المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : لم يكن حلما


مريم الضاني
10-10-2012, 05:08 AM
في تلك الليلة الشتوية، لم أكن أعلم أنك تقف وراء الباب، تضع حقيبة السفر الثقيلة على العتبة، وتلتقط أنفاسك . نما إلى أذنيّ سعالك وغمغمتك، وأنا مستلقية على سريري ، معلقة على شرفات النوم . تتماوج أمامي في ظلام الحجرة بقعة ضوء مربّعة، تسللت عبر نافذتي وافترشت الجدار . بين النوم واليقظة، أراك في تيك البقعة؛ تحيطني بذراعيك، ذات مساء قصيّ غارق في بحيرة عطرك، وأنا رهينة إحساس سحريّ باحتياجي إليك . قلتُ لك آنئذٍ مستمسكةً بشعرة رجاء واهنة : "لا تسافر.. لا أحتمل فراقك !". فشددتَ على يدي وابتسمتَ بدفء، وهمستَ لي بصوت تغلغل في عروقي :
. " يا حبيبتي، لا بد من التضحية! إن فترة غيابي لن تتجاوز سنة ونصف، أو سنتين على أبعد تقدير؛ أجمع فيها ثمن بيتنا الذي سأشتريه ثم أعود لنحقق أحلامنا ونهنأ بالحياة. ثمّة فرصة عظيمة تسنح للمرء مرةً واحدةً فقط في العمر". ولم تُضِع تلك الفرصة، ولكنني أضحيت كطفلة ضائعة في ليلة عاصفة مطيرة! . هل تعرف جليد الفقد، ذاك الذي لا يذيبه صكُّ امتلاك بيت، ولا دفء قلوب الأهل والأصدقاء ؟.
تعِدُني في كل مكالمة بأنك ستنهي أعمالك وتعود بعد شهر، .والشهور تتراكم تترا فوق صدري كالأحجار، وفاجعة غيابك تتناسل فيّ ورمًا خبيثًا، وتتجذّر شجرة شوك . أتدري كم مضى على رحيلك؟ ثلاث سنوات؛ أي ألف وخمسة وتسعون يومًا! ولكن هل يبالي بحساب الزمن من لا يكابد الانتظار؟.
تهتزّ بقعة الضوء على الجدار فأفتح عينيّ وأصغي إلى رنين الجرس .
من ذا الذي يأتيني في هذا الوقت ؟ .
وتشدني مرساة الذكريات إلى أغوار محيطك فأستسلم للنوم .
قالوا أنك تزوجت ، و أنك سعيد بحياتك الجديدة . لم تعد تتصل بي في منتصف الليل لتبثّني وجدك ثم تنهي المكالمة بعبارتك التي تهدهد جرحي، وتسرج في عتمتي قنديل الأمل " سفري كان أكبر خطأ ارتكبتُه ! ألا، كيف تصورتُ أنني أطيق العيش بعيدًا عنكِ !؟" .لقد كففتَ عن إرسال رسائل شوق عبر هاتفي المحمول، بل و غيّرت رقم هاتفك لكيلا أتصل بك !.كل ما يربطني بك الآن هو حوالتك الشهرية التي تضعها في حسابي ! . .
رنين الجرس متواصل لكنه واهٍ خفيض، كأنه منبعث من مجرّة أخرى . فتحتُ عينيّ . أيقظتني رائحةٌ تشبه رائحتك ،تُرى، أحملها الهواء من بلادك النائية، أم تسلَلَتْ من شقوق أحلامي ؟ وتارةً أخرى تسحبني أمواج النوم بعيدًا...
تلاشى أملي في عودتك !و قريبًا سأسلّم الشقة لمالكها، وأسكن عند أهلي . رائحتك تتكاثف، تستحيل غيمة ياسمين بيضاء؛ تحملني إليك فأضع رأسي على صدرك وأنت تربت عليّ فأبكي .
سعلتَ بقوة من وراء الباب، ناديتني بإلحاح ونزق، تقلّبتُ على فراشي ألاحق يمامات صوتك، و أطياف هربت مني، أخمدتُ جذوة بكاء بدأت تلذعني، انقطع رنين الجرس . كأنني سمعتُ وقع أقدام تبتعد تلاها صليل باب البناية، وهو يُفتح ثم يُوصد .
عندما استيقظتُ في الصباح، ألفيتُ رائحتك تفوح من مقبض الباب فتمتمتُ : الأماني توهم المرء بأمور لم تحدث!.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــ

من قصص مجموعتي القصصية القادمة ( إصداري الثالث) بحول الله .

فاتن حسين
10-12-2012, 12:56 AM
تلك هي أعراض نوبات وجع الذكريات يـ مريم...
حقاً ..إنها مؤلمه
ولكنها لاتسكن سوى اصحاب القلوب النقية..
بل هذه هي لعنة الفراق..تجعلنا نعيش اللقاء في حلم يقظة ...

رائعة يـ مريم..

نادرة عبدالحي
10-13-2012, 02:16 AM
كل خطوة خطاها قلمكِ يا مريم كان لهُ أثر مغموس بحلم الوعد والعودة
قصة شاب يُهاجر لِتأسيس حياته أي بشراء بيت . وماذا بعد ؟ دعوني أصرخ وماذا بعد ؟؟
لِما الهجرة ما دام يملك وطن .والوطن يحتاج إلى فكره وعلمهِ . لسبب بسيط جدا هاجر
لأن البطالة تكتسي الأوطان العربية تماما كجليد لا يذوب . ولسبب بسيط لأن المشاريع
والشركات العملاقة لا تقطن وطنه . ..... والقائمة تعرفونها أيها القراء
فيا مريم أعذري صرختي فنصك وضع أمامنا قضية يعاني منها جميع من يسعون لتكوين حياتهم
ليس أمامهم إلا أبواب الهجرة والهجرة والهجرة . والحلم الكبير يبقى كأصوات الخطوات التي تبتعد .
تحياتي لحضرتكِ كاتبتنا العزيزة مريم الضاني

عبدالإله المالك
10-21-2012, 05:58 PM
هذا القلم
يأخذنا إلى فضاءات رحبة
ومداءات فسيحة خلابة متلألئة

هذا قلم مريم
حق لنا الإحتفاء به وببوحه الألق

تقبلي تحياتي وودي

مريم الضاني
10-23-2012, 01:09 AM
مرحبا بك فاتن . شكرا لتفاعلك مع القصة . سررت بك .

مريم الضاني
10-23-2012, 01:12 AM
نادرة العزيزة / بصدق لقد استوقفني تعليقك وأدهشني لأنك رأيت القصة من الاتجاه المعاكس أي من زاوية البطل والتمست له الأعذار وهو أمر يدل على أنك مبدعة في كتابتك وفي قراءتك .كل الود والورد لك صديقتي .

مريم الضاني
10-23-2012, 01:14 AM
أستاذ عبدالإله / باركك الله جزيت خيرا على احتفائك العطر بقلمي وأنا مسرورة بوجودي بين نخيل وأشجار أبعاد الخصيب. أصدق الأمنيات الخيّرة لك .