المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : صناعة الخلود


عبد الله العُتَيِّق
10-06-2010, 08:22 AM
"العظمة تأتي بأن تبدأ شيئا لا ينتهي بنهايتك"
روبن شارما

البقاءُ الأبدي أمنية أغلب البشر، و سعيهم بالعناية بصحتهم و نفسياتهم أكبر برهان على ذلك، خاصة عندما تكون الحياة مواتية، و تكون الأحوال متأتِّيَةٌ بصورة جميلة. هذه الأمنية حوَّلت رؤى البعض إلى تحقيقها من وجوهٍ غيرِ حيَّةٍ بروح أصحابها، بعد اليقين الذي يلمسون براهينه كل حين بأنه لا بقاء للأجساد في هذه الحياة. فتحركت أفكارهم باختراع ما يُبقيهم، و يصنع خلودهم في الحياة بعد موتهم.
العظماءُ وحدهم هم الذين يصنعون خلودهم، بغضِّ النظر عن كُنهِ تلك العظمة، و بغضِّ النظر أيضا عن سلوك أولئك العظماء، فهم أدركوا أن عظمتهم تطلب منهم أن يبقوا وقتا طويلاً و زمنا مديداً، فصنعوا ما خلَّدهم بين الناس بعد رحيلهم وقتا طويلا، وربما أبديا.
لنُدرك، أولاً، أنه لا يخلُد في الحياة إلا حقائق الأشياء، أما الصور فإنها لا تبقى، و الصور مظاهر الحقائق، فما يُخلده العظماءُ إنهما هي حقائقُ و ليست صوراً.
ظاهرة الحرص على تخليد الناس أنفسهم بين الناس و في تاريخ البشرية لا يمكن أن تغيب عن أحد، فهناك من يسعى لتخليد نفسه بشيءٍ يُذكر فيه بالجميل و الخير، و هناك من يسعى لأن يكون خالدا بفعل قبيح، فالفكرة كلٌّ مؤمنٌ بها، و لكن وسائل الوصول إليها مما تختلف فيه الناس همماً و أذواقاً و سلوكاً، و هنا تكون الميزةُ في الخلود، فالقيمةُ ليست في الخلود ذاته، و إنما بمَ كان الخلود.
اهتمام العظماء بتخليد أنفسهم و ذكرهم أخذ حيِّزاً مهما من أعمارهم و أعمالهم، و إن كان في حقيقة الحالِ أن تلك الصناعة ليست سوى شيء صغير يقومون به، و لكنَّ بعض الصغيرِ أكبرُ من الكبير. فكان تخليدهم أنفسَهم متخذاً صوراً:
أولا: الفكر. فمن أراد أن يخلُد بين الناس عُمُراً طويلاً فعليه أن يكون صاحب فكر يدعو الناس إليه، و يسعى بينهم في نشره. العظماء الذين صنعوا الفكر و الثقافة و العلم حملوا فكرةً و بحثوا فيها تحقيقا و تدقيقا حتى أتقنوها و آمنوا بها، ومن ثَم سَعوا بنشرها بين الناس، و خلدوا تلك الفكرة في صور متعددة، هي الآتية. لا يمكن أن تخلُد إلا الأفعال، و الأقوال الخالدةُ هي أقوال للأفعال، فرائمُ الخلود في الحياة الدنيا بين الناس عليه أن يحمل فكراً متميزاً، ذا أثرٍ نفعيٍّ في عمارة الإنسان و الأرض، تتحقق من خلاله كمالات الوجود البشري.
هنا الكلام عن الفكر، منعزلاً عن السلوك، فربما كان الفكرُ راقياً و لكنَّ سلوك تطبيقه و توظيفه ليس كذلك، فالقيمة تنصرف إلى الفكر.
ثانيا: الحِكَم. الحكمةُ قولٌ، و كثير ما تتناقلُ الناسُ بينها حكمةً قالها شخص قد عفا الزمان عليه، و سَفَت الريح تُرابَ قبره، فهو قد خلَّد نفسه بحكمته، و التي ربما تكون عفويةً غير مُتكلَّفة، و ربما تكون حكمةً سيئةً أيضا.
إن الأقوال تُخلِّد قائليها، و أقوى الأقوال تخليداً تلك التي هي أقوال الأفعال، أما أقوال القولِ فإنها لا تثبتُ، لأن الفعلَ راسيةُ القول. وفي تتبعٍ لأحوال الخالدة أسماؤهم وجدنا أن هناك أقوالاً لهم تُحكى و تُنقلُ من صدرٍ إلى سَطرٍ، و من سطرٍ إلى صدرٍ، فلا يخلو منها كتاب و لا قلبٌ. وهذا يدفعنا إلى أن نُخلِّد أقوالاً تخرج منا بين حينٍ و حينٍ، فربما تفوه ألسنتنا بشيءٍ من الحكمة في نظر الآخرين، و ربما كانت منا كلمة تصنع فكراً، فلا نحتقرُ شيئاً مما نتفوَّه به، فالعاقلُ أبٌ للحكمة. و رُبَّ قولٍ لا يُلقى له بالٌ أحدثَ أموراً عِظاما ذات بالٍ. و لا أعتقد أننا عاجزون عن تخليد أنفسنا بكلمة تبقى مُتناقَلَة أجيالا و أحقاباً.
ثالثا: الكتابة. قالوا قديما: الكتابُ ولدُ العالِم المُخلَّد. ومن حينها، و قبلُ بكثير، و الكتابةُ أبلغُ شيءٍ في تخليد الإنسان، فهي تُخلِّد فكره وقوله وفعله وتاريخه، و بدون الكتابة يَقِلُّ التخليدُ، و ربما انتفى وزال.
كل إنسان فيه قابلية الكتابة، فالمهارات بذور في أرضِ الإنسان، مع الحرث و السَقي تنبت و تثمر، و لكنها تفتقر إلى حارث و همام، ومتى كان موجودا ذو الصفتين هاتين بدت ثمار الكمالات عيانا.
تأليف الكتب من أعظم الكتابة، و ليس صعبا في وقت توفرت إمكانيات التأليف كهذا الوقت، و لا أسهل من تأليف الكتب اليوم. ليس هذا تهوينا من قيمة التأليف، و إنما إيضاحا إلى أن مُعطيات التأليف و أسبابه متوفرة بين أيدي الجميع، و لا يصل إليها إلا من أرادها، ومن أراد شيئا أصابَه و حصلَ عليه.
لصناعة الخلود كثير من الصور، و الطرق الموصلة إلى تلك الصناعة بعدد الناس كلهم، و من رام البقاء فليس بينه و بين أن يبقى طويلاً مذكوراً بين الناس إلا أن ينظر إلى طريق و صورة من صور صناعة الخلود فيُخلِّد نفسه من خلالها، و لا يستحقرنَّ نفسَه، و ليؤمِنَنَّ بأنه قادرٌ على تخليد نفسه بما لديه من إمكانات منحها إياه الله تعالى، و استغلال تلك الإمكانات من جميل ذوق الشكر للخالق تعالى.
لا أعتقد أن هناك عذراً لأحدٍ ألا يُخلِّد نفسَه بعد موته، فـ " الذكر للإنسان عمر ثان"، فالطريق إلى تخليد الذكر ليس أيسر منه شيء هذا العصر، فليكن لكل منا عهد على نفسه أن يبدأ بتخليد نفسه.

نواف العطا
10-06-2010, 06:26 PM
عبدالله العتيق

التخليد قد لا يتطلب السيرة الذاتيه وأن يكون على قدر من الكمال
ولكن بما يقدمه من فكر أو علم أو أختراع فهو حصيلة نتاج وجهد .

عبدالله جميل هو حرفك وهادف هو طرحك يحمل الفكر والرقي
لك كل الود والورد ياراقي

طلال العطاوي
10-07-2010, 05:03 AM
ماتركز عليه سوف تحصل عليه .

نتمنى ذلك، ونسعى إليه بإذن الله .


متمنين للجميع الخلود فكراً , وحِكم, وكتابة.

تحيتي لك