مذكرات معلّمة .

[موضي]

لم يكن طموحها يومًا أن تكون معلمة ، كانت تخطط لمستقبلها ولأن الظرف مكسور أمضتْ سنينًا عجافًا معطّلةً وبعدها جاء عامها ونبتت السُنبلة وصارت معلمة !
بدأت في النصف الثاني من السنة الماضية مشوراها ومن ثم جاء قرار الملك الذي تباشر به الجميع وهنأوها كثيرًا ولازالوا يسألونها أكثر ( متى التثبيت )
أمّا هي فرحت لأنها جربّت طعم التعليم ومسؤليته المقلقة اللذيذة في آنْ !
هي مهنة من أعظم المهن ولكنها من أشقّها لذوي الضمائر الحيّة والعقول المتقدّة
كان رهنًا لها مع الدنيا وأظنها أقتربت من النجاح .


::

[موضي]

بدأت بالضبط يوم السبت الموافق : 9 / 3 / 1432 هـ
في "هِجْرةٍ" تبعد قُرابة 100 كيلو بالدقة 96 .
بدأت يومي بعد صلاة الفجر وركبت "النقل" لأتفاجأ بزميلة قديمة أيام الدراسة كانت مفاجأة سارّة
وفي المدرسة وجدتُ القبول من لدن زميلاتي ، وكنّ يذكرن الله لأني حصلت على عقد وأنا لا أدري لمَ ذلك ؟ ثم توالت الأسئلة ممن لديهن أخوات عاطلات " كيف حصلتِ عليها؟ ، "أتصلوا عليك ؟ " ... إلخ وأنا أجيب بطهارة قلب دون اكتراثٍ لشيء ثم أتفاجأ أنهن كنّ يظننِّ من خريجات عام 1431 ومكثت فصل واحد فقط في البيت ثم حصلت على العقد !
ولكن فجرتها مفاجأة أكبر أن تخرجي مضى عليه سنوات طولية وإلى الأن يقلن لي ( لو سكتي ياضيّ كان مشت علينا إنه توك متخرجة ) .

[موضي]

أعطوني جدولي والمواد التي سأدرسها لأجد من ضمنها " لغتي الخالدة " أول متوسط
ماحيلتي وأنا لاخبرة لديّ ولادورات تخص المناهج المطورة ولكن توكلت على الله وأخذته تحدّي بيني وبين نفسي والأن أدرس ذات الفصل ولكنه الأن ارتفع لثاني متوسط ولي معه حكاياتٍ كثيرة .


::

[موضي]

اليوم هو يوم أستثنائيّ فقد بدأت الاختبارات والكلّ على قدمٍ وساق .
كان لديّ اختبارٌ في الفترة - "هم يقولون كذلك وإلا الأصح المدّة أو الجزء أو أي كلمة ذات المعنى لأن الفترة في اللغة تعني الانقطاع " -
غرفة المعلمات صارت كخلية النحل الجميع في حالة استنفار حتى من ليس لديها اختبار فروح التعاون تنتشر لدينا وتتكاثف حدًا أن يمضي الوقت دون وعي وضيقٍ واكتئاب .
أنا نسيت قلمي الأحمر وأعلنت باب " الشحذة :D " لم أكن وحدي فعلمة أعطيتها قلمي الأسود ثم عدت "لأشحذ أسود أخر :o" .
الغرفة تضج بكل شيء بالضحكات والتعليقات و"التحلطم" ، مرّ أول يوم جميل جدًا وممتع لأن صحبتي هي من جملته وتركته في عينيّ جميلًا لاشيء غير ذلك :34:.


::

[موضي]

غدًا اختبار نحو للصف الثالث ثانوي وكأني أنا من ستختبر !
هو صرف وأخره نحو ، ومنهجهم دقيق جدًا تعبت كثيرًا أثناء شرحه
قديًما كنت أحب النحو حبا جمّا وأتذكر كيف كنت أعتبر يوم اختباره اجازة فلست أذاكره لأنه نبت في رأسي وأحب تفتيت الكلمات واعرابها والتمثيل والتفنن في الاستخراج .
ولكن حينما صرت معلمة لم أعد أحبه والسبب الطالبات اللاتي أتيت لهن وهن لم يتأسسن فلايعرفن حروف الجر ولا الفعل من الفاعل والأدهى يأتي معهن الفاعل منصوب والمجرور مرفوع :( والكثير الذي لاطاقة لي بذكره .
في البداية نقمت عليهن ثم تحولت هذه النقمة لشفقة عارمة ثم انتهت لصدمة هههههه :( فليس لديهن أي استعداد لتحسين مستواهن مطلقًا مطلقًا ، كل اعتمادهن على أسئلة مراجعة "ويصمونها" بمصطلحنا العاميّ لأنه يوضح أي مستوى وصلن إليه بستثناء ثاني متوسط رهانِ الذي نجح وفرحة تعليمي الذي لا أجده إلا مخبأ في فصلهنّ ، هذا الصف معي له حكايات مثقلة بكل الأشياء الكثيرة حتما سأمطرها هنا .

[موضي]

جئت لهن وهن في الصف الأول متوسط وكن كالعجينة وشكلتها كما أتمنى !
المعلمة التي جئت مكانها كانت في اجازة وحينما عادت وكان المنهج مطورًا وجديدًا فلم تستطع المجارة لامن حيث الزمن الذي داهمها ولا من ناحية المنهج فالذي صار أن "لغتي الخالدة" مُرّ عليها مرور الكرام وبشكل سريع ثم جئت أنا بحرارة دمي وطموحاتي وأمالي الطوال .
بدأت معهن من الصفر فقد كن شبه ورقة بيضاء في لغتي الخالدة وصغيرات استطيع التأثير عليهن فلم يعتدن إلى الأن على أسلوب الاختبارات وتعطيل العقل والتفكير !
عدد حصصها في الأسبوع ثمانِ حصص ومع ذلك كان الوقت يضيق عليّ لأني كنت أدرس وأعلم في آنْ ! اجتهدت أن أكون قدوة في كل شيء وخصوصا لغتي كنت أنتقيها بعانية أتكلم بالفصحى وبكلمات تثير فيهن الخيال وبأسلوبٍ رفيع حتى يعلمن أن اللغة ممارسة ورقيّ وحضارة ، في نهاية المطاف صرن يعرفن الفعل من الفاعل وكيف يفرقن بين الأفعال من حيث الزمن وتكوين جمل والكثير الذي كنّ يجهلنه .
والأهم أنه الصفّ الوحيد في المجمع كلّه الذي اعتاد الاختبار دون أية مراجعة - فلغتي الخالدة هي تقويم من ثم نهاية الوحدة اختبار مكون من ثلاثين درجة - أقول هو الصف الوحيد الذي أتِ بقطع فهم المقروء والمسموع من خارج الكتاب ، والأسلوب النحوي واللغوي والصنف اللغوي جمل من خارج الكتاب أيضًا .
وتحسنت قرائتهن كثيرا وإملائهن أيضًا ، والأن صار اثنتا عشرة طالبة متفوقة جدًا وخمس ممتازات من ثلاث وعشرين طالبة ثلاث منهن مستواهن ضعيف لستهتارهنّ .
جاهدت معه جهادًا ثوريّ وحينما أخرج منهن يتضح عليّ التعب وصوتي" مبحوح" حدا أن صرن زميلاتي المعلمات يعلمن أني خرجت من "أول متوسط" ولكني في النهاية جنيت وأكلت وشبعت وهذا المهم .

وتبقى الكثير من الحكايات .


::

[موضي]

طالبة في ثالث ثانوي رسبت في النحو :(

[موضي]

- في اختبار الأدب للصف الثاني ثانوي نص نثري لابن المقفع وعليه عدّة أسئلة منها :
من قائل النص : طالبة كاتبة عبدالله العقيلي
- في مادة النصوص للصف الثالث متوسط نفس الشيء من قائل النص : محمد حسن الزهراني :mad:
طبعا هو الزيّات
- اعراب الله أكبر / الراء حرف نصب ( وجه مفقع عيونه )
وإللي تقول الله / لفظ الجلالة والعظمة وكأنها شرهة إننا جايبينه اعراب
وإللي تقول في إعراب أخر : فعل مضارع منصوب وعلامة زجمة الكسرة :(
ما أقول إلا الله يعينّا على الطالبات وغثاهن ما كأنّا شرحنا وتعبنا ولاشي :/

[موضي]

وبدأ العام الدراسي الثاني بكل ارهاقه وتعبه وعمله
بدأ لأكتب في بداية التعريف بيّ في دفتري : ( تعلموا العربية فإنها من دينكم )*


::

[موضي]

يوم الإثنين الفائت وفي الحصة السابعة حيث الجميع وصل لمرحلة الملل الكئيب والتعب كنت عند الصف الثالث الثانوي ودخلت وماهي إلا برهةً وتحدث مشادة بين طالبتين سرعان ماتتحول لتشابك بالأيدي وهذا كله قبل الولوج للفصل ( عند الربعة ) وسرعان ما اشتعل الشجار وأنا في موقفٍ صعب اصابتني دهشة للمنظر الجديد عليّ ولايوجد أحد سواي فالفصل بعيد والمدرسة أكثرها نزل للخروج ولم يتبقى سوانا ( أنا ورفيقاتي في النقل ) صحوت من دهشني لأصرخ بأعلى صوتي .. ثااااااااالث وأصرخ ثانية وحينها انفك الشجار دخلنا الفصل وعطيتهم محاضرة على هذا التصرف الأهوج الملفت للانتباه أن من أثارته كانت طالبة منطوية جدا ولاعمري سمعتها تتكلم لكن فجأة ظهرت شخصيتها الحقيقية الشخصية العدوانية العنيفة .

[موضي]

منذ وصول الساعة للعاشرة صباحا بدأ الجو بالتغير قليلا بشكل اعتيادي وفي الحصة السادسة وتحديدا الساعة 55، 11 تغير الجو بشكل مريع جدا
تحولت السماء الى اللون الاحمر والهواء قوي جدا انعدمت الرؤيا في الفصول تماما ، كانت حصتي هذه عند الصف الثاني متوسط كنت اختبرهم الورقة الاولى من اختبار الكفايات
الطالبات خافوا وصار اضطراب هديتهم وطلعتهم وجميع الفصول طلعت ضرب الجرس والوقت لم ينتهِ بعد الجميع في حالة استنفار .
تكدست الساحة الداخلية بالطالبات الخائفات وهنا تكون شيء عجيب من بكاء طالبات ابتدائي وخوف المتوسطة وضحك الثانوي بشيء من التغلب على الخوف .
التراب كان قد ملأ الساحة الداخلية والمديرة اقفلت الباب وطقت اللطمة :d
صراخها وهي تكلم في الجوال بسبب الازعاج ، تجمع الطالبات ، الاصوات المختلطة كل شيء كان يثير اهتمامي كنت اتأمل فلاعجب لأني أعشق هذه الاجواء التي تجمع الناس وتصيّرهم في فكر وهدف واحد ، هذه الاجواء تشعرني بالحميمية وبالتقارب الانساني .
وبعد خروجنا وركوبنا النقل استمرينا في الطريق ساعتين وزيادة ، الرؤيا منعدمة جدا مع وجود مطر يزيد ويخف ويقف حسب المكان مما أدى لكتل طينية عجيبة لم نعد نرى شيئا وكأنها مشيتنا الفجر !
وفي المنتصف تقريبا صار يمشي عشرة فقط ( من كلامه إن كان مبالغة لأن السرعة بطيئة جدا ) واصوات الرمل قوية وهي تصفع السيارة ونحن ننتظر ونبتهل الله وأنا لاطسة عيني بالمنديل :d
دخل فيها رمل واحمرت وانتفخت وحالتها حالة وتوني مسوية ليزك قلت خلاص راحت عيني بس الله ستر .
كل اللي في النقل جوالتهم ماوقفت اهلهم والا رجالهم يتصلون عليهم إلا أنا :d اهلي عارفين إن بنتهم قدعة والاحساس عندها شبه منعدم لاني لاهيت في عيني وطقتني غلقة كبر قريح بس يوم طابت عقب ساعة ما اهتميت مرة للجو ما احد ميت قبل يومه .
بس نبي اجااازة بكرة :(:d

[موضي]

الطريف انه بعد العاصف اللي صار طلعت اوراق خاصة بعمل نشاطي بعطيها بنات عشان يلوننها
المعلمات قالوا : صاحية تبينهن يلونن :mad:
قلت : مهوب هنا ياخذونهن للبيت :D
قالوا : مالتس منّة باتسر عقبه الدنيا ثايرة وانتِ تفكرين في النشاط قوه بس لانندفن بسبتس
ماهو الاحساس لا تردى مشكلة اتخيلني اكلمهم في ذاك الجو اخاف يدعن علي :D

[موضي]

حسنًا أنا إنسان عمليّة وجدًا ، أنا والروتين في سلامٍ دائم
طريقة تعليمي للطالبات تقوم على أساس العلم البحتّ ومحبة هذا العلم ومدى عمق مسألة الاستمتاع وأنا أتعمق في العربية ، أجد من الطالبات تقبل والبعض الأخر لأ .
( الأن صرت عندهن موسوعة متحركة حتى في الأنجليزي يسألوني )
أكره أن أحوّل الحصة لفكرة مسابقات وفوضى لا نتيجة منها غير الترفيه ! وأكره أن يضيع يومي دون عملٍ يُذكر ! وهنا مشكلتي التي أواجهها مع منسوبي التعليم في المدرسة بشكل خاص والتعليم بشكل عامّ ، فمثلا المديرة حضرت لي درسا في النحو وامتدحت أدائي كثيرا وطريقة شرحي النحوي ومعلوماتي وهيكلتي الجدولية في الشرح ولكنها وضعت ذلك جانبا وركزت على أني لم أعمل مسابقات !! قلت لها لمَ ؟ قالت : تغيير
أذهلني الجواب قلت : مالدعِ الأخر غير التغيير ؟ قالت الحصة كذا فيها جمود وأنا مليت ووو إلخ
طيب أنتِ مليتي بس الطالبات منسجمات معي ومع طريقتي لمَ التعسّف في مثل هذه الأفكار ؟ وتسويقها بشكل يثير في داخلي الحنق ! لمَ غرس فكرة الملل من المنهجية والمنطقية التعليمية في نفوس الطالبات بدلا من غرس مفهوم محبة العلم وعدم تضييع الوقت في أشياء أنا لست مخولة لعملها ! المسابقات والأشياء الحركية هذه لها مقررات مختلفة كالاذاعة والنشاط واليوم المفتوح وغيره من الأنشطة التي تتزايد يوما عن يوم .
لمَ نهدم مبدأ مهما جدًا ! قد يقول قائل كما قيل لي : أنتِ جادة زيادة عن اللزوم ترى الدنيا سهالات وتغيير ، وأنا أكرر كثيرا ليس كل ملل هو ملل بالأساس قد أكون جادة لكنّي أعرف كيف أضفي روحا أخرى في الحصة غير تضييع الجهد والوقت دون فائدة ، فمثلا أستمع للطالبات لآمالهن لأفكارهن وأرائهن وأناقشهن أيضا أطرح قصصا وأترك لهن استخلاص الهدف وأجدني محبوب عند الطالبات لسبب واحد فقط هن قلنه ( استاذة ضي تسمع لنا وتقول لنا كلام مرة حلو وتشجعنا)
ألا يكفي هذا أم ينبغي أكون نسخة مكررة من الأخرين ، وهل يُعقل أن أنسف قيمي وكياني لأجل رؤية خاصة جدا وهل يُعقل أيضا أن تنتقص من أدائي التعليمي لأجل سبب سخيف واهٍ !!


::