المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الجدّة حياه !


حياه
03-11-2012, 01:13 AM
عزائي لنفسي و لروحي و اسم حياه الذي حملته اقتداء
بإسم جدة القرية التي تصلنا بها صلة رحم بعيدة بجدٍ خامسِ أو سادس ..
كانت تلك الجدة لا تحمل من اسمها سوى اسمها ..
كانت هزيلة جدا قصيرة القامة ، بسيطة الشكل ..
كان نساء القرية يقلن حين تزوجت مسناً لا يقربها بصلة و أقل منها نسبا :
-بنت شيوخ بس مسكينة-
-قد كبرت بالسن تجاوزت الخامسة والثلاثين عاما من يرغب بها سوى من أتاها
- خلوها تبوس يدها وجه وقفا
اعترض العم والخال حول زواجها و شاع صيتها بذاك الحين و قال والدها
من يرغب بها زوجا الآن -أزوجها واحدا من عيالكم الحين-!
فتراجع الجميع لتواجه حياتها بعد الخامسة والثلاثين
مسكينة هي الجدة حياه ..
كان رحيلها نـحو زوج لم تختره و لم يؤخذ رأيها به قد تم و عقد الزواج بها أصبح موشوما
بإصبعها الكبير . توقف الزمن لحظتها في اصبع .. و النساء يرقصن حولها بعد أن دقت الطبول
و أزدادت أحاديثهن المشؤومة في زمنٍ لا تتحدث به الصغيرات - والعوانس!
ما كانت تعي المصائب التي تلاحقها من ألسنتهن الحارقة
كانت صامتة فهي لم تختر هذه المصيبة الحديثة و لم تُخيّر!

طّلت من شباكها تودع صفحات الحقول الخضراء ومن هضاب ورمال وطنها الذي لا تعرف سواه
تعشق هواءه و يربكها الهواء!
ترمي بين حقوله جميع الفصول و ذكريات الطفولة وفقد أمها وهي في الثامنة
كانت ترمي في سفح الشمس قبل أن تغرب آهات السنين و أحاديث الأقارب
و تمد جسدها لأرض أجدادها التي تعشق لعلها تنجيها من الفقد ..
ولكن هي أيضا أرض الأجداد لا تعرفها .. تخلت عنها تماما
كوالدها .. كأمها حين رحلت وتركتها ما بين سراب وضباب ، ما بين
الوحدة و الليل الطويل ، أبقت نفسها في النافذة تناجي النخيل لعلها تستيقظ هي وتمد لها غصن
مفاتيح الفرج لتتسلقها وهي مخضبة يديها و رجليها و بجديلة شعرها المجعد
قد فعل ذلك نساء القرية .. لففن بأحشاء جديلتها حزنها و ما أشجى قلبها و أبكاها
وهي تمسح دموعها بإصبعها المغلوب فقد أصبح أصبع لعين هو أيضا تخلى عنها!
مدت يدها و الشوق بدأ يزاحم ضجيج القرية و مساحات ألمها محاولة أن تنتزع النور وتخبأه في جيبها
وبعضا منه بين ضفائر شعرها ..
من تلّ القرية تراهم يعبرون كجنود يعبثون بالحقول تدوس أرجلهم أحلامها
و من أمامها قادمون يهتفون .. أتينا لزواج المسكينة!
تزداد ضعفا و هزيمة أمام غيوم السماء وشرفاتها البعيدة
تمنت لو أنها لحقت بأمها التي سقطت بين مغرب وعشاء مريضة بالسل الذي رافقها عامين !
ترى بعينها البائسة إزدحام المكان الذي لم يزدها بغضا على أرضها و أقاربها تعشق هذه الأرض جما
رغم كفرهم بها الليلة هي آمنت بهم و ازدادت إيمانا!
لا زالت تخبئ دعوتها بين الريح و في العصافير، في شباكها الخشبي الذي سالت أصابعها دما بفضوضه
مع حليها و خضابها مع فرحتها التي أتت بعد أن مضى بها العمر يقاسمها شطر الحزن على ملامحها
و تجاعيدها إلى اليوم صوتها مهترئ
و بعينيها بؤس ملحوظ أخذه الشوق و الحنين للعمر الذي رحل - شاخت حياه الشيخة !

محمد فرج
03-11-2012, 12:35 PM
نص قصصي جميل
يتكأ على إضاءات واقعية
مغلفة بأسلوب أدبي متمكن .
ندى عامر
حجزتُ المقعد الأول هنا باستمتاع .

عبدالإله المالك
03-12-2012, 02:35 AM
ابدعتِ ياندى
في الحبك والسبك .. حق لي القول أنكِ قد لامستي سقف السماء السابعة!

إبراهيم بن نزّال
03-12-2012, 09:54 AM
بإصبعها الكبير . توقف الزمن لحظتها في اصبع .. و النساء يرقصن حولها بعد أن دقت الطبول
قد فعل ذلك نساء القرية .. لففن بأحشاء جديلتها حزنها و ما أشجى قلبها و أبكاها
وهي تمسح دموعها بإصبعها المغلوب فقد أصبح أصبع لعين هو أيضا تخلى عنها!
مدت يدها و الشوق بدأ يزاحم ضجيج القرية و مساحات ألمها محاولة أن تنتزع النور وتخبأه في جيبها
وبعضا منه بين ضفائر شعرها ..
تمنت لو أنها لحقت بأمها التي سقطت بين مغرب وعشاء مريضة بالسل الذي رافقها عامين !
لا زالت تخبئ دعوتها بين الريح و في العصافير، في شباكها الخشبي الذي سالت أصابعها دما بفضوضه
و بعينيها بؤس ملحوظ أخذه الشوق و الحنين للعمر الذي رحل - شاخت حياه الشيخة !



ياله من حزن عقيم عاشته هذه الـ حياه،
استرسال قصصي متشعب الأوجه حوى حياتها بتفاصيل وقتية وقديمة،
[ القفلة ] كأني بها كانت مخلصا سريعا لذاك التشعب السردي، فـ شاخت حياه الشيخة،
لم تكن بالقفلة المفاجئة أو الغير متوقعة بحدث جديد، بل كان أمر هرمها ( شاخت ) واضح من العنوان ( الجدّة حياه ).
الإصبع: مفردة الإصبع في النص تكررت خمسا،
جديلتها وضفائر شعرها: في الأولى لففن بها الحزن، وفي الثانية خبأت حياه بها النور،
بين مغرب وعشاء: وقت أمنيتها لأمها أن تكون معها أو تلحق بها، هو وقت الوفاة،

ندى عامر، أقصوصة تحمل في عمقها عمق تفاصيل،
فشكرا لكِ، تحياتي

إيمان محمد ديب طهماز
03-12-2012, 05:06 PM
الله ياندى : أتقنت هذا الفن الذي أعجز الكثيرين

حتى اختيار العنوان كان قصة بحد ذاته

قرأت النص مرات وتشربت روحي منه ايقاع ناعما

لازلت أدندن بداخلي رنة اسلوبك وأتوق للورقة والقلم

ممتنة جدا لهذا النص وكاتبته التي أتحفت الأدب بهذا الجمال

تقديري

فرحَة النجدي
03-12-2012, 06:45 PM
تُرى ،
كم حياه تعيش الآن بيننا بِـ صمت !


أوف ، جعلتني أعيشها حقاً ،
عشت حياه يا حياه !


شكرا على كم الإحساس المنثور بترتيب هنــا !

خديجة إبراهيم
03-12-2012, 10:23 PM
حياة
رغم الحزن الذي يكتنفها
والحياة التي لم تحمل معها سوى الإسم
إلا أن سردك للتفاصيل كان بمنتهى الجمال والتسلسل الفريد للأحداث
إستمتعت بالقراءة هنا
شكراً للجمال والوفاء اللذان يسكناكِ
مودتي
:34:

حياه
03-23-2012, 04:54 AM
نص قصصي جميل
يتكأ على إضاءات واقعية
مغلفة بأسلوب أدبي متمكن .
ندى عامر
حجزتُ المقعد الأول هنا باستمتاع .

محمد شكرا لك من العمق يا طيّب
شكرا لك
:icon20:

حياه
04-27-2012, 12:56 AM
ابدعتِ ياندى
في الحبك والسبك .. حق لي القول أنكِ قد لامستي سقف السماء السابعة!


تواجدك يا المالك يبهجني جدا
شكرا لك

حياه
04-27-2012, 01:01 AM
ياله من حزن عقيم عاشته هذه الـ حياه،
استرسال قصصي متشعب الأوجه حوى حياتها بتفاصيل وقتية وقديمة،
[ القفلة ] كأني بها كانت مخلصا سريعا لذاك التشعب السردي، فـ شاخت حياه الشيخة،
لم تكن بالقفلة المفاجئة أو الغير متوقعة بحدث جديد، بل كان أمر هرمها ( شاخت ) واضح من العنوان ( الجدّة حياه ).
الإصبع: مفردة الإصبع في النص تكررت خمسا،
جديلتها وضفائر شعرها: في الأولى لففن بها الحزن، وفي الثانية خبأت حياه بها النور،
بين مغرب وعشاء: وقت أمنيتها لأمها أن تكون معها أو تلحق بها، هو وقت الوفاة،

ندى عامر، أقصوصة تحمل في عمقها عمق تفاصيل،
فشكرا لكِ، تحياتي

إبراهيم : و كانت حياه عزيزة نفس و ذات شموخ لم يُفهم لم تكن ترضى بجميع ما أتاها من ظلم
و لم تسقط دمعتها أمام الناس و لم تشكو الحال حتى لصديقة ،
حزنها بين عيني أحبها الجدة حياه . أطال الله في عمرها
و شكرا لك هنا و لمَ أطريت أهلا :34:

حياه
04-27-2012, 01:21 AM
الله ياندى : أتقنت هذا الفن الذي أعجز الكثيرين

حتى اختيار العنوان كان قصة بحد ذاته

قرأت النص مرات وتشربت روحي منه ايقاع ناعما

لازلت أدندن بداخلي رنة اسلوبك وأتوق للورقة والقلم

ممتنة جدا لهذا النص وكاتبته التي أتحفت الأدب بهذا الجمال

تقديري

ممتنة جدا لتواجدك و حديثك
حزنها فعل ذلك أقسم بذلك . أحبها جدا :34:
أهلا بك أهلا يا إيمان ..