المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : كاسيت له رائحة ..!


عبدالرحمن السمين
07-30-2012, 07:45 PM
0:00 منذ أن ماتت الموسيقى في الطريق رأيت الحياة تتجه نحو الزوايا .
* عبء يمضغ بصمته
,
الساعة لها صوتٌ فاجر وثمن السيجارة له زعيق بين الممرات الرثة .أجل هنا تتكوم الأشياء العارية وتلقي بثقلها في فمٍ يلوكه العبث ولا يعصر جملته .
إنه عنوان أخرق لعدة صفحاتٍ لا تدخل من باب أكثر سماحة . اللين في التراب والقسوة في الهواء وجهان لهما ذات الغبطة . بل إنها رواية الفضاعة حينما تلامس حرارة الحزن في جوف هَرِم ومن ثم يتشجر كل شيء لدن .
وترى قناديل واضحة تفضح أطرافها نسائم الليل وينتشر في العتمة خيوط كثيرة بينما ينغمس في الظلام أصوات من غابوا وتركوا حدبة الكلام تميل أكثر .
تذكر أنه ذا جذور يابسة عميقة المبتدا وفي أصلها ثمرةً ناضجة و في دوائر زجاجية يقيم مثل الشارع ليلته الأولى دون مؤنس وجيبه فارغ من الأبواق والجباه وغضب الناس الجائعون . كل هذا مجرد إنتباهة رخوة .
وكإطلالات الفجر الأولى يُطل في صدره كلمة ًتعرف مكانها وتزيحُ الكثير من الركام لتضع حقيبتها جانباً وتبدأ بالنظر فيما حولها وصدره طيعّ لكأنما خسر كل شيء في غداة ضبابية وكأني أسمعه يقول بصوت فائض :
.. أكسر يدي على الباب فينطفئ العالم ورائي على نحوٍ يجر عربته في ظلال بعيد . فلا تحملوني هكذا عندما تكون الأكف مشغولة في التلويح وكل جسدي الذي ترونه هش .
ضل هكذا مبتل يقود القمح في طريقه وينادي للسفوح أيتها الواجمة هناك أنتِ يا من ترين وجه الحياة بعمق وبطريقة تشتبه علينا : كيف شكله الكلام الماكر ومن ثم يغمس جرته في الأرض ويحضن الرمل كما تحضن وجهه خيوط الشمس الحارة ويشرب من جبينه العطش أجل العطش الذي أنجبته بلاده بينما أصابعه لها حكاية جافة .
يرى عمره يموت أمامه يتقصف مثلما تتقصف السنابل العقيمة ويردد هذا الجفاف في حنجرته ليلثم طريقه بركلة حادة ويقول : لا يمكن أن يستمر هذا الغبن . و يضع يده على صدره والريبة تنخر رأسه , والطلاء الريفي إكتسح معظم تفاصيله وتجاعيد حياته التي ملأت محياه تئن تصرخ في ذراته : متى يفك الزمن رقبتي ؟
كيف يرمي فكه السفلى في ماء الوادي ولا يعطش والسماء صافية عارية تماما لا ندبة بيضاء فيها . وكل الأطلال التي يراها أصبحت غرفة للذكريات المرة .كان يصطدم عمش عينيه بالدنيا ولا يرى لقمة واحدة تسلم نفسها له وبالكاد هذا لن يحصل وقد ملأت الدنيا جسده أعباء وصناديق فارغة يحملها هكذا .مات الوادي منذ أن ماتت أمه وفرت الأشجار على مهل مثلما تفر الكلمات من حنجرة صغيرة والأمر التي جاءت من أجله أكبر بكثير من الكلمات نفسها . إنطفأت مصابيح الدنيا أمامه وضل يحمل الجفاف في طريق الأفواه الواسعة لتظهر على الشاشة الكبرى من الحياة أثار غير عادلة والهشاشة معظم ما ترك وفي محطة قروية أودع آخر ما لديه من كلمات هناك في وجه الباب الخشبي : أرجوكم إن ضللتم الطريق مثلي أنسخوا الحياة في لفافة تبغٍ هنا وأنطفئوا .
,
0:01 نصف ما تركته خلفي أصبح أكثر ما يؤلمني في المقدمة .
,
كل عام وأنتم بخير ..

نادرة عبدالحي
07-30-2012, 10:14 PM
مات الوادي منذ أن ماتت أمه وفرت الأشجار على مهل مثلما تفر الكلمات من حنجرة صغيرة والأمر التي جاءت من أجله أكبر بكثير من الكلمات نفسها

وطن من الأفكار والمبادئ يكبر فينا نتعلق بهِ ونهواهُ على طريقة إتخذناها لأنفسنا
ونصحو لنجد هذا الوطن من الأفكار يعدم بلا مبررات وتقطع أجزاءهُ ..
عديدة هي ألاصوات في النص وتحاول زرع أكبر قدر من العدالة الإنسانية بحق أنفسنا
وبحق الحياة ..........
كاتبنا عبد الرحمن سلمت يمناك وبارك لكَ بإلهام كريم

مياسين
07-30-2012, 11:09 PM
منذ أن ماتت الموسيقى في الطريق رأيت الحياة تتجه نحو الزوايا

أمام نص كهذا لا يتسع لي النطق
يتسع لي الشّعور أكثر ..
فقوة السطور تخطف الذي يتحدث بقلبي ..
إذا قلتُ جميل صدقني لن تكفي
أنت كموسيقى تتسابق حولها الكلمات لتكتمل يا عبدالرحمن
والله راااائع :34:

علي آل علي
07-30-2012, 11:50 PM
كانت المقدمة عند الواحدة مساء وسار بنا الحرف سيرا حيث اتجه إلى الغروب ثم وثب إلى الليل فكشف عن القمر الذي مد أوتار ضوء مستمد من انعكاسه للشمس ليعزف لحنا حزينا سرمدي الشغف فمضى بنا الوقت حتى قبيل الساعة الواحدة صباحاً ليختفي كل شيء وكل إحساس كغيبوبة لم يفق منها إلا الساعة الواحدة مساء من اليوم التالي لتأتي الأحداث تباعا كما الأمس ...

عبد الرحمن السمين
راق لي ما أجدته أنت هنا
فشكراً لك

عبدالرحيم فرغلي
07-31-2012, 03:18 AM
كل عام والجمال بخير أيها الفاضل ..
الساعة لها صوتٌ فاجر
مبتل يقود القمح في طريقه
والريبة تنخر رأسه
كان يصطدم عمش عينيه بالدنيا
وفرت الأشجار على مهل
====
مثل هذه العبارات والتي انتشرت في نصك الرائع .. تشي بقلم أحب أن أبقى بجانبه وأتعلم منه ..
المقدمة والخاتمة قد أحسنت صنعهما حتى جاءت كما تشتهي من حرفنة الحرف وبهجته ..

سعدت كثيرا بهذا الجمال .. وقرأت متعة هنا وجنة غنّاء ..

ألف تحية وتقدير