المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : سطوة الحرمان الطويل


عثمان الحاج
05-16-2010, 10:35 PM
اعتملت فكرة الهرب في نفسه بعد جهود مضنية, قناعاته التي يحملها ربما لم تكن كافية لتبقيه الي جوار (نوار) كزوجة مستوفية لكل الشروط الواجب توافرها في المرأة التي طالما حلم ان تكون زوجة له .
لم يكن (وحيد) يرجو سترا لعار لحق بهما كما تداولت ألسنة المجتمع اذ لم يقف هذا المجتمع لهما علي خطيئة في يوم ما سوي تقليد اجتماعي يقول بأن الحب وحده كافيا لالصاق هذا الاتهام ,وطالما تقاسما بحرقة الام هذه التقاليد القديمة والتي مازال مجتمعهما يتمسك بها.
كانت (نوار) نموذج مشرق للجمال وتملك من مقومات الحسن مايكفي (وحيد) للتمسك بها حتي الرمق الاخير من حياته هذا بجانب ما عرفه عنها من افق متسع ونظرتها غير المتكلفة للحياة, وكم سخرا من نظرة مجتمعهما الخرقاء تجاه حبهما,كانا علي يقين بأن التلاقي بينهما مسؤولية اخلاقية وانسانية كان الواجب علي المجتمع الالتزام بها.
يقينه بحتمية التلاقي بينهما كانت كفيلة بكبح جماح رغباته المشتعلة حينما تستغيبهما اللحظات القليلة التي تجمع بينهما خلف العيون,وكم افسد بينهما تلك اللقاءات شبح القبضة الحديدية التي طوقهما بها مجتمعهما ,وكم ارهقهما التفكير في سبيل نجاة من هذا الظلم الاجتماعي الفادح.
كل محاولاتهما لتغيير هذا الواقع المقلوب باءت بالفشل وتوصلا ان قناعة مفادها انهما لا يملكان من الفضائل ما يكفي لتغيير مجتمع وان ارهقتهما المحاولات,ولكن الاستسلام لم يكن هو الحل اذ ان حبهما اقوي من كل القيود.
الايام التي تمضي سراعا كانت تزيد من توترهما والخوف من ان يكتشفا بعد فوات الاوان ضياع الحلم من بين ايديهما.
الهرب في الارض الواسعة هو خيار الحرمان الوحيد في ذلك المجتمع الي اي مكان يعترف بحبهما ويكملا طقوس زواجهما هناك.
الرعشة المفاجئة التي اعترتهما في هذا الخضم المتوتر في تلك الليلة والسماء ترعد وكأنها توثق لهذه اللحظات من الخوف والرهبة والافكار المتنازعة,كان يخشي ان توهن عافية المطر حماس (نوار) وقواها حينما بدأت حباتها تتساقط بوحشية علي المكان ,وكانا علي يقين ان تأجيل فكرة الرحيل ليست من خياراتهما ليقينهما ان هذه اللحظة تتويج لاعداد مبكر استنفد مجهودا كبيرا وقد لا تتوفر ظروف مماثلة للهرب في مرات لاحقة رغم قسوة الطبيعة .
وعلي مسافة تكفي لتواري تلك الاجساد المتعبة لاح لهم في احدي ومضات البرق المتلاحقة كوخ ذلك الرجل الذي عرفته القرية معتكفا في هذا المكان لم يشاركه فيه احد, ولم يشهد له اهل القرية خروجا من هذا الكوخ طيلة السنين الطويلة التي قضاها فيه ,اصبح خيارهما الوحيد اللجوء الي ذلك الرجل طالما اصبح السير في تلك الظروف اقوي من الجلد والاحتمال وفوق ذلك ما توفره رفقته من احساس بالامان قد لا يتوفر عند غيره.
دلفا الي داخل الكوخ ليهدهدا سكون ذلك الرجل الوقور بهذا الاقتحام المفاجئ وكأن ثيابهما مصنوعة من الطين والوحل , ,يده الامينة كانت كافية لترك (نوار) معه طالما انهكها التعب واعيا قواها جهد مقاومة المسير, ليعود (وحيد) للقرية وكل امنياته الا تكون القرية قد فاقت علي فقدهما ,كان طريق العودة مليئا بالضوء والظلام ,ولم يوقف هذه الاحاسيس المتناقضة سوي منظر القرية وهي تنام في هدوء جعل الطمأنينة تتسرب الي قلب العاشق , مضت لحظات يستجدي فيها (وحيد) اهل القرية بقليل من هذا الثبات بمقدار ما يكفي لوقوف المطر,
مر مقدار من تلك الليلة علي ما يرام فالسماء لم تعد تمطر ,والقرية لم تنتبه بعد لغيابهما, عاد بعدها (وحيد) دلف الي داخل الكوخ تلاحقت نظراته في المكان,و لم يجد سوي فراء ومسبحة..!

زخات مطر
05-26-2010, 12:34 AM
نهاية غير متوقعة !

مؤسف جدا بعض العادات البالية والتي تحكم على الأشياء السامية بالموت !

عثمان الحاج .. قصة جميلة استمتعت بقراءتها :)

عثمان الحاج
04-14-2011, 04:38 PM
نهاية غير متوقعة !

مؤسف جدا بعض العادات البالية والتي تحكم على الأشياء السامية بالموت !

عثمان الحاج .. قصة جميلة استمتعت بقراءتها :)
العزيزة زخات مطر:
نعم بعض عاداتنا وتقاليدنا قد لا تجعل خياراتنا هي المتاحة
والقصة علي ما تحمل من قسوة العادات
تبيَن أن علاقة الإنسان بالإنسان باقية وحتمية
وإن لم تمر عبر هذه التقاليد..
شكرا كثيرا لمرورك..

عبدالإله المالك
07-14-2011, 07:57 AM
إذن الرجل الرقور الذي يسكن الكوخ .. أعاد نوارا إلى بيت أهلها ..

يا عثمان .. نهاية كلاسيكية بطريقة مدهشة ..