المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أنـا و حـاجـبـاي و الـبـاريـسـيّـات


رُوح
02-23-2011, 08:30 PM
في سنوات مراهقتي المبكرة .. كنت أقرأ روايات عبد القدوس .. ليس لأنّني أحبها .. بل لأنّ مكتبة بيتنا لا تحتوي إلّاها ..
ما يهمنّا هنا في هذه الجزئية من الذاكرة أنّني قرأت مرةً وعلى لسان أحد أبطال الرواية حديثا موجها للبطلة مفاده : " لو أنّك تهذبين هذين الحاجبين ، لأصبحت من حِسان باريس "
لم أطق صبرا أن أنهي الفقرة حتى ، ركضت نحو المرآة في بيتنا لأنظر إلى حاجبيّ ، وكانت تلك المرة الأولى التي أتفرّس بها في ملامح وجهي ، وأقنعتُ نفسي أنّني إن هذّبت حاجبي فإنّني سأصبح مثل بطلتنا تلك ، حسناء باريسيّة ! في نظرك على الأقل !
المشكلة كانت بأنّني لم أكن أعرف ما هو تهذيب الحاجبين ، أو كيف يتمّ ذلك ! ولا أعرف شيئا عن الباريسيات وجمالهن .. فلو كنت أدري ما دريت لاحقا .. لما أتعبت نفسي بمحاولات بائسة للتشبه " بقصب السكر " وأنا التي أشبه أكثر حبة " يقطين " ضخمة !
على كلّ حال .. ولأجل العلم فقط ، توجهت لوالدتي وسألتها ببراءة : متى سأهذّب حاجبيّ ؟
والدتي صفعتني بقوّة ، وقالت بحزم : " بس تكبري بنشوف ! "
طبعا " بنشوف " هنا كان لها وقع مخيف عليّ .. وذلك لأنّها تحمل الشكّ والريبة والاحتمالية !
أنا أريد أن أكون حسناء الآن .. بشكل قاطع و فوري .. لا أن أنتظر عقدا من السنوات أفقدك فيها !
النتيجة المباشرة لهذه الحادثة .. أنّني حاولت تهذيبهما بنفسي .. ونتج عن ذلك " حفر انهدام " و تعرجات .. و طرق فرعية عريضة !... عالجت مصيبتي بواحدةٍّ أسوأ .. و هو قصّ " غرّة بتسوح سوح " لتغطيتهما .. ولأنّ شعري ذو طبيعة متطايرة .. فلكم ـ دام فضلكم ـ أن تتخيلوا ما أصبحت عليه من هيئة " يقطينة .. " بقمعة مشرشبة " وأوراق خيطية ! هذا بالإضافة للعلقة الساخنة من والدتي والتي تركت دلائل كثيرة على جلدي ! .. وبعد اختفائي عنك شهرا ونيّف .. عادا للظهور أخيراً .. وعدت لأراك بعد غيابٍ أخيراً ..
لعدة سنوات لاحقة ، كان حاجباي موضع اهتمامي وتركيزي ، لم أترك صديقة إلّا و سألتها : كيف يبدو وجهي بهذين الحاجبين !! ولكنّني لم أجرؤ أن أسألك أبدا ، خوفا من أن ترّد عليّ بجملة بطل الرواية " إيّاها " !
وصارت رسوماتي المفضلة عين يعلوها حاجب مهذّب !واكتشفت ـ من الإجابات التي تلقيتها عن أسئلتي ـ أنّ لي حاجبين سميكين ، لن يصلح لهما التهذيب أبدا ، فأصبت بخيبة أمل أضخم من رأسي الكبير ! ، وكنت أتحاشا النظر إليهما في كلّ مرةٍ ألتقي بمرآة ، إلى أن عرفت صدفة ـ وأنا أستذكر كلامك أمام مرآتنا ـ أنّني أستطيع تحريكهما بطريقة غريبة تثير ضحكات من حولي ! فصرت " أتفنّن " في رفعهما ، وخفضهما ، و تقطيبهما ، أو تحريك أحدهما وتسكين الآخر ، أو ثني واحدٍ ورفع الآخر لسقف جبهتي ! ولكن .. أنت وحدك من كان يجعلني أفعل ذلك بتلقائية مطلقة .. دون إعداد مسبق !
وباتت تلك موهبتي الأحدث ، ولعبتي المفضلة ، وصارت مرآتي صديقتي العزيزة ، وتحسّنت قرائتي التعبيرية في المدرسة ، كلّ ذلك بفضل جملة كتبها إحسان عبد القدوس ، و لو عرف أنّها ستقلب حياة بلهاء مثلي ، ربّما أعاد النظر في صياغتها !
اليوم ، ما يزال لديّ ذات الحاجبين ، لكنّهما لم يعودا يرتفعان أو ينخفضان أو ينثنيان على أحاديثك !!
إمّا أنّك بدأت بتكرير نفسك ، أو أنّني بحاجة لأن أهذّب حاجبيّ أخيرا !

نادرة عبدالحي
02-24-2011, 02:34 AM
روح يا روح كلماتكِ لها روح الياسمين الدمشقي
وعطر الصبا ......تاشيرة الدخول الى الذكريات
التي نشتاق إليها بكامل عفوتها بكامل عبثها
أكثر أكثر من رائع هذا السرد يجعلنا لا نتوقف عن الشرب الهنئ
من هذا القدح الرائع

رُوح
02-24-2011, 10:45 PM
روح يا روح كلماتكِ لها روح الياسمين الدمشقي
وعطر الصبا ......تاشيرة الدخول الى الذكريات
التي نشتاق إليها بكامل عفوتها بكامل عبثها
أكثر أكثر من رائع هذا السرد يجعلنا لا نتوقف عن الشرب الهنئ
من هذا القدح الرائع

أهلا بنادرة
شكرا لكلماتك اللطيفة جدا يا أميرة
ما كان النص ليكون جيدا لولا قراءتك الطيبة
نعم ، الذكريات القليلة تكون وقودا لعمر بأكمله

سعيدة بمرورك :icon20:

فرحَة النجدي
02-27-2011, 06:01 AM
الله يا روح !
قرأت شيئا مني هنا ، أسقطته منذ زمن و لم آبه لسقوطه و ها أنتِ تذكرينني به من جديد ..

أسقطتِ لي دمعة ،
لا أذاقك الله إلا دموع الفرح !
لغتك حبيبة و قريبة للنفس :icon20:

نواف العطا
02-27-2011, 12:26 PM
هكذا هو حال الطفوله كلمة ومشهد ثم حلم يعيش ويبقى على ماهو عليه
من حزن أو فرح , وحينما تؤرقنا الاسئله ونعي ماكان نردد كم كانت
أحلامنا بريئه وبسيطه ومغموسه بالخيال البعيد عن الواقع .
وكم من عصا أكلت جلودنا لسوء صنيعنا وبؤس وعينا وسذاجة تصرفاتنا :)
روح لكِ كل الود والورد على هذه اللغه الجميله .

راكان العنزي
02-27-2011, 08:03 PM
أيزعجك لو ابتسمت هنا ي روح ؟!!
دون سابق ترصد وأنا رجل لا يعيبه شيء - كما يقولون - وجدت نفسي أنظر لحاجبي ,
والتهمة التي التصقت بي بسببهما , وكأني أني من رسمهما ,



بروكت

أماني بنت محسن
02-27-2011, 08:06 PM
" روح "

لحرفك روح شقية كـ روح الأطفال ...
أراك تداعبين الحرف ببراءة ...

اليوم ، ما يزال لديّ ذات الحاجبين ، لكنّهما لم يعودا يرتفعان أو ينخفضان أو ينثنيان على أحاديثك !!
إمّا أنّك بدأت بتكرير نفسك ، أو أنّني بحاجة لأن أهذّب حاجبيّ أخيرا !

وجميل هذا النضج


:


كل الود

أروى المهنا
02-27-2011, 11:56 PM
أتعلمين ياروح , لو أن هذا النص لم ينتهي
مختلفة أنتِ هنا
تحيتي ومودتي:34: