المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أمواج بلا شاطئ


الصفحات : 1 [2]

عبدالله الدوسري
12-30-2010, 02:21 AM
رنا قرص الشمس ،، ولاح باستدارته كأنه منبثق إلى السماء أو عائد إليها بعد طواف ،، يغمر رءوس الأشجار والأرض والرؤى ،، يشق حدائق النفس وما تسامى على جنباتها من فصول وتباريح ،، كإله يجثو بين يديه كهنته العابدون ساعة جلاء ،، وصفاء سماء مطرزة نواحيها المترامية بسحائب رائقة يتخبط فيها الهواء فترجع أوراقه الماطرة أنينه ونحيبه ،،

" لا أسلم سيفي ،،
لأن الذي سلم السيف قبلي ،، تعرى به ،،
ولا أطلب الحكم العدل بيني وبين حزني ،،
فمن سيغسل البحر من ذنبه ،،
حتى يطير الكلام الجميل إلى ربه ،،
وكما أحببت الأجنحة التي تتكاثر فيها الندوب ،،
أحببت الطرق التي ليس منها هروب " ،،
ضحكت مرة أخرى ،،
وقلت للرمل أنه السبب الحقيقي وراء ما يعانيه العالم من آلام والكون من غموض ،،


كأن تعيش عقلك الباطن ،، شاعر حب ،، صحيح الروح رغم قلبك الإنسان المنهك ،، تقتسم الصور من حياة اللاوعي فتلقيها في حاضرك بأبهى حله ،، كشجرة أو زهرة برية لطيفة طائشة ،، تحاصر الماء المتبقي من الماء تحت ورقة النجوم ،، تريق الماء المتبقي من فم المغيب تحت عناقيد الهمس ،، اجتمع صغار الفرح في حلقة لم تكتمل النغم ،، فللفرح أغنية عميقة لا تتفجر إلا من أدق شعيرات النوازع ،،
وقال اطمئن أيها الإنسان قبل أن تستطلع الجمال ،، تأمله بالعين التي لم تستحل من فكرك إلى ذاكرة ،، حينئذ تشهدها على النحو الذي يريك هذه السماء كلها في القطرة الصافية ،، وتحس من الغبطة المنسابة من الثغر كأن هذا الفكر الإلهي الذي سمي بالطبيعة قد شملك أو اشتملت عليه ،، فيوحي إليك أنك أسمى من مناوأة الحقائق ،، لله أنت أيها الجمال ،، ولله فتنتك التي تترك من حسنها بقية في الأحداق فتجعل كل شئ تصادفه على شاكلتها ،، كما يثبت المرء عينه في ساطع من النور هنيهة ثم يلتفت يمنة ويسرة فإذا كل شئ فيه شعاع من ذلك النور ،،

قالت : ولكن بلورتي مكسورة ،،
فقلت : لنستمع إلى ما تبعثه ،،

كما هو المد دائما يرفع السفن ،، تستمع إلى خطاب " من الأجداد يرجع إلى البؤساء " ،، فالوقت وحده هو من يستطيع أن يعلمنا الحقائق وكيف نستخلصها من الأساطير ،، بعض الحقائق لا تعيش بمرور الزمن ،، ولكن بعض الأساطير ستدوم للأبد ،، وستهمس في الجوانب الأربعة للنهايات العظيمة أننا نحن العائدون من دروب الكلام الندي ،، في المعنى المستتر بين الهاء والياء لسرا من الأسرار تتجدد سطوره المعضلة كأنه حياة تغذوه بتلك المعاني ،، طفقت أعالجه ذاهلا حي بلا نفس ،، وآنست من نظره عمقا بعيد الغور كأنه الطريق الذي مرت منه نفسي ،، فهل يمكن أن يكون ذاك في استدارة يقظتي نوع من الحلم ؟! ،، لقد غفلت عن نفسي دهرا أو هي غفت عني ،، فما نبهني إلا اضطراب ينتفض له قلبي كأن حواسي كلها نهضت تستقبل هبة الغيم وقد انقلبت من سفر طويل تحف بها الحاشية العريضة من الأفكار والآمال ،، وجعلت تطرف كل حاسة بتحفة وكلي يتناهبها ،، ما لبث أن ردني إلى نبضتي النفسية حفيف كنجوى النسيم للزهر وليس بها ،، وكصوت القبلة المختلسة على حياء وليس بها ،، آهة رقيقة انبعثت من الفردوس فما زالت تتصفح كل وردة وكل خد حتى اختبأت في شفتيها ،، ما تشك من عطرهما أنها رجعت إلى صاحبتها في الجنة ،،

عبدالله الدوسري
01-14-2011, 04:27 AM
- ماذا فعلت اليوم ؟! ،،
يا إلهي ،، ألا ننسى شيئا ،،

حاولت أن أداري قائلا : بأي شئ ؟َ! ،،
نظرت إلى عيني وقالت باسمة : في يومك !!،،


ها هي تتخلق على حين أعجز عن الخلق ،،
ورغم انسيابي في أسرار الخلق ،، لم يساورني أمل في التغيير ،،
لم أخرج عن غربتي الأبدية !! ،،
ولم يملأ الهيام الثغرة التي بيننا ،، وبين الدنيا ،،
ورحت أتساءل متى يرن الصوت الأجوف ؟! ،،

فلا مراء في ذلك ،، الوقت انسلخ من جلده ،، تلك الدفعة الغادرة إلى الوراء فجرت رد فعل مضاعفة خشية السقوط ،، وها أنا في سباق حاد مع الجنون ،، غايتي الأخيرة أن تنطق غصون الشجر ،،
لست ماجنا ولا عابثا ،، ولكن منذا يفرق بين قاتل وعابد ؟! ،،
أو يصدق أنك تقيم للعربدة معبدا ؟! ،، وسوق ترن أوتار الحكمة باعثة كلمات تقريع جامدة خشنة كالغبار ،،
الملل كرّه الاعتذار ،،


وقفت قبال أشيائهم ألقي بحديثي في فراغ ،،
تجاذبي طوال الوقت الحقائق والأحلام ،،
ولم يتبق إلا خطوة يسيرة لأتساءل عمن أكون ،،
وفي أي مكان أقيم والزمان الذي أعاصره ،،
وقلت : إنك لا تدركين كل شئ ،،


ومع ذك سجل القلب تاريخا في الحياة ،، سطر أولى كلماته وهو في ذاك العمر ،، ما يعنيه من السرد إلا دلالته على طبعه ،، ساوره الأمل – وهل ينعدم من الحياة الأمل ؟! ،،
أن تراوده السعادة ،، يظفر بالسعادة وان يئس من المركز المرموق منها ،،
تبادلنا نظرة طويلة فبدت تحت سيالها الغامض عارية من أثر منها ،، محض عاشقة ،،
وقالت شعرت بشئ غير عادي فانقبض قلبي ،،
وللنفس غريزة تغنيها عن العقل ،،
ولو كان للإنسان عموما غريزة مثلها لمعرفة المجهول لما ظل مجهولا حتى الآن ،،

- ولكن كيف أستقبل الحياة بدونك ؟! ،،

كنت قد وصلت حتى النهاية بوحشية ،، وجدت نفسي في الفراغ منفردا بعذاب أليم ،، مكلا بنار ،، بلا إيمان ولا عزاء ،،

عبدالله الدوسري
03-18-2011, 01:39 AM
أغمضت عيني سابحا خلف ذكريات تجرني وراءها ،، أستعيدها كالملهوف ببراءة كفيلم صامت دون مؤثرات صوتية ،، تتطاير الصور أمام عيني ،، أتذوقها ولا أبلعها ،، أتمكن من لملمتها تارة وأطاردها بطفولة ضاحكة تارة أخرى ،، وتارة تتبعني كابتسامة مترددة أتشممها بعذوبة ،، فلها رائحة أيام كنا فيها لا نعرف ما نريد لكننا نعرف ما لا نريد ،، كنا نفعل ما يعطي الزمن معنى ،، نجمة كحبة ملح بلورية ستلمع على مسقط شعاع ،،
وكمشهد أخير في ليلة وداع يرحل حلم ،، يقرر التحليق للسماء كما يصعد نهر باتجاه الغيم مخلفا ذكرى دافئة مثل تفاحة سكرية تذوب بتمهل في ريق فم جاف ،، شامخة كنصب تذكاري يعلو فوق همس الجدران ،،كصمت حصان خاسر يقف أمام مخزن العمر محروس بأهداب العيون ،، يأتي حينا كروبرتاج ليلوي بعنق الأشياء ساحبا خلفه سبحة من المشاهد العصية من أيام نضرة أو جسورة الألوان ،، حيث لم يكن مسموحا للون الأسود خلالها أن يكون مسئولا عن الإضاءة ،، ولم يكن متاحا للون الرمادي أن يتصدر الواجهة ،، مشاهد كانت عفوية التصميم للانسجام مع النفس ،، فيها صهيل ولها عشق للحياة ،، نفسها طويل الإرادة يختال مزهوا بإصرار ،، مثل تلك الأيام تزيد الألم أم تطرح الأمل ،، يا له من سؤال !! ،،

كان صباحا شاحبا متوترا يتحرك بطيئا وثقيلا ،، كان صباحا خليطا من الماء والملح ،، صحوت في التالي على صوت سيارة جاري العتيقة ،، وهو لا يبدل عادته الصباحية يقوم بتشغيلها لتطلق صوتها الحزين فيمتلئ الشارع بأكمله ،، قلت في نفسي وأنا أفتح جفني الذي حسبته البارحة نجمة ،، أيتها السيارة العتيقة العجوز ما أقوى ضجيجك تذكريني بوقفات العمر عندما ترتفع الأصوات وتتهالك القوى ،،
قالت : وماذا بعد ؟! ،،
فقلت : لا شئ سوى الغد معك ،،


عشت وقتا ليس بالقليل أحدق في الغابة الجرداء الصغيرة وأتأمل تفاصيل كثيرة كانت تغطيها الأشجار قبل أن يقام المبنى الكبير المواجه لنافذتي بعد شغله للجزء الأكبر من الحديقة ،، كانت فروع أغصانها مسننة مسكرة كخناجر الحب ،، كالأصابع الطويلة ،، كشقوق العسل ،، كانت حلية حول أعناق الشجيرات ،، شممت رائحة أغنية قديمة ،، " ألقاك فوق شفاه البسمة " ،، بعض الأغاني تتسلل إلى الذاكرة وتركن بداخلها طويلا تبحث عن لحظة مستفزة ،، عثرت بين طيات النغم على خرز أزرق تعثرت روحي في نعومته ،، تذكرت ذلك الشال الأبيض المرصع بالخرز الأزرق واستمع لحديثه كيف كان يردد اسمي ويقبل خدي ،، يحدثني حديثا يمتد حتى وجع الأكتاف ،،
ربما لم أعتذر عن خطأ في ساعة غضب ليس لها عقارب ،، ليصير الصمت هو من يبسط يديه كضيف ثقيل على مائدة ،، وربما أقرأ رسالة اعتذار سخي بلا ضفاف لمن فض كربة قلبه في ساعة حسم ،، أما غير ذلك فدقات المحبة دائما منتظمة ،،

دائما مشرقة كحضن مطر ،، كنوح حمام ،، كفراشة ضوء ،، تبعث القشعريرة في الجسد وتنبت الدفء في الصدر ،، صوتها أنيق عميق أشد بياضا من قطن الرسائل ،، تستيقظ الخشب والتراب ،، وقفت كطفل أيقظته يد الموت من نومه ،، خفة مميزة ترافق الروح ،، كلمات رخوة في قصاصة فرش النعيم وقصيدة حولها ،، أصبح كل شئ مزهوا انتشرت في الآفاق كضوء يبحث عن جرم ،، كمدينة كلما ضحك النهار ترفع سحابة يدها وتغني رعدا ومطرا ،، تحدثنا لأجدها تلمع كغابة من النساء توحدت في شجرة واحدة ،، تحدثنا كشريكين حقيقيين في الإرث والقدر ،،
مشاهد متفرقة تنتابني وصور قديمة تتناثر ألوانها حولي ،، كأن كلا منها يشبه لوحة معلقة ضمن إطار لأمكنة محدودة ولقطات مجردة من الزمان لا يفسدها تعاقب الأيام ،، كأن الذاكرة تعي جمال الأمكنة قبل الأوقات فتبقى ساكنة ،، ثلاث ساعات من دغدغة المشاعر قضيتها مع البحر الذي يفرض لونه كما يشاء ،، يجعلك بعد الجلوس إليه تؤمن بأن الجبال ليست متشابهة ولا النجوم بنفس الحجم ،، هل ستسمح للأوكسجين أن يطرح عليك أسئلة متعاقبة وأنت تتنفسه كغاز في أحلك الظروف مع صوت واحد ما تبقى من العمر فكيف تجرؤ على الأسئلة ؟! ،، فعلا الجلوس هنا يجعلك تؤمن بأن الكلمة خلقت لتتكاثر وتنتشر وتصبح متاحة للتداول والتبادل ومقاضاة الحب على استعمالها بعد نفخ العواطف لتصبح مشاعر تسيل لها الأجفان والوجدان لا تعرف سوى أشعة الشمس خصائلك تسبح كالأسماك في أعماق قلبه ،، الشيخ يوثق عقده والكاهن يربط بكلماته فتهتز من الفرق إلى القدم خشية أن تكون روح المصادفة العمياء في ثيابهما ،، فإن ثلاثة قد تأتي من تلقاء نفسها وهو ينتفي منها جهده : هذه المصادفة والعداوة والنحس ،، وقلما تحس بإحداها إلا إذا فوجئت بثلاثتها معا ،، وكذلك أشأم ما يعد في الشر تعدد شؤمه !! ،، فما العظمة وإن كانت مترجلة إلا في باطنها دائما روح أنثى ،، حتى إنها أعظم ما تكون إذا همت همها لشئ من آمال هذه الروح ،، السفينة لا تزال تجري بمجدافيها ما اتجها في الحركة إلى جهة واحدة ،، فإن اختلفا وتدابرا في هذه الحركة التوت السفينة أولا واضطربت ثانيا وانقلبت آخرا ،، والعواقب خطيرة ولا تسر ،، وباعتبار أن سلطة المعنى تتفوق على سلطة النص مثلا فلن نعرف إلا القشور ،، الحقيقة المطلقة يا عزيزتي كالحياة ،، حرب لا انتصار فيها على الموت ،، لا تضع أوزارها وإنما يقع المتقدم ليتقدم المتأخر فيقف موقفه ويسد مسده ويجاهد طويلا أو قصيرا ثم يسقط ،، ولا يثبت من الحقيقة إلا شئ يسير يشبه فرق ما بين التأخر والتقدم ،، كما يثبت من الحياة إلا شرف هذه الخطوة وعارها للجرئ الباسل والمفئود الجبان ،، وهكذا كتب على الحب أنه من تولاه فإنه يدعه على حال كأنه فيها روح لا جسم له ،، فمهما يصب من لذة أو ألم فإنه يتحول معه إلى اللذة والألم فيكون ألما لذيذا ،، ومن أجل ذلك خص المحبون من بين الناس بكثرة الشكوى لأنهم يستلذون آلامها والعاشق الذي لا يستطيع أن ينفس من شكاته أو لا يجد من يستريح إلى بثه لاعج الشكوى مما برح به إنما هو في الحقيقة المثال الشاذ الذي يمكن أن يتعرض منه مفسرون الأحلام معاني الجنون مع بقاء عقله ،، فهو الجنون العاقل ،، فقلت لنفسي إن لم تتفجر في أعماقي من جديد طاقة للشفاء فسوف أطلق النار على القمر الذي ربيته حتى اكتمل ،،

عبدالله الدوسري
03-14-2012, 03:22 PM
كانت الحياة مع الكتابة في أبعادنا تجعلني أمارس الصدق الذي لا عيب فيه وعن نشوة خاطر بقلم أبيض كقارب تغريه مطاردة التيار ،، فمارست الجنون الحر الذي لم يفسده تطبيع وتنفست مواويل مرتجلة ورسمت أشرعة وأمواج بلا شاطئ ،، كنت نورسا يتدرب على فن الذهاب إلى عودة الرحيل كالهواء مسبحا راقصا على أطراف النخيل بلذة همجية ،، أسبح بهدوء مثل إعصار يعبث بسنابل حقل ،، أهدم وأعيد البناء ،، أرسم أمسا مضى وأرجم فجرا بعيدا وأكتب بحرية عار في جزيرة تحتشد فيها التناقضات ولا تتجانس العناصر ،، تقاسمت مع البحر معالم الأرض بلغة مفضوحة تتسربل فيها الخيوط الملونة ،، أسرد هذياني البهيج على حافة ذلك المجداف الخشبي الذي يعيرني إياه الأبعاديون أحيانا ،، يبيح لي الهدوء حرية الوثب بين لحظة وأخرى كحصاة مقذوفة في البعيد من يد طفل تتصاعد وتتطير بلا وجهة وأجنحة ،، طحنت وعجنت وخبزت ،، أسهم بقطرات متواضعة في هذا المحيط حتى جاء زواجي حاملا معه أحداث ربيع عربي قلب موازيني رأسا على عقب ،،

" عمر " ولي عهدي وأمير قلبي لم يذب حبري وهو الجدير بذلك حتى لو لم يؤمن بي ،، فعندما يشتد هجير شمس الحياة كنت أتفيأ أمام البحر هاربا من مهنة التغلب على ألم الجمود إلى مهنة التحليق للبحث عنه ،، مراقبة ومنصة قضاء وصندوق ومواعيد ووحدات ترتبط ارتباطا وثيقا بالوقت الذي أصبحت لا أملك الكثير منه رغم توفره ،، فالوقت هو الساق ومن الصعب أن يرقص الإنسان بلا سيقان ،، فعذرا أبعاد ،،
أما عن المشاهد فلقد أصبحت كمهنة البحث عن رغيف للخبز في ساعة رملية تبلع كل شئ ،، قد يقول قائل بأن الدنيا لا تضيق ولذلك بدأ السندباد كما يروى رحلاته وأسفاره فصادف أقواما وأجناس فحكى عن الكثير ولم يغفل عن ذكر الطاغية الروماني " كاليجولا " الذي جسّد الجنون بعد أن أضناه العقل والبيئة الصامتة ولم يسمع حينها بهيئة مكافحة الفساد ،،

يقول ألفرد بتلر عن الحكم الروماني في مصر : إن حكومة مصر الرومية لم يكن لها إلا غرض واحد وهو أن تبتز الأموال من الرعية لتكون غنيمة للحاكمين ،، ولم يساورها أن تجعل قصد الحكم للرعية أو ترقية حال الناس والعلو بهم في الحياة أو تهذيب نفوسهم أو إصلاح أمور أرزاقهم ،، فكان الحكم على ذلك حكم الغرباء لا يعتمد إلا على القوة ولا يحس بشئ من العطف على الشعب المحكوم ،،
ومن المقولات التي لا تغيب عن ذاكرة التاريخ أبدا هي مقولة لكاليجولا " أما أنا فأسرق بصراحة " ،، عبارة سلسلة واضحة تفلق عين الحقيقة ولا تحتاج أن يتشدق الكذب بها ،، عبارة يتبعها الكثيرون من طغاة هذا العصر ،، فأي ثورة في العالم لا يحركها إلا الجوع ،، وبعيدا عن الانقلابات العسكرية لا تسمى ثورات نجد أن أحداث ربيع العرب الحديث وقوده الجوع ،،،، يقول أحد المؤرخين بأن معاملة الروماني للشاميين في البداية حسنة مع ما كانتعليه ممتلكتهم في داخليتها من المشاغب والمتاعب. ولما شاخت دولتهم انقلبت إلى أتعسما كانت عليه من الرق والعبودية، ولم تضف رومية بلاد الشام مباشرة ولم يصبح سكانهاوطنيين رومانيين، ولا أرضهم أرضاً رومانية، بل ظلوا غرباء ورعايا، وكثيراً ما كانوايبيعون أبناءهم ليوفوا ما عليهم من الأموال، وقد كثرت المظالم والسخرات والرقيق،وبهذه الأيدي عمر الرومان ما عمروا من المعاهد والمصانع في الشام تلك الأيام قتل كاليجولا وفرسه العزيز وانقضى حكمه ،، أما اليوم فألف ألف أمبراطور وألف ألف روما وألف ألف حصان والشعوب تبقى واحدة والرحمن الحافظ مالك الملك واحد ،،

عبدالله الدوسري
05-05-2012, 02:20 AM
يقولون بأن العالم سينتهي مشتعلا ،، ويقول آخرون بأنه سينتهي متجمدا ،،
ومما تذوقته من رغبة ،، سأصطف مع من يؤيدون النيران ،،
لكن إن تسنى لي الموت مرتين ،،
على يقين باني اعرف عن الكره ما يكفي لأقول أن الفناء متجمدا ،، امر عظيم ايضا !! ،،

أفقت من نومي متأخرا ومتحسرا على روحانية رحلة الصباح ،، أزعجني صوت بكاء مكتوم من خارج الغرفة ،، سألت صديقي الذي استفاق كما يبدو منذ زمن ومنهمكا بالعمل في كمبيوتره ويتحدث بهاتفه مع مديرنا ،، سألته ما الذي يحدث ،، فأجابني بأن عامل الفندق قد مات قريب له ،، فقلت : وما أدراك ؟! ،، قال بأنه سمع حديثهم وهو يتناول إفطاره في المطعم ،، ثم طلب مني بأن أستعد فأمامنا عمل مرهق ،،

حزن كمطر أزرق صادق كنبض ،، راو على قدر ما يجذبه العطر وعلى قدر ما يؤلمه وخز أحداث تستطعم مذاق التعب لا رغبة في العذاب بل هو تشوق في استكمال الرواية ،، كانت الساعة تقترب من الحادية عشرة والشمس تفرش أرض الشرفة الخشبية ،، شربت قهوتي على مهل فموعد عملي لن يبدأ إلا في المساء ،، ما يعجبني في بلاد الشرق أن كل ما حولك يتحدث بكل لغة ،، الشوارع ،، التماثيل ،، الزحام والوجوه ،، لا شئ يخشى الموت هنا ،، كل شئ يعيش كمنارة مضيئة ويموت كرنين نور ،، عزف كما الفجر وسلام كما الفجر ،، أن تستفيق على خبر موت فتلك مصيبة أما أن يؤثر بك وأنت لم تسمع من قبل عن الميت فالمصيبة أعظم ،، تتضاءل كل النماذج حينما تستمطر الدفء ،، لتعلم أن زمن الخسارة الحق والخراب ليس عندما تفقد الحياة بللا عندما يسقط من حولك متخلين عن المبادئ مخلفين في القلب حسرة تضاف إلى الفواجع التي عصفت بالأحلام والوعود ،، تنقلك معها إلى مدينة ابتلعتها حرب وتحولت إلى منطقة واسعة من الموت الملون ،، لا مكان فيها لأحد حيث غدا كل مكان ملاذا مؤقتا إلى حين ،، تبحر بك في بحار بلا ريح وإلى سجن أسس على العذاب واستحدث في منطقة صحراوية لا تصلها الريح إلا بعد أن تمر عبر بوابة من جمر ،، سجن ينتهي فيه كل ما يسمى بالعالم ،، منطقة تنتهي فيها الرحمة والأمان والانسانية وكل شئ له علاقة بالأحوال البشرية ،، يزيد فيها الموت ويسيطر عليها البطش والتسلط والظلم وفقدان الكرامة وتنتشر فيها الوجوه التي لا تحمل ودا لأحد ،، لتقف كالشاهد الوحيد على السقوط ،، تغوص في أدغال الزمن الكثيف عبر ممرات الذاكرة الثقيلة كالرصاص وبأنين مخيف يخفق مثل جناح طائر من طيور ما قبل التاريخ وعواء من نفذ من الهلاك ،، ينوح فتهتز أعصابك كفروع الشجر ،، عاصفة تعيسة تثقب الأعصاب وتحمل في طياتها حمم الحروف وويلاتها ،، فتحمل يأسا بحجم عمر وتتحول إلى وخزات تشق الجلد وتصل للعظم وتهبك دموعا خشنة ،،

أتساءل كيف ستكون الحياة بدونها ،، عرفتها وهي مثل الجاذبية ،، كل ما بداخلك يتحول إليها ،، فجأة لن تكون جاذبية الأرض ما يبقيك واقفا بل هي ،، سوف تفعل أي شئ ،، تكون أي شئ ،، من أجلها ،، كنت أبحث عن سلام جديد في زماني وكان الزمان معي ورواية للطاهر بن جلود جلبتها معي ولم أقرأ منها حرف منذ قدومي قبل يومين ،، كالطيور المهاجرة لا تعيش في أوطانها ولكن أوطانها تعيش فيها تلاحقها مثل ظلالها البعيدة متى ما لامست أرض ،،
عند مروري ببهو الفندق كانت مغنية تتراقص بعنف وتغور بالحياة على الشاشة الممتدة بعرض الحائط دونما اكتراث لما يحدث على الشاشة المجاورة حيث العالم يترنح والموت يرقص رقصته ويمتد الحريق من أقصى حدود الروح حتى أدنى محيط الدم ،، إنه ضياع محتمل فلا أحد يعرف ما هو المصير ،، وعند دخولي للمطار شاهدت مسافرا ينتظر موعد رحلته وكان يغرس نظرته في الفراغ وعلى وجهه شعور فاتر يشبه اليأس ،، سألني عن شئ لم أفهمه وهو يشير إلى جموع المسافرين فاعتذرت له بأني لا أفهم لغته وبدى كأنه لم يفهم إجابتي كذلك أو غير مبال بالفهم ،، نار ستغسل الدنيا من الفساد والآثام ،، لم يعد في البئر ماء فقد سرقوا كل شئ ،، كانت الكلمات من حولي تتلاشى في النفس وتتعثر في الانفعالات وكأن الجميع ينظرون إلى أفق مغلق ،، كان واضحا ضياع الحدود بين الكوابيس والأحلام والغد الذي يأتي بل يمضي كأي نهار غربة آخر ،، وكانت الأفكار والمشهد تتصارع وتتلاطم في مخيلتي وعيني مثلما يبرق النوم بالحلم ،، هل نظرت يوما الى نمر وفكرت بأنك يجب أن تغطي جسده ؟! ،، إنك مخلوق فريد ،، إنك فقط تعيش عصرا يحاول فيه العالم ترويضك ،، وقد آن الأوان لتصرخ ،،
من الممكن أن أثير الانتباه ،، مثل ما هو الموت ؟! ،، فليس ثمة حلم ،، فقط بشاعة وطمع ،، أريد أن أقطع عهدا لا أعرف ان كنت سأستطيع أن أفي به غدا ،، أو حتى بعد غد ،، ولكني نبهت سفلة الظلام بأني موجود ،، وبأني لن أساعدهم على غيهم ،، سوف أحاول أن أتكلم بلساني أنا ،، هذا هو وعدي ،، وسيكون صوتا من الحبر والغضب ،،
في فترة الاستراحة ذهبت لتناول عشائي في مطعم صغير داخل المطار ،، تطل علي مصابيح أنيقة يرتفع إغراؤها السري بسبب الاغاني الرتيبة والضوء الخافت الذي ينبعث من كل زاوية ،، هدوء وخفة كغيمة ،، إلى أن أعادني إلى الوطن حديث صديقي باللغة العربية في هاتفه عند جلوسه أمامي ،، فانقلب كل شئ إلى النقيض ،، تهشم كل شئ مثل قشرة بيضة ،، تفاصيل تشمئز منها شعيرات الجسم ،، لا مكان مناسب على الخارطة ،، طريق معتم مغمور بالظلام ،، عالم أسود يلتهم باطنه ،، طريق مملوء بالثقوب تنتشر كخيوط العنكبوت تصطاد الأحياء ،، والكتل الخرسانية الضخمة أصبحت كالجمل الاعتراضية والتحويلات فخاخ ،، تستقبلك نقاط تفتيش متداعية لا أحد فيها معظم الوقت يناقشك أو يشرح لك ،، ما إن تتجول داخل التحليلات حتى يصيبك الشلل فلا شئ يدهشك أو يحرك مشاعرك إلا بالحنق ،، شعارات متهالكة ،، مهترئة مثل فك مومياء نخر من السوس ،، مهمل ،، هذا ما جعل الألوان تبهت والزجاج يتهشم ،، الحدائق أصبحت يابسة والنخيل العالي ينحني بلا تهذيب ،، الفوضى عنوان ،، بشر مدمنون على النزاع ،، قليلو الوعي واحترام خصوصية الآخرين ،، يمشطون الطرقات طولا وعرضا بطريقة جامحة وسافرة ويلوثون الهواء الصافي بدخان الإطارات المنافقة والكوابح الخانعة ،، تيارات بلا قيود تصفعك بتصرفاتها وتمضي ،، أغان رخيصة تتصاعد في كل محفل من أفواه زاعقة عند كل بلاط كأنها صور من فلم قراصنة صامت ،، فتذكرت رسوم منتشرة على أحد الأسوار بشكل عبثي أحدهم كتب بخط ركيك " أروح لمين " ،، كانت تلك العبارة لسان حالي أرددها كلاعب رفع أثقال صبور ،، هذه مشاعر ومأساة وضعها بحار لا يملك شراعا فيبحر بقلبه الممزق ،،
قال صديقي : ما بك ؟! ،،
فأجبته بشئ من ذلك ،، فقال : إذن عليك بالبقاء هنا ،،