المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : [ احْتِضار ] !


فرحَة النجدي
06-03-2010, 01:57 AM
http://www.ab33ad.info/up/uploads/images/ab33ad.info-20c46e87aa.jpg (http://www.ab33ad.info/up/uploads/images/ab33ad.info-20c46e87aa.jpg)





- مؤلمة هي الحياة للحظاتٍ نقتسم فيها هواءها مع أشخاصٍ آخرين في حالِ احتضار ،
يحتضرون في حين أننا نراقب احتضارهم مكتوفي الأيدي ، لا حول لنا و لا قوة !



.
.



:icon20:

فرحَة النجدي
06-03-2010, 02:01 AM
[1]



في يومٍ حارٍ من أيام صيفِ عام 2005 م تعرفت إلى خالد و لكنه لم يتعرف إليَّ ! خالد شابٌ في الثامنة و الثلاثين من عمره ، يزن المائة و السبعة عشر رطلاً ، جثته تملأ سريره حين تمدد ، يحتاج لأربعة أو خمسة موظفين لتحريكه و تنظيفه و تخليصه من فضلات جسده في مكانه ، كان شعره طويلاً بالنسبة لرجل ، إذ يبلغ طوله أسفل كتفه و مسرحٌ بطريقة مرتبة إلى الوراء ، غائب عن الوعي معظم الوقت و إن فتح عيناه فبآهةٍ ثم يعاود التغيب عن وعيه دون رغبة و بحركة لا إرادية .. كان يوم أن نزل بغرفة العناية المركزة ممداً على السرير المتحرك قادماً من قسم الطوارئ كـ ضيفٍ ثقيل يتوجب على موظفي هذا القسم أن يضيفوه إلى أن يموت ، كان قد قصدهم بسبب آلام شديدة اعترته لا يملك تحديد موقع ٍ لها إذ كانت تدك جسده كله ، لم يحضريومها وحيداً و إنما برفقته تقاريرُ طبية كثيرة من بلدان عديدة لم تستطع بما وفرته له من علاج أن تحد من انتشار المرض اللعين من القولون إلى بقية أجزاء جسده ، حين سألت ممرضي العناية عن ذلك أكدو بأنه حقاً جاء وحيداً و تمالك نفسه حتى وصل إلى قسم الطوارئ دون مساعدة أحد ، هناك سقط و من الطوارئ أُتي به إلى العناية المركزة .. و مع أنه كان ضيفاً ثقيلا يتبرم البعض من وزنه و الآخر يسخر من عظم جثته بكل وقاحة دون النظر إلى أنه مريض منهك لا يملك من أمر نفسه شيئاً إلا أنهم بشكل عامٍ أكرمو نزله ، أمدوه بأنابيب تغذية عبر الأنف تعمل دون توقف بمعدل ثابت و بحسب احتياج جسده ، و أخرى من أجل المهدئات القوية الخاصة بمرضى السرطان ما جعله فاقداً لوعيه على الدوام ، كما و أمدوه بأنبوب قسطرة للتبول ، و بكيس تبرز خارج جسده متصلاً بالإمعاء و التي استؤصل جزء منها لاصابتها بالسرطان .. أسلاك أجهزة متابعة نبضه و تنفسه و عمل قلبه موصولة بصدره ، جهاز قياس كثافة الأوكسجين في جسده موصولة بسبابة إحدى يديه ، و جهاز قياس الضغط موصولا بعضده ..

الأطباء يلقون عليه نظرة كل يوم .. كان من ضمنهم طبيب أمقته حد التخمة ، إذ ما أن يصل حتى يبدأ بالسخرية من حجم خالد : " أنا فقط أريد أن أعرف كم رطلاً يزن ، كيف له أن يستسيغ نفسه ، مذ حضر الوزن نفسه لم يتغير .؟! لا أظن" .. بغيض حقاً .. يتحدث عن خالد و كأنه يسمعه أو يحس به .. أخصائية العلاج الطبيعي كانت تحضر يومياً لتمرين جسده ، و لكم كنت أستهجن حضورها ، إذ ما الذي يمكنها أن تفعل لرجل ذو بنية قوية و حجم طائل و هي الصغيرة الحجم جداً !! كنت أشعر بأنه أمرٌ غبي و لا مسؤول أيضاً و لكن : _ كثر الله خيرها جاءت لتحرك يده على الماشي و تمشي _ بعد أن تزفر أفٍ بحدة كـ دليل على تشبعها من عملٍ لا تستسيغه !





،

فرحَة النجدي
06-03-2010, 02:03 AM
[2]



يوم أن تعرفت إليه كان مقرراً أن أتنقل و زملائي بين الأقسام كلها لمعرفة طبيعة العمل فيها ، و كان أن بدأت دورتي تلك بالعناية المركزة و عينتُ بمعية ممرضة خاصةٍ بخالد ! هذا الرجل الذي ترك أثراً كبيراً في نفسي لا لشيء سوى أنني علمت حقاً لم سمي هذا الداء تحديدا بالخبيث .. حدث مرة أن أفاق خالد محاولاً الصراخ و لكنه ابتلع صرخته ، لم يمنحه التعب الشديد فرصة للصراخ ، أنهك كل شيء فيه حتى حنجرته فاكتفى بأن فتح عينيه عن آخرها تعبيراً عن عمق الألم .. شيء غريب دفعني نحوه أنا التي لم أكن لأشارك بقية الممرضين و الممرضات حين تغسيله و تقليبه ، أخذت يده بين يديّ ، كانت ضخمة بما يكفي لأستطيع تحريكها قليلاً ، وما إن فعلت ذلك حتى أعاد فتح عينيه بشدة ، حدثته : خالد ما الذي يؤلمك .؟! يدك .؟! أهنا يؤلمك .. هز رأسه ايجاباً ثم غاب عن وعيه من جديد .. يا الله ! كنت أذكره كثيراً عند إخوتي و أمي حتى أنني بدأت أحلم به ، أحلم و كأنني أنا الآن أعتني به ثم فجأة تتلخبط الأجهزة الموصولة بأجزاء جسده ، فيبدأُ يموت .. أصحو بخوف شديد لأجد أن الأمر مجرد حلم ..

صحته كانت تتدهور يوماً بعد يوم ، كان يخيفني أن أذهب يوماً لأجد أنه قد فارق الحياة .. أعلم أنه ميت لا محالة و لكنني ما فتئْت أدعو له بالرحمة .. لم أكن أرى من أقاربه سوى قليلين جداً إذ أنني لا أتواجد هناك إلا في الفترة الصباحية ، كنت أتمنى أن أرى أمه التي أخبرتني الممرضة بأنها على قيد الحياة .. انتهت فترة التدريب هناك ، فغادرت غرفة العناية المركزة تاركة خلفي خالد ، جسدا لا يزال يحتضر ببطئ و يموت ألما في اليوم مرات و مرات .. لم أنس خالد ، بقيت على عهدي به أدعو له و أصلي من أجله ، و لكم تمنيت أن أهاتف قسم العناية المركزة لأسأل عن حال خالد و لكنني لم أكن لأجرؤ على ذلك ، كنت أخشى أن ينعى إليَّ .. و مع مرور الأيام أبى الله إلاّ أن أَعْلمَ بأن خالد لم يعد سوى شيئ مذكور فيما مضى .. حدث ذلك في أحد الصباحات يوم أن تناولت الصحيفة أقرأها ، و حال وصولي الصفحة الأخيرة و قراءتي للعمود الذي تنعى فيه الوفيات اكتشفت بأن خالدا قد اتخذ مكاناً بينهم بأمر الله .. فرت دمعة من عيني على عجل فدعوت له بالرحمة و ما إن أخبرت أمي بالخبر انهرتُ باكية .. كان ذلك تمهيدا لأن أعلم كيف ماتت ابنة عمتي تصارع المرض نفسه بعيداً عنـا حتى توفاها الله ..







_ تمت _







- الخميس -
- 3 يونيو 2010 -
:icon20:

حياه
06-03-2010, 02:54 PM
..


ي الله كُنتُ انتظر نِهايته بِ شهادة وَفاة
تمنـحه الخلاص وَالراحة
الأرض لَم تـحمل جسد خالد وَالنآس أيضاً
فدفنتُه لِتعتني بِه،وَ ليرحمه رب السّماء!

قِصّة مؤثرة
وَمحزنة ي فرح،

جَميلة جداً بِالسرد
وَرائعة حد الدهشة.
http://www.soft-sadness.net/vb/images/smilies/wrd%20(41).gif

خالد العزاب
06-03-2010, 03:12 PM
الله عليك يافرحه !!


قراءه ممتعه لحرفك وخالقي !!

السياق والترابط والفكره للأمانه جداً رائعه !!

الله يكفينا شر هذا المرض الخطير حنا وياكم يارب!!

القصه فيها فوائد كثيره لفت انتباهي تعامل الأطباء واكثر الايدي
التمريضيه مع المرضى وللأسف هذا واقع نعاني كثير منه في مجتمعنا !!


فرحه!!

اكثري مثل ذالك واعدك لن ياتي اسمي مرور الكرام!!

بدور الشمراني
06-03-2010, 03:50 PM
يحتضر مثله الآلاف من البشر كل يوم !
من يمنح الأجساد حباً كذلك الذي منحته لهم السماء حين بعثتهم ليستعمرون الأرض ويمشون في مناكبها !!
نحن ضعفاء يا فرحة وأجسادنا برغم قوتها وثقلها تصبح كأجساد الأطفال ذات مرض أوحين ابتلاء !
خالد ضحية لسوء المعاملة ربما كان يومه الذي فاضت به روحه بأمر الله
ولكنه ودع العالم دون أن يشهد من بين مشيعيه
جسداً واحد قادراً على احتضان جثته بين ذراعين صادقة في ولاءها له .
نموت كل يوم يا فرحة وإن كنا أحياء وداء التسيب يتفشى في أجسادنا إلى قيام الساعة !
رحم الله من كان في قلبه ذرة رحمة
وقاتل الله المتكبرين المتعالين الذين لا يملكون مجالاً للنظر من خلف أنوفهم !!

فرحة :icon20:

روان إبراهيم
06-04-2010, 02:46 AM
الكل توقع موت خالد القريب
لذا عملوا كل عملهم كـ فترة محددة
حمقى .. يصيرون الحدث
حتى لو لم يكن غير ما اعتقدوه



جنازة ..
في واقع الأمـر
أرض الله تحتضن الأموات
تخص أحبـابه بـ الرحب والسعة
كما تخلصهم لو كانوا فوقها من ظلم البشر


فـرح / رحمة قلبكِ وطن بـل أكثر
قليل هي الوقفات التي تشد رباط الوثاق فينا

سعد المغري
06-05-2010, 08:15 AM
..

صدقيني يافرحة لا أعلم لمَ لم أتوقع موت خالد في نهاية هذه الـ قصة..
جمال سردكِ بـ حزن وبـتعلقي أخذني إلى شيئ أعمق من الـ واقع .
شكرا لك

فرحَة النجدي
06-06-2010, 10:59 PM
..






ي الله كُنتُ انتظر نِهايته بِ شهادة وَفاة
تمنـحه الخلاص وَالراحة
الأرض لَم تـحمل جسد خالد وَالنآس أيضاً
فدفنتُه لِتعتني بِه،وَ ليرحمه رب السّماء!

قِصّة مؤثرة
وَمحزنة ي فرح،

جَميلة جداً بِالسرد
وَرائعة حد الدهشة.

http://www.soft-sadness.net/vb/images/smilies/wrd%20(41).gif




الأرض ، بارةٌ بنا مُنذ البدء يا حياه !
منها خرجنا و إليها نعود و كُلها علينا رضى !



ما أسعدني بكِ يا صديقتي ..
شكراً لكِ :34:

فرحَة النجدي
06-06-2010, 11:06 PM
الله عليك يافرحه !!



قراءه ممتعه لحرفك وخالقي !!

السياق والترابط والفكره للأمانه جداً رائعه !!

الله يكفينا شر هذا المرض الخطير حنا وياكم يارب!!

القصه فيها فوائد كثيره لفت انتباهي تعامل الأطباء واكثر الايدي
التمريضيه مع المرضى وللأسف هذا واقع نعاني كثير منه في مجتمعنا !!


فرحه!!


اكثري مثل ذالك واعدك لن ياتي اسمي مرور الكرام!!



خالد ! و يبدو أن كل خالدٍ يمر بي لابد و أن يترك أثراً في نفسي ..
و لـَ أثرك جميل جداً ..


حياك الله يا خالد ،
سعيدة بك :34:

فرحَة النجدي
06-06-2010, 11:10 PM
يحتضر مثله الآلاف من البشر كل يوم !
من يمنح الأجساد حباً كذلك الذي منحته لهم السماء حين بعثتهم ليستعمرون الأرض ويمشون في مناكبها !!
نحن ضعفاء يا فرحة وأجسادنا برغم قوتها وثقلها تصبح كأجساد الأطفال ذات مرض أوحين ابتلاء !
خالد ضحية لسوء المعاملة ربما كان يومه الذي فاضت به روحه بأمر الله
ولكنه ودع العالم دون أن يشهد من بين مشيعيه
جسداً واحد قادراً على احتضان جثته بين ذراعين صادقة في ولاءها له .
نموت كل يوم يا فرحة وإن كنا أحياء وداء التسيب يتفشى في أجسادنا إلى قيام الساعة !
رحم الله من كان في قلبه ذرة رحمة
وقاتل الله المتكبرين المتعالين الذين لا يملكون مجالاً للنظر من خلف أنوفهم !!

فرحة :icon20:




بدور ،
و لا أعلم حقاً بمَ أعقب .؟!
غير أني أحببت الدعوة الأخيرة ، فـ اللهم آمين ..

شكرا لكِ كثيراً :34:

فرحَة النجدي
06-06-2010, 11:13 PM
الكل توقع موت خالد القريب
لذا عملوا كل عملهم كـ فترة محددة
حمقى .. يصيرون الحدث
حتى لو لم يكن غير ما اعتقدوه



جنازة ..
في واقع الأمـر
أرض الله تحتضن الأموات
تخص أحبـابه بـ الرحب والسعة
كما تخلصهم لو كانوا فوقها من ظلم البشر


فـرح / رحمة قلبكِ وطن بـل أكثر

قليل هي الوقفات التي تشد رباط الوثاق فينا



روان ،
تعلمين حجمك في قلبي ، فكيف بحروفك؟!
ممتنة لكِ كثيراً :34:

فرحَة النجدي
06-06-2010, 11:18 PM
..


صدقيني يافرحة لا أعلم لمَ لم أتوقع موت خالد في نهاية هذه الـ قصة..
جمال سردكِ بـ حزن وبـتعلقي أخذني إلى شيئ أعمق من الـ واقع .

شكرا لك



و صدقني يا سعد إن قلت لك بأن خيرَ المعجزات لا يطالنا نحن البشر العاديون إلاّ بعيداً عن الواقع !
كان بودي أن لو أنها انتهت عند غيرها تلك النهاية و لكن ...


ممتنة لك :34:

بثينة محمد
06-30-2010, 06:30 PM
مؤثرة جدا يا فرحة، رأيت من الأطباء ماهو أسوأ من ذلك. حقا هم خلف الكواليس لا يشبهون الملائكة!
هذه القصة و موقف الراوي هما من الأسباب التي جعلتني أرفض دراسة الطب كرفضي للموت بحد ذاته.

رائعة يا فرحة. :34:

فرحَة النجدي
07-13-2010, 06:51 AM
مؤثرة جدا يا فرحة، رأيت من الأطباء ماهو أسوأ من ذلك. حقا هم خلف الكواليس لا يشبهون الملائكة!
هذه القصة و موقف الراوي هما من الأسباب التي جعلتني أرفض دراسة الطب كرفضي للموت بحد ذاته.

رائعة يا فرحة. :34:



الملائكة .؟!

ومن يشبههم يا بثينة عدا الأطفال و إن كانو أشقياء / مشاغبين !
ملائكة الرحمة وصف أوليّ لأوجه ترتدي من الأقنعة الكثير !!

[ لا أعمم حتماً ] ..




شكرا لك بثينة :icon20: