المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ظرافة سياحة شاطئيّة


ناصر الصاخن
08-29-2010, 05:32 PM
ظرافة سياحة شاطئيّة



‎منذ فترة ليست طويلة جاء في صحافة " اليوم " السعودية بأن طالبات من الابتدائية والمتوسطة اقترحنَ بأن يحوّلنَ الربع الخالي لأنهار وبساتين خضراء ، والذي كان تحت عنوان " موهوبات الشرقية يحولنَ الربع الخالي لمنطقة سياحية غنية بالمياه " وأشرف فيه العديد من المدرّسات والمشرفات على ما يُقارب 170 طالبة موهوبة ، وقُدّمت كهديّة للوطن الغالي وللملك عبدالله بن عبدالعزيز .

‎أستمتع كثيراً حينما أسمع أن الصغير تهمّه البيئة والمجتمع بجانب الكبير ، فهذا يُشعرني بأن هناك أرواحاً تتمسك بحبّ الوطن ومَن فيه وتسعى لتطويره وجعله المثاليّ في مختلف الجهات ، ولكن لربما نسينا وتغافلنا عن دور العلماء والباحثين والذين هم لسنين طوال يتكلّمون ويبحثون عن تلوّث البحار والبيئة من مُخلّفات الإنسان ، فأصبح البحر بعد أن كان منبعاً للأسماك يُحوّل إلى مجرى وتجمع لما قد يتركه الإنسان في مجالات عدّة ، فهاهو البحر وحسب التقارير العلمية والعالمية التي تنصّ بأن ثلاثة أرباع الخيرات والأسماك قد ذهبت هباءً منثوراً ، وفي السنوات القادمة ستنقرض العديد من أنواع الحياة البحرية وتقضي على الربع المُتبقّي .


‎لن يكون الصغار أو من شارفوا على الانتهاء من الابتدائية هم بمثابة إقصاء للأضواء عليهم والنقل المباشر لهم في الإعلام أكثر من ذلكم العلماء الذين بحثوا وأتوا بنتائج صحيحة ولكنها ربما ليست مقبولة لدى البعض ، فمع هذا الكمّ الهائل من الطلاب والطالبات الموهوبين والموهوبات يُسعدنا بإدخال فكرة التضحية وتعزيز الوطن من أجل بيئة ملائمة ، ولكن هناك من أهم أجدر بالاستماع إليهم ، وهناك من قدّموا دراسات ليست قليلة القدر والشأن لأن تُهمّش في الصحافة أو في الإعلام ويجب بطريقة أو بأخرى لفت الأنظار لهم إن كان صوتهم لم تنقطع بعدُ حباله .


‎ردم البحار وإشعال الغازات مع باقي الملوّثات التي اصطنعها الإنسان لا يُمكن تجاهلها ، فالعالم هذه الأيام يشهد درجات حرارة عالية ، حتى أن البعض أدركه الموت كما في روسيا وغيرها ، فالخمسينيات من الحرارة والستينيات باتت مجهولة السؤال عن كينونيّتها !! ولكنها يجب أن تُمسي صاحية من يقظتها المُغفّلة ويجب أن نستمع للمعنيين بالبيئة ، فلا أجد إن كانت الخطة بتحويل الربع الخالي إلى شلالات وأنهار بأولى من الاعتناء بمن يعيش في السواحل وعلى ضواحيها الميّتة .


‎شعور يُفطّر قلبك أيها الرياضي حينما تتمشى وتمارس رياضتك على واجهة بعض الشواطئ وتشم ثمة روائح مُلوّعة وكريهة ، فتدقق النظر قليلاً لتعلم مصدر تلك الروائح ، وإذا هي أبياب ضخمة قد شقّت الطرق والأحياء وجاءت لتصبّ في بحر باتت حيواناته تتنفّس الصعداء ، ولا أعلم من أين أتتْ تلك المياه المحمّلة بالروائح ؟! فلم أسمح لنفسي بالتفكير فيما تفعله المدن والأحياء بهذه المياه ومن أين منبعها وخروجها المُضطرب !


‎أمامن جهة السماح لنفسي بالتفكير ، فلربما تكون تلك الروائح الغير طيبة هي ما يتركها الإنسان بعد خروجه من بيت الخلاء ، فالبحر أصبح مُلوّناً بألوان الكتمان البهية ، قد اختلف لونه عن السماء ولم يعد عاكساً ومطابقاً للونها الأزرق ، فهو مع هموم الحياة الميّتة والمُنقرضة بداخله لم تعد أيها المُشاهد تستمع بالنظر إليه ، خصوصاً إن كانت مدينتك ساحلية ولها أمدٌ عتيق وعريق في الدخول للبحر واصطياد الخيرات العظام منه وتُفاجأ بأن كرنيشك عرضه قرابة 5 أمتار فقط مع مدينة يتخطّى سكانها 70 ألف مواطن .


‎رائحة وضيق وألوان غير مريحة وسرابيل من الأوساخ على مدّه وجَزْره والتي لم تلقَ الرادع الفعليّ لأن يُلقّن يدها المُخربة بعضاً من التعليمات التي تلائم البيئة، فلم يعد الكرنيش كرنيشاً، ولم يعد البحر مكان رفاهيّة وفسحة واستئناس، بل هو" البحر " كأشباه صناديق تُوضع فيها مزيجاً من الأشياء الغير محمودة فيخرج منها روائح، ثم تقوم أنت بإيصال مياه مُحمّضة بروائح أيضاً، فيجتمع الشر بالشر فينتج لنا شراراً مُنفّراً للكثير من الناس، وهو ما أودى بهم للتغاضي عن سياحة الكرنيشات فالتجوّل في بعض المجمعات اللاشبابية إن كانوا يتمثّلون في " عائلة "، ثم اللجوء لحرب السيارات " الهايويهيّة "، فيرجعون إلى الكرنيش أو البحر مرة أخرى فيرونه جميلاً بكل ما كان وما زال فيه.



سيد ناصر الصاخن ،