المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أنتْ.


آية الرفاعي
02-06-2022, 08:59 PM
أنتَ:

مُمسِكاً بِيَمينِكَ يدَ الحُزنِ الهَرِمِ ، و بِشمالِكَ تَغرِسُ فَأسَ الصَمتِ في جثّةِ الغروبِ , فَتشطِرُها نِصفَينْ!..
غارِقاً بِدَمِ السَماءِ ، ولَعناتِ الطيورِ ، وخَيباتِ الليلِ الآتِ ، وهائِماً على وَجهِكَ في مُدُنِ الملحِ والقهر..
مُحاطاً بالآلافِ ، ووحيداً للغايةِ..
تجلِسُ مُنهكاً على مقعدٍ محشوّ بِحكايا المارّة ، وأحماضِهم النوويّةِ، و الحزنُ يُفلِتُ مِنْ يَدِكَ يُفتِّشُ عن قرينٍ لِيتناسَل!.
.
.
.
تَلتَقِطُ -بينَ إصبَعين- هوّيَتكَ المُحترقة!..
أربعونَ شتاءً أو يزيدُ ، عُمرُ روحِكَ ..
آتٍ مِنْ وطنٍ سَقطً عنِ الخارِطةِ و ارتطمَ بِمِقصلةِ التاريخِ ، فقصَمَتهً ألفَ شَظِيّة!.
تسكُنُ خانَ الوجودِ، و حاناتِ السهرِ ، وأوجُهَ النّاسِ الزُجاجيّة!..
تنحَدِرُ مِن عائِلةٍ حاصرَها الموت مِنْ كُلّ جيلٍ ..
عيناكَ غيمَتانِ ، تَسكُنُهما شياطينٌ ومَلائِكة ، و قلبُكَ نصفهُ حجرٌ, ونِصفُه شمعٌ, وكلّهُ نابِض!..
و صوتُكَ انحناءُ جَبَلٍ في صعودِهِ إلى القمّةِ ،و تجاعيدُكَ أنيقةٌ ..
و لِضحكتكَ يَفرِدُ القَدَرُ جناحيهِ على أرضٍ خصبةٍ، يضرِبْهُما بالطينِ ، فَتنبَعِثُ أجنّةُ الأملِ و يَرقاتُ البقاء!..
بِدَمعِكَ تَعجِنُ قَمحَ الأسئِلةِ ، وتلتَهمُ الإجاباتِ المالِحة من موائِدِ المَلامِح!..
لستَ صُعلوكاً حقيقيّاً، لكنّكَ لا تميلُ إلى كَونِك ميسورَ النَفس!..
*ثروَتُكَ ، ضميرٌ واحدٌ مُنفصلٌ : أنتْ..
تُخَبِئُهُ في قبوٍّ منفيٍّ على حُدودِ النِسيان!..
.
.
.
هويّتُكُ جمر ورماد, مُنتهيةُ الصلاحيّةِ (الآن) ، تتسَرّبُ منها كلُّ اللحظاتِ : الخالدةِ والفانية ..
وأنتَ بعدَ أنْ رَبّتَ على كتفِ حزْنِكَ الهرمِ ، و ثَنَيتَهُ عنْ إغواءِ التمَدُّدِ ، تُنفُضُ فَظاظَتَهُ عنْ جَبينِكَ،
ترشقُ المارّةِ بجاذِبيَتِّكَ الماكِرة, و ابتسامَتُكَ التي تميلُ إلى شرقِ الحياةِ ، تَنزِعُ عن وجهِ الشمسِ كَدَرَ الليلِ.
.
.
.
في طريقِ عَودَتِك- من اغتِرابِكَ- ، تَشتَري خريفاً مِنْ سوقِ الأمنياتِ الباهِظِ و تَتناوَلهُ على مَهلٍ ..
تَفتَحُ كَفَيْكَ ، فَتَتَطايَرُ فقاعاتُ الأمنياتِ ..
و تُلامِسُ -بِهالةِ الرّغبةِ التي تُحيطُكَ- جدائِلَ الشعرِ الذهبيّةِ، و الأماكنَ القديمة ، و ترانيمَ فناجينِ القهوةِ حينَ ترتطمُ بالخَشَبِ العتيقِ، و الزُقاقُ الذي ينفَتِحُ على نوافذ مكسوّةٌ بالوَردِ و قصصِ الحبّ الفتيّة!..
تحاوِرُ ظِلّاً خفيفاً بنظراتِكَ ، و تنتَقي -على سبيلِ الحَظِّ- قلباً لحبٍّ لا ينضَبْ..
و روحاً، اثنتانِ ،أو يزيد.. لأجلِ ما تبَقى من سِنين! ..
.
.
.
في هوامِش الزَمَنِ:
يزفُرُكَ الصَيفُ ، كآخرِ مُتسوّلٍ مِنْ جيبِ الحياة..
شعرُكَ مُشعّثٌّ وأقدامُكَ مهترِئةٌ، وعمودُ إنسانِيَّتِكَ مُنحَنٍ ..
تعبُرُ بوّاباتِ الخريفِ خِلسةً، حيثُ اصفِرارُ الروحِ يَفتِنُ اخضرارَ الوَهْمِ..
تُؤازِرُكَ في ضياعِكَ غيمةٌ جريئةٌ ، تأخُذُكَ إلى رُكنٍ بارِدٍ ، تُشبِعُكَ مطراً يَغسِلُكَ مِنْ ذَنبِ الوجودِ، و فلسَفَةِ الأيَّامِ، و اضطرابِ المَسير!..
أنتَ -دوماً- مدينٌ للخريفِ بِهَطلٍ وبضعِ ليالٍ قضيتَها في أوجِ السعادة!.
.
.
.
أنتَ (قد) تُزهِقُ روحَ النَّصِ بسُخرِيَتِكَ الماجِنَةِ ، فَتصيرُ: ضميراً مستَتِراً!.

سالم حيد الجبري
02-06-2022, 09:16 PM
أنت، أنا، هو، هي، وأنتما ضمائر نعرفها جيداً !
لكنا نعجز عن معرفة نحن، وأنتم،
فلا أحداً يعرف كم يتسع كيس نحن، وأنتم !!

/

الجميلة آية..

المرء عَالَم يضجُّ بالحياة.. عالم لا أحداً يعرفه سواه !!

رائعة كأنتِ !!

د. لينا شيخو
02-06-2022, 11:34 PM
كل قطعة من هذا النص التحفة تستحق التوقف
نثر مزدحم بالصور والمباهج
كنتِ رائعة يا آية وأنت ترصفين هذا الجمال
محبات ❤

عَلاَمَ
02-07-2022, 03:41 AM
.

مَردّ شَاق!
يَجثّمُ على مِعطفه...
والكَتِف هَشَّة
لاتحمل طَير في دائرته هَامِش. !

،

آية الرفاعي
ماأبلغ هذا الحرف
نورتي ياوردتنا
شكرا لحضرتك

ضوء خافت
02-07-2022, 03:47 PM
نص أصابه في مقتل ...

و هو عائد عائذ من العودة ...

يخيفه شمّ التراب الذي تمنّاه قبراً ...

يخشى أن عيناه ستصيران صنبورين يهدران ماء ذاكرته العجوز ...

منذ شنوات ... يعاني من صموده و صلابته ...

و الآن يعاني ... قرب انهياره إن التقاها ...

الأرض ...

التي اعتبرته ضميرها الغائب من قبل أن يُخلَق ...



آية الرفاعي ...

نصك أشبه بالنحت في حجر لم تهزمه تعرية الزمن ...

مذ هبط نصّكِ البارحة ... استقر في نفسي ...

و أيما قرار استحوذ عليه ...

أشكركِ ... و جداً

قايـد الحربي
02-08-2022, 01:19 AM
:
:

هذه الـ "أنت" : "آية" في الجمال ..
بلاغتها في صياغتها ، تقول بأنّ الضمير : ظل الروح ..
و وحدها الشمس قادرة على رسمه بهذه الدقة والرقة العالية.

جميل جداً هذا المتصفح يا آية ..
يؤكد على أنّك في غيابك ترتكبين بحقنا جريمة ،
كوني بخير و حاضرة.

سيرين
02-08-2022, 02:40 AM
ضمائر تقمصت جسد الطعنة وتشظت بنسل دمه
مرهق حد الارباك ان تتدثر الروح بأريكة سقوطها
الرائعة المبدعة آية الرفاعي
اورقت الحياه من بين طيات تلك الآنات وقرابين بعثها
مودتي والياسمين


،،

نادرة عبدالحي
02-11-2022, 01:54 AM
الكاتبة آية الرفاعي معجم لرؤيات واعية فنبة عميقة في توازن متتالي

لا تزاحم في هذا النص كل فكرة أخذت نصيبها من النص ومن المشهد المراد إظهاره ،

هذا المخزون اللغوي يرتبط مع الأسلوب الجميل للكاتبة أية عندها يخرج على الملأ

بصنيع فني دقيق جدا في كل حالاته التي تتشابه بالافق الجميل ،

خالد صالح الحربي
02-17-2022, 06:33 PM
:
تبّا لكِ يا آية الرفاعي.
🌹

آية الرفاعي
02-18-2022, 08:38 AM
سالم حيد الجبري..

الضمائِرُ غازيّةٌ، قَدْ لا تمتَلِكُ شكلاً /مضموناً واضحاً..
عالمٌ فضفاضٌ يجعلُنا (نحنُ) نُدهَشُ بينَ الحينِ والآخَرِ مِن (أنا) التي ظَنَناها في عِصمةِ معرفَتِنا!..
.
.

قرائَتُكم تَسُّرّ القلب..
موّدَتي.

آية الرفاعي
02-18-2022, 08:41 AM
علّام

الكتفُ هشّة!
هذا اختزالٌ عبقرّيٌ.
.
.
أثَرُ قرائَتِكُم يبلُغُ النَّفس ويُبهِجُها.
موّدتي والشُكر.

آية الرفاعي
02-18-2022, 08:44 AM
د.لينا شيخو

أؤمِنُ أنّ النّصَ يظّلُ ناقصاً ما لمْ يأتي عليهِ قارىء واحد متفرّدٌ- على الأقلّ-يعبرُ سطورَهُ و يُبصِرُ تعابيرَه كأنّها تُحفٌ قديمة قيّمة!
.
.
يفوحُ من حضوركم عِطرُ الياسمينَ، و بهجةٌ كبيرة.
موّدتي.

آية الرفاعي
02-18-2022, 08:47 AM
ضوء خافت

إنْ كانتْ كتابةُ النّصِ هِبَة ، فقراءَتُه فَنّ!..
فنٌّ :مُتعالٍ في صاحِبِه الخيالُ، شاسِعةٌ أطيافُ بصيرَتِهِ،رفيعةٌ أنامِلُ ذائقتِه التي تَلتَقِطُ النّصَ برُقيّ.
.
.
يرّقُ الضميرُ الغائبُ أمام حُضوركم.
محبّتي.

آية الرفاعي
02-18-2022, 03:47 PM
قايد الحربي.

الضميرُ، هو كلّ شيءٍ في الحقيقةِ..
منه ننطلقُ، وإليه نسعى، وفيهِ نَجِدنا!
الحضورُ مُربِكٌ ومُرهقٌ حينَ يكونُ هنا بينَ قامات لغويّة تتسلّقُ بمهارةٍ جُدرانَ الحياةِ وتكشفُ ما وراءَها!..
.
.
قراءَتُكم حكمٌ مُبهِجٌ بالبراءَةِ من جرائمِ الغياب..
موّدتي.

آية الرفاعي
02-18-2022, 03:49 PM
سيرين..

كم مرّةً يفلِتُ عِقالُ الروحِ في أزِقّةِ الذاتِ ، كمْ تيه تقتَرِفهُ الضمائِر ، تنفصلُ و تَتَسَتّرُّ ..
و القلمُ يجترحُ نصّاً للاتصال بها مُجدداً!..
.
.
تقرَأينَ النّصَ بِقلبِك، وتكتُبينَ بالنّبض..
ورَحيقُ حرفِكَم يطغى.

محبّتي.

آية الرفاعي
02-18-2022, 03:53 PM
نادرة عبدالحيّ

يكادُ الحبرُ يُشظّي رؤوس الأنامِل،
واللسانُ يَنعَقِدُ حولُ التراكيب بقسوةٍ،
و الرؤى تَتخَبطُ في العقلِ، ولا يُفلِحُ النّصُّ إلّا حينَ نستَسلِمُ لانسيابِ الصورِ في شرايينِ البقاء!..
.
.
أحَبُّ القراءاتِ لِقلبي تِلكَ التي تَفرِدُ النّصَ على كفٍّ معطاءٍ و تُعيدُهُ إلى جَذرهِ، وأنتم خيرُ من يُحَلّلُ نَصّاً.
مُبهجٌ للغايةِ مروركم ..
محبتّي و الاحترام.

آية الرفاعي
02-18-2022, 03:56 PM
خالد صالح الحربي

(تَبّا) هي أمُّ نصوصي جمعاء!
حالةُ خُسرانٍ شهيّ يفتحُ نافذةً على الحرف!
.
.
لا شيءَ يحوزُ إعجابي كَالشِعر..
ولا شِعراً يُفلِحُ دونَ تمرّدٍّ ذكي..
وأنتمُ أهله..
موّدتي 🌹

فيصل خليل
03-02-2022, 01:05 PM
أصعب لحظات الحياة أن تعيش أحزانك وحيدا

نص جميل مؤثر

دمت بخير وعافية

آية الرفاعي
03-04-2022, 04:37 PM
فيصل خليل

الحُزن و الوحدةُ كالقِفلِ والمِفتاح..
رغمَ أنّ اقتِناصَ أحدهما دوناً عن الآخر فنٌّ حياتيٌّ بِتنا نحتاجُهُ جميعاً!..
.
.
قِرائَتُكم للنّص عميقٌ أثَرُها عندي.
موّدتي والاحترام.