المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أشــواك في رحــم الوفـــاء


هدى سيلاوي
06-15-2015, 02:38 AM
أشْــواك في رَحْــم الوَفَـــاء


على مدّ البصر..
ترعى أفانين الزهر بألوانها المرحة، و أشذاؤها العبقة الأرج و العبير الخلاب، يتضوّعن من نور الشمس الكمال.
و على مدّ السَحَر..
تتباهى عَذَارى الأُنوثة ، تتعشّق الرقّة مع تنسّمك عطرهن، و صخبهنّ اللذيذ ، كالنوّار الشّهي، و ورِقَهنّ الزّاهي، يأتلقن من السِحْر الجمال.


و ما أعجب الحال بين المدّين ..!
فإن كانت أُولاه" الزهور" تهاب خطف الأنامل الآتية لقطافها ، فقد كانت أُخْراه " العذارى" في لهف يرفل بالفرح، لمراسم قطافها!


و من بينهن كانت هي،،
تتوسّطهنّ كـ مَاسَة بين شَذَرات بلّور، تميس على الوجْد، كأجمل نساء الأرْض، و أبهى زهور الروض، تتمايل مع النسائم ،، و تحلّق بروحها الفتيّة مع الحمائم ، يغار منها نقاء الثلج ، و يكحّل عينيها شواطئ الحلم ، وعباب الغوص في غموض البحر العميق !
و يمخر الواله في براءة الطفل في قلبها، كما الدّحنون يرفّه الشهيد بدماء العطاء و الحب.


و حانت لحظة قطافها ، مُتولّفة بحريرها الأبيض، مخضّبة بخفر الحياء البض!
كانت متفرّدة..
فلاقت ألم القطف " بضمّة الود " ..!
وسارت في موكبها مختالة ، لكنها لم تكن أميرة!
و نصبت على عرشها ، و لكنها لم تكن متوّجة! و على الرغم..
ضمّت كلّ الألم.. " بضمّة الود" !
و تمضي الأيّام..
في كل واقع فيه معه، لها بصْمة، و مضت ترسم له بكلّ خطْوة بسمة، تفانت كالسماء بغيث لا ينقطع ، و تسامت بنقاء البياض، تُجلي كدر يومه بصفوة، و وهبت كالبحر فلا تنفد دررها، و تغنّت كالرّوض فلا يفنى رحيقها له!
بكل لمسة أزهرت نوّارة منوّرة، و في كلّ موجع طبّبت آلامه و أجبرت كسره ..!
فألفى نفسه بمملكة من سحر و نعيم مزدهر!
ثم حبتهما العطايا الإلهيّة، زمرّداً و ياقوتاً من خيرة الأطفال، فغردوا في الأعطاف فأبدعوا المقال ، و غُرسوا بالأخلاق فأحسنوا الخصال !
قد كبروا في مقلة عينيها، و رضعوا قُدسيّة طُهرها، و تربّوا على عرش قلبها..!
و لا زالت.. هي ،، كما هي..!
لكنّه هو..لمْ يكُن كما يمكن أن يكون هو!
و عقّدت الآمال أنّ كلّ شئ سيتغيّر، و سيغدو أحلى و أجمل أكثر.
لكنّها ما عاد عودها يقوى، و ذبلت أوراقها و ضمر ثمرها، و شكى مخزونها يشارف النفاذ، و لا هو بملقيه لها بزاد!
فبات حالها و أضحى قشيفاً، و القلب يعتوره غمّاً و ضيقاً، لكنها شيدّت مملكة الأحباب ، ولا زالت تتخطّر فيها كفراشة هنا و هناك، و تتقافز كغزالة لهيت وذاك، فأحبّها أبناؤها ، و ضمّتهم وشائج قلب واحد....إلا ذاك ؟
لم يستطع نورها اختراق جبله العصامي
و لم يدرك دفئها ذوبان جموده الجليدي
و لم يفلح سحرها لفك طلاسيم جحوده اللامتناهي!
فإستعبدها ، مكسورة الخاطر ،، أسيرة!
ليس لها صيت.. ولا ذكراً..
إلا توبيخ.. و الأشغال قسراً
تحت القمع و التهديد و النار!


و في كلّ عام ، تصافح المرآة ، تشهد ارتداف ذبولها ، و انطفاء لمعة الشقوة في عينيها،
و انكفاء العبث المشاكس في يديها!
لم تبْق سوى آثار سلاسل القيْد على قدميها، تذرع بعمرها لفجوة مظلمة تستنزف كلّ روح فيها، و تقتل كلّ حرية فكر تلتمع بها!

و في إحدى الليالي ..
في إكتمال البدر ،، تراءى لها بصيص نور، يبزغ من تحت باب محرّم، قد حُذّرت من الإقتراب منه ، فأستهواها و جذبها نحوه، ففتحته في وَجَل و ترقّب ، ثم وَلجته ...!
هالها النور المشرق على جنباته، و خمائل الورد و رفيف الزهر و تغريد الطير على تلاله و في سلّاته ، و سحرتها تلك الأُعطيات الرحبة ، و أدهشها حفاوة هذا العالم الحالم بدخولها!
و قبل أن تغادره و تعود ،،
كان هو متربّصاً لها على الباب، و عينيه تنظر شزراً و تقدح شرراً ، و يديه تلوّح غيّاً و شرّاً ! فغامت في دياجير:
( الظلمة و الظلم )
كلمتان .. أنّى تلاعبت بتشكيل حروفها ،
ما خرجت من وَيْلات جهنم ..!


حين أفاقت،،
وجدت نفسها في صحراء قاحلة، رمادية الضنك ،قارسة الجوع باردة!
حتى السماء تلبّدت بالغيوم ، تنذر بويل المآل و الثبور !
كانت وحيدة غريبة ، فلما أظلم الليل بدهمه و مدلهمّه ، فوجئت كم هي وحدتها رحيمة !
و ما للعيون المتربّصة بها و المترصدة لحركاتها ، تلتمع بالغدر و تنهش بالمكر ،، بلا رحمة ولا لأوآء ،،فإلتحفت بخيمة متهالكة ، و إنزوت عنْد صخْرة لا تستر حالها فضلاً عنها، و إنكمشت على نفسها، تنتحب لبارئها ، فغشتها سِنَة أمَنَـة و سكينة ، حتى أنبلج الفجر!


سارت في البيداء المترامي ، و صروح ممالكها تنصب و تقام في مخيّلتها كالسراب ، و ملائك الطهر في أطفالها تطوف في ربوعها المستهامِ ،،!
هُجّرت قَسْراً من وطن بنته بنفيس دموعها ، و شيدته بمتين ضلوعها ، فمضت لا تلوي على شئ في فلاة تشبه كل شئ إلا السكن!
كان القمر أنيسها في نكباتها المتتالية ، و ترسم على نوره الحالم كما بالماضي أبطال روايات العشق ، و إن كانت واهية ، ولا تملك لها الألوان ، فهاجت بها الذكرى ، و دأبت تحلم بالعودة ،، و الإياب المستحيل!
فلم يكابد إلتماسها و توسلاتها ، خاطر حسّه ليمنحها صكّ غفران!
ولم يشفع لها بذلها الغابر من ينبوعها الطاهر ، الذي اغتسلوا فيه من روحها ،، ولا تلك الأنامل التي أذفرت أوجاعهم بالمسك ،، و لا بذي الظهر منها الذي حمل أعتى صنوف الشقاء والقهر ، ليسمو بهم و يرتقي فيهم!
و لا بتلك البسمات التي نوّرت مسالكهم بالأمن ، و لا بذلك الحضن الذي احتواهم بعمق الهوى، و تفانيه الخالص لغد جميل لا مثيل له يعيش فيهم و لهم..!
كله مرّ سريعاً .. كله احترق!!
احترق كشريط صور مرّر على جذوة نار ساخرة! وبكل بساطة!!
أو كقبضة من قبس ،، سوّلته أنفسهم فقبضت النور من قلبها و عينيها ،، و تركتها تغيم على عمى!


هامت بوجهها على هامش التاريخ المرير ،،
وتوارت بظلّها من الهوان الحقير،، تدمي الأشواك كالنِبَل نواعم النُبْل في قدميها، و تواصل السير ، تغذّ الخُطى بدمائها !
و في مواضع الوفاء الأصيل ، غرست بذرة لا زالت مخبوءة في وجدانها الحيّ ، لتغدو زهرة مثمرة بالعزة و المجد و النصر ، ترويها من صافيَ دمعها النقي!


زهرة ،،
للقادمين من بعيد
للمحرومين
تروي قلوبهم المعنّاة بقِطر الشهد
و لحين قطافها....
تضمّ كعهدها ،،
تضمّ الألم برغم الإنكسار،،
" بضمّة ود "
" بضمّة حب "

رشا عرابي
06-16-2015, 06:34 PM
ياااااه أيّتها الهدى الحبيبة
توليفةُ زهرٍ حكاياتُها مخضّبةً بظُلم مُجريات وديجورٍ خبّئَ لها في القادِمات

طوبى لكِ ثم طوبى يا رائِعة
لو تعلمين كم إلتَصَقتُ هنا .. وكم ناجيتُ الحرفَ قُرباً بماءِ المآقي


يا جميلة الروح والمِداد لا أُلجِم حرفك ولا حرِمناهُ رَويّاً للروح
:icon20:

نادرة عبدالحي
06-17-2015, 12:33 PM
عمل إبداعي مميز وإسمحي لي بتشبيهه ب
الفاكهة الشهية التي تجعل قارئكِ يتعمد أن يترك مجال في معدته لتكون الحلوى التي لا ينسى طعمها . وينصح
الاخرين لتناول منها .
القصة الناجحة تهدف إلى إحداث تأثير مهيمن وتملك عناصر الدراما
فهي تثير إهتمام وإمتاع وتثقيف القارئ وإدخاله في أجواء مُغايرة للقصص التي قرأها
وهذه القصة فعلت الكثير بي تارة رأيتها المدينة العربية التي طُعنت بخناجر مسمومة وبقيت على قيد الحياة .
وتارة رأيتها الأنثى التي تبحث عن الأمن والأمان في زمن ضاعت فيهِ الطمأنينةِ .
النهاية اللمسة الأخيرة التي تمنح الكشف عن الشخصية، و المعنى. وفيها المفاجأة التي قد تثير الحزن والمعاناة أو حتى القلق والتساؤل وملامح الفرح .
لا عدمنا تواجد هذا الإلها بيننا
الكاتبة هدى سيلاوي دمتِ بألف خير

هدى سيلاوي
06-19-2015, 02:47 AM
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة رشا عَرّابي http://www.ab33ad.com/vb/Traidnt/ab33ad/images/buttons/viewpost.gif (http://www.ab33ad.com/vb/showthread.php?p=906664#post906664)
ياااااه أيّتها الهدى الحبيبة
توليفةُ زهرٍ حكاياتُها مخضّبةً بظُلم مُجريات وديجورٍ خبّئَ لها في القادِمات

طوبى لكِ ثم طوبى يا رائِعة
لو تعلمين كم إلتَصَقتُ هنا .. وكم ناجيتُ الحرفَ قُرباً بماءِ المآقي


يا جميلة الروح والمِداد لا أُلجِم حرفك ولا حرِمناهُ رَويّاً للروح


يا رشا الفلاه ،،،
وجودك و تراكضك الرشيق على خطا الحروف ،، تناثر منها شذرات مذهبة
أينما تهاديت تنبت في إثرك زهرة ، فواحة مسكرة ،،
لحروفك وقع الحداء مع نبض القلب ،،
يغني للفلاة أنغاماً حالته جنائن ورد و حب


حبي و الورد لك يا قمري :icon20:

هدى سيلاوي
06-19-2015, 02:55 AM
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة نادرة عبدالحي http://www.ab33ad.com/vb/Traidnt/ab33ad/images/buttons/viewpost.gif (http://www.ab33ad.com/vb/showthread.php?p=906696#post906696)
عمل إبداعي مميز وإسمحي لي بتشبيهه ب
الفاكهة الشهية التي تجعل قارئكِ يتعمد أن يترك مجال في معدته لتكون الحلوى التي لا ينسى طعمها . وينصح
الاخرين لتناول منها .
القصة الناجحة تهدف إلى إحداث تأثير مهيمن وتملك عناصر الدراما
فهي تثير إهتمام وإمتاع وتثقيف القارئ وإدخاله في أجواء مُغايرة للقصص التي قرأها
وهذه القصة فعلت الكثير بي تارة رأيتها المدينة العربية التي طُعنت بخناجر مسمومة وبقيت على قيد الحياة .
وتارة رأيتها الأنثى التي تبحث عن الأمن والأمان في زمن ضاعت فيهِ الطمأنينةِ .
النهاية اللمسة الأخيرة التي تمنح الكشف عن الشخصية، و المعنى. وفيها المفاجأة التي قد تثير الحزن والمعاناة أو حتى القلق والتساؤل وملامح الفرح .
لا عدمنا تواجد هذا الإلها بيننا
الكاتبة هدى سيلاوي دمتِ بألف خير




حبيبة نادرة ،،
تشبيهك البليغ أخدني لقطوفك الدانية ،،
و ثمار من جمال الجنة ،، فتحليت بشهدها
و تلمضت فيها بديع قراءتك ما خلف السطور
و تحت السطور و انتحاب المصير ،،
تلك الديمومة الختامية نصرة للصبار في تصبره
عسل ،، ولو شاقتنا أشواكه أعقبنا أكله بكل عسله


لقلبك جوري لا يذبل
وحب مني مكتمل