المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الإسكافي


محمد الخضري
12-05-2014, 10:23 AM
"الإسكافي" قصة قصيرة نشرت في صحيفة الجزيرة عدد الجمعة 5 ديسمبر 2014
الإسكافي
كان يجلس فوق مقعده المائل كانحناءة ظهره داخل حانوته الصغيرالذي إن أردت الدخول إليه عليك أيضاً أن تحني ظهرك نصف انحناءة كي يتسنى لك الولوج داخل الحانوت

كان الإسكافي وهو يخيط الحذاء بمغزله يهمهم بكلام لا تكاد تسمعه ولا تستوضح معانيه حتى وإن حاولت تركيز السمع والإقتراب بمقعدك أكثر من مقعده فلن تستبين ما يقوله ... وربما يخالجك الشك بأن ما يردده ذلك العجوز ليس إلا ترنيمات من الزمن القديم قدم الحذاء الذي بين يديه.

يستفزك الأمر حد المبالغة ... تقترب منه أكثر وأكثر تسأله بصوت خفيض : ماذا يدور في ذهنك أيها الإسكافي ... ؟ ينظر إليك ونظارته العتيقة منسدلة على أرنبة أنفه الذي لا تكاد تتحقق من تحديد تفاصيل ملامح وجهه حيث تغطي معظم أجزائه لحية كثة ممتزج لون شعرها بين البياض الفاقع اللمعان والرمادي المشرئب بالسواد
ينظر الرجل العجوز باندهاش من تساؤلك ويجيبك على الفور حتى دون أن ينظر إليك : يا سيدي الرجل ... تعلمت من حرفتي هذه التي أمضيت فيها ما ينيف عن الخمسين عاماً والتي ورثتها أباً عن جد ... ( قال ذلك وهو يبدو في قمة انتشاءه) ما صادفني حذاء أعقد من حذاءك هذا ...
ثم يمضي مسترسلاً في الكلام ... كأني بك يا ولدي تمضي الليل والنهار سيراً على قدميك في اتجاه محدد لا تخلفه حتى أصيب حذاءك بالملل
تعلو وجه الرجل الدهشة وسأله مستغرباً ... وكيف عرفت ذلك يا سيدي العجوز
يلقي الإسكافي الحذاء والمغزل من يده جانباً ثم يسوًي جلسته على كرسيه المائل كأنه يتحفز للهجوم على الرجل ثم يقول له وهو ينظر إليه بعين مفتوحة وأخرى نصف مغمضة قائلاً ألم أقل لك أنني أعمل في هذه المهنة منذ ما يزيد عن الخمسين عاماً ... ويكمل متباهياً لقد أصبح بيني وبين أحذية الناس والمارة العابرون على الأرصفة لغة حوار مباشر لا يعرفها البشر
ثم يكمل وكأنه يكشف سراً عظيماً ... أو تدري يا بني أن بعض الأحذية تكاد تصيح قرفاً من قذارة الأقدام التي ترتديها وبعضها تكاد تخلس نفسها من أقدام مرتديها لتصفعهم على وجيههم ثم تختفي للأبد وبعض الأحذية مثل حذاءك هذا المهتريء الذي لا يشبه أي حذاء آخر ولم أرى مثله طوال سنين اشتغالي بهذه الحرفة فهو لا يتكلم أبداً .... يبدو أنك أوجعته كثيراً ... يقولها ضاحكاً

ثم يكمل مسترسلاً في الكلام ... حذاءك يا ولدي لا صلاح منه ولا رجوة ... خذه والق به في البحر ثم يستدرك ... آه لقد نسيت أن مدينتكم هذه لا تقع على بحر وليس بها نهر ولا يسكنها غير أنت والضجر إذن خذ حذاءك واصعد به أعلى قمة الجبل المتكيء هناك على أطراف رابية المدينة والق به من ذلك العلو أو ألق نفسك معه ... فذاك أرحم لك ولحذاءك أو عد إلى حيث تأويك الليالي واغمض عينيك لتنام دون حذاء ...
فإن استطعت فعل ذلك عندها ستدرك كم أنا ناصح لك يا ولدي.
هيا انصرف أنت وحذاءك .
http://www.al-jazirah.com/2014/20141205/cu3.htm

الحسناء
12-06-2014, 03:19 PM
البُؤَس جَاحِد،، والفقَر عَدُو،، واليَأس حارِق النَفْس
الصَنعَة تُورِث التعَب أحيَانًا وهِي سبِيل الشَفقَة على مَن لا يفقَه قِيمَة العمَل
قصَّة جمِيلة ولهَا بعْدٌ ورٌؤْيَة
ودِّي وتحِيَة

عبدالإله المالك
12-06-2014, 04:17 PM
هنا أعدتنا إلى الزمن الجميل
إلى العصور المزهرة
ويكأنني في عصور بني العباس

تحيتي الخالصة أيها البستاني الجميل
:)

رشا عرابي
12-06-2014, 09:50 PM
ومن بساتين اﻷدب المزهرة النضرة
تأتينا بقطاف مختلف من إلهامك يا طيب..
سلمت يمناك. .
وطاب إلهامك
ولا حرمناك مدادا. .