المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : آخر الورثة .. من سلالة النخيل


د.باسم القاسم
09-12-2006, 02:27 PM
... طلقاً..‏

على جسدي بدأتُ الغيمَ‏

منذ نعومةِ الشفقِ الضريرْ..‏

علَّقت ناصية الكلام معالماً غرقى‏

بألوان الصممْ..‏

ما كنتُ أدرك أنَّ للمعنى فصولاً‏

لا تمرُّ على الصورْ..‏

حتَّى تلمَّست الهواء المرَّ‏

في جوف الحجرْ..‏

فقرأت أسماءً تساعدها الظلال لتكتملْ..‏

وعلمت أنَّ الضوء رائحة الملوحةِ‏

حين تعرق شمسنا..‏

وفهمت أنَّ الحبَّ خارطة المسافرِ‏

في الطريق إلى السماءْ..‏

وبأنَّه قد تورق الأنثى إذا جفَّ المساءْ..‏

وبأنَّ أمي علَّمتني كيف أصطادُ الفراشة‏

من حديقة قلبها.. لأخاف من معنى الفضاء..‏

**‏

لكنَّه يجتاحني ذاك المعنَّى كالسهولْ..‏

أمعنتُ في وسنِ التجلِّي..‏

لم أشاهدني..‏

رأيتُ رنينهُ في برعم البرق الشقيِّ‏

معتقاً زمن العطشْ..‏

أضرمتُ كلَّ الماء من حولي..‏

سراباً ناصعاً..‏

وأبحتُ للسنة الخجولة ما تساقطَ‏

مِن ذَهبْ..‏

ثمَّ اكتملت مشيئةً وسألتهُ..‏

من أيِّ عطرٍ تترف الأحلام رغبتها‏

أثيراً دامياً رغم النعاسْ..‏

أو كيف غنَّى ما تبقَّى من وصايانا الغجرْ..‏

وإلى الشرود العذب هل نُهدي‏

حروف الخمر كي نرث الجمال..‏

***‏

والخبز يشهد أنَّ من يطهو الحصى لصغاره‏

حيٌّ .. هنا..‏

والجبَّة الأولى تنادي في البلادْ..‏

كان الهزار على مسافة قبلتين من الحريقِ‏

فخانهُ غصن الرمادْ..‏

وأنا من الناجين أسألكَ المطرْ..‏

من قاب قوسين ابتدأتُ النور يغسلُني‏

يشقُّ الصدر عني كي أراكْ..‏

عرشاً على موجِ العماءِ‏

مرصعاً بالممكناتْ..‏

الزعفرانُ على يديَّ مضرجٌ‏

والماءُ من وردٍ يسبِّحني..‏

أرتِّب قبلتي في لهجة الفقراءِ..‏

أنحتُ ليلهم وثناً لقربان البقاءِ‏

قيامةً عذراءَ.. تستجدي الفرات لينحسرْ..‏

وأقول في سرِّ الفناء..‏

لو يعبِدوني.. إنَّهم أوثان أنفسهم‏

وقلبيَ من تراب..‏

وأقولُ كي تلد الحقيقة نفسَها..‏

هل كنتَ تسمعنا.. ترانا..‏

حين ترضعنا النساء الخوف‏

من ضرع الرجولةِ...‏

حين تنسكب الأنوثة كوثراً للروحِ‏

من كأس الفحولةِ..‏

حين ينعس جفنُها فتقول ليلى:‏

دلَّني.. أين الوميضُ..‏

وأين سنبلة الخصوبةِ..‏

أين أنتَ تذوق من كرز السفوح البيضِ‏

موتك.. مرتينْ..‏

وأقولُ كي تنسى الحناجرُ.. صوتها‏

هل كنت تسمعُنا.. ترانا..‏

حين عبَّدنا المعابر بالصراخْ..‏

حين أقنعنا المدى بصدى القصيدةِ..‏

يزعم الشعراء أنَّ الموتَ‏

تكرههُ واو الجماعةِ..‏

أنَّ المعاجم أقفلت أبوابها‏

في عطلة الشهداءْ..‏

أنَّ الرغيف وربَّة العنقود‏

أصل الملحمةْ..‏

والشاعرُ المهزوم يكفيه المساءْ..‏

ليمشِّطَ الأحلام في جفن المدينةِ‏

شارعين إلى الأمام ونصف حيٍّ للوراء..‏

*****‏

هل كنتَ تسمعنا.. ترانا..‏

موصدٌ في وجهنا وجهُ الذبيحْ..‏

ولقد رفعنا للسنونو ألفَ نيسانٍ‏

نلوِّح.. ها هنا.. عَمَدُ السطوحِ‏

وقشُّنا ـ واللهِ ـ طاهرُ يا سنونو.. فاقترب.‏

موصدٌ.. في وجهنا.. وجهُ الذبيحْ..‏

ولقد نصبنا من صراطٍ خطوةٍ أولى‏

وقلنا حِطَّة.. فأبى الغمامْ..‏

قلنَا يظّللُنا.. خريف صلاتنا‏

أو قصفة الزيتونِ..‏

أشرعةٌ من الأرز المقدَّسِ..‏

وليكن أنَّ الذي نشر الممالكَ‏

فوق جثة صوتنا أنت البريء..‏

ولأنَّك الفلق المبارك لم تول‏

شطرَ مقتلها العيونْ..‏

أو هكذا شِئنا..‏

نكسِّر موجة الرملِ الجريئة‏

باحثين عن الخطى..‏

لا نزرع النار القديمةَ‏

فوق أنقاض الثلوج القاتمةْ..‏

لا نقطف الكلمات من شجرٍ تبارك حولهُ‏

لنؤبن المدن العتيقةَ تائبين..‏

حتَّى الذين توحَّدوا في لثغةٍ‏

يوماً من الأيام كنتُ نبيُّهم..‏

قالو سنقرؤك السلام فأنتَ منَّا..‏

ما كنتُ أكفُرُهم.. وحبُّك ماثلٌ‏

في كلِّ أرضٍ من سماء رحيلهِم..‏

لا يعرفون سوى البنفسج لهجةً..‏

يمتدُّ منهم للسرائر خيطُ نورٍ‏

يحزمُ الكلمات أمتعةً لغربة صمتهم..‏

لا يحفظون الأغنيات لكي يناموا‏

في عراء الحبِّ كثباناً من الطهر العريقْ..‏

ويخبئون العمر في أضلاعِهم‏

برداً.. سلاماً.. فوق نارٍ‏

من جهنَّم صُلبهِم..‏

هُم يقرؤون الماء..لو كتبت أظافرك النبيلة نسلَهم..‏

من أين جاؤوا..؟ يعرفون..‏

ويعرفون النجم فيهم قد هوى..‏

ولقد غوى المسكون في أثرٍ‏

تخلَّق من سُراكْ..‏

آتٍ.. وآتٍ‏

من تفاصيلٍ رأتك وريثها..‏

لا زلتَ أنت من ارتوى حتَّى الجفاف..‏

أيقظتهُم ومضيتَ توقد كلَّ يومٍ‏

نجمةً لنهارهم..‏

قلتَ اسمعوا.. لونَ المطرْ..‏

قلتَ ارتدوا وجه القمرْ..‏

قلتَ استبدوا.. علّموا أولادكم‏

نصبَ المشانق للدمى..‏

أو كيف يبتسمون حين وفاتهم..‏

قالوا.. أردْنا..‏

نملأ الدنيا سحاباً..‏

نسرق الشرفات من جفن الغزالةِ‏

كي نرى جثث الزنابق في ربيع الموت أجملْ..‏

ونصدِّق الألوان في فصل الشتاءْ..‏

ونحدِّث الأفلاك عن أسماء نجوانا..‏

ونعزف غِلَّنا ناياً حسينياً على عرس الضفافْ..‏

واعلم بأنَّا نمضغ الفولاذَ..‏

نزعم أنَّه منٌّ وسلوى كي نشاهد‏

خطوةً لبراقك الثاني عشرْ..‏

طهرُ السلالة نقطةٌ عمياء أغوتنا‏

فأهديناكَ ماضيها لتكتبنا قناديلاً وليل..‏

أو ليس حباً أن نكون بلا مقابل..‏

أو ليس موتاً أنْ ندان بتهمة الإعرابِ‏

والضادِ الفريدْ..‏

هاكَ المتاحفَ كلَّها..‏

هاك المسامير التي دقَّت على الصلصالِ‏

معناكَ الرهيب..‏

هاك المعلَّق من حدائق إرثنا..‏

واجمعْ من العربات في صور الملاحمِ‏

ما تشاء من الرياحْ..‏

ولتدعي بحراً.. وخارطةً وفلكاً‏

أو سراباً يشبه الكلمات في لغة الكلامْ..‏

قدْ... لم ... تجدْنا..‏

ربَّما في نكهة البنِّ المثقَّفِ..‏

في لفافة تبغنا الموقوتِ..‏

في صحفٍ تلِّقن مدمنيها ما تردَّد‏

من تعاويذ الرثاءْ..‏

في "لعبةٍ قتلت مجنزرةً" .. تجدنا..‏

إنَّا سلالتك الوليدةُ من حروف الكبرياءْ..‏

عينٌ.. وباءٌ..‏

هبْ لنا.. راء الرشاقة.. والرؤى‏

يا آخرَ الورثةْ.‏

اسعد الروابة
09-12-2006, 02:38 PM
http://www.asmilies.com/smiliespic/ar_welcome/10.gifالدكتور الشاعر باسم القاسم :
ولأنك اهديتني الديوان الشعري الذي يحمل نفس اسم هذه القصيدة ..
فلم احتاج الى القراءة لها مرة اخرىلانها استقرت في قعر القلب...
ارحب بك ايها الباسق حرفاً الشامخ شعراً

العـنود ناصر بن حميد
09-12-2006, 03:42 PM
.
.

لا يعرفون سوى البنفسج لهجةً..‏


.
.

دكتور باسم القاسم

وأي حديث بعد بنفسج حرفك

نستطيع أن نكتب !!

شكراً لهكذا متعه

وهكذا .. جمال

.
.

أهلاً .. كما يليق بك

لك السلام

قايـد الحربي
09-12-2006, 07:55 PM
د . باسم القاسم
ــــــــــــــــــــ
* * *

وأجملُ الترحيب بك في أبعاد .

ــــــــ

[ آخر الورثة .. من سلالة النخيل ]

نصٌ يتصاعد للسماء كـ نخلة
إذ يخترق الفضاء علواً لا يفعل إلا : الشعر المثمر
وثَمرةُ الشعر : " وَمْضة " .

:

( وعلمت أنَّ الضوء رائحة الملوحةِ‏ )
التقاطٌ للمفعمِ مِن شعر ، قل : أكثر من ذلك :
هو تجريدٌ للأشياء مِنْ صفاتها و إلباسها صفة تخصّك
أيضاً قل : هيَ ليستْ الرؤية بل الرؤى .

:

( وفهمت أنَّ الحبَّ خارطة المسافرِ‏

في الطريق إلى السماءْ.. )

مَشْهدٌ مِنْ : صعود كـ عنوان هذا النص أو بالأصح
كما يفعل هذا النص بقارئه .
سحرُ الجار والمجرور " إلى السماء " يُحيلُ الاسم إلى " الساحر والمسحور " .
لأنّ التوقف عند كلمة " الطريق " لا يُنبئ عن : شعر .
وهذه الإضافة و الإفاضة تؤكد - رغم أنّ السماء كرؤية لاتحتاج إلى خريطة -
بأنّ التجاوز من " الرؤية " إلى " الرؤيا " عمليّة معقدةٌ في الشعر لا يتقنها
إلا مثل الدكتور باسم و هذا النص .
وهو أنْ تتحوّل السماء إلى أرضٍ تُلزمك بالخريطة .

:

( رأيتُ رنينهُ في برعم البرق الشقيِّ‏ )
عندما ترى : الصوت فأنت تجاوزتَ المُلقى على قارعة
الطريق من : شعر ،
إلى المُلقى على فارعة الرحيق من : شعر .

ـــــــــــــــــ

د . باسم القاسم

زرعتَ هنا شعراً لن أملّ من جَنْيِهِ
فشكراً تُحلّق حتى تحطّ على جبينك .

سلطان ربيع
09-12-2006, 08:03 PM
الدكتور الشاعر باسم القاسم

أهلاً بك وسهلاً بمقدمك الكريم
تتشرف أبعاد أدبية بتواجدك

أكتشفت أنني
منذ اّمد بعيد لم أقراء شعراً
مرصع بفكر ومسبوك بروح عظيمة .

إسمح لي التواجد هنا متى أردت
فهنا ذائقتي تتراقص
وفكري يستقي
وعيوني تبتسم

لجمال هذا المتصفح
بعيداً عنك
وقرباً لحرفك .

دمت بوعي وخير

خالد صالح الحربي
09-13-2006, 01:44 AM
***
دكتور: باسم القاسم.
لـِ تعذرني قبل كُلّ شيء على ارتباكي..!
فأصابعي ما عادت تُسعفني لكتابة.. مايليق..
للأمانة فقدت ثقتي بالكثير من شعراء الفصيح..
فنصوصهم.. ما عادت.. تُطربني.. بل أنّي أشعر بثقلها على الذائقة غالباً..!
ولكن نصُّكَ هذا كَسَر هذه القاعدة.. بدون سابق إنذار..
بدءاً من موسيقاه.. ومُروراً.. بالروح التي كُتِب بها..
وليسَ أنتهاءً.. بِـ تعابيره.. وَ عبيره.
شُكراً لكَ.. عليكَ.. وَ كفى.

صهيب نبهان
09-13-2006, 01:47 AM
..

هنا

وبأنَّ أمي علَّمتني كيف أصطادُ الفراشة‏

من حديقة قلبها.. لأخاف من معنى الفضاء..

ثم هنا

هل كنتَ تسمعنا.. ترانا..‏

حين ترضعنا النساء الخوف‏

من ضرع الرجولةِ...‏

ثم عجزتُ عن إكمال القصيدة صدقاً وعُجباً ..

ولذلك سأعود إلى هذه الرحاب بإذن الواحد

..

بعد الليل
09-13-2006, 08:11 PM
بعض الحضور مربك
وبعض الشعر .. مُلجم لأي رد

سأعود هنا كثيرا

د. باسم
شكرا لأنك هنا .. شكرا كثيرا

شوق
09-13-2006, 09:52 PM
الله حظرت هنا

لاجد اجمل ماكتبت


رائعة بحق

كون بود

أختكـ/شووق

د.باسم القاسم
09-14-2006, 12:43 AM
أنحني أمام أبعاد ذائقة كل من عقب على النص
وأتحفني السيد قايد الحربي بلياقته النقدية العالية
التي أكسبت النص جدارة النشر في موقعكم الأنيق
لقاءاتنا قريبة وكثيرة ..جزيل الشكر لذواتكم ..

حنان محمد
09-14-2006, 08:44 AM
أستاذي الفاضل

تنحني كلماتي لقامة شعرك

لك مني التحايا والتقدير لوجودك هنا

عادل بدر
09-14-2006, 03:37 PM
ياسيّدي الدكتور باسم
أنا طالبٌ أدرس في أحد الكليّات قسم اللغة العربية
قرأت الكثير من النصوص المُقرّرة في مناهجٍ عقيمة..
للأمانة دخلت إلى هنا لأخبرك بأنّي تتلمذت هنا..
أكثر مما تتلمذت هناك!
أعرف بأنك ستظن بأنّي أجاملك. لكن هذا لا يعنيني بشيء
فمهمّتي أن أقول الحق وأقدّم الشكر وأمضي.

صهيب نبهان
09-20-2006, 11:07 PM
..

د. باسم

أتيتُ موفياً بوعدني لكم بالعودة دون أن أحمل سوى المزيد من الإعجاب المتزايد

الإبداع هنا له طعمٌ آخر

..

لا عدمناك

..

حمد الرحيمي
10-11-2006, 02:36 PM
د. باسم القاسم ...


أهلاً بك أستاذ الجميع في أبعادنا الأدبية ...



وأهلاً بهذه الأحرف الكربلائية المملوءة فقداً / حنيناً و وجعاً النازفة استغاثةً وتضرعا ...


وأهلاً بهذا الضوء المنبث من سراديب الأسطر الشائقة لغةً الفائقة عذوبةً ونغما ...



د. باسم القاسم ...


شرفٌ لنا أن تُضاء أبعاد بقناديل حرفك / حضورك ...



كُن بخير ...

د.باسم القاسم
10-11-2006, 11:26 PM
أصلي في محاريب كثيرة

ولكنني كلما كبّرت للإحرام في محرابكم

مثلت أمام ناظري كعبة الإبداع التي تطوف بها أرواحكم

أسمع أصوات تلبيتكم وأحفظ منها بضع كلمات تقول

مرَّةً جبلٌ جاع حتى ....مشى


لكم خالص مودتي واحترامي

قايـد الحربي
02-05-2007, 11:01 AM
http://lmah.jeeran.com/وسـ1ام.gif

حاز هذا الموضوع على اتفاق أعضاء الإدارة باستحقاقه
النقل إلى أبعاد الإبداع ونحن إذ نحمله إلى هنا لا يسعنا
إلا أنْ نشكر كاتب الموضوع و الإخوة الأعضاء الذي طرزوه
بردودهم و ورودهم متمنين لجميع الأعضاء التميّز