المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : شجرة خالي حسن


أشرف نبوي
06-12-2010, 02:34 PM
شجرة خالي حسن
في قرية صغيره تتبع لمركز قويسنا الذي هو أحد مراكز محافظة المنوفيه بمصر الحبيبه يقطن واحدا من أخوالي هو خالي حسن ، وهو موجه لغة انجليزيه في أواخر العقد الخامس من عمره تعلم وعلم أيام كان للعلم قيمة في النفوس وأيام كانت الدولة تبتعث المدرسين إلي بريطانيا ليتعلموا اللغه بحق وكانت له رويات عن أقامته القصيره في بلاد الانجليز لعل أطرفها حكايته مع صاحبة المنزل الذي كان يقطن فيه أثناء فترة إقامته ، وقد كانت تلك السيده من النظام والحزم بمكان جعله يتعلم الكثير فمثلا كانت تقدم له الطعام وإذا أبقي بعضه أنقصت هي وجبته في اليوم التالي بنفس المقدار وإذا أنهاه تزيد قليلا في محاوله لعدم إهدار أي كميه من الطعام ، أما هو وقد كان علي سجيته فلم يفهم سبب تذبذب كميات الطعام التي تقدمها له حتي أتعب هذه المرأه فاتت إليه غاضبه وهي تسأله عن السبب ، ففطن إلي الي السبب وراح يحاول ان يفهمها بأنه يتناولها حسب شهيته التي كانت بدورها تصعد وتهبط طبقا لظروف غربته وشوقه للوطن ، فتفهمت الوضع بعد أن وعدها أن يحاول ، في النهاية وبعد حديث قصير معها ضبط وجبته،
أما حكاية شجرة خالي هذه فلها وجهة أخري تماما فقد تعودت حين أعود لمصر في إجازة أن أزور خالي حسن ونجلس سويا في قطعه الأرض الزراعيه التي يمتلكلها علي الطريق وأقام فيها خصا أو كوخا من الحطب بجوار شجره كافور رائعه شد إليها سور الكوخ ووضع بضع الوسائد المحشوه قشا واعد موقد في ركن تحت شجرة النبق التي تقابل شجرة الكافور علي نفس الخط ويكمل المثلث شجرة دراق يافعه تحيط بها شجيرات ورد بلدي صغيره إحاطة السوار بالمعصم في منظر بديع ، أما الجهه الغربيه التي تهب منها الرياح فقد زرعها بعيدان الريحان التي تنشر أريجها في المكان كلما تحركت الرياح ، وخالي حسن من المحبين للطبيعه جدا وقد أثر أن يبقي بجوار قطعة الارض هذه - التي زرعها بأشجار الزيتون والنخيل وكثير جدا من شتي أنواع الفواكه التي تصلح في الأرض المصريه - علي أن يرحل لاحدي الدول موجها أو مدرسا فيها ، وتعلقت روحه بتلك الطبيعه الخلابه وهذا الجمال الساحر الذي يراه ينمو أمامه يوما بعد يوم وهو لا يفـتأ يحدثك عن عمر تلك الشجره وعن موعد إثمار أخري وعن الانواع التي تحتويها حديقته وهو رجل مضياف يجتمع لديه الكثيرين من أبناء قريتنا بعد صلاة العصر وحتي أخر الليل لا يفرقهم إلا موعد الصلاة فيقم من يقوم ويرجع من يرجع وهو يتندرون بالحكايات القديمه والنوادر ويشربون الشاي الاسود المغلي علي عيدان الحطب وقوالح الذره ويشربون من مياة طلمبه قام بدقها علي أطراف أرضه ،
أوقات رائعه تلك التي يستطيع المرئ أن يقضيها في ضيافة خالي حسن دون أن يشعر بملل بين طيبعه غناء وهدوء ليس له مثيل في المدن وصفاء نفس يتمتع به الكثيرون هناك ، وخالي حسن الذي فكر يوما أن ينتقل للعيش في سيناء وتحديدا في العريش لم يمكث طويلا وهو يري سيناء مهمله وقفر بعد كل تلك السنوات فعاد محملا بخيبة أمل طاغيه وبعض أشجار الزيتون ، كانت إحدها التي يتحدث عنها دوما لكل زواره ولا يمل من عرضها علي كل من يأتي إليه وهو يفتخر بها وبثمارها ويعدد مزاياها ويحرص علي أن يذكر إنها من أرض سيناء ومن أفضل الأنواع ، وإنها علي قصر عمرها تؤتي ثمارها بكثره وزاد إرتفاعها في أشهر قليله بطريقه أبهرته ، وجعلتها شجرته الأثيره وهو يرجع هذا أحيانا إلي إنها من الأرض المباركه ، وأحيانا إلي سلالتها لكنها تبقي الشجره الوحيده التي تنسب إليه لكثرة حديثه عنها وأهتمامه بها ، وكأنها احد أفراد عائلته ، وقد زرعها خالي في أقصي أطراف أرضه في مساحه خاليه وقرب الحد الفاصل بينه وبين جاره الذي أستأجر الأرض المجاوره من أصحابها في غفله من الزمان ببضع جنيهات ورفض أن يغادرها معتمدا علي قانون قديم يحمي حق المستأجر في البقاء طالما قام بالدفع ، والمشكله أن هذا الجار به من اللؤم الكثير فقد منع خالي من أقامه سور علي حدود أرضه بحجة أن هذا السور سيؤذي اشجاره ، وبشهامة وأخلاق الفلاح الأصيل لم يشأ خالي أن تقع خصومه بسبب هذا السور بل رضخ للأمر ، وبعدها فكر أن يجلب أحد ليحرس أرضه في غيابه لكن جارة اللئم تشاجر مع الحارس ولم تمض أيام حتي غادره الحارس وتبعه كثيرون رفضوا العمل بعد أن هددهم الجار وتشاجر معهم ، وبدا خالي حسن يشعر بالغضب لكنه سرعان ما كان يهدأ حينما يحضر إليه الجار بإبتسامته الصفراء ويستسمحه ويسوق إليه الحجج وأنه يحاول أن يحمي نفسه وأرضه ليس إلا من عبث الأخرين فيقتنع خالي أحيانا بحججه وأحيانا يتذمرويحاول أن يذكره أنه مجرد مستأجر وسوف يترك الأرض عاجلا أو آجلا ، فما يلبث الجار أن يغضب ويثور وهو يؤكد علي حقه في الأرض وسلامة موقفه ، لكنه يعده بأن يحاول أن يدرس موضوع السور ، وتمر أيام وبدلا من أن ينفذ ما وعد خالي به ،يقوم الجار بقص بعض أغصان شجرة الزيتون بحجه إنها بدأت تزعجه وتدلت في أرضه ، ورغم غضب خالي حسن إلا إنه يقبل إعتذاره رغما عنه وهو يري باقي اخوته عاجزون عن الوقوف بجانبه ضد هذا الجار اللئيم ، وبعدما يسوق الجار الحجج للجميع و يؤكد ان هذا حقه ، وهو إنما يحافظ علي أرضه وحقوقه ، وحين فكر خالي حسن أن يستأجر بضعه أمتار من الجار ليتيح للشجره أن تنمو رفض الجار والابتسامه الصفراء تغلف محياه ، وطلب من خالي حسن أن يعطيه جزء من أرضه مقابل ان يؤجر له تلك الأمتار البسيطه ، وأستشاط خالي حسن غضبا لكنه وكالعاده لم يحرك ساكنا ، وأنشغل خالي حسن بموسم الإمتحانات لمدة شهر عاد بعدها ليجد حريقا شب في جذع شجرة الزيتون ، وأحتراق نصفها بالكامل ، حمل خالي فأسه وذهب غاضبا لجاره الذي هرع صارخا وهو يستنجد بأهل البلده مستجيرا بهم وصائحا بأن خالي حسن يود قتله ، وحين أجتمع كبراء البلده وقف الجار بلؤمه وهو يدافع عن نفسه ويقول أليس كل شخص حر في أرضه أنا أشعلت النار في بعض الحطب في أرضي فما ذنبي أذا كانت أغصان هذه الشجره تتدلي في أرضي ولهذا حدث ما حدث ، إضافه إلي إن هذه الشجره سبب خلاف دائم بيني وبين جاري حسن ، فلا أري داعي لبقائها أليس في حرقها راحه لي وله ونهاية للخلاف بيننا ،
استشاط خالي حسن غضبا وحاول أن يقوم لينال منه لكن المشكله أن كبراء البلده أختلفوا فمن آمن علي كلام الجار واعتبر أن موت شجره أفضل من أستمرار الخلاف الدائم بينهما ، ومنهم من أدان الجار ومنهم لاذ بالصمت وأنفض المجلس دون أن يصلوا لحل ، وبقيت شجرة خالي حسن نصف محروقه ، فلم تطاوعه نفسه علي قطعها ، ولم يتركها الجار في حالها بل أنه يقوم بقطع أغصانها كلما نبت غصن في الجهه غير المحترقه ، وينكر فعلته كلما حاول خالي مواجهته ، أما خالي حسن فهو حزين وعاجز لأنه كلما فكر ان يواجه هذا الجار اللئيم ، تذكر كبراء البلده وما سيوجهونه من لوم وربما عاقبوه هو لأنه تجرأ علي هذا الجار المغتصب ، لو فكر في أخذ حقه من جاره ، ورغم أنني حاولت أن أشجعه علي إتخاذ خطوة جريئه إلا إن خالي حسن ينتظر ويمني نفسه برحيل الجار يوما ما ، وكأنه يحلم .
أشرف نبوي