المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : كدت أرتكب حماقة


سالم الجابري
06-09-2018, 11:04 AM
اليوم كدت أرتكب حماقة كبرى. ولأكون دقيقاً لقد قاربت على ارتكاب جريمة قتل.

كيف وصل بي الأمر للتفكير في شنق الزهيري.....لا أعرف في الحقيقة. والآن عندما أتذكّر تلك اللحظات الرهيبة لا أكاد أعرف نفسي.

حدث الأمر عندما جاءني هذا المتمرّد بعد صلاة التراويح في المزرعة، وكان كعادته يرتدي نظارته السوداء وكأنّه يختبأ خلف ظلمات عدساتها القاتمة. وكعادته عندما يبدأ بمناقشة أي فكرة يسحب رقبته داخل قفصه الصدري ويرفع كتفيه فيندفن رأسه إلى أذنيه. صمت لمدّة دقيقة ثم أنشأ يقول

- أنت رجل طيّب، وتحب الخير لكل الناس، وتعطي الناس حقوقها ولو كان ذلك سيحمّلك العناء، وعندما تموت سيبكيك كل من عرفك، وسيعدّدون مآثرك وأفضالك......أليس كذلك؟!.

- أخجلت تواضعي يا الزهيري، أنت لك خبرة كبيرة بالناس ولا أستطيع أن أجادلك فيما تقول.

- ههههه.....في الحقيقة أنت تحب أن تصدّق ما قلته لك. لأنّك كنت تقول لنفسك كل الذي سمعته منّي، لست وحدك في هذا، بل حتّى أسوأ المجرمين يقول لنفسه ويظنّ بنفسه نفس الظنّ.

- هل كنت تهزأ بي يا الزهيري، أم كنت تتلاعب بي.

- لا. حتّى أنا مثلك أكلّم نفسي بنفس الكلام وأتخيّل مثل تلك التخيلات الغبيّة. على عين كل واحد منّا نظّارة عجيبة تجعلنا نرى الأشياء بما يتناسب مع تحيّزاتنا وأهوائنا. ونادراً ما نتمكّن من رؤية الأشياء على حقيقتها، لأننا نعتقد أن تلك النظّارة هي عيننا الحقيقية ذاتها فيما الأمر خلاف ذلك.

- وكيف السبيل إذن لرؤية الأشياء على حقيقتها؟؟!!.

- حسناً.....دعني أعطيك مثالاً.....عندما تنظر لشخص من جنوب شرق آسيا يلتهم الصراصير فإنّك تشعر بالتقزز، وهو قد يشعر بالتقزز أيضاً لو رأى أحدنا يلتهم سحليّة كالضبّ. كان لابدّ للشخصين أن ينظرا لأكل الضبّ والصراصير من خلال نظارتين إحداهما مصنوعة في آسيا والأخرى في جزيرة العرب. نظارة العرب تتقزز من الصراصير، فيما النظارة الآسيوية تتقزز من الضبّ.

- لم تجب على سؤالي، كيف يمكن رؤية الأشياء على حقيقتها.

- هذا لو كانت هناك حقيقة مطلقة في الأصل. فكما ترى كل الأمور نسبية إلى حدّ بعيد. لكن في ظنّي أن الرؤية يمكن أن تتحسّن بشكل كبير لو استطعنا دمج أكبر عدد من النظارات ونظرنا من خلالها.

- كيف.....اعطني مثالاً.

- في الحقيقة لدي مثال عملي. لقد فكّرت أن أجمع آراء أكثر عدد من الناس عنّي أنا، لكن كما تعرف هذا غير ممكن لأن ما من أحد سيصارحني بكل شيء، ولذلك اخترتك أنت لأجمع آراء أكبر عدد من الناس عنك، وقد دوّنت تلك الآراء في هذه الورقة.

- حقّاً.....أرجوك قل لي ماذا قالوا عنّي.

- سأخبرك، لكن بالطبع لن أخبرك بأصحاب الآراء.

- عجّل أرجوك.

- القائمة طويلة فأرجو أن يتسع الوقت. هذا أحد الذين يعملون لديك يقول عنك إنّك لا تفهم في الزراعة شيئاً...

- هناك شخص واحد يعمل لدي فقط وهو نور عامل المزرعة، وكيف يجرؤ على قول ذلك؟!

- قلت لك اصبر. كثير من الأصدقاء اتفقوا على إنك متبجّح مدّعي، و واحد على الأقل انتقد مشيتك، ........

واستمر الزهيري يمطرني بما دوّن عنّي من صفات، أنا كنت أنتفخ من الغيظ، ولم أعِ بنفسي إلا وأنا أصرخ على نور ليأتيني بالحبل وأنا مصمّم على شنقه. حاول الهرب لكنّه تعثّر بالكرسي وسقط على وجهه، أدركه نور وأمسك برجليه فيما جلست أنا على ظهره ووضعت الحبل في رقبته ثمّ أخذت أجرّه لأشنقه في السدرة. قدّر الله ولطف أن دخل أحد الأصدقاء واستحلفني بالله أن أطلق سراحه، وإلا لقالوا أن فيلسوف صعرا ذهب ضحية فلسفته الحمقاء، ولكنت أنا الآن أواجه تهمة القتل. والحمد لله أن انتهى الأمر عند هذا الحد.

مرايا الروح
06-10-2018, 03:01 AM
صدقا جميعنا يرتدي هذه النظارة و لا يريد ان يبصر حقيقته
ربما لان الحقيقة تعرينا و تكشف الغطاء عن عيوبنا
في حين ان النفس الانسانية جبلت على الملاينة و تهرب من مواجة نقائصها
بل تميل اكثر الى تجميل الحقيقة المرة و لو بشيء يسير من المداهنة و المجاملة
اذا ليست الغاية في ادراك الحقيقة و كشفها بل في الطريقة التي ننتهجها للوصول
اعتقد الاسلوب هو الفارق

تحية و تقدير لقلمك الوارف
حقا استمتعت بالقراءة لك