المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : املأ مساحات هذا المتصفح بما علق في ذهنك عن ..


سلطان ربيع
11-05-2006, 12:06 AM
http://www.jehat.com/jehaat/images/shaara/mohd_maood.jpg

محمد الماغوط









,شاعر و أديب سوري , ولد في سلمية (محافظة حماة) عام 1934. تلقى تعليمه في سلمية و حماة، وعمل في الصحافة رئيساً لتحرير مجلة الشرطة. توفي في دمشق في 3 أبريل 2006.

من أكثر من أثاروا القضايا الكبرى في تاريخ كتابتنا الشعرية المعاصرة .




هو من أبدع :

حبيبتي
هم يسافرون ونحن ننتظر
هم يملكون المشانق
ونحن نملك الأعناق
هم يملكون اللآلئ
ونحن نملك النمش والتواليل
نزرع في الهجير ويأكلون في الظل


(من مجموعة "الفرح ليس مهنتي").





أنتطرك فيضكم
وحروفكم .

سلطان ربيع
11-05-2006, 12:13 AM
http://www.jehat.com/jehaat/images/shaara/mohd_mawood-1.jpg

قصيدة " الوشم ""

الآن

في الساعة الثالثة من القرن العشرين

حيث لا شيء

يفصل جثثَ الموتى عن أحذيةِ الماره

سوى الاسفلت

سأتكئ في عرضِ الشارع كشيوخ البدو

ولن أنهض

حتى تجمع كل قضبان السجون وإضبارات المشبوهين

في العالم

وتوضع أمامي

لألوكها كالجمل على قارعة الطريق..

حتى تفرَّ كلُّ هراواتِ الشرطة والمتظاهرين

من قبضات أصحابها

وتعود أغصاناً مزهرة (مرةً أخرى)

في غاباتها

أضحك في الظلام

أبكي في الظلام

أكتبُ في الظلام

حتى لم أعدْ أميّز قلمي من أصابعي

كلما قُرعَ بابٌ أو تحرَّكتْ ستاره

سترتُ أوراقي بيدي

كبغيٍّ ساعةَ المداهمه

من أورثني هذا الهلع

هذا الدم المذعور كالفهد الجبليّ

ما ان أرى ورقةً رسميةً على عتبه

أو قبعةً من فرجة باب

حتى تصطكّ عظامي ودموعي ببعضها

ويفرّ دمي مذعوراً في كل اتجاه

كأن مفرزةً أبديةً من شرطة السلالات

تطارده من شريان إلى شريان

آه يا حبيبتي

عبثاً أستردُّ شجاعتي وبأسي

المأساة ليست هنا

في السوط أو المكتب أو صفارات الإنذار

إنها هناك

في المهد.. في الرَّحم

فأنا قطعاً

ما كنت مربوطاً إلى رحمي بحبل سرّه

بل بحبل مشنقة

سلطان ربيع
11-05-2006, 12:21 AM
الأعمال المسرحية للماغوط

غربة

كاسك يا وطن

شقائق النعمان

ضيعة تشرين

سلطان ربيع
11-05-2006, 11:51 PM
محمد الماغوط
الإنسان الشاعر المسرحي مثل حبة ملبس، الملبسة درجات نكهتها طيبة، بس عالغميق فيه عتمة, فيه غموض, فيه شك, فيه حياة معذبة, فيه جنون, فيه تشاؤم .

يعقوب الشدراوي
مخرج مسرحي

بعد الليل
11-06-2006, 01:35 PM
لقد أصبح البشر كصناديق البريد المقفلة متجاورين، ولكن لا أحد يعلم ما في داخل الآخر

محمد الماغوط / سأخون وطني
من أجمل كتبه

بعد الليل
11-06-2006, 01:53 PM
أرسل لي قرميدة حمراء من سطوحنا
وخصلة من شعر أمي
مع أقراط أختي الصغيرة
وأرسل لي نقوداً يا أبي لأشتري محبرة
وفتاة ألهث في حضنها كالطفل

محمد الماغوط / مجموعة حزن في ضوء القمر

كُتب عنه:
لم ينجُ من شعور الغربة والنفي. هذا الشعور الذي سيكبر معه حتى يلتقي رفيقته سنية صالح، الصديقة أولاً، والزوجة لاحقاً، التي احتضنت أحزانه وآلامه، وضمدت جراح روحه قبل طعنات جسده. سنية التي كتبت عن الماغوط في مقدمة أعماله الكاملة (الطبعة الأولى، وهي المقدمة التي تضمها الطبعة الجديدة الصادرة في دار المدى 1998)، أنها خرجت تبحث عنه في أثر أحد الانقلابات، "وكان في ضائقة قد تجره إلى السجن أو ما هو أمرّ منه"، فعملت على إخفائه عن الأنظار في "غرفة صغيرة ذات سقف واطئ حشرت في خاصرة أحد المباني، بحيث كان على من يعبر عتبتها أن ينحني وكأنه يعبر بوابة ذلك الزمن.. سرير قديم، ملاءات صفراء، كنبة زرقاء طويلة سرعان ما هبط مقعدها، ستارة حمراء من مخلفات مسرح قديم. في هذا المناخ عاش محمد الماغوط أشهراً عديدة".
وشعرياً، ترى سنية أن الماغوط "من أبرز الثوار الذين حرروا الشعر من عبودية الشكل.. وقد لعبت بدائيته دوراً هاماً في خلق هذا النوع من الشعر..".


عمر شبانه / جهة الشعر

تركي الحربي
11-06-2006, 10:10 PM
محمد الماغوط

الأرجوحه !

سلطان ربيع
11-07-2006, 09:14 PM
نص الفراشة
من كتاب (سأخون وطني - هذيان في الرعب والحرية) 1987



مواطن عربي قتل في إحدى المظاهرات الشعبية إبان الحماسة الوطنية التي اجتاحت المنطقة بعد الاستقلال. يشتاق وهو إلى جوار ربه إلى زوجته وأطفاله وبلاده. فترفرف روحه من الشوق والفضول في كبد السماء، ويجري الحوار التالي مع زوجته التي كادت أن تنساه
الزوج: كيف الصحة والأولاد والجيران؟
الزوجة: بخير. وأنت؟
الزوج: وهل هناك أروع من أن يموت الإنسان في سبيل بلاده ومبادئه. ولكن فراقكم أدمى قلبي أكثر من جراحي
الزوجة: وماذا نقول نحن. آه لو تعرف ماذا فعلت خالتك أم حمود، وماذا قالت عمتك أم حميدان عندما أذيع نبأ موتك
الزوج: لاأريد أن أستنفد المكالمة في أخبار شخصية. أريد أن أسأل عن القضايا الكبرى التي قضيت من أجلها. طمنيني: ما أخبار حركة التحرر العربي؟
الزوجة: عال
الزوج: وحركة عدم الانحياز؟
الزوجة: ممتازة
الزوج: والحرية في الوطن العربي؟
الزوجة: بتبوس إيدك
الزوج: والسجون؟
الزوجة: فارغة
الزوج: عظيم. عظيم. لأن حلمي الكبير كان الاستفادة من تلك القاعات الرهيبة بعد إخلائها، إما كمسارح لرقص الباليه، أو معاهد لتطوير الموسيقا الشرقية. فبماذا تستغلونها الآن؟
الزوجة: ما زلنا حائرين بين الباليه والموسيقا
الزوج: عظيم. عظيم. وبرامج الإصلاح الزراعي هل اكتملت؟
الزوجة: إلى حد كبير
الزوج: إذاً، أصبح كل شيء متوفراً ورخيص الثمن بالنسبة للطبقة الكادحة
الزوجة: طبعاً وخاصة الفاكهة
الزوج: رائع. رائع. ولكن حذار، لا تكثروا من التفاح. فهو يسبب (الكتام). ولا تسرفوا في التهام الموز على الطالع والنازل فهو يزيد نسبة النشويات ويشوه أجسام العمال العرب ويعوقهم عن أداء واجبهم
الزوجة: اطمئن من هذه الناحية
الزوج: وبالنسبة للمشاريع الاقتصادية الكبرى؟
الزوجة: كالمطر. ونحن الآن نقطف ثمارها
الزوج: إذاً، فالأموال العربية لعبت دورها كما يجب. فنحن أغنياء كما أذكر
الزوجة: بل من أغنى أهل الأرض. ولولا هذه الاموال لانهار الاقتصاد البريطاني والأميركي، منذ سنوات
الزوج: (بعد تفكير) على كلٍ، ما دامت هذه الاموال فائضة عن حاجة الوطن العربي، بعد أن قضى على الفقر والجهل والأمية والبطالة، فلا مانع من مساعدة الغير. إنها من شيم العرب كما تعرفين
الزوجة: هل تريد شيئاً آخر؟
الزوج: ما أخبار فلسطين؟
الزوجة: ارفع صوتك إنني لا أسمع
الزوج: لا أستطيع ذلك. وإلا استيقظت أرواح الشهداء العرب من حولي
الزوجة: معك حق. وأنا تعبت والطبخة على النار. ماذا تأكلون عندكم؟
الزوج: لا تغيري الموضوع. ما أخبار فلسطين؟
الزوجة: ولو، وهل هذا سؤال يُسأل بعد هذه السنين؟
الزوج: أعرف ذلك. ولكنني ما زلت قلقاً على اليهود. لا تلقوهم في البحر. خيّروهم بين العيش بيننا بسلام أو العودة إلى بلدانهم الأصلية
الزوجة: تكرم
الزوج: ولا تقسوا عليهم أثناء التسفير، فالعفو عند المقدرة، لأن العرب كما تعلمين أثناء الفتح الإسلامي وأثناء حروبهم مع الفرس والروم كانوا
أحد الجيران: ولك سد بوزك العمى شو أجدب

سلطان ربيع
11-16-2006, 12:49 PM
قالوا عنه :



الماغوط خسارة كبيرة، ولا أستطيع أن أقول عنه المرحوم، مثله لا يموت، وآثاره أكبر من أي تعبير، وأعماله أعظم تعبير عن قامته. هذا الأديب وهذا الشاعر عشق الحرية فعشقه الحرف، عشق الوطن فعشقته الكلمات. من خلال شعره وكلمته زرع آلاف الشموع التي ستبقى مضيئة


دريد لحام:

سلطان ربيع
11-16-2006, 12:50 PM
لم يفاجئني خبر مماتك يا محمد، فأنت وأنا وآخرون من جيلك، الذين ما يزالون يجرعون من ضوء الشمس وينتظرون، مهددون في أجسادنا منذ سنوات، وبقاؤنا على قيد الحياة وقت إضافي (over time) لمباراة خارقة كنتَ ربحتَها في اعتقادي يا محمد الماغوط منذ أمد طويل. لقد استطاع الموت أخيراً أن يقتحم عليك الدار ولكنّ دخوله لم يكن انتصاراً في المباراة الحامية التي دارت بينكما طويلاً، فأنت الرابح منذ استطعت أن تبرهن بمواهبك المدهشة في السخرية واللامبالاة والجرأة أن الموت لن ينقص من بيدر سمعتك العالية قشّة واحدة، بل سوف يزيد بها من سنابل الذكرى أكواماً... لك الله يا محمد، .. فتصالحْ معه إنه غفور لأمثالك، أكثر مما تتصور.



شوقي بغدادي

سلطان ربيع
11-16-2006, 12:51 PM
دخل الماغوط بجسده الضخم إلى معرض للخزف الشعري فلم يعجبه فكسره، وأجال نظرة من النافذة إلى الحياة ومن هناك فرّ إليها ولم يعد أبداً، هناك ظل يغني كمارد من الرقة أصيب بالاستياء من الدنيا، الماغوط مؤلم وجميل يمسك بيده قلماً كأنه الجمر، ويريد في كل يوم وكل قصيدة أن يحرق السفن منذ طارق بن زياد وحتى اليوم.
لم يعش الماغوط بسلام مع أحد، ولا مع روحه أبداً، كان ساخراً لأن المهزلة دائمة، وكان حزيناً لأن كل شيء يؤدي إلى الفقدان. وكان يائساً لأنه لم يجد لدى العروبة كلها لحظة شغف واحدة بالحرية.
موت الماغوط إعلان محزن عن الرحيل المتتابع للنسور الجدود وهي تهوي في باطن الأرض وقاع الذاكرة.
لقد مات أفصح الناطقين باسم الناس البُكَماء، مات الكمان الأحدب وهو يعزف لريحٍ قادمة



عادل محمود

سلطان ربيع
11-16-2006, 12:52 PM
رغم سخريته غير المبررة من الثقافة والمثقفين، خاصة في سنواته الأخيرة كان محمد الماغوط أحد أبرز رموز الثقافة السورية طوال عقود، ليس باجتراحاته الشعرية والمسرحية الأولى فحسب، بل لأنه تحوّل منذ السبعينيات إلى منتج للثقافة الشعبية (بل والشعبوية بمعنى آخر). ويا للمفارقة؛ هذا الرائد لقصيدة النثر النخبوية والمعاشر الحميم لنخب بيروت الثقافية المتعالية أوائل الستينيات يكتب بدءاً من السبعينيات المقالة الصحفية المبسّطة، والمسرح المبسّط، والسينما المبسّطة.. هذا الريفي المزمن يتغلب على ثقافة المدينة التي تعلّق بها ولم يغادرها طوال عشرين عاماً بأن يحولها إلى استعارات وتشبيهات تأتي من الشعر ل<<تفش خلق>> كمٍ كبير من مأزومي الطبقات الوسطى المنهارة التي تعلّقت بالمخزون الكثيف لدى الماغوط، من السخرية المريرة المشوبة بالمباشرة والاستعارة الفجّين والمتناغمين الآتيين من أحلام ريف قصيّ ورومانسية أيديولوجيات طوطمية، رغم ادعائها الحداثة، إنه الإحباط الريفي العنيف هو الذي صنع من الماغوط كاتباً شعبوياً بدلاً عن رائد حداثي افتقدناه منذ زمن بعيد.. قبل أن نفتقد حضوره الفيزيولوجي المتثاقل والعدواني والحميم والمثير للحنين في آن واحد.


فاضل الكواكبي

سلطان ربيع
11-16-2006, 12:52 PM
قال الماغوط: <<الموت فرح>>. لم تغب هذه العبارة التي ذكرها عباس بيضون عنه في مقالة له بعد زيارة إلى منزله في دمشق. لم تغب عني حين زرته لأول مرة في حياتي منذ أقل من شهر. كان الماغوط ممدداً على كنبة في صالونه الضيّق وكان مفروشاً بكل مراحل حياته ضمن بورتريهات مختلفة وكثيرة على الجدران المحيطة به. سألني ماذا أفعل الآن وأين أصبح إخوتي ووالدتي، وتحدثنا عن مسرحيته الأخيرة، وعن أشياء عديدة كان الشعر هو الغائب الوحيد عنها. كنت أنظر إليه وهو يشرب ويسكي ممزوجاً بالثلج ويدخن سيجارة إلى منتصفها ثم يرميها ويأخذ أخرى مباشرة، ولا أعرف هل انتبه إلى دمعة وحيدة في عيني وأنا أستعيد تاريخاً كاملاً من الشعراء انتميت إليه ذات يوم بحكم البنوّة، تاريخاً مليئاً بالدهشة والأمل واليأس والالتصاق بالحياة حتى الشغف بكل تفاصيلها، تاريخاً جذّر لمساحة شعرية كبيرة، رغم كل ما يمكن أن يقال عنه الآن، تذكرت أن الماغوط لم يكن يوماً معنياً بهذه الأحاديث، لم يقبل يوماً أن يُدرج ضمن حالة شعرية جمعية. كان أكثرهم إصراراً على التفرد، لهذا كان أكثرهم إصراراً على الحرية. لماذا على شاعر كهذا أن يشيخ وأن يجلس أشهراً طويلة على ذات الكنبة يشرب ويدخن؟ ما الذي كان ينتظره شاعر بحجمه وهو المليء بتفجراته ونفوره الداخلي إلى نسف كل التنظيرات والمصطلحات الشعرية والثقافية والسياسية. قال لنا إنه نال جائزة العويس عن الشعر وإنه سيسافر بعد أيام إلى دبي لاستلام الجائزة، قالها بحيادية تشبه حيادية الأحاديث التي تبادلناها معه. أخبرت العديد من الأصدقاء عن هذه الزيارة، قلت لهم أشياء كثيرة خطرت لي وأنا هناك، لكن شيئاً ما لم أقله لأحد، شيئاً أعرفه عن الشعراء بحكم البنوّة أيضاً، أن الماغوط، الذي لم تفارقه أبدية فعل الحياة، لم يسمح لهذه الحياة أن تتركه مجرد متفرج في غرفة ليس فيها غير حياته هو، ما لم أقله لأحد وقتها إن الماغوط سيذهب ليستلم جائزته بلا فرح، لأنه يوقن تماماً بأنه سيفرح بعد قليل قريب، فالفرح لم يكن مهنته في الحياة، أظنه اختار فرحه أخيراً حين اختار لحظة رحيله.



رشا عمران

سلطان ربيع
11-16-2006, 12:54 PM
مات شاعري
مات بطلي
مات نموذجي ومثالي
ماتت المرآة التي كنت أرى نفسي منها.
مات مرشحي المفضل لجائزة نوبل للآداب
مات أبي.
مات محمد الماغوط، الذي كتب الشعر بأسنانه، مات المحارب للقصيدة باللحم الحيّ.
مات الملاكم العنيف، ولم يسقط بضربة قاضية. مات الوفي للشعر، والخائن لقصائد الآخرين.
مات المخمور باللغة، مات المقامر باللغة حين أفلس الآخرون.
مات الذي أحبني كشاعر وأزعر، والذي أحببته كشاعر الزعران.
لم أدخل يوما الى دمشق إلا وأسأل عن الماغوط، ولم أصافح صديقاً سورياً في بيروت إلا وأسأل عن الماغوط... اليوم اعتقد ان عاصمة للشعر قد سقطت في أيدي الموت...
مات فتى الشعر العربي، مات مشاغبها الأجمل، مات الذي تشيطن وتولدن وتصعلك وحربق وكان أجمل ابتسامة عرفتها الدموع العربية.
مات الشهواني الذي عشق الحياة وأسكنها في حديقته، وهو الذي جرّ الشوارع كالخيول الى إسطبل قصيدته لتشرب.
مات الوحيد والمتوحد والمنعزل والمعزول، مات صديق الجن والجناني.
هو شاعري الأجمل، هو أجمل حوار صحافي أجريته في حياتي المهنية وصديقي يوسف بزي.
مات الماغوط، يا شباب، أعتقد الليلة، سأشرب كأسك يا محمد، وأقول للساقي (واحد جن تونيك)...



يحيى جابر:

سلطان ربيع
11-16-2006, 12:55 PM
يرحل الماغوط اليوم بعد أن صمت طويلا عن الشعر. لقد جرّب مرات عدة أن يعود ونشر قصائد وأعمالا جديدة. ولكننا كنا قد اتفقنا أن الشاعر لا يزال يواصل صمته. صمته ذاك الذي أعقب مجموعته الشعرية الثالثة (الفرح ليس مهنتي). والأرجح أنه كلما كان يشاع أن الماغوط يكتب الشعر مجددا، وأنه بصدد إصدار جديده في كتاب جديد، كان ذلك يزيد من وقع صمته الطويل ويعيد قصائده القديمة الى التداول. وأحسب أن رحيله اليوم يضاف الى صمته ذاك، رغم أنه صمت مختلف يستدعي حزنا وتقديرا خاصين لشاعر أثر في كثيرين دون أن يتعمد، وتربت أصوات نبرات شعرية شابة وجديدة في كنف قصيدته رغم ضيقها وخشونتها وسأمها وضجرها من العالم..
لقد صنع الماغوط في الشعر ما أراد أن يصنعه وانتهى من ذلك، تقريبا، قبل خمسة وثلاثين عاما. لقد صنع الماغوط اسمه وتوقيعه الشعري في (حزن في ضوء القمر) و(غرفة بملايين الجدران) و(الفرح ليس مهنتي). ضرب الماغوط (ضربته) الشعرية (ونام ملء جفونه عن شواردها) بتعبير المتنبي.
كتب الماغوط قصيدته دفعة واحدة، بخشونة وعزلة كاملتين: ولعل قصيدة خشنة الى هذا الحد ومنعزلة وضارية في نبرتها الى هذه الدرجة، قصيدة بهذه الصفات تصعب كتابتها لوقت طويل بالقابلية نفسها من الاحتجاج والضراوة والقسوة.
كتب الماغوط قصيدته منذ زمن بعيد، وكان ذلك كافيا كي تظل هذه القصيدة نضرة وحية حتى لحظة موته، وهي ستظل كذلك بعد موته.



حسين بن حمزة: قبل 35 عاماً

سلطان ربيع
11-16-2006, 01:01 PM
حاوره : عبده وازن


* ما زلت تكره الحوار الصحافي و "السين والجيم"! كيف يمكننا أن نحاور محمد الماغوط برأيك؟

- بالعاطفة، السؤال والجواب ما زالا يذكرانني بالأمن ورجاله. ويذكرانني أيضاً بالمدرسة والأساتذة. وأنا أكره المدرسة منذ مراهقتي وقد طفشت منها باكراً.

* جائزة العويس التي حصلت عليها، ماذا تعني لك؟ ألا تعتقد أنّها تأخرت في الوصول إليك؟

- فرحت بها. ولا يهمّني إن كانت تأخّرت في الوصول اليّ. فرحت بها كما يفرح الصبي بالطابة.

* وماذا ستفعل بالمئة وعشرين ألف دولار؟

- سأصرف الكثير منها على الأدوية.

* وأمورك الصغيرة أو ملذاتك الصغيرة!

- لم يبق لديّ أي ملذّات. السيكارة والكأس فقط، وربما الانتظار. هناك أيضاً الأصدقاء القلّة الذين أحبّهم ويحبونني. أعترف لك بأنني مرتاح هكذا ولم يبق لديّ طموح الى أي شيء. حتى جائزة نوبل لا أطمح اليها. وأعتقد أن جائزة العويس أصدق من نوبل في مقوّماتها وأهدافها.

* ما قصة مسرحية "جلوس قيام" التي عرضت في دمشق والتي قيل انك هاجمت فيها بيروت؟

- هم أضافوا اليها. أنا لم أكتب كلّ النص. حتى إنني لم أشاهد المسرحية. أنا أعبد بيروت فكيف أهاجمها. كنت في المستشفى عندما أضافوا الى النص. أنا لا أهاجم بيروت مهما حصل.

* تتحدّث دوماً عن شاعر يدعى سليمان عوّاد وتعتبره الوحيد الذي أثر بك! ما قصّة هذا الشاعر شبه المجهول؟

- سليمان عواد شاعر سوري درس الفرنسية، كنت أحبّه كثيراً كشخص وأحب بعض أشعاره، وكان صديقي. لكنّه لم يطوّر نفسه. توّفي فقيراً وما زلت أحبّه حتى الآن وأتحدّث عنه بإعجاب.

* عندما شاركت في "خميس" مجلّة "شعر" للمرة الأولى في بيروت، شبهك بعض الحاضرين بالشاعر الفرنسي رامبو، بعدما استمعوا الى قصائدك بصوت أدونيس! ما رأيك بهذا التشبيه؟

- لم يعنِ لي هذا التشبيه شيئاً حينذاك. لم أكن أعرف رامبو ولم أكن قرأت له أيّ قصيدة. وأذكر أن شاعراً وناقداً أوسترالياً قال: اذا اخترنا أربعة أو خمسة شعراء كبار في العالم فالماغوط سيكون واحداً منهم. هذا الاسترالي قرأني بالانكليزية طبعاً. وهناك شاعر استرالي أيضاً يدعى جان عصفور، عربي الأصل، يعتبر أن تعريفي بالشعر هو الأجمل. ويقصد الجملة التي وردت في قصيدة لي وتقول: "سئمتك أيها الشعر. أيتها الجيفة الخالدة".

* ماذا تشعر عندما ترى شعرك مترجماً الى اللغات الأجنبية؟

- لا يعني لي شيئاً. الشهرة نفسها لا تعنيني أيضاً. وأنا لا أعرف أي لغة أجنبية.

* لكن الشعراء يسعون دوماً الى العالمية من خلال الترجمة!

- العالمية لا تعنيني. انها تعني أدونيس مثلاً. ثم أقول إنّ أي لحام يستطيع أن يصبح عالمياً: ليذبح امرأته، هذه طريقة اقترحها سبيلاً الى العالمية.

* أين أصبحت علاقتك بأدونيس؟

- تصالحنا أخيراً. اتصل بي عندما كنت في المستشفى. وقال لي: إشرب شعراً واسقنا شعراً. معظم خلافاتي مع أدونيس سببها أنا. رياض الريس كما يعلم الجميع لا يحب أدونيس. ومرّة أخذوا مني في جريدة "المنار"، التي كان يصدرها رياض، حديثاً هاجمت فيه أدونيس بشراسة وكنت ثملاً.

* وخالدة السعيد، شقيقة زوجتك؟

- انني أحبها كثيراً. قالت لي مرة: أنت مرصود والعين عليك وهناك أناس يحاولون أن ينالوا منك. وأضافت: أنت أكبر شاعر عربي، ماضياً وحاضراً ومستقبلاً.

* أشعر بأن الكراهية لا تغادرك؟

- الكراهية أصعب من المحبّة. هذه أمثولتي الشخصية.

* هل تخفف الكراهية والسخرية من سوداويتك التي تُعرف بها؟

- لا. السوداوية لا يخففها إلا حضور الحب والمرأة. الإحساس بالحرية كذلك. محبّة الناس لي. عندما كنت أمرّ في الشارع بلباسي العادي كان الناس ينظرون إليّ بإعجاب ومحبة. أياً كان كلامي يسمعني الناس بمحبة. حتى اذا شاهدوني وأنا آكل يُعجبون بي. مرّة أوقفتني امرأة محجبة في الشارع وسألتني عن يدي التي أكتب بها وقبّلتها. مرّة ركع الشاعر طلال حيدر أمامي وراح يمدحني. وابنة شقيقة زوجتي رامة فضة رمت ديواناً لأدونيس مرة وقالت: الماغوط هو إله الشعر. وقال يوسف الخال: هبط الماغوط علينا كإله اغريقي.

* يبدو أنك تحب المديح!

- لا أحتمل المديح ولا الاهانة.

الطفولة البائسة

* ماذا تذكر من طفولتك البائسة في قرية السلمية؟

- ولدت في السلمية وعشت فيها مراهقتي. كان حلمي أن أتزوّج من ابنة عمّي أو خالي وأنجب الأطفال. هذا كان حلمي أيام الفتوّة. لكن قدري كان أن أتزوّج سنية.

* ماذا تذكر من ملامح أمك وأبيك؟

- أمي كانت قوية مثل الرجال وربّتا هي بنفسها. وأذكر الألم الذي كانت تعانيه في ركبتها التي لم تكن تستطيع أن تطويها، وكانت أصيبت في ركبتها وهي شابة. أمي أثرت بي كثيراً. كانت جميلة وساحرة. أما أبي فكان من أبسط الرجال. رجل مسالم يعمل في الحصاد. وظلّ فقيراً طوال حياته. عاش "مديوناً" ومات "مديوناً". كنا نأكل البطاطا دوماً. نأتي بها من الحقل. أذكر وجه أمي الجميل، أذكر حنانها وقسوتها في الوقت نفسه. زارتني مرة في دمشق. كانت في الثمانين وكانت طلّها تحفظ بعضاً من جمالها القديم. وعندما سجنت في "المزّة" للمرة الأولى، ركبت أمي البوسطة وجاءت تزورني وتراني وراء القضبان.

* ماذا عن دراستك أنت الذي يكره المدارس؟

- لعب القدر لعبته، وتحوّلت من قروي فقير الى تلميذ في المدرسة الزراعية في الغوطة. وكان من تلاميذها أديب الشيشكلي وأنور السادات وصدام حسين. تصوّر. هؤلاء درسوا فيها.

* هل درست علم الزراعة حقاً؟

- درست القليل. وأذكر كان لدينا أستاذ فلسطيني اسمه رفّول خوّام وكان قاسياً جداً. مرة أعطاني علامة 19/20 من دون أن يسألني أي سؤال. ربما تقديراً لموهبتـي الشخصية. كنت أحبّ ميله الى الصمت. وربما منه تعلمت كيف أصمت. أما رفاقي في الصف فجنّوا حسداً.

* لكنك لم تكمل الدراسة!

- هربت من المدرسة سيراً على قدميّ، ولم أكمل الدراسة منذ ذاك الحين.

* وما قصة السجن الذي دخلته للمرة الأولى؟

- دخلت السجن عام 1955لأنني انتسبت الى الحزب القومي؟

* هل كنت حزبياً؟

- لا، أنا لا أحبّ الأحزاب. أنا شخص منفرد، أميل دوماً الى الوحدة.

* وماذا عن الحزب القومي؟

- دخلت الحزب القومي من دون أن أقرأ مبادئه. كنت فتى فقيراً وكانت لديّ حاجة الى أن انضمّ الى جماعة ما. وكانت قريتي السلمية تضج بفكرة الحزبية، وكان هناك حزبان: الحزب القومي والحزب البعثي. وقد اخترت القومي لأنه كان قريباً من المنزل، وفي المركز كانت هناك صوبيا (مدفأة)، أي أن الجوّ كان دافئاً، بينما المركز البعثي بلا صوبيا. لم أقرأ مبادئ الحزب، وفي الاجتماعات كنت أنعس وأتثاءب. وأذكر انهم عندما كانوا يتحدثون عن المناقبية الحزبية كنت أفكر بالمخدّة. عندما كان ينتهي البرد كنت أهرب من الاجتماعات. ومرّة كلفوني بجمع التبرّعات للحزب فجمعت ما يكفي لشراء بنطلون وفررت.

* أي أنك لم تكن أيديولوجيا؟

- أبداً. كنت فتى يافعاً. لكنني سُجنت بتهمة الانتماء الى هذا الحزب. لكن هذا لا يعني أنني لم تكن لديّ حماسة ضد الظلم والفقر والعار القومي. إلا أنّ السياسة لم تعنِ لي الكثير وكذلك الأحزاب. أنا شخص فرديّ جداً. لكنني أعترف أنني كنت أحب انطون سعادة وأحترمه. وقد سحقني إعدامه بقوّة.

* هل كتبت عنه؟

- لم أكتب عن انطون سعادة مع أن إعدامه سحقني. اعترف أنني لم أقرأ كتبه.
انني ضدّ الإعدام. إعدام تروتسكي آلمني كثيراً أيضاً.

* هل انحزت الى تروتسكي مثل بعض المناضلين العرب؟

- كنت أحب تروتسكي لكنّني لم أحب الشيوعية.

* نعود الى السجن! كم مرة سجنت؟

- مرتين، وأثر السجن لم يغادرني يوماً. صحيح انني لم أمكث في السجن سنوات، لكن الأشهر التي أمضيتها كانت كافية لتغيّر حياتي كلها. في العام 1955 سجنت نحو تسعة أشهر، وفي العام 1961 ثلاثة أشهر. وكان الشهر بطول سنة وأكثر.

* هل غيّر السجن نظرتك الى الحياة؟

- كثيراً. كنت في العشرين من عمري، وكنت أظن أن السجن هو للمجرمين والقتلة. وعندما سجنت في المرة الأولى شعرت بأن شيئاً جوهرياً تحطّم في داخلي. كلّ ما كتبته وما أكتبه هو أشبه بعملية ترميم لتلك التجربة المرّة والقاسية. وما زلت أرمم آثار هذه التجربة حتى اليوم. ولا أبالغ ان قلت إن أمل الحياة سقط في السجن. وكذلك الجمال والفرح. كان هناك الكثير من الرعب. قسوة ورعب. كنت ضعيفاً وغير قادر على استيعاب ما يحصل ولا على تحمّل الإذلال والظلم. حذاء الشرطي لا أنساه. كان الشرطي يقطر عرقاً وهو يمارس فعل التعذيب. والفادح في الأمر أنني حتى الآن لم أعرف ما هي التهمة التي قادتني الى السجن، أنا الفتى الفلاح والقروي البسيط، الذي لا يعرف شيئاً عن العالم. وانتمائي الى الحزب القومي كان عابراً ولم أكن حزبياً.

* ماذا تعلّمت في السجن؟

- السجن مدرسة تعلّمت فيها الكثير. السوط علّمني. الحذاء العسكري علّمني. لقد أثر السجن فيّ كثيراً في مطلع شبابي. فيه اكتشفت اللون القاتم للحياة. واعتقد أنّ شيئاً في داخلي انكسر ويصعب عليّ تجبيره حتى الآن. في السجن تعرّفت على الخوف وصرت أعرفه. وما زال الخوف يرافقني. الأمان فقدته في السجن وصرت أشعر بأنني أعيش قلقاً بلا أمان أو طمأنينة. ولا أخفيك أنني كنت أبكي في السجن وأصرخ لا سيما خلال التحقيق.

* قلت مرة أنك تعرّفت الى أدونيس في سجن المزّة!

- صحيح. لكنه كان في زنزانة أخرى. كان مهجعه قبالة مهجعي.

* لكن أدونيس استطاع أن يتخطّى هذه التجربة؟

- صحيح. أدونيس له تركيبته الخاصة. ولا أعرف كيف تخطى هذا الأمر.

* هل استطعت أن تكتب في السجن؟

- أجل، كتبت بعض المذكرات واستطعت أن أهرّبها عندما خرجت، بين ملابسي الداخلية.

* قصيدة "القتل" كتبتها في السجن أيضاً!

- لم أكن أعرف أنها ستكون قصيدة. نشرتها مثلما كتبتها ولقيت صدى طيّباً.

* كيف تقرأ هذه القصيدة اليوم؟

- بألم.

* لكنها كانت إطلالتك الشعرية الأولى!

- صحيح. السجن جعلني شاعراً. بل جعلني أيضاً اكتشف معنى الحياة والمرأة والحرية والسماء...

* ألم تكتب قبل دخولك السجن قصائد أو نصوصاً؟

- كان لديّ بعض المحاولات. محاولات البدايات. لكن قصيدة "القتل" كانت الباب الذي دخلت منه الى عالم الشعر.

* كيف كنت تقضي الوقت خلف القضبان؟

- كنت أدخّن وأحلم على رغم الخوف والقلق. وكنت أقرأ. قرأت كثيراً.

* كيف كنت تحصل على الكتب؟

- صديقي العزيز زكريا تامر كان يزورني ويمدّني بالكتب.

* هل فكرت أن تزور سجن المزّة بعد إقفاله؟

- لا، هذه ذكرى أليمة.

* هل تدافع عن سجناء السياسة والفكر؟

- أجل، إنني معهم جميعاً. أنا ضد سجن السياسيين والمفكّرين أياً كانوا. ومن الظلم حقاً أن يبقى في العالم سجن سياسيّ.

* هل تحلم بأن يأتي يوم لا يبقى فيه سجن سياسي!؟

- أجل. السجن شيء بشع وقاتل. تصوّر، هناك سجون ليس فيها مراحيض. أنا كنت أبرد في السجن وكنت أجوع. وأشعر حتى الآن أنني لم أشبع. في حياتي جوع دائم هو أقوى منّي. هذا جوع تاريخيّ.

* غالباً ما تتحدث عن قناعات ثابتة لديك. ألا تتغيّر القناعات على مرّ الزمن؟

- القناعات ثابتة ولا تتغيّر مهما حصل. والثوابت هي: الحرية، الكرامة، الرأي، اللقمة الكريمة، الجرأة... أنا واقعي جداً ولا أحبّ أن أفلسف الأمور. أنا شاعر صورة ولست شاعر فكر. لا فكر في شعري، وصورتي الشعرية واضحة ويمكنك أن تراها.

* ماذا تعني لك فكرة تغيير العالم التي شغلت شعراء كثيراً؟

- لا تهمّني. ولا يهمّني أن أغيّر العالم. ولم أحاول أن أنخرط في أيّ حركة من أجل تغيير العالم. الكلمة هي الأهم. أنا لا أؤمن بالثورة التي تريق الدم. ولا بالرصاص. أنا شاعر وأكره الدم.

القصيدة وحدودها

* لا حدود تفصل لديك بين القصيدة والمقالة! أحياناً يشعر القارئ بأن المقالة أشبه بقصيدة والعكس!

- صحيح لا حدود بين النصوص التي أكتبها. هذه ليست لعبة ألعبها على نفسي وعلى القارئ. انني أكتب. أحياناً تطلع معي قصيدة وأحياناً مقالة. كل شيء عندي مادة للكتابة. حتى البصقة مادة شعرية. ولكن عليك أن تعرف كيف تبصق وعلى مَن. أي كلمة هي كلمة شعرية شرط أن تحلّ في محلّها.

* هل خفت يوماً ان تسرق المقالة القصيدة منك؟

- لا. لم أخف يوماً على القصيدة، لا من المقالة ولا من سواها.

* السخرية لافتة جداً في مقالاتك!

- أحب السخرية كثيراً. وكلّ كاتب "جدّي" (جادّ) يلزمه علاج نفسي. لديّ إحساس عميق بالسخرية. وأكره السماجة كثيراً. أحبّ خفة الظل.

* روايتك الوحيدة "الأرجوحة" هل أردتها سيرة ذاتية؟ ألست أنت بطلها "فهد التنبل" و "غيمة" هي سنية صالح زوجتك الشاعرة؟

- أنا لم أكتب "الأرجوحة" مثلما نُشرت. جاءني رياض الريّس وطلب مني نصوصاً لمجلّة "الناقد" التي كان باشر في إصدارها. أعطيته نصّاً كان عندي، هو سمّاه "الأرجوحة". هذا النصّ بدأت في كتابته أيام السجن. وخبأته عند أمي. عندما قرأته بعد خمس وعشرين سنة وجدت أنّه تغيّر. كنت أكتب ما يشبه الرموز. أعطيتهم النص كما هو ففكوا رموزه،. وطبعوه. وهم اختاروا اسم "غيمة" ليرمزوا به الى سنية زوجتي.

* لماذا لم تُعد أنت بنفسك كتابة هذا النص الروائي؟

- لا أستطيع كتابة الرواية. خلقي ضيّق عليها. الرواية تحتاج الى منطق. وأنا أكره المنطق، خصوصاً في الكتابة.

* تصدر قريباً الأعمال الكاملة لزوجتك الشاعرة سنية صالح! ما انطباعك؟

- انني في غاية السعادة لصدور هذه الأعمال. سنية شاعرة كبيرة. لقد تأخروا كثيراً في نشر هذه الأعمال. وقصّروا كثيراً في حقها.

* ألا تعتقد ان اسمك ظلمها شعرياً؟

- اسمي طغى على اسمها. اسمي ظلمها صحيح. نظرتي اليها لم تتغير لحظة. انها شاعرة كبيرة ويجب أن تنال حقها. ديوانها "ذكر الورد" قمة شعرية وكانت كتبت قصائده وهي على فراش الموت.

* كيف كانت علاقتكما، كشاعر وشاعرة؟

- كنت أقرأ لها قصائدي قبل نشرها، لكنني لم أكن أقرأ شعرها قبل أن تنشره. وهي أصلاً لم تكن تطلعني عليه، أدونيس كان يموت فزعاً من رأيها. كان لديها حسّ شعري كبير.

* وظُلمت سنية كامرأة أيضاً. أليس كذلك؟

- أجل، ظلمت كامرأة. كانت مثل النسيم العابر.

* لو قدر لك ان تحيا معها حياة جديدة كيف تتصور هذه الحياة؟

- ستكون الحياة نفسها. أنا لن أتغير وهي لن تتغير. لم أتزوج بعدها. وأكشف لك أمراً: سنية وشقيقتها خالدة سعيد عانتا الكثير تحت سلطة الخالة. فوالدهما تزوج بعد وفاة زوجته أي أمهما. انني رفضت الزواج لئلا تعيش ابنتانا تحت سلطة الخالة. وعندما كانت سنية تحتضر كانت "تملحس" بيدها على ركبتي قائلة: أنت أنبل رجل في التاريخ.

* كيف تعرّفت الى سنية؟

- تعرفت اليها في بيروت، في بيت أدونيس. وكانت مجلة "شعر" حينذاك نشرت لي قصائد. دخلت سنية وأبدت إعجابها بالقصائد. وكان الحب ثم الزواج.

* هل تشعر بندم ما لأنك لم تكمل التعليم وانطلقت الى الحياة بالقليل مما حصّلت؟

- أشعر بالندم لأنني تعلّمت أن أقرأ وأكتب. كنت أتمنى أن أظل ذاك الفتى الأميّ الذي يرعى الغنم ويعيش في القرية حياة النوَر والغجر.

* لكنك أصبحت شاعراً!

- الشعر متعة. مع انني لم أكن أعرف أن ما كتبته في السجن كان شعراً. كنت أكتب بعفوية تامة. وبعض ما كتبت كان على ورق البافرا، وهو نوع رخيص من الدخان، كنا نحصل عليه في السجن. وقصيدة "القتل" التي جعلتني شاعراً، لم أكن أعتقد انها قصيدة نثر كما صنّفها القراء والنقاد.

خالد صالح الحربي
11-16-2006, 08:48 PM
*
ــــــــــــ
رباعيات الخيام للماغوط..
من مُؤَلَّفه " سيّاف الزُّهور"
ــــــــــ

1


إنني وحيد.. أريد جليساً
عجوز أريد سنداً ، أو مسنداً
مسافر أريد مودعاً ، أو مرحباً
ملهوف أريد غوثاً
شاحب ، أريد لوناً
عريشة أريد جداراً
مقاتل أريد فقضية
هتّاف ، أريد بطلاً .
إنني في مأزق ، أريد مخرجاً
مقرور أريد شمساً
إنني أشتعل أريد برداً وسلاماً
ولو كان سلام الشجعان
إنني متعطش للحياة تعطش القاتل للدم.


2


في هذه الليلة الهادئة والمهيبة كالمقبرة العسكرية.
حيث لا حركة ولا نأمة
سوى أنين الرياح ، وصفير السفن البعيدة
لا أتمنى أن أكون أكثر من طبّال ، أو ضارب رقّ
حول راقصة شرقية
أو عازف كمان مجهول
في ملهى ليلي من الدرجة العاشرة
ولكن بدل "القوس" سكيناً أو سيفاً
أذهب وأجيء به على كتفي
حتى أقطع الأوتار وما تحتها
حتى أصل إلى الكتف ، فالجذع
فالأرض التي أقف عليها
وأقطعها مثل كعكة الميلاد
وأقدمها إلى الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن
مع انحناءة المايسترو المعروفة
وأنطلق .. والسكين بيدي ..


3


استيقظت كعادتي كل صباح
بحثت عن نظارتي ، فلم أجدها بجانبي
عن خفي المنزلي فلم أجده قرب السرير.
ذهبت لأغتسل فلم أجد المرآة
لأعد إفطاراً ، فلم أجد المطبخ
أن أتصل هاتفياً ، فلم أجد جهاز الهاتف
أن أكتب ملاحظة خطرت لي في الليل ، فلم أجد القلم
أن أدخن فلم أجد علبة التبغ
أن أرتدي ثيابي فلم أجد خزانتي
أن أخرج كما أنا، فلم أجد الباب
أن أمشي فلم أجد قدمي
أن أضمّ إلى صدري صور أطفالي الغائبين
فلم أجد ذراعي
أن أستغيث فلم أجد لساني
أن أصلي، فلم أجد قبلتي
وفتحت النافذة على مصراعيها كالمجنون
فلم أجد الأفق...
...
الكل ينأى، ويغترب، ويرفرف بجناحيه بعيداً عن الآخر
وأنا أريد أن ألتحم مع أي شيء... ولو بالسلاح الأبيض.


4


منذ فترة ليست بالبعيدة
أخذت ذاكرتي تخونني علنا كالداعرة .
فصرت أنسى أسماء أصدقائي وأرقام هواتفهم
وأسماء أحب المطربين والممثلين إلى قلبي
ومواعيد وأحداث المسلسلات التي أتابعها
وأسماء الشوارع التي أمر بها
والمقاهي التي أرتادها
والبقاليات التي أتعامل معها
ومحطات النقل التي استخدمها
...
ثم عناوين كتبي وقصائدي
ثم ألوان الثياب التي أرتديها
وألوان الطعام التي أوثرها
ثم لون عينيّ
ثم نسيت أسماء جيراني وحارتي
والآن ... نسيت اسم وطني .

سلطان ربيع
02-04-2007, 08:42 PM
سأخون وطني


نبذه عنه هذيان في الرعب والحرية
---
في هذا الكتاب الأسود، الجميل، الممتع، المؤلم، الساخر، المرح، ينجح محمد الماغوط في الجمع على أرض واحدة بين الليل والنهار، بين الأمل واليأس، بين مرارة الهزائم وغضب العاجز، ليقدّم صورة لما يعانيه الإنسان العربي من بلاء من سياسييه ومثقفيه وجنده وشرطته وأجهزة إعلامية، مكثفاً ذلك البلاء الكثير الوجوه في بلاء واحد هو فقدان الحرية .

(زكريا تامر )