نظير لهافي أسطورة الغرام الأسود ..
تقطيبة لقلبك .. وأخرى متسمرة عجبا لدغل يتكور في ليلك ..
وكوم من الأنات .. والآهات .. وأجداث القلوب ..
وأنا أضمن لك مزاج ثائر.. وعشيقة جديدة وساذجة .. ونهاية وخيمة ..
وحكاية توشمك بالقبح ويلوكها الزمان ..
سلام ....

تحيتي
*

سحر الناجي
07-11-2010, 05:49 AM
http://www6.0zz0.com/2010/06/11/00/800003960.jpg (http://www.0zz0.com)

*** في الظلام (3)

* أقبل شبح الحكاية يهمهم بين دروب الذاكرة ..
إبن يعقوب والبئر وسيارة وسادة ..
ورجل ابيضت عيناه من الحزن ..
كانت امرأة العزيز تنسج غواية الليل ..
وكان الفتى سجين زنزانة تغشاه من وراءها ضوء الحكمة ..
ظلم .. وغدر ,, ونهاية أمهرتها العظة ..
حكاية تحدث كل يوم ..
ولكن بتفاصيل ووجوه مزركشة بالزيف

********

* قام الغسق على عجل يرحب بالوافد الأسود المهيب ..
الشمس قربانه .. وألوانها تسفك في حظيرة الأفق ..
وحين ينضج رحيلها .. يلتهمها الظلام بنهمة عجيبة ..
فلا يبقي منها سوى عظام ..
عظام .. ورميم الزمن ..
يبعث العظيم فيها الحياة مجددآ ليوم آخر ..
ويكسوها النور .. في نهار جديد ..


********

* يتجمر زمني ويبثني بسخونة الشوق الغاضبة ..
كم أصحو من شتاتي على طيفك المنكس ألما ..
وكم تلكزني الأماني الضاحكة بأن أتشمم قلبك مليا ..
أمير أنت .. وتسود عروقي ..
حتى ألوح الشمس التي غربت وهي تدعو لك ..

تحيتي

سحر الناجي
07-12-2010, 11:58 PM
http://www2.0zz0.com/2010/07/11/06/620736418.jpg (http://www.0zz0.com)


*** في الظلام (4)

* أيقنتُ أن الصيف طقس من الجحيم ..
تتسلل نيرانه بدون هوادة إلى خلاياي ..
وتحرق ما تبفى من جلدي , حتى أشم روائح الشواء ..
وقلبي مضغة لا يلوكه الحريق ..
وإنما يهلكه نسمة مارة وتحمل عبير شبيه بروائحك ..

********

* يحضر الليل كشيخ تعبت خطاه من وطأ السواد فيرتشف جرعة من نور بارد ..
وقشة ملقاة على ظهر الريح وتمسك بتلابيب الفزع وتبتهل بألا تسقط بين براثن المجهول ..
وتنحسر الغصة ولكن الحسرة كائن معصوب التراخي ويتجلى بأنينه الوجل ..
فيلوح الفجر ..
ويولد الصباح منغولي ..
ويمسي الضوء معوق ..

********

* تناوشت أرجوحة العتمة مع خيوط الليل ..
والحيرة.. تقف على الرصيف وتنتظر انقضاض المهل ..
ودوح المدينة يرشق المارة بظلال كطعم الضجر..
فقط الحبق ذليل , لأن الخميلة انتبذت مكانا قاصيا عنه ..
والشتات دوما .. سيد الوقت

تحيتي

سحر الناجي
07-13-2010, 10:29 PM
http://www12.0zz0.com/2010/07/12/13/210242686.jpg (http://www.0zz0.com)

* سجينة الظلام

لبثتُ في بطن الحدث إلى يوم سرمدي لا تحويه سوى ودائع الذاكرة ..
لمحة ماكرة جاست بي التيه فبرح الذهول مجرد نظرة منقوشة على قسماتي أو كتجعيدة مزمنة تختلس خطوط الفرح ..
وهاهي الذاكرة ترتدي قبعة الشرود احتماء من شمس الوعي الصاخبة بالسخونة ..
وأمي تقلب كفها ثم ترميه على راحتها وتهمس : لا حول ولاقوة إلا بالله , إنا لله وإنا إليه راجعون ..
كانت الريح تشاطر وجه أنفاسي العبوس وتهمهم بترنيمة الليل التي علت على قامة الضوضاء ..
والمساء بدا هزيلا وهو يجر جرابه الملئ بالنجوم والأقمار في طرقات الكون ..
إقتربت من ذاك الوجه الصغير الغارق في الدهشة , سألتها : أمي , ما بك ؟
وكما توقعت نهرتني بنظرة قلقة تضعني على حدود الصمت حتى أستند إلى حيرتي وأراقبها ..
يجئ أبي , وينشر مظلة الحراك في المكان , فتستقبله أمي بكلمات رتيبة وتوسع له مكانا بجوارها .
السكون خيم لهنيهة بينما يطل الوجوم على كراسي تبعثرت في أنحاء الحجرة وتستصرخ الشفاه بالحديث ,
وكأمنية دلفت من النافذة وجالت المكان بعذوبة قال أبي مبادرآ : هل سمعتِ بماحدث ؟
نكست أمي رأسها وقالت : أجل .. وصلني الخبر قبل قليل ,,,
همس أبي يطلق تنهيدة خرجت مع صوته الحزين : فليكن الله معينآ لتلك الفتاة وذويها ..
لأول مرة ترفع أمي رأسها وتنظر في عيني أبي مباشرة : ولكن كيف حدث الأمر ؟
أبي بهدوء , ولا زال يمارس إعتاق الزفرات : لقد صدمتها عربة مسرعة في طريق عودتها من المدرسة وأردتها جريحة على متن الرصيف ..
- يا لوفاء للمسكينة . هل ستقضي باقي عمرها ضريرة لا تبصرالدنيا كما قبل ؟
- أجل , هذا قدرها والحمدلله على كل حال ..
يشيخ الزمن وتلك الصيحة التي أطلقتها وقتذاك , لا تزداد إلا ينوعا : ماذا . وفاء ابنة جيراننا ورفيقة دراستي أصبحت عمياء , يا إلهي ..!!
ويسرق هلعي وجه والدي فينظران نحوي , وكأنني كنت مغيبة عن إنتباههما .. قالت أمي تصرف عني هول النبأ :
- إذهبي وأعدي لأبيكِ كوبآ من العصير ..
ولكن هيهات .. مضيت أسير على جمر ولا يحرقني غير رماد وعواصف الزمن تذروه وجعا على أرصفة الروح ..
وكلما حاولت آن أهرع إلى وفاء , كي أضاحكها في خيالي .. أبحث عن طفولتنا وأكوام من الذكريات ..
كنت أعود في كل مرة خالية الوفاض .. فلا شئ سينقش ضحكة الزهر حين تعبس الشمس وتحجب أنوارها عن العيون السقيمة ..
ليس كمثله الألم المتردي بين ليال صبيحتها دوما .. العتمة ..
وذاك الهاجس يستل الآه من قلبي .. حين يواتيني الواعز : بأن وفاء برحت سجينة للظلام .. وقد ألقيت في جب عميق من العمى أحلم دوما وأدعو القدير بأن يحررها منه ويشفيها ..
و هكذا توالت السنين , وكبرنا .. وافترقنا ووفاء أبدآ لا تغادر خاطري .. ولا تفارق مخيلتي ..

تحيتي

سحر الناجي
07-18-2010, 08:55 AM
http://www4.0zz0.com/2010/05/22/23/409130796.jpg (http://www.0zz0.com)

** كف .. في الظلام

تمتد من الشتات كف تبدو غليظة الملمس وحواف أظفارها تقلم دهشتي المنبرية عنها نظرة عجب ..
الفكرة العمياء تتلمس دبيبها إلى جمجمتي التي ترنحت لمرأى الأنامل المحلقة في الفراغ كأجنحة ترتكز على الخواء ..
أصابع منثنية حادة البنان .. ومجعدة بخطوط سميكة عند كل مفصل ..
لم أهدر تسمري على الشرود , ندت عني آهة أحاول بها المثول أمام حواسي بأني حقيقة تستشعر الهوس ..
وأن ما يدور حولي ليس إلا خارق للمنطق لا تفسير له في قواميس العقل ..
ولكن اليد ما زالت تقترب من مهجعي .. تأتي بطيئة كسرب هواء لا يستعين بالهبوب .. لكنها تدنو ..
تتجاوز الأريكة الممدة بجوار الباب .. وتتحسس فوهة قربة أثرية كانت معلقة على الجدار .. وتقترب ..
كنتُ أتخبط في هاجس يصرخ بعويل يصم الآذان .. فترتعد فرائصي وأعصر طرف غطائي في راحتي التي كتمت أنفاسه فتجعد ميتا ..
بشري أنا يرتجف في قلبي النبض ويجلو ضباب الروح عن مخلوق فزع بوجه هزيل يريد الغوث .. كانت تلك الطفلة التي تسكنني ..
تململت في رقادي أقنع ذاتي التي بدأت مراسم الخوف بأني على قيد الحياة ..
ارتعشت شفاهي وأخذت تمارس ترتيل الطهر : أعوذ بكلمات الله التامة من غضبه وعقابه ومن شر عباده ومن ..
وابتلع الذكر وألهج به في طيات الروح حتى يعلو صداه ويختلط بالفجر وليال عشر .. والشفع والوتر ..
ما الذي يجري .. هل أنا ميتة وعلى مشارف البرزخ أنحني لمراسيم حضور منكر وناكير .. أم هذا مجرد هذيان وسراب ..؟
ألتفت إلى النافذة .. وأتيقن أني حية .. هاهي عربة جارنا السيد نايف تصطف تحت نافذتي كالمعتاد .. ويخرج الرجل وأسمع خطواته وصليل وفاتيحه ..
إذن هذا حقيقة .. فما الذي يحدث تماما لي ؟
أعود لرمق الكف .. ويا للغرابة .. أجدها لم تختف .. بل ما برحت تدنو وتدنو .. يا إلهي ..
أغمضتُ أهدابي وشرعتها مرة أخرى فإذا بيد أمي تهزني برفق ووجها يطل علي من شارف الحنان :
- سحر .. حان موعد صلاة الفجر .. هيا يا ابنتي ..
أجلس وأستعيذ بالله من همزات الشياطين .. وأدرك أنه كان مجرد حلم خبيث ..وأنها تجربة فاشلة لي تلك التي قررت أن أخوضها لأغفو في العتمة ..
فأنا اعتدتُ النوم والأضواء تغمر حجرتي كل ليلة ..
حينها تذكرتُ مجددا كم أنا أكره الظلام ..

تحيتي ..

سحر الناجي
07-20-2010, 10:19 PM
http://www3.0zz0.com/2010/07/20/19/569533588.jpg (http://www.0zz0.com)

** ضوء .. أوسنجاب .. أو سراب ..!!

قال أحدهم يروي قصة حقيقية وقعت في طفولته :
كان الصوت ينهمر في أذني كالمطر .. قال لي أبي لا تلعب في الباحة الخلفية بعد حلول المساء , وعلل ذلك بسبب الحشرات التي تكاثرت بين الأعشاب ولسبب غريب لم نفهمه ..
في عصر ذلك اليوم رأيت من نافذة حجرتي حيوان صغير ينشب بأظفاره العشب ليصنع له جحرآ , لم أتبين حينها إن كان فأرآ أو سنجابا , كل ما كان يعنيني أن أخرجه من حظيرة الدجاج بعد أن يأوي الجميع الى النوم ,, لأجل هذه المهمة السرية غفوت في قيلولة صغيرة لم أكن معتاد عليها وأديت واجباتي المدرسية على أكمل وجلست أتعجل مرور الوقت متجهزآ لمواجهة ذلك الوحش الصغير .
في أمسيتنا العائلية المعتادة وبعد أن تناولنا طعام العشاء طلبت الي أمي بأن آوي إلى فراشي مبكرآ بسبب برودة الأجواء ..
- ولكني أريد أن أجمع لك باقة من الريحان كما وعدتك يا أمي ..!
- لا .. إفعل ما تقوله أمك وكن ولدا مطيعا ..
قال أبي بحزم وهو يقرأ في الصحيفة ويرتشف رشفات من الشاي..
- ولكن ..
- قلت لك اسمع الكلام ..
صاح أبي وأرسل نحوي نظرة ساخنة أحرقت كل عناد لدي , جلست قليلا بجانب المدفأة , ثم سرت الى حجرتي صامتا حزينا بعد أن تمنيت للجميع نوما هنيئآ .. كانت الأجواء في الليل تزداد برودة ومع ذلك شرعت نافذة حجرتي أبحث بين الظلام عن ذلك الحيوان الصغير , وما هي إلا لحظات حتى سمعت صوت خطوات أمي تقترب من باب حجرتي , فأسرعت أدس بجسدي بين طيات السرير وأدعي النوم ..
كانت الساعة تقترب من الحادية عشر ليلا عندما ساد الصمت أرجاء منزلنا .. فتسللت إلى القاعة الرئيسية في البيت أتأكد مناستغراق الجميع في نوم عميق.. ثم أسرعت على رؤوس أصابعي أتجه إلى الخارج حيث رأيت الحيوان ..
لم أنسى أن أحضر مصباح جيبي معي كي أرى طريقي بوضوح .. وبعد بحث قليل وخطوات بعثرتها هنا وهناك .. وجدت الجحر .. فبدا لي هادئآ .. وفارغآ ..لا أحياء تعيش بجوفه .. ومع ذلك
أخرجت قطع من الجبن المخبئة في جيبي ونثرتها على شق الجحر في محاولة لاستمالة الحيوان للخروج .. ولكن انتظاري طال ولم يظهر شيئآ .. حتى أنني أرخيت السمع محاولا إقتناص أي حركة للمخلوق الغامض .. ولا جدوى .. فالصمت كان بسود المكان .. ولا إشارة تلوح من قلب الليل عن وجود ما جئت من أجله .. وبعض مضي من الوقت بدأ الملل ينتابني .. والنعاس يدب إلى جسدي .. والحقيقة أن العتمة والوحدة أشعلتا في قلبي بوادر الخوف .. لذلك عزمت على المحاولة في الغد بعد أن وقفت أصلب جسدي المجهد من طول التقوفع .. وما كدت أخطو خطوة للأمام حتى حدث أمر رهيب .. فجأة ..رأيت نورآ هائلا يسطع في كبد السماء .. وجسد طائرغريب بشكل بيضاوي يدور حول نفسه عدة دورات منتظمة ثم يتوقف قليلا .. وكأن راكبه كان ينظر إلي ثم سرعان ما ارتفع في السماء مخلفا وراءه ضوء أزرق .. وذيل ساطع من الألوان العجيبة .. حدث الأمر في ثواني معدودة .. خلتها أنا ساعات من الزمن ,في تلك اللحظات المفزعة ..
لم أتمالك نفسي لهول ما رأيت فأسرعت فزعآ إلى المنزل وأنا أصرخ بصوت عالي :
- أبي أمي .. مركبة في السماء تريد اختطافي ..
وما هي الا لحظات قليلة حتى عج البيت بالحركة والصوت من جديد ..
كانت الساعة تشير إلى الثانية صباحآ .. حين أخذ أبي بيدي إلى الخارج .. ليقنعني بعدم وجود شئ .. وإنما ما رأيته كان وهما أو أضغاث أحلام ..
وبالفعل , لم يكن هناك أثر للضوء أو الجسم , بل كان المكان يعج بصمت غريب .. حتى صوت الحشرات الليلية لم أسمعه في ذلك الوقت ..
وكل ما تناهى إلي تمتمة أبي وهو يهمس لأمي :
- أخشى أن يكون الصبي مصاب بأمراض نفسية.. والمشي أثناء النوم .. والكوابيس ..
كنت في التاسعة من عمري عندما وقعت هذه الحادثة ..ولم أنسها قط رغم بلوغي الثلاثين من الآن ..
وحلمي الوحيد الذي رافقني طوال هذه السنين .. حلمي الذي سكن يقظتي .. وبين طيات جفوني عند النوم .. كان ولا زال هو أن أعرف حقيقة ماجرى في تلك الليلة .. وذاك الضوء الغريب الذي ما توقف عن الوميض في عيني بين وقت وآخر ..
هل كان وهم .. أو حقيقة أو ماذا ...!!

تحيتي للجميع

سحر الناجي
09-14-2010, 10:45 PM
http://www6.0zz0.com/2010/09/13/15/829854965.jpg (http://www.0zz0.com)

* احتماء بالضوء
ليلتي تقارب بين دقائقها وتلفظ الصمت من شفتين تصطك وراءها الأسنان ..
كان الحنين يتلقف الطيف ويغرسه في تراب ناء من حقل الصدور .. وحدق يجوس المجهول برمق فاغر أهدابه ..
صوت السكون كهمهمة للخيال يصطلي بها القلب ..
والفزع صريم يجوب الحنايا بأقدام حافية وأنفاس منقطعة ويؤم وجهه صوب الأفئدة ..
بينما الغيم يدنو على أطراف نسمة ويهمس في أذن القمر ..
مناوشآ زحل الذي امتعض واتخذ من حلقاته وشاحآ يلوذ به إلى كتف الكون باكيآ ..
القناديل حسبها الوهج الناطق بالضوء كي تبتسم على الطرقات ..
حماية هي المنارات من وحش البحار ..
وجنود الأسرجة وعساكر النجوم تصطف على ناصية العين وتبث في الروح بوارق للآمان ..
تتجمع المعاني على بوابة حنجرتي وشعور بالخوف يلونها بالسواد ..
دومآ يباغتني الظلام برغبة عاصية ونية يلوثها النفور ..
دائمآ يجئ مع فوج من الهواجس التي تتراقص طربآ على أوردتي ..
وأنا .., ألوذ إلى الشتات .. أو أقبع في ركن بعيد من الشرود ..
بانتظار مارد المجهول القادم مع قطيع الأوهام ..
حيث تأخذ جمجمتي هيئة الضجيج للأفكار المتقدمة بالنواح ..
وتتلبد حواسي بقشعريرة تنتفض فيها الروح ..
احتفال غريب بالعتمة ..
ولكني أحمل شموع في قلبي للفأل ..
وأحنمي بالضوء ..

سحر الناجي
09-18-2010, 10:00 PM
http://www12.0zz0.com/2010/09/18/14/523119746.jpg (http://www.0zz0.com)

* الوحش
أستلقي على الهواجس بكل أريحية .. والنوم عزيز في بقعة الأرق الملعون ..
لا شئ غير يقيني .. وزمرة أوهام أهش عليها بوعي مهتوك اليقظة .. ووجه أستجلبه من الشتات ..
كنت أحتبيك .. وأرسم في عيني جنة لنا .. لا توازيها سوى أرصفة أفلاطون .. ومدن غائرة وراء تلال الحلم ..
كنت أشي بك إلى قلبي .. الذي أدار لي ظهره وقام يخفق ممتعضآ من شكواي ..
والروح لا تقف لديك .. وإنما تهرول صعودآ إلى حيث سدرة المنتهى تدوي بتسابيح تُزهق القنوط ..
وقبل خطوتي الأخيرة إلى قلب السحاب .. وبعيد أن التجأت بتعبي إلى جدار المطر ..
حل الظلام .. ليعتمر مساحتي الكتظة بأطياف كانت تضاحكني .. وتسرف في الفرح ..
بات كل شئ وهم .. غير محسوس .. فسقطت حواسي على صخرة ملساء لا أم لها ..
ويحي .. من أخيلة تأتي تباعآ من أرض الأساطير .. والسحر الأسود ..
وأجاري الوهم لهنيهة .. وأنصاع مرغمة لتميم القهر ..
خوف عاصف يجتاح قلبي للتو.. فأسرع لواذا إلى تهاليل تنجيني من مغبة الفزع ..
رأيتُ هضاب من السواد السيريالي .. ووحش للألم يجثم فوق سفح البصر ..
كائن سرابي .. بملامح بوهيمية ..يغويني يالمثول كي يأكل طمأنينتي ..
مخلوق عارم الهيئة .. بعينين تتنفس النار .. والأظلاف تشحذ صريرها لتنهش بقايا احتمالي ..
دون وعي مني .. أقفز جلوسآ على أريكتي وأشعل شمعة .. استعرتها جيب قلبك ..
شمعة بيضاء كنسمة مهيبة ..أمسك ذوبانها بأصابعي وما انفكت حنجرتي تخفق ب " لا إله إلا الله "
شئ فشئ .. يذوي الوحش في بصري .. ويعم الإخضرار أرض كانت جدباء لشح مطرك ..
تلبدت غيومك من جديد وأمطرتني نورا تساقط كرطب شهي على دوح قلبي الجائع ..
وبعد أن احتميت بظلك .. جاء النوم على عجل يلبي ندائي المبحوح ..
ويهبني أحلام منيرة .. كنت أنت من يضيئها ..
تحيتي ..,

سحر الناجي
09-20-2010, 06:22 AM
http://www10.0zz0.com/2010/09/19/07/957136238.gif (http://www.0zz0.com)

* العين التي لا تنام ..
في قرية ترفو مكثها على تلة من الخمائل كانت تعيش ..
في جوف منزل طيني .. وبين النخيل وأحزمة الياسمين .. وسنابل ذات عصف وريحان درجت خطاها ..
كانت كزهرة أخرى تسير على الحقل نهارا .. وبعد مغيب الشمس باتت من الشاردين على موانئ الليل ..
أجهدت والدها الفلاح وأمها الطيبة بالسمر على دكة البيت القديم ..
فأخبروها بأن العين التي لا تغمض .. سيأتي جني الليل ليسرق الجفون ويأكلها ..
مُنذاك .. وهي تنمو على بقعة من الفراش المليئة بحشائش الأرق ..
كل ليلة تخزها الملاءات البيضاء .. وكأنها منسوجة من دبابيس الدم .. وتتدثر بغطاء تغمض فيه رموشها بأكذوبة السبات ..
وعند فلول السحر ترتخي أهدابها تعبة .. وتغط في نوم لا تشوبه الخيالات المريبة ..
ومع ذلك كانت تفارقها انتفاضات مفاجئة في رقادهاالنهاري تجعل أكتافها تبدو وكأن عاصفة حطت عليها لهنيهة ورحلت ..
لياليها باتت بلا غفوة .. أرق .. وقلق , ونمط زمني كدغدغة رتيبة لعقارب الساعة ..فقط تغلق أجفانها وتزعم أنها في حضرة الكرى
شبت على معاداة الليل .. وعلى استفزاز الظلام .. فأضاءت من انتباهتها سراجا متوهجآ حتى مطلع الشمس ..
وذات يوم جاءت ابنة عمتها من المدينة لتزورها ولتقضي بصحبتها بضعة أيام قليلة ..
وبعد يوم ضاحك ومتعب وعند حلول الظلام طلبت الفتاة من ضيفتها .. كوب من الماء كي تأوي لفراشها ..
سألتها زينب بارتعاش : هل سترقدين الآن ؟
قال الفتاة وهي تتثاءب : أجل فقد تجاوزنا منتصف الليل ..
- ولكني لا أنام أنا في هذه الساعة ..
سألتها ضيفتها بدهشة : إذن متى تأوين إلى فراشك ؟
- عند مطلع النهار ...
قالتها بشبه همس ونظرت إلى قريبتها بطرف خفي لترى وقع الكلام عليها ..
هتفت الضيفة باستغراب : انك تقلبين موازيين الكون ..
- أعلم .. ولكن الأمر ليس بيدي ..!
- لماذا ؟
سألتها قريبتها فأومأت زينب خجلة ثم قالت : أخاف جني الظلام ..
- بسم الله .. وما جني الظلام .. بسم الله .. !!؟
- يأتي في الليل .. ويأكل العيون الساهرة ..
ضحكت قريبتها المليئة بالفكر وقالت : وهل تصدقين هذا ؟
- لقد نشأت على هذه الحكاية , فكيف لا أعيشها ..!
- ولكنها أسطورة لا وجود لها .. يرونها للصغار حتى يناموا مبكرا ..
- ماذا ؟
- أجل .. إنها مجرد حكاية للصغار ..
وكأن العالم برمته بات كذبة في مآقيها .. وكأن الظلام كان يضحك عليها كل ليلة ملئ شدقيه لسذاجتها ..
وانتبهت من شرودها إلى الفتاة وهي تقول :
- صدقيني .. لا وجود لهذه الخرافة .. فدعينا ننام حتى نصحو مبكرا ..
لأول مرة تلتحف دهشتها وتغط في نوم عميق .. بعد هذه السنين التي عاشتها في أكذوبة لا حقيقة لها على الإطلاق ..
تحيتي ..

سحر الناجي
09-21-2010, 04:45 AM
http://www10.0zz0.com/2010/09/20/17/272151661.jpg (http://www.0zz0.com)

* خمسة عشر شبحآ .. وليلة
خارج المدى .. تنهمر الظلال كسيل عرم لا تحجزه سيوف الضوء التي أشهرتها قناديل الأرصفة ..
تأتي الأطياف بلا مبرر , فقط لتشعل أخشاب مبللة بالجفاف , لخوف كان ملقى في ركن عميق من الباحة الصماء ..
وكان الليل يشير إليها خفية صوب الأزقة ويحجبها بعباءة الظلام التي أغوت الأطياف بالحضور ..
قيل بأن خمسة عشر شبحآ قطعوا الطرق في الأزمان البالية , ثم لم يعد لهم وجود على حواف المدينة ..
ولكن القروي , الذي أقبل مع طلوع الفجر , لم يزد الأمر سوى غرابة ..
قال بأنفاس متقطعة بأن الأشباح قد ظهرت من جديد عند الوادي وقامت تعيث في الصحراء فسادا ..
تمتم شيخ المسجد يشد عليه مئزره : تحصنوا بالتعاويذ .. وستدبر كما أقبلت ..
سأله فتى كان ينتفض فرقآ : لن أبرح المسجد .. فهذا بيت الله .. ولن تدخله الشياطين .. أليس كذلك ؟
أجاب رجل بصوت أجش : دع عنك الجبن .. فالمؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف عند الله ..
وانفض الجمع .. وعين سعادة لا تنغلق لا على حلم أو وهم ..
مازالت تتحضر للمشهد الأخير .. وحضور جند الظلام ليغتالوها هي وأحلامها الصغيرة ..
ونثرت بين الزوايا ببخور جلبته من تيك المرأة التي ادعت الطهر ..
وأقسمت على سراجها الواهن أن يظل مشتعلا حتى حين ..
ولكن النار بقيت على موعد مع الإنطفاء , ومادام الضوء قد قُد وهجه فلا سبيل إلى الأمان ..
وآنست في روحها سطوعا وقد جاء السحر بموعد مع الصبح .. فخفقت تهمس بتمتمات الفلق والناس ..
ولكن الخوف الذي أطل من جدار الروح لم يدعها تعيش بسكون ..
وأمها المريضة .. واخوتها الصغار قد علا شخيرهم من الحجرة المجاورة ..
وليت ذلك البحار يأتي ليذود عنها وعنهم سواد الليل الذي يخبئ الموت بين جنباته ..
خمسة عشر ليلة مضت وهي على هذا الحال من انتظار مداهمة الأطياف .. وعودة البحار ..
خمسة عشر يومآ ولا صارخ يلجم هواجسها التي تعملقت حد الهوس ..
أخذت تذبل شيئا فشيئا والعيون اكتساها السواد والوعي في منأى عن الحواس ..
حتى نفذ جلدها وراحت تذوي في غياهب الخنوع .. حين جاءت الليلة الأخيرة بالعجب ..
على الطرقات تعالى صوت المجنون جذيم الذي كان ينقل أخبار الطريق إلى سيد القرية ..
سمعته يصيح فتوجست رعبآ مع تعالي صوت المآذن بالتكبير ..
وما هي إلا لحظات حتى سمعت ضجة بالقرب من العريش الذي يغطي سقيفة بيتهم القديم ..
قال الصوت : هل يعقل هذا .. أكل هذا الخوف كان مجرد وهم .. سراب .. !؟
وأتاها صوت الشيخ عبد العزيز كصوت حق تحتمي بنوره من تمتمات الظلام : أجل .. كل ماحدث كان مجرد كذبة ..
كذبة ..!؟ عن ماذا يتحدث هذان الرجلان .
وأجابهاصوت الشيخ الوقور : إنها خرافة أشاعها التاجر فاروق .. كي يقطع على الناس تجارتهم ويسرقهم تحت جنح الظلام ..
وأردف بينما خطواته تبتعد : ليس هناك من أشباح ولا يحزنون ..
هنالك فقط اشتهت النوم لترتديه جبة تحتويها لساعات طويلة .. طويلة جدا >>

سحر الناجي
09-23-2010, 02:58 AM
http://www12.0zz0.com/2010/08/16/18/248524155.jpg (http://www.0zz0.com)

* ظلام الموت
تحس بي الأفلاك ساعة شروقي على تأملها , تجوسني وقد هلت العتمة معتمرة السواد حدادا على النهار . وفي حنايا الكون تكتظ الغرائب ,
فأتوقف بجانب زحل وأرمق كل العجائب التي تحيطه كحلقات من شظايا الأضواء وترسبات النيازك وهشيم الكواكب ..
أقر بأن مجابهة العجاف من الأفراح كالتوسل إلى شبح يهمهم في جوار الروح فزعا .. أطياف تهيم على قرى نائية للذاكرة كانت القبور في ثراها ترقد بخيلاء ..
وربما أن اللحود تمادت في سبر أغوار الرفات , والأجثام تواسي استفحال الفناء ويحايلها بالخلود ..
كنتُ كمن أُتي كتاب الصدفة بشماله والشؤم مسطور على جباه الزمن .. كسيرة فرحتي التي ترعرعت على الشموخ ثم انحازت إلى الخنوع حيث الفقد يضنيها في كل غصة تعتريني ..
تعلقتُ بشدة بذاك الصغير الذي وُلد والفرح موشوم على صدغيه .. طفل في الثانية من عمره حباه خالقه بكل ما جبل عليه مخلوق رائع بهيئة النقاء والجمال ..
كنتُ أتحين زيارة أختي لآخذه من بين ذراعيها وأجوب به حقول الطفولة بينما سنابل السعد تنتشي لضحكاتنا وعبثنا ..
كنت ألاحقه وأطارده , ألقيه في الهواء وأدغدغه أطعمه وأهدهده في أحضاني حين نعاسه ووجهه الوسيم يمدني بمشاعر لا تنتهي لهذا الكائن الشفيف النضر البراءة ..
وعندما كتب الله النهاية لحكمة لا يدركها إلاه سبحانه كان الصبر في أوجه والإبتلاء زاخم بقدوم أسود في أيام طاهرة كانت تنضح بالبياض والرحمة ..
أجل .. كنا في شهر رمضان المبارك , وبعد فوضى الإفطار كنا نتجهز كي يصحبنا أخي لصلاة التراويح في مسجد الراجحي كما هو دأبنا كل عام ..
فجأة رن الهاتف .. وجاءت صلصلته المقيته تحمل في طياتها الخبر المشؤوم ..
رأيت أمي جيدآ وهي تتحدث عبره بعيدآ حتى تغيرت ملامحها فجأة وأخذت شكل التقطيبة ثم الفزع وارتكزت على الجدار لتندي, عنها صرخة جعلتني وأخي نهرع إليها بخوف لنستجلي الخبر ..
سألتها بقلق : ما الأمر يا أمي .. ماذا حدث ؟
قالت وهي تبكي بحرقة : لقد مات .. مات ..
يا للهول .. زلزلتني كلمتها .. وصفعتني بشدة حتى تخيلت أن الوجود بدأ يتلاشى من وعيي ليحل محله الذهول والشتات والحيرة ..
أسرع أخي لالتقاط الهاتف الملقى على الأرض , وسمعته يتحدث إلى زوج أختي ..
وبعد قليل أنهى المكالمة بقوله عظم الله أجركم , وجعله من شفعائكم يوم الدين ..
كنت تائهة حائرة مصعوقة , فأمي كانت لا تزال تبكي وتولول وأنا أحاول مواساتها والتخفيف عنها بينما أخي يوصيها بالصبر ويطلب إليها أن تهدأ ..
هنا صحت بصوت كأنه آت من بعد آخر : من الذي مات .. أخبروني ..
قال أخي بحزن : عظم الله أجركِ في إبن أُختنا الصغير ..
لا أذكر حينها ردة فعلي .. ولا أذكر أبدآ ما فعلته , كل ما أعيه أنني وجدتُ نفسي بعد ساعة فقط في بيت أختي بمعية أمي وأخي وأنا أعانقها بشدة وأبكي بمرارة ..
كانت حادثة سوداء في تاريخ عائلتنا , وكنا نتذاكر أنه موته كان من أعجب ما سمعنا به , فقد مات غريقآ وفي يوم جمعة من العشر الأواخر من شهر رمضان ..
وكنا نحسبه من أهل الجنة إن شاء الله ..
وتوالت السنين , ومرت بنا الأيام والشهور , وذلك الصغير لا تزال ضحكاته منقوشة على جدران حياتنا .. لم تذبل أبدآ ..
رحمه الله ..

سحر الناجي
09-24-2010, 10:30 AM
http://www8.0zz0.com/2010/09/23/20/597769760.jpg (http://www.0zz0.com)

* ليلى .. والذئب
تفتقت عنها الأرض تيك النوارس ..
كحكاية تمتطي عنان الضوء وتلثم المدى بأجنحة من السراب ..
رحيل وحلول . متناقضان للنهار يجثم بلزوجة على وقع حفيف الصُبح وهجرة الأطيار ..
والفراشة التي من دأبها المثول عند مجئ الشمس ..
كانت تئن هذا الصباح , وتعصب تحليقها بوشاح متذمر أحمق ..
شئ ما .. يحدثني بأن الليل قادم بوشاية الحزن واغتياب الفرح ..
فلم أفتش عن الياسمين ولم ألم بأخبار الخزامى ولا بسعال النرجس الذي رقد في تربته طويلا ..
كل الزهور مرضى من عاصفة الأمس التي جاءت بغتة تلقي إلى أنفاسنا بأتربة الاختناق ..
وكل ما أذكره .. حكاية الطفلة التي خطفت قبل أيام من أمام باب منزلها ..
طفلة انسلت ذات ظلام من بيتها تلاحق فراشة - ربما - أو تسير وراء أحلامها الغضة حيث صادفها ذاك الذئب ..
طفلة بيضاء وعتمة سوداء , منحت الشرير مزيدآ من الطقوس ليمارس جريمته وهي تعمي الأبصار بظلامها الدامس ..
كانت "عهد" تلهو على عتبة بيتهم .. وتسافر إلى النجوم بطائرة ورقية وأجنحة بريئة وضحكة بيضاء ..
ترى ما الحيلة التي مارسها ذاك الكائن الدوني ليجعل الصغيرة تثق به ؟
بأي صوت حدثها كي يغوي طفولتها بصدقه الملعون الزائف حتى تُصغي إليه ..!
خُلقت هواجسم مبتورة المنطق , وعواء الذئاب كصرير فزع يئز الروح ويخلع عنها كياستها ..
من نحيب الأم الموجوعة أرسم لليل فزعآ آخر في صوت القلق وبحة الوساوس ..
في الليل أُمسك بتلابيب فكرة شاردة بأن الطفلة لا زالت حية ..
طفلة في الرابعة من عمرها , كانت تغزل من أحلامها أطياف من الورد .. وتلبس على رأسها بقبعة مزهرة بالنجوم ..
بعد حين من الزمن .. لا أذكر عدده وأنا التي كنت أعد الدقائق .. وأفتش الثواني في تكات الساعة ..
أنا التي أذابت الفرح .. وسكبته مراة في فناجين قهوتي المسائية ..
أنا لم أقو على استيعاب صوت النذير الذي أصم الوعي بصوت الشؤم ..
بعد بضعة أيام من اختفاء أريج ..
قالوا ذات مساء تلون بدماء الغدر وشر الظلام الفائح بالعفن والقبح والمنشرخ باللامعقول ..
قالوا .. أنهم وجدوا الصغيرة جثة هامدة بالقرب من احدى حاويات المدينة ..
منذاك .. وأنا أغلق على نفسي باب الوحدة وأزداد عزلة .. وتعبا .. وبكاء ..
لاغتيال البراءة ..

سحر الناجي
09-25-2010, 05:38 AM
http://www10.0zz0.com/2010/09/25/00/176605519.gif (http://www.0zz0.com)

* رجل على الطريق ..
كان كلما مر من ذلك الطريق المتواري في أزقة الحي وتحت ظل الظلام الدامس , وجد "سالم" ذلك الكهل يجلس على الناصية .. رجل يتقوقع على نفسه ويهذي بعبارات كالجنون.. غريب يتأرجح على شواطئ الوجود بوهن وعجز ..
من أجل ذلك كان يتراءى للفتى هاجسه الذي يغويه بالشؤم ..هاجسه يتضح مليآ بشظف العيش والفقر المدقع .. وعذاب تلو عذاب .. وحظ عاثر .. ولا نهاية للألم .. أجل .. حياته كليلة بلا هدف أو طعم .. حياته كموت من نوع آخر استل مرحه وصخبه وتركه جثمانآ هامدآ على على بقاع الزمان.. كان دومآ يتوقف عند الكهل ويسمع جليآ صوته الساخط من سجون الهذيان .. كهل يزور الأرصفة ويجوب الطرقات كالشريد .. مخلوق مرتعش الأطراف بجسد نحيف وعينان ثاقبتان , يستعمر الطرقات بفلسفات عجيبة .. ومتكومآ على ذاته بظهر منحني وعصآ متكرجة اقتطعها من إحدى الأشجار الميتة .. ..
سمع سالم من أحد رفاقه أن هذا الشيخ قد فقد أسرته قبل سنوات طويلة في حريق منزلي بينما كان في عمله .. ومنذ ذلك الحين وهو يحلق على فضاءات التيه ,, ويقطن أروقة المدينة ..
الآن تراوده نفسه بأن يتحدث إلى الغريب .. يغريه فضوله بأن يستشف خفاياه . لكنه كان فيما مضى.. وفي كل مرة يقترب فيها منه يشعر برهبة فيمضي دون أن يحقق مراده ..غير أنه هذا اليوم قرر أن يعزم ويتوكل ..فحمل بصره إلى حيث تمضي به خطاه .. كان الرجل يحدق في الفراغ شاردآ .. كان غارقآ في أفكار عميقة .. فاقترب منه سالم وجلس بهدوء على حافة الدرج المرتفع حيث اتخذه الكهل مجلسآ ..
تمتم يلقي عليه بالتحية فلم يسمع من الشيخ شيئآ .. فغام بصره بالحيره ثم عاد وألقى به على هيكل من العظام كان يجثم بجانبه , لأول مرة يلحظ العظام البارزة في وجه الكهل ,, لأول مرة يكتشف الشحوب المتفشي على بشرته الهزيلة , فبدا الرجل في هيئته تلك وكأنه على وشك الإحتضار , لأجل ذلك أخذته الشفقة عليه مأخذآ عجيبآ .. سأله بدون تفكير :
- هل أنت جائع يا عم ؟
وقبل أن يجيبه الرجل ليشبع رحمته , ظهر وجوم على جبينه , وقال كلماته المبهمة وهو يشيح بوجهه صوب العتمة :
- لا أحد يريد أن يفهم ..
- إنني أسألك .. هل تشعر بالجوع ؟
- وما فائدة الشبع والموت يلتهمنا في النهاية ..!
غصة اجتاحت صدر الفتى فقال معترضآ :
- لماذا تذكر الموت دائمآ ؟
نظر إليه الكهل بأحداق قاسية وصاح :
- لأنه المجهول الوحيد الذي يقاتلني بلا مواجهة ..
وأومأ يلكز بعصاه وجه التراب على الرصيف :
- يأتينا بغتة ويختطفنا إلى مصير مجهول ..
إنقبض الشاب ووقف على عجل , لم يستطع مجاراة الحقيقة الرمادية . غير أن ذاكرته لا زالت تلوح له بتشوق عارم لتفاصيل الحكاية . حتى داهمه خاطر مفاجئ :
- ما رأيك أن نكمل حديثنا في مكان آخر ؟
كان ينظر ناحية الجسر والمبنى الذي ينطوي على مكتبه .. متسائلآ عما يفعله مديره اللحظة . متخيلآ أصابعه المجعدة وهي توقع ورقة إقالته النهائية من العمل , وظيفة لم يكسب منها سوى الذل والتعب وحفنة من الريالات التي لا تغني ولا تسمن من جوع , إزداد إنقباضه .. ففر منه إلى إلحاح وجهه إلى صاحبه :
- ما رأيك .. هل نذهب ؟
فعل ذلك .. وعاد أدراجه إلى الوراء بخطوتين صغيرتين , ولكن الرجل لم ينبس ببنت شفة , فعاد يسأله :
- هل نذهب ؟
- حدثني عن حلمك ..
فاجئه الكهل بفضول أيقظ كل الأماني الغافية في صدره . وجد نفسه يعود بلا إدراك إلى مجلسه الأول بجوار الغريب, ثم يطلق زفرة مثل ضباب يلجم حنجرته . قال بصوت مرتعش :
- حلمي بحجم هذا الكون البعيد في الفضاء ..
لم يكن يأمل أن يسمع من الشيخ شيئآ . كان لا يزال يتجهم , وكان بوحه الأول بمثابة رغبة تدلق الإحساس , قال من جديد :
- أحب الحياة وأحب السفر.. أريد أن أكون جوالآ يرحل إلى كل بلاد الدنيا حتى ذلك العالم السحري في الفضاء أريد أن أصله..
تنهد من جديد وتمتم :
- ولكني خلقت فقيرآ ,, والعثرات تسقطني في كل خطوة أخطوها نحو النجاح ..
عند هذا الحد من تدفق مشاعر الحزن .. كادت أن تتجمع العبرات في عينيه فقاوم هطولها , وأمعن في حزنه قائلآ :
- مات أبي منذ سنوات .. وترك لي أمي وحفنة من الصغار أرعاهم .. حتى دراستي الجامعية لم أقدر على إنهاؤها .. وهكذا وجدت نفسي موظف بسيط في عمل يأكل كل وقتي ..
وبلا مقدمات نظر إلى الكهل وقال يلومه حين تجمع سحاب السخط في مداه :
- أو تسألني بعد ذلك عن حلمي ..!
ووقف مرة أخرى يوشك على البكاء هاتفآ :
- أي حلم يمكن أن يتحقق في هذه الظروف العصيبة ..؟
فجأة شعر بيد الكهل تربت على كتفه , إلتفت إليه بين غمام من الدموع .. فوجده يبتسم إليه بحنان .. قال الرجل يشير إلى السماء :
- أنظر جيدآ هناك .. وأخبرني بما تراه ..
حدق سالم في الظلام وأسرجة الكون المضيئة .. فقال بحيرة :
- هناك فضاء .. وجمال .. وغموض ساحر .. وحلم لي يتراقص على وجه النجوم ..
- بل هناك القوة العظمى الوحيدة القادرة على تحقيق حلمك .. هناك المعجزة تنتظرك أن تطرق بابها .. هناك ضوء عظيم وسط طبقات الظلام .. حيث المالك لكل هذا العالم ..
فلما لا تمشي إليه وتسأله العون ..!
وأردف يستعد للرحيل :
- كن معه يكن معك ..
وقف سالم يرقب الرجل وهو يبتعد دون أن يحرك ساكنآ ليوقفه.. رآه يخطو ببطئ قبل أن يبتلعه الظلام في الزقاق الجنوبي , نظر مجددآ إلى السماء وابتسم ..
قال وقد قفزت في صدره عزيمة وفأل ورجاء :
- أجل .. أنا قادم إليك يا ألله .. فكن معي ..
ومضى بفرح يركل الطريق بخطى الأمل . حينها أدرك أن حلمه بات على قاب قوسين أو أدنى منه ..

سحر الناجي
10-01-2010, 03:27 AM
http://www13.0zz0.com/2010/09/25/01/846129788.jpg (http://www.0zz0.com)

* جدل بين النور والظلام
لا أتخيل يوما أن ينطق الظلام ويذود عن سواده باستماتة كي يُرسخ قدمه على جبين الوجود ..
لا .. لا أستسيغ هذه الفكرة ولا أحبذها .. ولا حتى أرجوها , مع أن الظلام قد يضم بين جانبيه كثيرا من الأصوات التي تقشعر لها الأبدان .. والأسرار التي قد لا تخطر على خيال أحد ..
لكن أن يتحدث هو بنفسه .. ويعدد مزاياه .. ويحاول إقناعنا بجدواه .. فهذا أمر أستبعده غالبآ ..
هذا التصور أضحكني وأنا أتخيل نفسي أقف وجها لوجه مع الظلام لأسمتع إليه بينما فرائصي تنتفض .. أنصت إلى ما سيبدر عنه باهتمام يعلوه الدهشة وبوادر العجب ..
ولكن ماذا لو تحقق ذلك فعلا , ماذا لو باغتني صوته من منحى آخر ومن خلال إنسكابات مغايرة لقلم يتصوره في جدال مع النور ..
هنا .. هل يمكن أن تهبط المعجزة بحيث يتحول الظلام إلى كائن عملاق ويجادل ويناقش في محاولة أن يحابي سواده ..؟
هذا ما قرأته عن حوار جميل دار بين الظلام والنور.. ورغم بساطته - جاء في نص أشبه بمحاكمة أو ترجمة جدلية بين النور والظلام ,
وبدون أي تردد قررت أن أضيفه إلى " إحتماء" في بوحها النازف لهول العتمات كي يتواءم مع الجوهر المتحور حول ماهية العتمة وسطوع متألق للنور ..
حيث بادرنا ذاك المتوهج بقوله :
- أنا النور أعيش بكل مكان .. لازمان ولا حدود لعالمي.. أمتد من الأفق حتى المدى البعيد.. من حدود الشمس إلى سطح القمر..
لا أُخفي زوايا .. ولا استر على أحد.. لهذا بسميني البعض من الناس فاضح للتصرفات في كافة اشكالها والنوايا المحاكة في الخفايا بجميع تفاصيلها
لاأصادق العتمة فأنا نقيضها.. وأن كانت بديل لي في معظم الأحيان ..
أنا الأسد مالك العرين .. عندما أشرق لايحب الظلام التواجد في مسرح وجودي..ولا يجرؤ ..
بل يخشاني .. الكاذبون .. المقنعون .. المزيفون ..فان أصبت وجوههم لن أكونسبباً في ضيق بؤبؤ عيونهم فقط ... بل في ضيق حياتهم.. وكشف حقائقهم..
وهنا يجيبه الظلام بزهو :
وأنا الستار الُمسدل على نبضات الح ـياه .. الساتر اُسمي نفسي .. اكره النور ولا أحبذ التواجد معه..
يعشقني الجميع ,, المتألم . والعاشق .. والمُقنع ...والمُتعب..ولا يكرهني احدأ .. إلا الجريئين الصادقين ..
أنا صديق صدوق .. لا أفشي سر احد .. وأتغاضى عن الهفوات..
حسناتي جُ ـل مثل سيئات النور..
ترى أيهما الأفضل في وصفه لنفسه ..؟
بالطبع لم نتوقف عند هذا الحوار حيث عززنا هذه المفارقة بنوع آخر من المقارنة والسمات لكل منهما من خلال مقتطفات منقولة جاءت على النحو التالي :
حيث يشاع أن :
* العلم نور و الجهل ظلام
* الصدق وخشية الله نور ... وخشية الناس والكذب ظلام ..
* الظلام هو صوت الخطيئة المكتوم .. والنور وجهه المشرق ..
* الظلام جسر يعبره الغوغاء , والنور درب يسلكه الصالحون ..
* أن تضئ شمعة خير من أن تلعن الظلام ..
* من استوطن الحقد قلبه فقد طرد النور مُكرهاً وُسكن أفواج الظلام..
* النور وجه الحقيقة والوضوح .. والظلام ملبد بالغموض والطلاسم العديدة والبشعة ..
* والنور قبل أي شئ صفة العظيم تبارك بينما الظلام إحدى خلال شياطين الإنس والجن ..
الآن .. وبعد كل ما تقدم .. ألا يحق لي أن أكره الظلام وأخافه ؟
تحياتي

سحر الناجي
10-28-2010, 10:20 PM
http://www8.0zz0.com/2010/10/28/16/616306756.jpg (http://www.0zz0.com)

* بعد منتصف الليل ..
حتى دغدغة الضوء من سماوات النور , لم تحرك ساكنا في جسد الظلام ..
حتى إذا هلت أسارير الحلم بغتة , واشتد وطيس الصمت , طاب لي أن أفتت الأمنية إلى أجزاء أبعثرها على وسادتي ..
جزء منها ظل ملتصقآ بعيني , ولم يجديني أن أغمض جفني كي ينزلق إلى صدري .. مكانه المعتاد
نظرتُ للمرة الخامسة إلى البدر المنبعج التكوير , شاحب البياض بصفرة الريح
وفي بدن الليل أثر أسود كجرح لا يداويه قناديل وقفت في الحي مشيحة برأسها إلى الأفق غير عابئة بي ..
وكلما طالت أفكاري واستطالت , لا تكدرني بفوضويتها المبعثرة فوق بساطي المنقوش برسومات سيريالية ,,,
وإنما استحالتها إلى وجوه تعبس في خاطري , وأطياف لا تصدق لواعجي ..
ثم تماهى إلي وقع شبح فار من سجن الخيال , ألم به التعب حتى جاس في حجرتي حلولا أهوج ..
كائن طيفي يقدم خطوة ويؤخر أخرى على وجل من بحلقتي في تفاصيله الغائبة كليآ بفعل ضوء السراج الباهت ..
ويسير إلى حواسي بوخز طفيف ودبيب أيقظ قشعريرة الخوف النائمة في سبات نبضاتي ..
عند الثالثة فجرا , جاءني الوعي وبلا وعد أو موعد ب " ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا"
حقيقة زالت كل الوجوه البشعة من الزاوية البعيدة في حجرتي ..
ورأيت وأنا أصفق الباب خلفي أتأبط نية للوضوء .. ابتسامة مجهولة لكائن من نور ..
حسبته كائن هبط من السماوات العلى ..

سحر الناجي
11-19-2010, 11:10 PM
http://www8.0zz0.com/2010/11/18/16/632867780.jpg (http://www.0zz0.com)
* أبدآ .. لا تغيب
أنسل بروية من طائلة الزمن .. ويبقى ظلي ممدآ على الجدران .. وروحي واجمة .. ويحها .. مابها ..!
كتمتمة توغر صدري بخبيئة الذكرى , يصيح قلبي المُتخم ببادرة ضجر .. ودندنة تتربص بوعيي ولا تكف عن مراوغتي
كم أحتاجني لأجمع أشتاتي المبعثرة على أرصفة النجوم , وأمكث بلا ترنح في حضرة الحيرة ..
لا الزهر يغويني .. ولا حبات من الياسمين تُضئ مساحتي الملقاة على جسد المساء ..
والليل كدأب عتمته الجانحة للسواد , لا يتصالح مع الشموع وبريق الأفلاك .. لا يُصغي لحكمة النور ..
لم يعد يقيتني الهذيان , وأنا ألوك على حنجرتي زفرة بدا طعمها أقرب من مرارة الخوف ..
ولن أدع الوهم يعبر من بوابة باحتي التي انكمشت ترتجف لهيمنة الزمهرير ..
على أطراف تأففي أدنو من انتباهة استعرت في حدقي فظهر الطيف بجلاء يتأرجح على نافذتي الناعسة ..
يقفز .. يقترب من أنفاسي ويتمرغ على جبيني , ثم يدس قسماته بين ثنيات حدقي ..
وجه مكتنز بالبراءة .. والطهر يتبعثر بخيلاء على الوجنة المحمرة خجلا ..
أُشيح بذاكرتي إلى الركن الآخر من الجدار .. ولا سُدى من البكاء .. ولا أقوى على الفرار ..
أجل .. إنكسار يحط على أطرافي برجفة مباغتة .. تمسك برؤوس أصابعي ولا تدعها إلا شاحبة ..
أفقدني .. لا أجدني بينما يكتظ صدري بالحزن , وتتحرك غصة نحو اليسار من قلبي مؤججة نبضات ذابلة الوهج ..
قالت لي المرأة التي قدمت مع المغيب : دعي ما يُريبكِ إلى ما يُريبكِ
همست : كل شئ بات يثير الريبة , حتى الطين المعجون بمساماتنا ..
أسرّت لي بحكمة : إذن .. لا تجعلي أصابع الوحل تندس في أحلامك ..
هتفتُ حانقة : الوحل بات يترصد بالدروب .. وأعمدة النور .. والصدور البريئة ..
أُمعن النظر في الأفق الغافي على كتف الليل بينما حكاية تقبل بلا هوادة وتسطو على حواسي ..
فتاة خرجت في العيد وبيدها سلة من الحلوى لجارتها العجوز السقيمة ..
فتاة وجسد رجل خبيث يتوارى في أزقة الحي بفؤاد ذئب وأظلاف تنهش الملامح البريئة ..
كان يضعها في عقله .. بينما تبرق في صدره الملطخ بالفساد رغبة بأن تمسي ضحيته ..
كان العيد يجر أذياله خائبآ من أرصفة المدينة .. والظلام هو الضيف الثقيل الحضور ..
لم تعد الصبية إلى بيتها .. والفرح تحول إلى نحيب يشق غمار الحي الذي استعر ذهولا للجريمة ..
كنت قد عزمت على أن ألوذ بسراج الطريق ولا أدع الليل يذكرني بما جرى ..
ولكن .. تلك الفتاة لا تغيب عني أبدا ..
أبدا لا تغيب

سحر الناجي
12-07-2010, 07:07 PM
http://www4.0zz0.com/2010/12/07/17/311929177.png (http://www.0zz0.com)

* مدينة الظلام والأحزان ..
رغم سذاجتها .. وتعابيرها المفعمة بالخيال المحض , إلا أن الخرافات القديمة , والقصص البالية تشدني فيما يتعلق بحكايات الظلمة والنور ..
وهنا وقعت على حكاية تروي أبعاد من الوهم اللذيذ .. والملبد بضبابية الخرافة الخالية من إشراقات المنطق ..
يحكى في قصص الخيال والأساطير الشعبية , أنه كان في قديم الزمان مدينة ذات سحر عجيب وأمر غريب , حيث كانت تعيش في الظلام ولا تعرف النور أبدآ ,
وكان لهذه البقعة المليئة بالأسرار والمغامرات من الأرض ملك شرير غريب الأطواريعشق الظلام ويتخذه محرابا في لياليه التي يقضيها في عبادة الشيطان وذلك لأن أمه كانت إحدى محظيات إبليس ,
حيث قام ببناء الأسوار حولها ووضع على كل سور وحش عظيم ليحرس المدينة ..
من أي زائر غير مرغوب ممن جاءوا ليكتشفوا سر المدينة الغامض ويقفوا على ما يجري فيها وراء القلاع والأسوار ..
وكان في الجانب الأخر من الضفة مدينة هادئة وجميلة وكانت تسمى بـمدينة النور والناس فيها طيبون يحبون ويتعايشوب بخير وسلام , كما أن حاكمها كان فارس نبيل أسمه هارك ,
وكان طيب الخلق والفضائل .. أما الحارس الذي وضعه هارك لحراسة المدينة فكان رجل مميزومقاتل مغوار جدا ويدعى سانتر
حيث كان يدافع عن شعبه المسالم بشتى الطرق الممكنة .. لا سيما وأن العداء كان مستحكم بين المدينتين .. مدينة الظلام , ومدينة النور ..
وعندما توالت هجمات مدينة الظلام على الحاكم هارك وشعبه , قرر الأخير أن يقوم بمهاجمة المدينة الغارقة في الظلام , فجمع رجاله وفرسانه وأخبرهم بقراره ..
وحاولوا مرات عديدة أن يقتحموا المد\ينة لكن الوحوش العملاقة والشرسة كانت تحول دون تحقيق مرادهم
وفي ليلة سرمدية تسلل سانتر إلى المدينة المحصنة بدهاء شديد ثم اتجه إلى قصر الملك الشرير.. وهناك استطاع ملك الظلام أن يكتشفه ,
فأمر حراسه بالقبض عليه , وسجنه في قفص حديد .. ومرت عليه الليالي والأيام وهو قابع في سجنه هادئ , في حين كان ينتهز الليل ليقوم بقطع الحديد بمدية كانت بحوزته ..
حتى استطاع أن يحرر نفسه ذات ليلة .. وبهدوء شديد قام يبحث عن شئ يدل على سر الملك الشرير , فوجد كتابآ يخص الملك وقد وضع فيه كل أسراره ونقاط ضعفه , وألغاز قوته ..
لذلك فر سانتر وحمل إلى مليكه في مدينة النور بأهم ما عثر عليه .. فكرمه هارك ومنحه وسام الفروسية والشرف ..
وهكذا بدأت مخططات هارك بإنقاذ المدينة المظلمة من حاكمها الشري ..
واستطاع من خلال المعلومات الدقيقة في الكتاب أن يهاجم المدينة هو ورجاله بضع مرات , حيث قضى على الوحوش وعلى الملك الشرير ..
ليعم النور والسلام المدينة التي كانت سجينة الظلام ..
( منقول بتصرف )

سحر الناجي
12-09-2010, 04:59 AM
http://www14.0zz0.com/2010/10/28/18/722600591.gif (http://www.0zz0.com)

* مغامرة في الوادي ..
أنسج من مواقف الماضي طرفة كي تستبين هواجسي القديمة وتطفوا على سطح الماء الآسن في ذكرياتي ..
أعود إلى ذات الذكرى .. والتفاصيل الملقاة على عاتق الزمن ..
حكاية قديمة وتطل برأسها من كوة الشرود كلما ماطلني الحنين إلى أيام أشرقت بالفرح وتلونت بقوس قزح مهترئ ..
كنا صغار ولا نملك من هموم الدنيا سوى الفتات وبعضا من مشاكسات وطيش وربما جرأة تكومت ذات ليلة امتد فيها السهر حتى الثالثة فجرآ
كان بيتنا وقتذاك جديدا وتطل باحته الخلفية على مساحة شاسعة من الأراضي المهجورة ..
وفي الشمال من مزرعة العم سعد الرجل العجوز الطيب كان ثمة واد أثيرت حوله كثيرآ من الأساطير المفزعة ..
ربما أن حب المغامرة واكتشاف المبهم من الأشياء كان يسري في عروقنا مسرى الدم حين انفعال ..
قال أخي الصغير كمال : ما هذا الضجر ألا يوجد ما نقطع به الوقت حتى يحل الصباح ؟
وقال أخي جمال - وكان أعقلنا وأكثرنا هدوء : ليس هناك حل سوى الخلود إلى النوم ..
صاح الصغير معترضآ : إنها إجازتنا المدرسية .. ولا أريد أن أقطعها في النوم فقط ..
ثم قال كمن واتته فكرة مذهلة : ما رأيكم بأن نتسلل إلى الوادي ونكتشف ما يجري هناك ؟
قلت بفزع : ماذا .. في هذا الوقت من الليل .. لا .. أنا لن أخرج في هذا الظلام أبدا .. ولا ندري ما يوجد هناك ..
قال : ولماذا تخافي ونحن معك .. هي فقط مجرد إلقاء نظرة وسنعود بسرعة .. ثم أن القمر الليلة بدرا ..
لم ترق لي الفكرة خصوصآ عندما تذكرت وجه أبي الغاضب وهو يعاتبنا ويزمجر في طيشنا لما فعلناه ..
قلت : لا .. فإذا علم أبي لن يغفر لنا .. وقد يعاقبنا بشدة ..
قال : لن يعلم إنه يغط في نوم عميق هو وأمي ولن يصحو قبل صلاة الفجر ..
وأخذ يلح علي وعلى جمال ويزين لنا الأمر ويغرينا بالمغامرة حتى وافقنا على مضض ..
تسللنا من الباب الخلفي ومضينا على أطراف أصابعنا نطرق المجهول ونستكشف الظلام ..
كانت فرائصي ترتعد ونحن نقترب من الوادي السحيق , وكنت على شفا الإنهيار كلما سمعت صوتآ غريبا في الجوار ..
حتى الأشجار المتناثرة هنا وهناك كنت أتصورها كائنات هبطت من علو وأرادت أن تستعمر الأرض وتسكن أجسادنا ..
فالحكايات عن هذا المكان كانت لا تخلو من أشباح الظلام وعفاريت الليل ..
وعندما وصلنا أخيرا إلى الحافة .. كان الظلام يُغرق كل شي في الوادي .. فلم نر غيرسواد بالكاد يبدده نور القمر ..
وفجأة سمعنا صوت همهمة مرعبة ,, وعيون تلمع من قلب الظلام وتنظر إليننا بشراسة .. وكأنها على وشك الانقضاض علينا ..
خُيل لنا كائن خرافي بجسد عجيب عملاق .. وقوة خارقة يتلبد بجانب الحافة ..
فتسارع لهاثنا قبل أقدامنا ونحن نفرإلى البيت بذعر شديد حتى كادت قلوبنا أن تتوقف ..
بالتأكيد لم تمر أيامنا بعد ذلك بسلام وأمان ,, فقد كان يخيفنا كل ظل وكل صوت ..
كان النوم والأمان أبعد ما يكون عنا .. لا سيما كلما جاء المساء وشاعت العتمة في الأرجاء ..
ومرت أيامنا ونحن نترقب هجوم ذلك الوحش علينا ونبش أظلافه في أجسادنا وذلك لاقتحامنا خلوته وحرمة همجيته ..
حتى جاءنا الخبر من خلال نقاش عابر بين أمي وأبي يفيد بأن :
المخلوق الخرافي المفترس .. لم يكن سوى كلب جريح وجده أحد المارين بالوادي على جانب الطريق يتلوى جوعا ومرضا ..
فأخذه في رعايته حتى تعافى وشفي تماما ..

سحر الناجي
12-10-2010, 02:55 AM
http://www14.0zz0.com/2010/12/09/21/408208451.jpg (http://www.0zz0.com)

* لا يعود ..
للقلب نبض وحيد فقط في هنيهة الوجع ..
واللحظة التي تضيع فيها الأحاسيس تحيل المنظور إلى شظايا ..
السماء لا تهشها المظلات عن الاكفهرار .. ولكن مزن السراب تدنو شاحبة من البياض ويعتريها الرماد ..
والخريف وحده موسم يحرق أجنحة الفراشات ويلكز الأنسام لتنحت البرودة على المساء ..
كانت المرأة التي فقدت صباها , وبددت تبر الزمن على وجه صغير تلقفته ورحلت بعد منصف الليل ..
صغيرها اليتيم .. إرثها الذي حبا على مصيرها فأشعلت له شموع التضحية ..
امرأة ..وخلفها الماضي يسطو على رابية الوهن .. تشرع نافذتها كل ليلة عل الموت يجئ وينجي روحها من تخاريف الحزن ..
صمتها الأجش .. وخصلات عمرها التي تطايرت هباء مع الريح ..
شمعتها التي احترقت وجعا .. وتبخرت مع لهيب القهر ..
ذوبان في كل مكان .. حتى خطاها تخالها مجرد ححم مسكوبة فوق دروب المصير
قال لها الذي تمنته سلام يوم ولد وبوم يموت ويوم يبعث حيا :
- سأعود يا أمي لأعوضكِ عن عذابك طيلة هذه السنين ..
وصاح وهو يلوح لها من الطريق :
- سأعود لأحميكِ من الليل والوحشة وأسراب الظلام ..
ينصهر الثلج عن ذاكرتها .. وتتيقن أن الليل سرمدي ولا سُدى من انتظار الفجر ..
هاهي تلوك الألم وتحتسي العجز .. ساخنآ , ومذاقه وجع آخر ..
تناوش القحط في عالمها المظلم .. يتصدع التراب من لهاث العطش .. وتشتاق إلى قطرة مطر من غيوم ذاك الراحل في البعيد
متى يأتي ويجمع شتاتها من أرض باتت ضريح لعمرها المناهز سبعون عاما ..
متى يأخذها إلى الضوء ويصفق الباب وراءهما بشدة على أيام مقفرة ومهترئة العذاب ..
وذات مساء جاءها البشير بعودته .. فأقامت الدنيا فرحآ وفألا ولم تقعدها ..
وانتظرته على أبواب النهار ونوافذ الليل .. انتظرته بقلب متعب وأجفان قرحها السهر ووجوم المساءات ..
انتظرته يوم وشهر وسنة .. مرت الأوقات كرحى تسحق ما تبقى من عزيمتها .. وتقتلها انتظارا ..
ولم يعد إليها أبدآ ذلك العاق المخادع ..

سحر الناجي
12-18-2010, 07:11 AM
http://www7.0zz0.com/2010/12/16/18/765541301.gif (http://www.0zz0.com)

* ظلام الغدر
صعقآ هو .. وهذا حاله منذ أن طالته أنامل الغدر ..
صعقآ .. وفارغ جوفه إلا من وجه الخطيئة المغرور ..وغصة تأكل بقايا تنهداته ..
لا يكف عن استحضار الحدث .. يغربله من لحظاته الموشومة بالفرح .. ويبقي فقط على نهايته المكتظة بالفجأة ..
يحدق مليآ في الثواني الأخيرة من الذكرى والفارة من وعيه بتمتمة كان صوتها كروائح الخبز المحترقة ..
اللحظة التي شطرته إلى كائن يتنفس الألم وكأنه لا يجيد سوى شهيق مثلج للحزن ..
في صدرة مسافات قاحلة من الحنين .. وتخلو من عشب كان يلتمع نحن ضوء القمر بالفأل ..
وعلى أطراف حنجرته وقفت تلك الآهة تفكر بالقفز من كوة نشيجه المحترق بحمم من العبرات ..
فوق قلبه يمتد أفق من الظلام .. واسم منقوش على جدار العتمة .. كان يضئ لياليه بأحرف من نور ..
قالت له تناوش ضحكاته : أنا لك .. ولن أكون لغيرك ..
فحمل وجهها بين راحتيه .. وجاب به المدينة يشهد الأرصفة على عشقه المجنون ..
صعد تلال المجهول وزرع بتلات عشقه بجنب نخلة خاوية .. وحفنة من خزامى الجوى ..
وترك بجانب الصبار صوته المترنم عشقآ وكومة من رسائله التي تغنى فيها بتلك القاتلة ..
سافر كي يقتنص من الغربة سانحة يظفر لها فيها بتفاصيل غد مشرق يجمعهما معا ..
وعندما عاد .. كي يلتقيها مرة أخرى تحت جنح اللهفة .. وفي أحضانه هدايا مزركشة من الأحاسيس الملونة بالوجيب ..
ولكنها لم تكن هي .. كانت تقترب منه على وجل ..
سألها : أين وجهكِ؟
قالت تركته عند الموقد في حجرتي .. وجئتك على عجل لترضى ..
فتشها مليآ .. لم يكن قلبها بحوزتها أيضا .. صاح : أينكِ .. أين الخافق الذي نبض بي ؟
طأطأت روحها .. صوب حصوات حاصرت أصابع قدميها .. لم تجبه ..
صرخ : أو هان عليكِ أن تمنحيه لغيري ؟
أيضآ لم تجبه .. لاذت إلى صمت مكسور بحفنة تنهدات مدببة ..
وكلطمة من كف لاحت من قلب الظلام صفعته .. قالت بهدوء :
- لن أنساك أبدآ .. سأظل مكتنزة بك .. وإن تملكني غيرك ..
ومضت بعد أن جردته من الحياة .. لتغيب بين طيات من العتمة ..

سحر الناجي
12-28-2010, 05:31 AM
http://www14.0zz0.com/2010/12/23/18/447645123.jpg (http://www.0zz0.com)

* إختناق
المقت يستبد بأنفاسه , فيدخله في دوامة من الغضب ..
قهر مشقوق اللحظة اعتاد على مزاولته بين جدران حجرته الزيتية الطلاء .. اللامعة بانعكسات هزيلة لضوء يتأرجح متدليا من السقف ..
شعر برغبة عارمة بالصراخ , لكنه نظر إلى جسد زوجته المحتل مساحة كبيرة من السرير ..
فكمم ثغره خوفآ من الصيحة وانصت بنزق إلى صوت أنفاسها يعلو بشخير يقلم الصمت من حوله ..
قالت له تيك الغارقة بالسبات : إبحث عن عمل آخر .. إننا نموت فقرا ..
وبكى ولده أمامه بقهر وهو ينتحب : المعلم دائمآ يلومني .. والطلاب يسخرون من حذائي الممزق ..
حتى والده الميسور الحال زجره بعصاه المتجعدة حين لاذ به يطلب العون .. صرخ فيه بقسوة :
- أنت فاشل دائمآ .. وعندما تفلس تأتي لتقترض المال ..
وصاح به : أغرب عن وجهي .. وابحث لك عن عمل آخر ..
أين يذهب وقد تورمت أقدامه من البحث .. أين يجد كومة من الذهب يسكت بها همهمات زوجته .. وغضب والده
وكيف يجد حفنة ضوء يلوذ إليها لتركل هذا الظلام الذي يغمره حتى الغرق .. !
يشعر وأن جمجمته تحترق .. والنار تأكل كل نبضه التعيس ..
عظامه برحت في هنيهة استياء .. مجرد حطب يجوسه الويل في هذا الليل ..
همس يسامر ظله ويشكو إلى مسبحته همه الجاثم على صدره ..
قال لهاتفه لائمآ : أما حان لك أن تصدح برنين يحمل إلي البشرى ؟
وتوعد قميصه المهترئ , بأقرب مكب للقذارة حين يستبدله بآخر جديد ..
" كأنني سأموت "
قالها وقد ارتفع أزيز صدره .. وتحشرجت أنفاسه بالاختناق ..
استبد به السعال وتسارع كسياط يجلد حنجرته .. فألقى بجسده إلى جانب زوجته وراح يهزها بفزع ..
شرعت أهدابها بتثاقل وهمهمت : ها .. ماذا تريد .. دعني أنام ..
صاح بصوت متحشرج : استيقظي .. إنني .. أموت
ولم تحرك ساكنآ ..
وفي الصباح وجدته مشرع العينين .. مزرق الوجه .. وقد فاضت روحه إلى بارئها ,,

سحر الناجي
12-28-2010, 05:34 AM
http://www10.0zz0.com/2010/12/28/02/728186628.jpg (http://www.0zz0.com)

** لا تبارحني ..
رجفة استتيت على مفاصلي بقشة فقد مريرة ..
أنازع الليل ظلامه .. أفترش على تراب العتمة بساط من الشرود الذاهل ..
وخلف جدار باحتي المكتظ بأشياء منبعجة من لمساتي .. أتحرش بوجه حزين مطرق الوجيب ..
محيا .. رمقني بلوم حارق ولملم بقيته مني إلى خلف شجرة اللوز ..
ألوك زفرتي .. أبللها بقهر سرابي المكث .. إلا قليلا ..
لا يشاطرني ..
الطيف العذب ,, دندنة ألقاها إلى شفاهي زمهرير مثلّج التفاصيل ..
أتمتم فقط .. بالميم : وأعبرها سريعآ إلى الحاء لأتنحنح وأكظم شوقي ..
كم أمقت هذا الحرف لأنه ينوء به اسمي .. وشطر منك .. يباهي بي السر الوخيم ..
لا تندفها ..
يا قمري .. نفحات من شموخك .. إذا ما تملص منك الضوء إلى سجايا الضباب ..
آلامك على مرأى من قلبي التقطها بحنوك.. حتى لا يعصيني ذاك المتجهم .. ولا يجاهر بسكرة باتت وشيكة للمنية ..
وأما الأنين فأطيعه كمن لاذ بجمرة عويل .. من قيظ قهقهة سوداء ..
صدقني ..فراغ الكون بهيبته .. يسكنني للتو .. حتى ينتابني الغرق في دخان شاسع الغور .. سحيقه ..
لا تجف ..
قطرة من ملامحك .. وتنسكب على قلبي كالحميم .. لا تنهمر إلا هطولا ..
أفرد جناحي .. وأرتدي هامتي .. ولكن عظامي استشاطت ضعفآ .. وأبت التحليق ..
أتكوم على ركبتي .. فالليل عذاب أسود بدون تلك الضحكة .
ألتقط من النجم حزمة أنوار أضعها على حدقي .. وأفتش عني .. أناديني ..
علك تتأبط عنادك .. وتحمل لي ضوء بين عينيك يحتويني ..
لا تضنيني ..
وبيتي كوخ منحوت على خارطة أورانوس .. ذاك هو وطني ..
وغدير أعرج الهدير .. ينسكب زمهريرآ من قيعان عطارد فيمر من زحل مزهوا ..
والسنابل على جبين بلوتو .. كسوسنة خائرة الظل من صفعات الشمس ..
وتيتان يناوش أوفيليا .. ويتشاجر مع حفنة شهب مشاكسة ..
وهذا السَحر .. أيقونة حلم .. تسقط عند قدمي ..
فينتشر عطر الليل ..

سحر الناجي
01-08-2011, 09:08 PM
http://www6.0zz0.com/2011/01/07/16/200287139.jpg (http://www.0zz0.com)

* القطة ..
غريب هذا الليل ويزدحم بصفوف متراصة من جند الظلام ..
غريب إلى حد ابتلع ريقه .. وأشاح بناظريه عن النافذة التي كانت تنفث الريح من وراء قضبانها بأنفاس الزمهرير ..
يرتجف .. حيث ضلعه المائل نحو إنحدار لولبي في عظامه طوء اليسار كان يصدر صرير كبوابة صدئة ..
وذلك السواد لا يمر على زمنه الراهن بخير كما أشادت به شفاه النهار الكاذبة ..
وفي هدأة السحر يأتيه صوت مواء من ناحية البوابة الخشبية الكبيرة .. فينتفض فزعآ ..
يتراجع زحفآ إلى الوراء جلوسآ وهو يحتبي بغطاء سريره كمن ينتظر وحش عملاق سيفترس لحمه ..
وعند اصطدام عينيه بذكرى مؤلمة .. يراوده صوت أبيه من زمن سحيق ومسرف في القدم ..
قال له ذاك القوي بينما كان يتطاير الشرر من عينيه :
-أأنجبت غلاما أنا أم فتاة ..؟
وأردف يصرخ :
- قم يا عدو نفسك .. وواجه خوفك كرجل وليس كبنت تتوارى في خدرها ..
أجل .. قم ياعديم الجرأة واجلب من لحظك بصر ينخر الفزع ..
وتمدد على الظلام بقامتك .. واستخلص من أشياء تجربتك شجاعة .. وواجه خوفك ..
لماذا لا تواجه ذلك الهاجس الملعون بين أوردتك ؟
هيا .. ناكف همهمة المجهول .. وما تخشاء من خبيئة الغيب ألقهِ على رمال الليل ..
قم .. فما تناهى إلى سمعك سوى مواء قطة قد تكون كائن بحاجة إلى عونك ..
لملم على صدره العاري بسترته الجلدية جيدا .. وتحرك ببطئ وتردد يحبو على ركبتيه ..
لكن هاجس القصة البالية ما زال يخيم على وعيه ..
كان الزقاق المظلم في الحي الشرقي من شارعه ينوء بثقل العتمة ..
حين ارتفع صراخ تلك المرأة ومزق كل سكون لليل ..
اجتمع حولها رجالات الحي وأعيانه يسألون عن سر هذا العويل ..
أشارت حينئذ بسبابتها إلى المنطقة الخربة المجانبة للبيت الطيني المهجور ..
قالت بأنفاس متهدجة : لقد أتت من هنا .. كانت بشعة وسوداء .. وكانت جائعة ..
سألها إمام المسجد : ما هي أو من هي ؟
قالت : قطة سوداء كبيرة .. هاجمت طعامنا , وعندما ضربتها ابنتي .. اختطفتها ورحلت من هنا ..
لم يصدق أحد رواية تلك الثكلى .. ومرت السنين والبنت غائبة .. لا تعود ..
هذه الحادثة .. هي هاجسه .. وفزعه .. ومبعث رجفاته ..
وفي هنيهة جنون .. أسرع بخطى التحدي نحو الباب فشرعه ورمق الظلام بعينين دامعتين ..
وكأنه مغيب .. اتجه نحو الصوت الذي سمعه منذ برهة .. ليقف على ماهيته ..
نبش الظلام ببصره .. فإذا بقطة بيضاء صغيرة محجوزة بين صخرة وجذع شجرة ..
دنا منها على وجل .. وسعى إلى خلاصها .. وحين حررها من مأزقها .. حملها إلى حجرته وأطعمها ..
وقضى الليل يلاعبها وينظر إليها بحنان .. قضى على تفاصيل خوفه القديم من خرافة القطط ..

سحر الناجي
01-13-2011, 05:19 AM
http://www12.0zz0.com/2011/01/09/17/674354298.jpg (http://www.0zz0.com)

* وحوش الليل الصغيرة
كل ماهو صغير متحرك يفزعها .. فقط صغائر المخلوقات ما تأخذ حيز الهلع في صدرها ..
ذهنها الذي يجهد حدث الزمان يدفعها لأن تتصور تلك الكائنات تكبر وتتضخم في سواد الليل وتتحول إلى وحش فتاك مفترس ..
لا تحبذ التطرق إلى الأمر مع قريناتها .. وإذا ما حدث ذلك تلوذ إلى الصمت وتترقب نهاية الموضوع بتأفف طازج ..
لا تنتمي لعالم تحيا به هذه الكائنات .. ولا يجول في خاطرها سوى أنها وحوش صغيرة تعيث الرعب في عمالقة البشر ..
أصابعها الصغيرة كانت يومآ تعبث بالرمال تحت جنح مساء منعش ..
ذاك الليل لا يغيب عن ذهنها .. إلى حد أنه التصق بأحلامها فيوقظها والصرخات تبلل صوتها ..
في تلك الليلة .. ملئت المكان بضحكات طفلة كانت تنسج من النجوم وشاح براق ..
وأمها تجلس على البساط .. وترتشف من كأسها جرعات من العصير بطعم البرتقال ..
وقال خالها الذي قدم على عجلة : لا تعبثي بالرمل .. حتى لا يعضك التراب ..
لم تفهم معني ذلك .. وأخذت فرع صغير من شجرة ذابلة .. وأخذت تنكش التراب بضراوة ..
كانت تخاف الليل .. والعتمات المحشوة بالمجهول .. ولولا القناديل .. ووجود أمها وخالها ما جلست على الأرض تناكف الزرع والعشب ..
وتذكرت أن الليل يخفي تحت أجنحته أشباح مفزعة قبيحة .. هذا ما قالته لها إبنة عمها ذات الخمسة عشر ربيعا ..
ما زالت أصابعها البيضاء الممتلئة تقبض على الرمل وتلقي به في وجه الريح التي اكتظ بها مساء صيفي مغبر ..
أظافرها اكتنزت بالذرات وتحولت إلى لون بني اندس إلى حافة أصابعها التي لم تزل تعبث ولا تكل أبدا ..
خيالها الغض والأرعن كان يصور لها أنها ستعثر على كنز تواريه الأرض كما في حكايات جدتها المرحومة ..
ولكن الكنز المأفون تحول فجأة إلى حراك بأصابع قبيحة سوداء كانت تخرج من تحت التراب ..
لأول وهلة حدقت بذلك المخلوق الذي خرج بكبرياء من تحت الأرض أتبعه مخلوق آخر على شاكلته ..
أرادت أن تعابثه بفرح طفلة اكتشفت كائن جديد في عالمها .. ولكن ما كادت تتلقفه بين كفها الصغير حتى ندت عنها آهة أعقبها صرخة ألم ..
أسرعت إليها أمها وخالها يستطلعان أمرها .. بينما كان المخلوق لا يزال يتمرد في يدها ..
كان السم يسري في جسدها .. وأخذت تشعر بخدر في جسدها الصغير عندما سمعت أمها تولول :
- يا الهي إنها عقرب كبيرة .. لقد لدغت العقرب ابنتي ..
وأسرع خالها يحملها إلى أقرب طبيب في المنظقة ..
أبدا لا تنسى تلك الذكرى الأليمة ..
ولا تحب بسببها كل المخلوقات الصغيرة الزاحفة ..

سحر الناجي
01-26-2011, 01:19 AM
http://www4.0zz0.com/2011/01/23/06/919930116.jpg (http://www.0zz0.com)

** ظلام المصير
ارتجف مكابرآ في تهالك قسماته صوب الشحوب ..
كان يجهر بأن النهار قد تفرغ من الزحام , وأنه قدم بدون رأسه المشنوق ..
بلا قيظ خلفه في مكب الصبح ..وانتحل جسد الزمن القرير ..
نهار أعرج .. بلحظات ممدة بثقل عنيد على جدران يومه ..
فيتوشح بعتمة امتطت كتفه .. ولوحت للدفء بالمثول ..
ظهره الذي قد انحنى شموخه .. لم يعد يجيز الإنتماء إليه ..
لربما أنفاسه المتقطعة حالت دون سكون حجرة تباهت بالفوضى ..
وأعاقت صرخات صدره .. من تدفق الزفير حتى تلوذ رئتيه بأستار الحياة ..
يريد أن يغط هنيهة على صدر النوم .. يريد أن يستريح ..
لكن أقدام العتمة .. المتلجلجة في جوفه .. تقطع عليه السبيل ..
تصول بين دروب الروح بوقع يتعالى صاه في الروح .. ويزهقها ..
كان يضج بالظلام .. فصوته الشبيه بفحيح أسود .. يدوي في أذنيه كنبرة عويل ..
ويمتد دبيب الخيبة إلى مفاصله .. حتى يطحن عظامه الباكية وهنا ..
يشعل سراج ناعس من الذكريات أثناء واعز لصوته بالأنين ..
اقتفاء أثر الفجيعة لا يفلح بين همهمة السواد المفزعة على أركانه ..
لا يغادره ذاك المساء وإن أخفاه في صندوق مطلي بالنسيان ..
قال الرجل صاحب المعطف الأبيض : كن قويآ .. واستعن بالصبر على محنتك ..
وبكت ابنته تخفي دموعها من وراء كتف أخيها الذي قال :
- لنحمد الله أن المرض يمكن السيطرة عليه ..
واستندت زوجته على الحائط .. تلملم العزيمة من لونه السكري ..
وكأن الكواكب قد أطبقت على الأرض فأحالتها إلى نجم بلا حياة ..
صدفة .. غيرت ملامح حياته .. وأحالتها إلى كراديس من الظلال الرمادية ..
كم يكره السواد .. كم يمقته .. وليته رجل ليواجهه كخصم عنيد ويقاتله حتى يهزمه ..
وكأن أفواج الليل سكنت جسده .. ونصبت خيامها على قارعة قواه ..
وكلما ابتلع حبة دواء .. أو تهادى تحت أجهزة تصدر رنينا مقيتا ..
انتابه الحريق .. نيران المصير القادم تلتهب في أوردته .. وتلتهم إخضراره ..
لا يدري هو إن كان على موعد مع المنايا .. أو النجاة ..!
حقآ لا يدري ..

سحر الناجي
02-13-2011, 03:04 AM
http://www6.0zz0.com/2011/02/07/06/335103534.jpg (http://www.0zz0.com)

* لا معنى للورد
حين أدلج الصبح وهجه .. ورحلت بفتات الليل أسراب الضوء ..
كان قد طاب لتلك القامة النحيلة أن تتجول في الحديقة صباحا ..
امرأة بمحيا هزيل .. مشتتة النظر .. بجبين مغضن بتجاعيد جميلة ..
تنظر إلى الجوري والفل بعينين .. غائرتين ..
وتقترب من الياسمين لتقطف باقة منه تضعها على مائدة الافطار .. كي تفح رائحة العطر ..
سمعت .. صوتآ يأتي من السور المجانب لبيتها .. جلبة وحديث .. وأصوات شتى ..
فأيقنت أن هناك خطب ما.. يدور في منزل السيدة نورة ..
قال صوت أجش : لنتصل بالإسعاف .. تبدو على غير ما يرام ..
وأجابه صوت أنثوي هلع : أجل .. يا الهي .. وكأنها تغيب .. سنفقدها ..
وتأفف ثالث قائلا : ما كان يجب نقل الخبر إليها بهذه الطريقة ..
ثم توالت الدقائق .. تحمل الصمت على أكتافها عدا أنفاس صدحت بالتنهيد والزفير ..
ولم يخطر لها أن تدخل إلى بيتها بعد أن ظفرت بأعواد الياسمين ..
ولا تحركت قيد أنملة وهي ترخي السمع عل الأنسام تأتيها بخبر عن جارتها المسكينة ..
فقطعت الرجاء بمن يحمل لها النبأ اليقين .. وفكرت بالتوجه إلى هناك .. حتى تناهى اليها صوت خطوات وجلبة جديدة ..
كان أحد الأصوات يمشي ملبدا بالحسرة حين قال : ستكون بخير .. هذا ما أخبرني به الطبيب ..
سأل صوت جديد : ولكن ما سبب كل هذا ؟
قال الصوت الأجش : ابنها سالم .. قضى نحبه بسبب جرعة زائدة من المخدرات ..
شهق صوت لم تسمعه من قبل : يا الهي .. مات ؟
تمتم الأجش : أجل .. وكان يخدعها .. ويأخذ أموالها .. موحيآ اليها أنه يتعلم .. ويجري تجارب على اختراع علمي جديد ..
سقط الياسمين على الوحل .. مادام الغدر والموت في هذه الفاجعة الصباحية ..
ما برح الظلام غير غمامة تنتشر في الحواس .. والضوء وطن ترابه النور ..
إذن لا معنى للورد .. والجمال .. لن تطيق المرأة الحياة بعد هذه القصة العجيبة ..
ذات ذهول .. نزل بمحيا واجم انسدلت عليه عبرات باردة ومنزلقة باللمعان ..
لملمت القامة النحيلة خطواتها وهرعت إلى وحدة قد تمتد لأيام عديدة ..

سحر الناجي
02-13-2011, 03:07 AM
http://www6.0zz0.com/2011/01/27/19/941796546.jpg (http://www.0zz0.com)

** قلبكِ لحاف من الشمس ..
لا أنام .. وما باغتني طيفها .. طيف التي كنت أمسك بكفها وأنا أحبو .. حتى لا ترديني خطواتي الوليدة ..
تلك الباهرة .. طالما كنت أستند على كتفها إذا راودتني الآلام تحت سقيفة الليل .. أو همهمة مارقة للأحلام ..
طيف بهي الطلعة .. بوجه مشرق , موشوم على وجنتيه خطوط دقيقة .. متراخية إلى أسفل الثغر الباسم ..
من السور المجانب للباحة , يأتيني حراكها عبر أوراق الشجر ..
تلملم كسور الأغصان , وتدندن .. بأغنية قديمة .. استلقت على صوتها بحنو ..
فقط خيالها ما يسكن أهدابي للتو ..يستلقي ممدآ تجاه الجدار , دون تموجات أو تكسير ..
دون حتى تراتيل مجعدة للظلام .. فيبدو وجودها حقيقة يلفها الضباب في حدقي ..
كانت تناديني من خلف أسوار الزمن .. تدعوني إلى شطيرة من الجبن وكوب من العصير ..
قالت لي منذ عهد ليس ببعيد وبصوت يرعشه القلق :
- ماذا ؟ .. قهوة بدون إفطار .. ستقتلين نفسك...بالتأكيد !!!
كنت أبتسم لها وأنا أراجع بعض الأوراق في يدي .. ولا آخذ خوفها على محمل الجد ..
كنت أشاكسها وهي غافلة بالطهي .. أسير إليها على رؤوس أصابعي وأدغدغها .. حتى تلتفت إلي بمحيا يلونه لوم ضاحك ..
وحين تنتبه إلى مشاكساتي .. تحذرني بنظرة عتاب من عينيها , فلا آبه حتى أسمع ضحكاتها تعلو على قامة الصمت ..
آه يا أمي .. كم غيبكِ السفر عني .. ولستُ غير جدث بأمس الحاجة لأن يضع جمجمة مثقلة بالدوار عل البكاء يبعثه حراكا ..
كم أتوق إلى أنظاركِ التي كانت تحتضنني إذا ما انهمر السقم على قامتي وعثرني في حفرات للهزال ..
أحن إلى هلعكِ علي .. إلى ابتهالك المبلل بالدموع بين ثنايا الليل وعلى أرصفة الظلام ..
فإن قلبكِ كان - وما برح - قطعة من الجنة التي طالما شقتها أنهار من السلسبيل ..
وأصابعكِ .. خيوط دفء كانت تحضر لي الربيع وأكاليل شمس غاربة بالضوء ..
حزم من النور .. وشموع الآمان .. تنام على ذراعيكِ فأغفو بينها ..
وجسدي منذ أن أعتقتكِ من خابيتي .. لا يزال يهوي بين طيات الذبول .. وشقوق الوهن ..
لن أنسى .. صوتي وهو يناديك من عقر الوجع , وعبراتي تستصرخكِ إقبالا ..
بل حتى خلاياي التي انزوت تنتحب الصبر .. كانت تسأل عنكِ .. وتفتشني كي تظفر بقسماتك لتستكين ..
حتى فجري هذا الصباح كان مندهشآ لغيابكِ .. ويسأل أسراب الليل الراحلة بمحنتي عنكِ ..
وأقنية دمي .. كانت تعبر الأوردة .. علها تجدكِ - صدفة - بين الحنايا ..
يا حبذا هطولكِ يا روضتي المنتعشة بظلال الجوري .. وضحكات الخزامى ..
ويح نفسي ومعانقة على صدركِ الملئ بالضوء كي أحتمي به ..
منذكِ يا بوابتي الفضية إلى الفردوس .. وزفراتي تعوم في بحر خانق من الموت ..
ولولاكِ .. فيما مضى , لظللتُ شريدة الأسقام ولا منفى لي غير أحضانك ..
لبقيتُ .. في طائلة المنايا حتى يواريني الثرى ..
أحبكِ يا ذات النبض الذي .. تشتاقه حواسي حينما تصفعها أظفار السقوط ..
أحبكِ يا أمي .. كثيرا ..