المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : روحٌ عَجْفاء بنكهةِ مَوت


علي أبو طالب
03-29-2007, 07:08 PM
روحٌ عَجْفاء بنكهةِ مَوت


كَالأعْينِ حِيْنَما تَجِفُّ,من قَسْوَةِ القُلُوبِ,تُجْدِبُ السمَّاءُ,ترْتَكِبُ الْكِبْرِياَءَ,تَأْبَى الْبُكَاءَ .
ها نَحْنُ الآنَ فِي فَصْلِ الأسابيعِ العجاف,نُصْلُ التَّصَحُّرْ مُتَمنْطِقٌ في أعْنَاقِنَا,و نتُوقُ للارْتِوَاءِ,نَتَشوَّقُ للمَاءِ,أن يَنْسَابَ في أروقةِ قُلُوبِنَا,أن يَعْبُرَ إلى أعْمَاقِنَا,ليُبَلَّلَ الْمَلَلَ الَّذِيْ اسْتَوْطَنَنَا و صَلَّبَ الْطِينَ.


* * *


في غَبَشِ الضُّحَى, خَرَجْتُ مِنْ مَنْزِلِي أرْتَعِشُ, كُنْتُ أمْشِيْ بِخُطَىً لاهِثَة, مُتَّجِهَاً صَوبَ البئرِ المُجَاوِرةِ لمزرعةٍ نُزِعتْ عَنْهَا مَعالمُ النعِيْم, لعلي أعلُّ مِنْهَا حتَّى أرتوي, فَقدْ أوْشَكَ الْصَّدَأُ أنْ يَلْتَهِمَ عِظَامِيْ الْهَشَّةَ ظَمَأً,وَ أُحْمَلُ عَلَى نَعْشْ.


* * *


وَصَلْتُ إلى تلك البئْرِ بَعدَ شَقِّ الشَّهِيْقِ, فوجَدْتُ الْمُجدِبينَ, مُلتَّفينَ حَول خَصْرِها يصرخُون:
أخرجوه..أخرجوه...قدْ يَشْرَبُ الْمَاءَ حتَّى يَلْتَاعُ وجهُ الْقَاعِ.

تَساءلتُ في دَهْشَةٍ عَطشى عَنْ مَاهِيَّةِ انْدِلَاعُ ذلك الْصُرَاخِ الْمُدَوِّيْ الْمُخْتَرِقْ للأسْمَاعِ,فأجابني مُجْدِبٌ مِنْهُمْ:
سَقَطَ أحَدُهُمْ,قَبْلَ قَلِيلٍ,في جَوفِ هَذهِ الْبِئْرِ حينما كانوا يتعاركونَ عليها,كلٌ يريدُ أن يَسْجُرَ قِرْبَتَهُ بسرِّ الحَيَاةْ,ليَستعيدَ لحْنَها قَبْلَ الآخَرِيْنَ بِحُريَّةٍ مَبْحوحةٍ لا يحْتَمِلُها أحدْ

* * *


تَرَكْتُ ذلكَ الْمَكَانْ الْمُكْتَظُ بالكَلِمَاتِ الْمُنْهَكةْ وأنْسِكَابُ النَّظَرَاتْ السَّرابِيَّةْ, و َرُحْتُ ألْعَنُ الظَّامِئينَ جَمِيعَاً,إذْ يَسْتَظِلونَ أسْفَلَ أسْقُفِ الْقَسَّوةِ ,وقُلُوبَهُمْ لَمْ تُشْفَ مِنْ أمْرَاضُ الأرْضِ بَعْدْ,كَيْ يَرضَى عَنَّا العليُّ,الذيْ ِعِْندَهُ عِلمُ ما لا نَعْلمْ,و أسْرَارُ الْطُقُوسِ,و يُمِيْطَ اْلِلثَامَ عَنِ السَّماءِ الْمُرَوَّضَةِ عَلَى تأطيرِ الْمَطَر.


* * *

تَوقَّفَتْ بيْ قَدَمَايَ المُقْفِرَتَانِ, عِنْدَ نَخلةٍ عَرْجَاءَ جائعةٍ و خَاوِيَةٍ, تَمَدَّدْتُ بِجِوَارِ جِذْعِهَا الأعوجْ, وَ َكَأنّي أحَدُ جُذُورِهَا الْمُتَخَشِّبةِ فِيْ جَوْفِ الْجَفَافِ, شَعَرْتُ بِشِبْهِ تََشَظٍّ يَنْهَشُنِي بِبُطءٍ شَرِسْ,و َكُلَّمَا غَرَسَ أنيَابهُ فِيْ شرايينيْ شَمَمْتُ رائِحَةَ تلاشٍ شَدِيدة الخشونة تَفِرُّ مِنْ جَسَديْ, و فِي لَحْظَةٍ مَحْضَة,حَدَثَ أنّ حَيْزَبُوناً مُتَحَلزناً ظَهْرُهَا,مَنْحُوتَةٌ قَامَتُها على سَطْحِ حِمَارِها, تُحَاوِلُ اجْتيَازِي,مُتَّجِهَةً نَحْوَ اللا أدْرِيْ,لّوَّحْتُ إليّها بيَدَي الْمُتَحَشْرجَةِ,فَتَنبَّهتْ لَوَشْوَشَاتِ حَرَكَتِهِمَا, واقْتَرَبَتْ مِنْي,تَوَقَّفَت بِقُرْبِيْ,أخْبَرتْها هيَئْتِيْ المُترهَّلة,وَ اللإشْتِعَالُ الْمَهُول فِي أعْشَابَ رَأْسِيَ الْمأهولِ بالْعَطَشِ,ونُواح مَلامِحِي المُحترقة,بأنني شارفتُ على أن أكون ,كائناً كان,فأدْخَلَتْ يَدَها فِي باطنِ قِطْعَةُ العِهْنُ الْمُحَاكةِ يَدَويَّاً بحركةٍ مُضطربةٍ , كضحكةٍ صَفَعَها صَمْتُ ريحٍ صَلْفَةٍ,عَنْ سَبْقِ حنقٍ و َتلصُّصْ ,فارتَدَت مُرتَطِمَةً بِحنْجُرَةِ صاحِبِهَا بغاية الْغَصّةْ,أخْرَجَتْ مِنْ دَاخِلِ أحَدِ الْجُيُوبِ الْقُطْنيةِ قِنينة قاربتْ على تقيؤ مائها,هَمَدَتْ القِنْيِنَةُ بَيْنَ يديَّ,ففَتحْتُ كَهْفيْ لأنْهَلَ مِنْها,إلاَّ أنَّ روحيْ اَنْهَمرتْ أرضاً,تَشرَّبَتْها التُرْبَةُ بيبابٍ وارْتِيَابْ,فتفَجََّرَ جَوفُ الْجَفافِ مُبْتَهِجاً,مُخْرِجاًَ مِنْ ثَغْْرهِ الْمُبَعْثَر مَهْرَجَانَ مَاءٍ جُنُونيّاً أغرَقَ جُثّتي المُجْتَثّة من رُوحها,المُتَوغِّلة في غَيَاهِبِ الغَيْب.

قايـد الحربي
03-29-2007, 08:03 PM
علي أبو طالب
ـــــــــــــ
* * *

" الروح العجفاء بنكهة الموت " أدتْ إلى : حياة
هكذا هيَ القدرة ، تجعل في أبسطِ الأشياء [ أعظم الأشياء ]
يأتي ذلك كعِبْرةٍ بعد عَبْرة .

رائعٌ شاسع .

د.فيصل عمران
04-08-2007, 12:57 PM
عودة الى الدفء
هكذا نص .. يستحق التثبيت أمام القلوب العطشى للجمال




كعادة حرفك ... رائع

عبدالعزيز رشيد
04-08-2007, 08:48 PM
أخي
علي ابو طالب
اعترف لك
بانني علّقت بالي هنا وبأنني سأرتكب القدوم هنا مرارا وتكرارا
كلّ الشكر لك

متغليه
04-08-2007, 10:52 PM
لا استطيع وصف مدى الروعة هنا
شيء فاق الخيال
لخيال تسامى بالإبداع

لي عود هنا
فقد هطل الجمال
وسأرتوي منه
حتى
الثماله


دمت بود
اختك
متغليه

علي أبو طالب
04-09-2007, 06:44 AM
علي أبو طالب
ـــــــــــــ
* * *

" الروح العجفاء بنكهة الموت " أدتْ إلى : حياة
هكذا هيَ القدرة ، تجعل في أبسطِ الأشياء [ أعظم الأشياء ]
يأتي ذلك كعِبْرةٍ بعد عَبْرة .

رائعٌ شاسع .

تُرَى أَكَانَتْ، مُتَوَاضِعَتِيْ هَذِهْ،رَائِعَةً مَا لَمْ تَعْبُرَ بِهَا أَيُّهَا اَلْقَائِدْ؟!
قَطْعَاً مَا كَانَتْ كَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ تُضْفِيْ إِلَيْهَا بَعْضَاً مِنْ عِطْرِ اَلْعُبُوْرْ.

شُكْرَاً بِحَجْمِ الإِعْجَابِ اَلشَّاهِق
تَقْدِيْرِيْ وَاحْتِرَامِيْ.

علي أبو طالب
04-11-2007, 03:37 AM
عودة الى الدفء
هكذا نص .. يستحق التثبيت أمام القلوب العطشى للجمال




كعادة حرفك ... رائع


شَرَفٌ وَتَرَفٌ كَثِيْرٌ وَكَبِيْرٌ عَلَيَّ وَعَلَى نَصِّيْ اَلْمُتَوَاضِعْ جِدَّاً
أَنْ حَظِيَ بِكَلِمَاتٍ مِنْكَ هِيَ رَائِعَةٌ وَمُحَفِّزَةٌ لِيْ
أَنْ أَتَقَدَّمَ إِلَى اَلأَمَامِ حَتَّى أُقَدِّمَ مَا يَلِيْقُ بِكُمْ-بِإِذْنِ اللَّهْ.

د.فيصل عمران
سُعِدْتُ بِكَ مَلِيَّاً
وَأَلْفُ شُكْرٍ وَتَقْدِيْرٍ وَاحْتِرَامٍ
مِنِّيْ إِلَى قَلْبَك.

علي أبو طالب
04-11-2007, 03:41 AM
أخي
علي ابو طالب
اعترف لك
بانني علّقت بالي هنا وبأنني سأرتكب القدوم هنا مرارا وتكرارا
كلّ الشكر لك

أَهْلاً وَعِطْرَاً..
وَمُرَحَّبٌ بِمَقْدُمِكَ اَلْكَرِيمْ دَوْمَاً.
إِلَيْكَ اَلشُّكْرُ وَتَقْدِيْرٌ وَافِرٌ.

علي أبو طالب
04-11-2007, 04:00 AM
لا استطيع وصف مدى الروعة هنا
شيء فاق الخيال
لخيال تسامى بالإبداع

لي عود هنا
فقد هطل الجمال
وسأرتوي منه
حتى
الثماله


دمت بود
اختك
متغليه


متغليه.. أهْلاً بِكِ أَبَدَاً.
وَأَنْتِ/مْ اَلأَرْوَعُ مِمَّا كَتَبْتُ وَأَجْمَلْ.
دُمْتِ عَلَى خَيْرٍ أَبَدَاً، وِدّ
شُكْرَاً.

فاطمة الحمزاوي
04-12-2007, 10:00 PM
مكحلة بالندى حروفك..
.
غرقت في جمالها..
.
وبقيت..
.
احلى الاماني لك..

علي أبو طالب
04-13-2007, 03:29 AM
مكحلة بالندى حروفك..
.
غرقت في جمالها..
.
وبقيت..
.
احلى الاماني لك..

شُكْرَاً لِإِضِْفَاءِ اَلْجَمَالِ إِلَيْهَا بِحَرْفِكِ..يا جنون.
تَحيّتي.

علي أبو طالب
11-01-2007, 01:39 PM
مكحلة بالندى حروفك..
.
غرقت في جمالها..
.
وبقيت..
.
احلى الاماني لك..

و يَأْسِرُنِيْ التّعبير الشّاعريّ
-شاعرتنا النّدية بلونِ الكُحل-
شُكراً لتشريفي بحضورك.

لمى الناصر
11-01-2007, 02:23 PM
علي:

ايدينا... اعمارنا...ملامحنا... سكنت هنا بواديك..

وفرشت روح البقاء على أكتاف الغرباء.

جميل بوحك..

ومساؤك فيروزي.

اعجبتني الصورة الرمزية.

علي أبو طالب
11-01-2007, 06:15 PM
علي:

ايدينا... اعمارنا...ملامحنا... سكنت هنا بواديك..

وفرشت روح البقاء على أكتاف الغرباء.

جميل بوحك..

ومساؤك فيروزي.

اعجبتني الصورة الرمزية.


ومساءاتك عذوبة تشدوها آلات البهجة بأيادٍ فيروزية..
كلّي رجاء بأن يطيب المقام لروعتكم.. شكراً لحضورك، وتفداك الصورة وصاحبها:)

م.عبدالله الملحم
11-01-2007, 06:27 PM
روحٌ عَجْفاء بنكهةِ مَوت


[/RIGHT]


أيها : العَلِيُ العِلِي
لغتك ما زالت في قِمتها

و لكن ماذا لو ..

رُفِعت [ نكهةُ الموت] و كُسِرت [ الرُوح ]
أتُراها تزدادُ عِجافاً ..!!


لا تغيب كثيراً :)
تقدِيرِي

:
:[/COLOR][/B]

علي أبو طالب
11-05-2007, 04:47 AM
أيها : العَلِيُ العِلِي
لغتك ما زالت في قِمتها

و لكن ماذا لو ..

رُفِعت [ نكهةُ الموت] و كُسِرت [ الرُوح ]
أتُراها تزدادُ عِجافاً ..!!


لا تغيب كثيراً :)
تقدِيرِي

:
:

مهندس عبدالله.. ومنكم نَستفيد..
إعجابي وشكري لإطلالتك العذبة على متواضعتي.

مها الأحمد
11-07-2007, 10:40 AM
،




هذه الروح العجفاء
أكاد أشاهدها منى .
تكتب يا علي بـ علو شاهق
لتأتي الكثافة هنا ليس كونها قيمة بلاغية وحسب،
وإنما حالة إبداعية خاصة بك ..

ودّ


.

علي أبو طالب
11-10-2007, 03:45 PM
،




هذه الروح العجفاء
أكاد أشاهدها منى .
تكتب يا علي بـ علو شاهق
لتأتي الكثافة هنا ليس كونها قيمة بلاغية وحسب،
وإنما حالة إبداعية خاصة بك ..

ودّ


.






شُكراً جزيلاً-أخيتي العزيزة مها- لو فقط
على إطراءك الرقيق وهدوء كلماتك الذي يروقني
تقديري واحترامي.