المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : باقة من الأزهار تكفي ...


سارة النمس
07-29-2012, 05:09 PM
بعض ساعات النوم شهية لا نرغب بالاستيقاظ منها أبدا .. نلتصق بالسرير و بالملاءات كأنها الملاذ الوحيد , يرحل النوم عن الأعين و لكنها تبقى مغمضة و مطبقة إصرارا على سرقة المزيد من اللحظات الهاربة , عمدا نبذر الدقائق و لا نبالي لضياعها .. نرمي بساعة أو ساعتين إلى نفاية الزمن .. نطعن الوقت ثم ندعي أنه طعننا , يتسلل الضوء من النوافذ دون استئذان , يحضر الصباح مستعجلا و تتثاءب الشمس مللا من روتين كل يوم , من كسل الناس و عدم ترحيبهم اللائق بها , و لكنها تصر على الجلوس هناك كملكة تنتظر قدوم القمر العزيز لترحل .
صباح هذا اليوم , تشبث عماد بفراشه رغم كل المنبهات التي رنت داخل رأسه قبل الثامنة بساعة , عندما فتح نصف عينه كي يسحب إليه هاتفه الجوال , لمح تاريخا بدا له لبرهة أنه مميز نوعا ما , و عندما ركز بعد لحظات و تصفح الذاكرة بتريث اكتشف أنه عيد ميلاد نسرين !

بالنسبة له يومه حافل جدا و ليس لديه الوقت أبدا من أجل التبضع لكن إن لم يبتع لها هدية , عليه أن يتحمل سنة كاملة من التذمر و الشكوى بحقد أنثى لن تغفر له زلة كهذه .. هكذا حدثته نفسه و هو يحلق ذقنه أمام المرآة الكبيرة بالحمام .

أحيانا نجد أشياءا كنا نسينا البحث عنها أو ربما لأننا لم نبحث عنها وجدناها .. في لحظة روتينية وجد عماد ضالته بينما كان يبحث في الأدراج عن ساعة يده , لمح عقدا ذهبيا منسيا .. لم تسأل عنه شقيقته منذ سنتين أو ربما ما عادت بحاجته , يبدو أن المهمة أصبحت أكثر سهولة , لا تنقص سوى علبة جميلة للعقد و ينتهي الموضوع !
خرج إلى الشارع مبتسما , زاحم الناس كي يفوز بمقعد بالباص ككل يوم , و بمجرد أن جلس اقتربت منه سيدة طاعنة في السن .. بخطوات ثقيلة ... مكبلة القدمين بأصفاد العمر التي لابد منها بآخره , يختل توازنها كلما غير الباص اتجاهه , في موقف كهذا كان الحل الوحيد هو أن يشيح بنظره إلى النافذة مستاءا أو في الحقيقة محرجا , لقد جاهد حقا كي ينال هذا المكان المرموق في الباص ثم تأتي هذه المسنة ببساطة لتأخذه منه , حتما خنقته هذه الأفكار و ضيقت ربطة العنق عليه أكثر , لا ينبغي على المسنين أن يركبوا الباص ماداموا عاجزين عن تحمل مشقته , إن الله لا يكلف نفسا إلا وسعها , عندما لمحت السيدة عزوفه عن الوقوف لم تتردد بالمبادرة , ربتت بأصابعها على كتفه , فاستدار على مضض مرغما و مكرها :
- صباح الخير
- صباح النور .. يوم جميل أليس كذلك ؟

إنه يحلم بأن يقتصر الأمر على دردشة عابرة بيوم صيفي طويل , هي لم تحيك باطلا , هي تريد مكانك

- يا ولدي .. المرض ينخر جسدي , و لا أستطيع الوقوف طويلا فهل تسمح لي بالجلوس ؟

استسلم أخيرا ووقف غير مبتسم , يحاول أن يحافظ على توازنه كلما غير الباص اتجاهه يمينا أو شمالا , و عندما توقف الباص بالمحطة الاخيرة تنفست الصعداء .

أثناء الدوام تسللت أفكار جديدة لرأس عماد , هناك شخص يزاحمه دوما يقطن داخله , يملي عليه ما ينبغي فعله و ما لا ينبغي , إنه هو بحد ذاته , عماد الذي يجهله الجميع , الذي لا يبوح بكل ما يفكر و إن باح لانفض من حوله الجميع .
الفكرة الجديدة التي طرقت على بابه و عرضت نفسها عليه هي بخصوص ذلك العقد الثمين بجيبه , العقد باهض جدا و لا يصلح كهدية , ماذا إن كانت نسرين مجرد نزوة ؟ سيكون العقد الثمين خسارة فادحة , أنت أولى بالعقد منها يا عماد , باقة من الأزهار تكفي , و بين إهداء العقد و عدم إهدائه احتار عماد و لم يدري ماذا يفعل ؟ صوت داخله يخبره أن نسرين شابة طيبة جدا و تحبه من أعماق أعماق القلب و صوت آخر لازال يصر عليه أن باقة من الأزهار تكفي , بعد شوط طويل من التفكير و بالوقت بدل الضائع قرر عماد أن يكتفي بالأزهار , اتصل بها و حدد لها موعدا بمدينة الملاهي و بعد العصر تعطر و ركب نفس باص الصباح المشؤوم .

- مساء الخير
- مساء النور عماد , لا تدري كم كنت بحاجة لموعد كهذا . مدينة الملاهي من أحب الأماكن إلى قلبي
- احم ... نعم فكرت بأن نغير الجوّ قليلا
- و هذه الأزهار الجميلة لي ؟
- طبعا ... إنها بمناسبة عيد ميلادك !

اغرورقت العينان بالدموع فجأة و قفزت نحوه تعانقه بحب و شغف .... ربما هو أصدق عناق بحياته شهده مع أنثى

- لم أتوقع أنك ستتذكره
- كيف يمكنني أن أنساه يا نسرين ؟
- و هذه الأزهار التي أحضرتها قد أزهرت بقلبي و سيكون لها عمر طويل بالنسبة لي , أنت تتمتع بكل الرومانسية التي كنت أحلم بها , طالما حلمت برجل مثلك .. و اليوم حقق الله لي كل أحلامي

شعر بإطراء كبير و تبلل إحراجا و خجلا .. ثم سمع صوتا داخله يعاتبه قائلا :

- تبا .... لقد كانت تستحق ذلك العقد !!!

علي آل علي
07-29-2012, 09:39 PM
قصة وحدث ودراما في منتهى الجمال
استمتعت حقا هنا بهذه القراءة
شكرا سارة

سارة النمس
07-30-2012, 02:47 AM
سعيدة أنك استمتعت صديقي العزيز علي
شكرا على كرم التصفح و التعليق

أحمد آل زاهر
07-30-2012, 03:06 AM
..
..

رائعة جداً بذا النص ..
وبعض المداخلات أضفت رونقاً وفتحت المجال للاستمتاع ..
والعقد الأثمن تستحقه كاتبة النص ..
كان على عماد أن لا يربط ثمن العقد بتلك العلاقة أنـّـا كان مرساها ...
قد تكمن فرحة اللقاء وتذكره لذلك الموعد بعشرات الهدايا ..
لن تجد مشاعراً أسمى من تلك التي وجدتها بين طيات الورود ..

شكراً كبيرة

..

عبدالإله المالك
07-30-2012, 04:30 AM
وهذا النص درة في عقد ثمين . .

واعجبني استرسال فكرة النص . .

تقبلي الود والورد

نادرة عبدالحي
07-30-2012, 08:39 PM
وأصدقك القول بأني إبتسمت في نهاية القصة من تردد هذا الإنسان
هل تستحق أو لا تستحق ؟. وهل المحبة الصادقة تُقاس بعقد مسروق ؟
كاتبتنا سارة هو واقع يفترس النفس الإنسانية ويبدو أنه ينتصر عليها
كما ذكر أخي علي في نصه الصعاليك (واقع هذا الزمن يدعو للقلق)
في القلب لكِ محبة

سارة النمس
08-07-2012, 06:46 AM
..
..

رائعة جداً بذا النص ..
وبعض المداخلات أضفت رونقاً وفتحت المجال للاستمتاع ..
والعقد الأثمن تستحقه كاتبة النص ..
كان على عماد أن لا يربط ثمن العقد بتلك العلاقة أنـّـا كان مرساها ...
قد تكمن فرحة اللقاء وتذكره لذلك الموعد بعشرات الهدايا ..
لن تجد مشاعراً أسمى من تلك التي وجدتها بين طيات الورود ..

شكراً كبيرة

..


يا لهذا الرد الجميل يا زاهر
أتمنى أنني استحققته منك
صدقااا أطير سعادة عندما يقرأ أحدا ما أكتب بعمق
أعجبني جدا تفاعلك مع القصة
و رأيك كيفما كان يهمني
كن متابعا و لا تحرمني من هذا الحضور الجميل

سارة النمس
08-07-2012, 06:50 AM
وهذا النص درة في عقد ثمين . .

واعجبني استرسال فكرة النص . .

تقبلي الود والورد

يهمني حضورك يا عبد الإله
كن حاضرا قدرما استطعت

سارة النمس
08-07-2012, 06:52 AM
وأصدقك القول بأني إبتسمت في نهاية القصة من تردد هذا الإنسان
هل تستحق أو لا تستحق ؟. وهل المحبة الصادقة تُقاس بعقد مسروق ؟
كاتبتنا سارة هو واقع يفترس النفس الإنسانية ويبدو أنه ينتصر عليها
كما ذكر أخي علي في نصه الصعاليك (واقع هذا الزمن يدعو للقلق)
في القلب لكِ محبة


و في القلب لك أيضا محبة
و لك على الخد قبلة
مشجعة للجميع دائما يا نادرة
تتذوقين من كل حرف
ثم تتركين بصمة رائعة على المتصفح
أشكرك من القلب على المتابعة

كهرمان
08-08-2012, 01:31 AM
بين قلب وعقل تجتاح المشاعر في العمق
ليعي ما يمكن ان يكون في شعور انثى
تسكن ذاك العمق
درة للحرف ومغزى قرأتها هنا سلاسة غُصت في جمالها
بوركت اليمين ياقديرة
وطبت بسعادة ودام المداد:icon20:

سارة النمس
08-10-2012, 01:10 AM
نعم يا كهرمان
يحتاج الرجل إلى العقل و القلب و الروح و الجسد و الفلسفة و التاريخ و الأدب و الدين
ليستوعب أنثى !
نورتي متصفحي
شكرا على كرم التصفح

سعود القويعي
06-16-2013, 12:48 AM
ساره

كثيرا مانأسف , بعد ان يغادرنا وقت الأسف
فيحل مكان الأنانية وسوء التدبير . ندم مبلل بالألم
تحياتي ياسامقه

سارة النمس
06-20-2013, 10:39 PM
و أجمل و أرق و أعذب التحيات لكَ سعود
شكرًا على كرم مطالعتك
أمسية سعيدة لك و لمن تحب

حسن قرى
06-20-2013, 11:22 PM
سارة أنت تقتفين أثر أحلام مستغانمي، ولعل بدايتها تشبه بدايتك، قالها لي احدهم تعليقا على إحدى محاولاتي، لكنها لا تصدق إلا عليك، دام التالق والإبداع زميلتي.....