المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : هيام


الطاهر حمزة
06-14-2020, 11:56 PM
"وا هُياماه، يوماً ما سيسقطُ السقفُ علينا".

هكذا تمازِحُها أختُها عند كلِّ صباح تجدُها فيه سارحةً تتأملُ السّقفَ، بعينينِ نصفِ مفتُوحتَين؛ عادةً ما تُجيبها بضحكةٍ ساخرة. نهضت في كسلٍ لتبدأ طقوسَ تسريحِ شعرِها؛ شعرها المسكُوب على وسادتِها البيضاء، يرسمُ عليها لوحةً سيريالية، مُلطّخةٌ بلونٍ أسود من درجةِ "فانتا بلاك"؛ الأشّدُ سواداً على الإطلاق.

تربّعت على سريرِها بجلْسَتها المميزة، و تناولت شريطَ الشّعرِ الموجودَ على المِنْضدةِ ثُمّ وضعَتْهُ بين شفتيها، ثمّ بدأت بغزلِ شعرِها لتربطهُ على هيئةِ ذيلِ الحصان؛ حركت عينيها نحْو خريطةِ العالمِ المُعلّقة على الحائط، فارتَختْ يداهَا و شفتَاها لا إرادياً ليسقطَ الشريطُ على رجليها؛ انفلتَ الشعرُ منْ بينِ يديها ليهطِلَ مطراً على كتفيها.

نهضت من سريرها و وقفَتْ قُبالةَ الخريطةِ التيِ تتوسطُ خريطَتَيْ أفريقيا و السودان. الخرائطُ علّقهَا والدُهمَا بعدَ ميلادِ أختِها الكبْرى؛ إذ تسبقُها بعامَين، بينما تسبقُ هي "هشام" بعامٍ واحد. اعتاد الأبُ الصارمُ في العقدِ الأوّل مِن عمريْهِما أن يوقظَ طِفلَتيْه، للتحدّي اليوميّ، الذي تحوّل إلى هوسٍ بالنسبة إلى "الحلبية" كما تناديهَا الأختُ البِكر.

كان التحدّي كالآتي: يهمسُ لكلِّ واحدةٍ منهُما بإسمِ قارةٍ مختَلفة لإحياءِ روحِ المُنافَسةِ بينهما، و يحددُ لهُما عدداً مُعيّناً من البلدانِ لتعرِفا المواقع و تحفظاها. يأتي آخِرَ اليومِ حاملاً معهُ الحلويّات ليكافئَ الصغِيرتين اللتينِ لم تخذُلاه في كلّ يومٍ كان يسألُهما فيه. الأن كلا العشرينيّتين تحفظان أسماءَ و مواقِعَ أكثَر من مئةِ دولةٍ و عواصِمِها.

على الخريطةِ أربعةُ دبابيس ذاتُ رؤوسٍ زرقاء، و ثلاثةٌ برؤوسٍ حمراء. الزرقاء وُضِعت على البُلدان التي رغبتْ بطلتنا في زيارتها؛ موزّعة على أربع قارات. بينما الحمراء مغروزة على الأماكنِ التي قامتْ بزيارتها مُسبقاً.

و بينما هي واقفةٌ أمامَ العالمِ هبّت ريحٌ قوية انتزعتْها من مكانهَا، لتجدَ نفسَها أمامَ بُحيرةٍ مُرقّطة، عليها دوائر كبيرة مختلفةٌ ألوانُها: زرقاء، و خضراء، و بنيّة. تراها الطيُور التي تُحلّق فوقها كصحنِ الألوان المائيةِ الخشبيّ؛ لكن بثلاثةِ ألوانٍ فقط. الجيولوجيّون سيعلمونَ فورَ رؤيتِها أن السطوحَ من المعادنِ المختلفةِ.

نادرة عبدالحي
06-15-2020, 12:24 AM
فاضلي الطاهر سكبت الإبداع سكبا فضي اللون وخالي من الشوائب / هي رسالة تربوية

لبناء أسرة تتنافس على العلم والمعرفة / رسالة تربوية للأزواج الشابة بتغيير مسار الإنشاء

للنفوس الطرية التي ان زرعنا بها بذور صالحة منحت الكون ثمارا صالحة وغير فاسدة ،

لفكرك وأفكاركَ الهادفة إنحني تقديرا،

الطاهر حمزة
06-15-2020, 02:24 AM
في العلم رفعة لنا ونهضة بنا وبأمتنا، أشكر مرورك الرائع 🌺

الطاهر حمزة
06-15-2020, 02:30 AM
(٢/١٣)
كليلوك
"وا هُياماه".أدركَتْ بذلِك أنها قدْ أطالَتِ التأمّل. التفتَتْ خلفَها بسرعةٍ لتَرى مصدَرَ الصّوت، فارتطمَتْ عيناها باللافِتةِ الخشبيةِ الكلاسيكيّة، الّتي كانَتْ خلفَهَا تماماً، و التّي تُقاربُها في الطول. أثار ظهرُ اللافِتة فُضولَها بشكلِه الغريبِ، فدارَتْ حولَهَا لتعرِفَ ما هو مكتُوبٌ على وجهِها *" كليلوك المقدسة- أوسيوس- كندا" "فلتَعلَمْ _عزيزي الزائر_ أنّه بمُجرّدِ أن تَطأ قَدمُكَ الرُقَعةَ المُقدّسةَ البُنّية، ستسحَبُك إلى أكبرِ همومِكَ، لتُواجِهه؛ ثمّ ستُخلّصُكَ مِنه. ما علَيكَ إلا أنْ تنتَصِفَ الرُقعة و تُغمضَ عينيك؛ فلتستَعدّ جيّداً للرّحلة." أعادَت قراءة المَكتُوبِ على اللوحِ الخَشبيّ مرّتين. زمّت شفتيْها ثمّ ضيّقت عينيهَا مُركّزةً على الجُملةِ المكتوبة بحبرٍ مُختَلف: "ثمّ ستُخلصُكَ منه". صورٌ كثيرة مرّت أمامَ عينيها بسُرعة: الفرحُ على وجهِ صديقتِها المُفضّلةِ عِندما أهدتْها كتاباً تُحبُّه؛ عيْنَا أختِها المُغرورقَتانِ بالدّموع يومَ جرَحتْ إبهَامَها و هيَ تقطعُ بُرتقالةً كبيرة؛ إنعكاسُ أبيها على المرآة و هو فاتحٌ ذراعيه ليحتَضِنها، بينَما كانَتْ جالسةً* تُسرّح شعرها. عادَ بها صوتُ صفيرِ الريحِ المارّ عبرَ أنبوبٍ مُلقًى بجانِبها، إلى حيثُ كانتْ تقِف أمامَ اللافتة؛ فقرّرت التحرّك صوب الرُقعَةِ البنّية. كانَتْ الدائرةُ المنشودة قابَ قوسينِ من حيثُ كانتْ تَقِف؛ قبلَ أن يُنادِيَها الصوتُ المُستَغيث. تقدّمت إلى الماءِ و هي تثبّتُ عينيْهَا على الرُقعةِ المُقدّسةِ المزعومة، و بعد أن بلّل الماءُ ساقيها إلى تحتِ رُكبتَيها بقليل.. وطأتها. بعدَ أن لامَسَتْ قدمَاها الحافيتانِ السطحَ، صارتْ تتمشّى على الرمالِ المَعدِنيّة البُنيّةِ _كعينيْها_ تتحسسُّ ملمَسَها، و تضُمُّ أصابِع قدمَيها و تفرِدُها مع كلّ خطوة، كمنْ يعجِنُ خُبزاً؛ لتشعُر بالدفء يتخلّلُها. انتصفَتْ الدائرةَ ثمّ أطرِقتْ رأسَها، مُتسائلةً عما قد يحدثُ بعد أن تُغمِضَ عينيْها، و تُسلّمَ نفسَها للمجهُول.

الطاهر حمزة
06-15-2020, 01:52 PM
(٣/١٣)
صوت داخليّ أول
"متى ستكُفُّ الوحوشُ المُختَبِئةُ تحتَ سَريرِي عن الضّحِك؟ لماذا يضحكُونَ في كُلّ مرّةٍ أكتُبُ فيها؟ هَلْ في رسائلِي إلى صديقاتِي ما يدعُو إلى الضّحك؟ أم أنها ضحِكاتٌ ودودة؟ بدا لي أنّهم سعداء بالحُبّ الذي نتبادلُه؛ لكنّ أحدَ الوحوشِ ضحكتُهُ مُزعِجةٌ و حادة؛ يكادُ يثقبُ أذُني في كُلّ مرة يضحَكُ فيها. و الأهمُّ من ذلِك تبدو ضحكتُه مألوفة.

حدثَ ذلِك لأولِ مرّةٍ عِندما كنتُ أقشّرُ برتقالةً لأختي، التي صارتْ قلّما تُمسِكُ سكيناً ؛ أصبحَ الأمرُ أشبَهَ بفوبيا بالنسبة إليها. وقتَها لَمْ يكُن الشتاءُ بارِداً في الخارج. رنّ هاتفي حالَمَا انتهيتُ من تقشيرِ البُرتقالة، فذهبتُ إلى غٌرفتي، كانت ساعةُ الحائطِ تُشيرُ إلى السابعة و النّصف. طالعتُ شاشةَ هاتِفِي الموضوعَ على الطاولةِ بجانبِ سريري: إنها ريم. سحبتُ على الشاشة بخنصري الأيمن_النّاجي الوَحيد مِن عبثِ البرتقال_ لأجيب، فجثوتُ على رُكبتَي و أمَلَتُ رأسي على سماعةِالهاتفْ؛ كانتْ تَبكي."