المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : عيد بأية حال عدت ...!!!!


يوسف محمد
08-08-2013, 05:31 AM
خرج أبو الطيب المتنبي من مصر واجدا في نفسه والحزن قد خامر وجدانه فقال :
عيد بأية حال عدت ياعيد
لما مضى أم لأمر فيك تجديد
أما الأحبة فالبيداء دونهم
فليت دونك بيدا دونها بيد
لا أزال أكرر هذا البيت كل ليلة عيد لما تبعثه ذاكرة الطفولة من شجن في نفسي !!
تلك الذاكرة التي تغط في سبات عميق طوال العام حتى إذا لاح هلال العيد في الأفق أستيقضت ومدت حبلا طويلا أحد أطرافه هنا وطرفه الآخر في القرية تستجلب كل مظاهر ليلة العيد !!
بيوت بسيطة متاخمة لجبل مستقبلة مزرعة صغيرة نادرا أن تجود بغير التمر من الثمار !!
تقف أمام البيوت شجرة لوز عملاقة لا يكاد يمر عام دون أن تفقد بعضا من أغصانها نتيجة الرياح التي تعصف بها لا سيما إذا أتت من الغرب !
وقت الأصيل وقبيل الغروب بقليل تعود النساء وأمي إحداهن يحملن أقداحا مترعة بالحليب وقد أحكمت كل منهن إغلاق الحظيرة على الشياه لئلا تفتك بها السباع...
بينما لا أزال وأبناء عمومتي نحمل التمر والشوربة للمجلس الذي يتوسط الباحة الأمامية للبيوت وقد علت أصواتنا بين متوقع ومتمني أن يكون العيد غدا !!!! و صوت راديو أبي يتعارض مع راديو عمي وكلاهما يستمع للمحطة ذاتها !!!
ثلاثة أقداح كبيرة من الشوربة تتوسط سور المجلس تحيط بكل قدح تمر و عصير توت وأب وأبنائه كل على حده !!!!
تمتد الأيادي نحو التمر مع "الله أكبر" الأولى التي تنطلق من حنجرة أبي أو أحد أعمامي .
نشرع في الأكل وأحاديث غير منتظمة بين أبي وأعمامي حول إمكانية رؤية الهلال .. فيؤكد عمي الأكبر أنه انتظر حتى شروق الشمس فلم يرى الهلال من المشرق وذاك أحرى أن يرى هلال العيد الليلة ، يقول هذا وهو يحرك دلة تستعر تحتها جمرات ملتهبة بينما لا يزال الدخان يصعد من عود جانبي سرعان ما يدس رأسه في الرماد ليخبو !!!!!
يتوجه الجميع للمسجد والأعين تتجه بنظرها للغرب عند نهاية الأفق أعلى قمم جبال السروات بقليل !!
ننهي الصلاة فيتجه أبي للجبل ونحن نتبعه وبعضا من النساء نتراى الهلال !!!
نتجه بأنظارنا جميعا وسط توجيهات والدي بأن نركز نظرنا في دائرة معينة ، وكثيرا مايحثني وأقراني من الأطفال أن ننظر وندقق النظر فنحن نمتلك حدة نظر أفضل من الكبار على حد زعمه!!!
يتراى الجميع حتى تزداد العتمة ويلتحف الجبل رداءا مظلما !!!

فننحدر من الجبل للبيوت وراديو أبي وعمي يعملان سويا وعلى نفس المحطة بينما لا يفصلهما عن بعض سوى أمتار قليلة !!!!
وفجأة ينظلق الإعلان عن رؤية الهلال من الراديو !!!
فيشرع أبي في التكبير ... ونفرح نحن ... وتقرب أمي السراج منها وهي تضع الحناء في كفوف أخواتي اللواتي لم يتجاوزن الست سنين آن ذاك !
نعود من صلاة العشاء وأبي يتفقد الزكاة وقد أحكم إغلاق زجاج السيارة جيدا قبل أن يأخذها لصاحبها بعد الفجر مباشرة !!!
يوضع السراج في زاوية الغرفة بعد أن تخفف إنارته وأنا كل همي ... كل همي أن أستفيق على صوت أبي يوقظني للفجر .. يأتي الصباح لنلامس العيد !!

كل تلك الأماني ببزوغ الفجر كان يقربها لي شيء واحد وهو النوم !!!
نام لتفيق للعيد !!

ولا لذة صوت تشنف أذني كلذة صوت أبي يوقظني للفجر !!!
أقفز من فراشي وصدري ممتلئ بالفرحة ويداي تعبث برأس أخي فيصل أوقظه .. الفجر ... العيد ... العيد ...
ونحن في طريقنا للمسجد يدير أبي محرك سيارته لتكون جاهزة لأخذ الزكاة لصاحبها بعد فراغه من صلاة الفجر !!!
فجر يوم العيد يتميز برائحة البخور المنبعثة من كل البيوت ، ناهيك عن ألسنة النار التي تتطاول فنراها من نوافذ البيوت المنخفضة!!
يعود أبي بعد أداء الزكاة ويتناول بضع تمرات ونلبس ثياب العيد !
ونستقل سيارتنا .. وهنا أمر أجزم أن أحدا غير أبي لا يفعله في قريتنا تلك ! وهو انه يذهب من طريق ويعود من طريق ،
فنلتف من خلف البيوت والجبال ذهابا ونأتي مع الوادي ونستقبل البيوت إيابا !
نصل إلى مسجد العيد من أوائل الناس .. ومسجد العيد أرض مفروشة بخرسانة (رمل ) سورت بحجر لا يوجد بساط، فراش !!!
ونادرا أن تجد رجلا يحمل في يده بساطا أو سجادة يجلس عليه !!
يتوافد أهل القرية على المسجد ويوقفون سيارتهم في غير نظام ... وكل وجوههم مألوفة لدينا !!!

نعرفهم جميعا ...
يصعد الإمام على طوبتين (بلوك ) يخطب وانا أستعجله متى ينهي خطبته !

وما أن ينهي خطبته حتى نسرع لسيارتنا ونحن نندب حظنا على تأخر والدنا الذي يحرص أن لا يغادر المسجد حتى يصافح ويهنئ معظم أهل القرية بينما أبناء عمومتي انطلقوا قافلين مع إخوتهم !!!
وأخيرا يعود أبي فنترجل من السيارة نعانقه ونهنئه .
ونعود مع الطريق الرئيسه للقريه فنقطع سحبا من الغبار المثار بالطريق الغير معبدة.. وما ان نصل حتى نترك ساقينا للريح بإتجاه والدتنا مهنئين ولا يسلم علينا أحد حتى يدس في جيوبنا الحلوى وربما الريالات في بعض الأحيان ...
آآآآه ...
تلك أعياد مضت أجتلبها حبل الذاكرة ، فترك غصة في الصدر أكاد ألفظها بدمع ونشيج !!
ولكن .... ولكن لا ينسيني ما أنا فيه من أن أقول لكم :
كل عام وأنتم بخير

عبدالإله المالك
08-08-2013, 02:27 PM
يا يوسف

ما أحلى ذكريات العيد رغم وجع أبي الطيب

دامت أعيادك بكل خير وسعادة

نادرة عبدالحي
09-07-2013, 10:11 PM
أدب المذكرات والذكريات هو نوع أدبي يحتاج لمواقف عديدة
وأحداث مشوقة ومكان وزمان .....ويترك الباقي لأسلوب الكاتب
كيفية جعل هذه الذكريات مشوقة وممتعة للقارئ ........
الترقب والتشويق هما أهم عنصران في فن كتابة اليوميات

من عرض الطرائف بأسلوب مشوق يمكن القارئ من أن يعيش اللحظة التي عاشها الكاتب .

عيد بأية حال عدت ...!!!!
قصة إستطاع كاتبها إدخالنا إلى عالمه وجعلنا نتذوق كل ما هو جميل من الماضي
سلمت يداك كاتبنا العزيز