المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ... ( واجهةٌ لطفولةٍ مُقلّدة ) ...


نهله محمد
05-22-2010, 01:55 PM
شرائطي فقدت لونها , وأصبحت طريقاً طويلاً من اللهب . أمي التي توددت بها لضفائري يوماً , لم تعلمني قبل أن تنبت أجنحتها , لماذا تخونني الأشياء .. ! لم تخبرني بأن للأشياء نفسها أكثر من نية .. بدت وكأنها انشغلت بالموت أكثر من الترتيب لبقائي بعدها بقلبٍ مرقع ..
في نهاية كل يوم مدرسي , كانت تهاجمني الأحاديث من هذا النوع . وكم كان محزناً أني لا أملك حيلةً في تجاوزها بينما أملك الوقت الكافي كي تتجاوزني . و أنا أنتظر أبي ؛ ليقلني متأخراً , في ظهيرةٍ لا تبقي على صبر الصغار ولا تذر .. لطالما تمنيت لو أن أمي تنفض الغيم عن أجنحتها وتظلني على الأقل . أو تقف بالباب باكراً كباقي الأمهات , تطير بحقيبتي الثقيلة , تضع على جبيني قبلة نورانية , وفي يدي قالب بوظة , تأخذه لي من أقرب غيمةٍ مشحونةٍ بالصقيع .. ونمضي مثل الثريات إلى الأفق ..
الأمنيات التي كان يفرضها علي موقف كهذا , تزورني حسب قسوة المواقف ولطافتها , منها ما عمّق صلتي بجروحي المفتوحة ومنها ما سقط من ذاكرتي كخثرةٍ جافة ونسيته .. حدث وأن بكيت بحرقةٍ لأول مرة , عندما تعرضتُ لهمز إحداهُن في صفي , لأني لم أحسن التصرف مع الفوط الصحية , فتبللت بشكلٍ فج ..
أمي التي لم تكن موجودة مذ أول ليلة داهمني فيها السيل .لمتها لأنها نست أن تكتب في وصيتها طريقة مفصلة أتعاطى بها مع الأشياء التي سبقتني لها . ومعلمتي التي مرت على ذلك الدرس الفقهي كأنها في ساحة ركض , قالت أننا ( سنعرفه عندما نكبر ) ..! كبرت و فهمتُ مصادفةً أن الأمر لا يخص اليتيمات , كما كنتُ أظن في بداية الفزع..
أما أبي , فكان الحاجز بيننا أسمك من أن تتسرب له الاستفسارات والأسئلة .. الأمر بالنسبة له لم يعدو كيساً يلقيه في حجري ويخلد إلى أحلامه .. و كان لزاماً عليّ تخمين طرق التعايش مع القطن وتقصي الصور والإعلانات , علّي أنجح ..
ترى! كيف يفعلها الكبار هكذا ؟ يزجون بأيدينا على الأسطر , وينتظرون منا الكتابة دون وضع نقاطٍ إبتدائيةٍ للعمر ..؟ كيف ينتظرون منا القفز على ساقٍ ونحن بالكاد تعلمنا المشي على ساقين ؟ كيف يتجاهلون حاجتنا لهم , حتى لا تتأرجح خطانا عندما نقطع الأوتار وصولاً إلى الإستفهامات الكبيرة ..؟
لا أعرف لأي درجةٍ كان صعباً التواصل مع الصّدريات التي ربطتني في نفسي وهذبت نهديّ .... ولا لأي مستوى كان موجعاً التأقلم مع العباءة التي أجبرتني مبكراً على التخلص من لهفتي للمراجيح ودراجات الصّبية . لا أعرف كيف استوعبت فكرة البقاء رزينةً في السيارة دون أن تلف عنقي بناية , وأخيراً , نسيان الدمى حيث كانت طفولتي مقلّدة ..!!
أصوات عميقة انبعثت من صدري , لم تكن تكف عن النداء .. شعرتُ بي أتحول فجأة لكومة أيدٍ تمتد في اللاشيء لكل شيء رغبةً مني في الخروج من مآزق الأسئلة والمواقف . المواقف التي تصاعدت و أشعرتني بالاحراج من الحياة . خفت مليا من مواجهتها بطريقة الحزر , فـ الامر كان مربكاً بالنسبةِ لطفلة , كل حصيلتها من الذاكرة حلوى انتهى طعمها , وعرائس تصلبت مفاصلها , و "مريول" تحول ( بمهرٍ وقدره ) إلى فراشٍ ممزق لجسدٍ بارد ..





هذا النص مُهدى ..



إلى كل الصغيرات اللاتي كَبُرنَ في المنعطفات الخطرة ..
إلى الفتيات اللاتي كبرنَ قبل أن تستوعب ذلك ملابسهنّ الزهرية ..
إلى اللاتي شِخنَ فجأةً في غرف توحشها الأضواء الملونة , والإبتسامات الخبيثة , ..
إليهن كلما ضاقت السبل إلى الآذان .. وتضاءلت الحناجر بأصواتهن ..
إلى عقد هنّ الخفية و مخاوفهن السرّية , والأسئلة التي لم تجد لها سرداباً لإجابةٍ شافية ..
إليهن اللاتي يمضغن الصخر , ويتظاهرن بأنه علك
رغبةً في حماية واَلدِيهم من اللغط .. ..
إليهنّ حين يمتن بحسن نيّة .. مغرراتٍ بنعش على شكل دمية ..



http://img104.herosh.com/2010/05/22/616324145.jpg

بثينة محمد
05-22-2010, 02:22 PM
لم أرد حقا قراءة أي شيء فذهني مشغول ب خيميائي و فتى اسباني يحاول تحقيق أسطورته ..


و لكن :

إليهن اللاتي يمضغن الصخر , ويتظاهرن بأنه علك
رغبةً في حماية واَلدِيهم من اللغط .. ..
إليهنّ حين يمتن بحسن نيّة .. مغرراتٍ بنعش على شكل دمية ..



لاا أستطيع أن أقول أي شيء ... من حظي بالطفولة ومن حرم منها .. شتان بينهما يا نهلة ... من طفولته مقلدة و من طفولته سوداء حتى ما كان منها من نقاط بياض كانت مقلدة و اسودت مع مرور الزمن ..
أبكي ؟! أم أتظاهر بالنضج ؟!
كله سيان ، و بلا جدوى ..


رائعة يا نهلة و إن كنت لأجيز إبداعك في أي شيء فهو في تمثيل أحاسيسنا نحن أبطال إبداعك !

و اللوحة قمة الروعة هي أخرى تمثل بجدارة ما نشعر .. فشكرا لك و لتغريد ! لا الجرح يندمل ولا الأيام تُنسينا !

ياسمين
05-22-2010, 10:12 PM
داكنه هذه الهدية تجعلنا نتذوق المُر حلوا
نهلة تكتبين ذهب !

نهله محمد
05-23-2010, 11:44 AM
بثينة الأهم من أن نعيش الطفولة بحد ذاتها , أن نعيشها سوية, قويمة ..
الشذوذ الذي يعيشه البعض في طفولتهم, يرافقهم حتى نهاية العمر ؛
ذلك أن الذاكرة فارغة ومستعدة لتدوين أي شيء والتشبث به لأطول فترة ممكنة ..

بثينة .. هنا الأطفال ,
الفتيات حين يبلغن من الشيب مبلغاً لسنَ بقاصديه ..
شكراً وافرة يا صديقتي المجنونة .. :)

زخات مطر
05-26-2010, 12:27 AM
نهلة .. :)

هؤلاء الفتيات لو قرأن ما كتبتِ لطبعن قبلة على جبينك !

واقعي جدا ما كتبتِ .. ومع أنه الواقع إلا أن لديك أسلوب ممتع في جر القاريء لآخر حرف !!

رائع جدا :)

نهله محمد
05-26-2010, 11:19 AM
ياسمين ...

العبرة ليست بالأغلفة ياصديقتي ..
مابعدها حريٌّ باكتشافه ..


شكراً وافرة ..

سعد المغري
05-27-2010, 06:46 AM
..

أنتِ يانهلة ثورية تكسرين الـ قيود .. وتعويذة الـ وجع .
وردة لـ قلبكِ الـ متعب .

نهله محمد
06-07-2010, 05:11 PM
زخات المطر ,
يا سخية .. هي المرة الأولى التي أجدكِ في قصة لي ..
ولن تكون الأخيرة , هكذا أمني نفسي :)


*
الصغيرات مشغولات بالعرائس , عندما تتصلب مفاصلها سينتبهن لفحوى النص ..

عائشه المعمري
06-08-2010, 12:15 AM
مُتقنة ..
وكم أعني هذه الكلمة ..
ووحدكِ تُدركين ذلك يا نهلة ..
.
.
قرأتها في الفيس بوك مذ أن أدرجت ..
ومنذ ذلك الوقت وأنا مبهورة بكِ أكثر ، وفخورة ..

حياه
06-09-2010, 02:30 AM
..

موجعة حِين ألقيتِ بواقعٍ مجهول مستقبله بِ حذر طِفلة لم تكن شقيّة
كَ ابنة الجار ..، كان مجالستها
للكهولة أكثر مِن تعايشها لِ زمن طفولتِها ، ..
هِي الإبنة العاقلة الكبيرة مبكراً ، جاهلة أمور كثيرة فَ تنجب يوماً فجأة
بنات مِن حياء لَم يوأدها أباها كما ضُربت مِن أمها صغيرة وحملت عقدة النفور وَ الخوف
وَ قد يكون احساسها بِ أنها ليست ابنة لهما!
هذِه الهدية غالية ي نهلة،
تُفزع الصغيرات مِن أمهاتهن ..
وَ لكن قد تُصبح صديقة جيدة لِ والدتها فِي الكِبر،

واقعية ي نهلة ورائــعة:34:..

نهله محمد
06-16-2010, 05:08 PM
سعادتي في الثورة على كل شيء يا سعد ..
أكره أن تكون المشاعر راكدة , والأشياء تعاود عاداتها ..
أكره الأصفار , وأحب أن تتحرك وفق حركة التغيير الجذري ,
من التغير ياسعد تبدأ حقيقة الحياة , الحياة التي لها أكثر من زاوية لايراها إلا القلة ..

شكرا لك ياسعد ممتنة لحضورك ..