المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ماذا لو مات ظلـّي .. باسمة محمد يونس


لحظة
05-31-2007, 06:30 PM
قرأت مجموعة قصصية بعنوان ماذا لو مات ظلي ... للكاتبة باسمة محمد يونس

أخترت القصة القصيرة " ماذا لو مات ظلي " ... أتمنى أن تعجبكم ... فقد أعجبتني !!


كونوا مع هذا الجمال ...




" 1 "




إنها لحظة الغروب ..

يسقط القرص في بحيرة النهاية ..

أنا وحدي في ذلك المكان .. تغلفني غلالة شفافة ، تشبه جلد فراشة مبرقعة !

أستدير في مواجهة النافذة .. بقعة واسعة من البرتقالية تسطر نهاية اليوم .. عند الحافة كان النهار ينكمش معتما ً.. يبقع السماء الذهبية المتلاشية بآثار اليوم الماضي ..

ساعة حنين مستعر إليها .. هزني الشوق للقاء .. أتلفت حولي خشية أن يكتشفني أحدهم .. يباغتني متلبسة بالكتابة والحب ، تمتعني لذة الوحدة .. والتوحد معها ..

- لحظات وأكون معك ياعزيزتي ..!!
- هرعت متلهفة .. أناجي الخاطر بالحسن البهي ..

- هي وأنا .. وحدنا هذا المساء ..!!

كشفت عنها حجب السكون .. رفعت عن وجه ورقتي برقع الصمت .. أتوقع انبلاجة تلك المساحة البيضاء الناصعة .. كأنها بريق مباغت .. تلمع في عيني بوهج طهارة خلاب .. نقي .. تمسد كفي نعومة الأوراق الصامتة .. أهمس بشوقي ..

- ما أشد نقاءك ..؟

يفاجئني سواد غريب ينتشر فوق السطور .. يبعثر وهمي بقسوة ..

- يا إلهي ..!!

دهشت ..

- من سبقني إلى أوراقي ..؟.. من سكن بين سطور عذراء لا تعرف سوى قلمي ..؟

جزت الصدمة عروق اللهفة .. نفضت رأسي مستعيذة ..

- أعوذ بالله ..!!

تراجعت .. ارتعش الصباح المجاور .. اهتز الشبح الأسود الساكن بين السطور البكر .. تذكرت في ومضة مباغتة .. أنه ظلي .. يغلف البياض بعتمة دامسة ..!

- كم هو شقي !

مددت أناملي.. خائفة .. حذرة .. أمسك الطغيان الذي يستعمر هدوء المساحة .. أهمس مستثارة .

- إنه أنت.. أنت ظلي لا احد سواك ..!!

تأملته .. يستلقي بكبرياء فوق الأوراق الملائكية .. كأنه يتفشى مترقرقا ً كنقطة ماء .. يستعبد الجسد الطاهر النقي .. يحتل السكون بعنجهية .. بغرور .. بتمرد .. كدت أنفض الورقة .. أسقطه من فوق العرش .. أدفعه بعيدا ً عن لحظات خلوتي .. ولقائنا .. أبدد وجوده بإصرار .. لككنه ظل متوسدا ً المساحة .. متعمشقا ً الحدود المسطرة .. يفيض كي ينتشر بلا رادع .. ضج السؤال الحائر ..

- من أقوى .. نحن أم ظلنا ..؟

لكن أعماقي تساءلت ..

- لماذا ترتدي ظلالنا عباءة سوداء تخفي ملامحها ..؟

وفكرت ..

- من أين يباغتني الظل .. يقتحم عوالمي بجرأة .. بإصرار ..؟

أعدت رأسي إلى الخلف .. أفكر .. أنصهر .. أتخيل ..

- من خلق أولا ً .. نحن أم ظلالنا ..؟




يتبع ....


دمعة في زايد

لحظة
05-31-2007, 06:32 PM
"2"




في كوة المساء ، راقبت الشبح المعتم ينسحب من خلفي .. كأنه يفتح شدقا ًساخرا ً .. التفت ناحيته متفاجئة .. أعاتبه زاعقة .. أهجم عليه ثائرة ..

- هل تهزأ مني ..؟

تراجع منحسرا ً بصمت مهول .. اقتربت منه على الحائط .. أتحسسه بيدي .. بخوفي ..

- إلى أين ترحل ..؟

لكنه كان منطويا ً فوق نفسه .. كما تتكور اللحظة في أحضان صمتها ..!!

فهمت أنه لا يعرف السخرية .. لا يحب العتاب .. يكره الفضول .. فهت أن الظل جاد .. لا يهتم لسخرية الآخرين .. فحقدت على نفسي !!
كدت أكرهها .. حينما رأيته بعيدا ً .. صامتا ً .. منكمشا ً .. اعتدت أن أراه هائلا ً .. ضخما ً .. مسيطرا ً .. مكابرة .. أقترب منه .. أمد كفي .. للصلح بيننا .. أسأله ..

- إذا ً .. أنت تحاورني .. وتنتظر الإجابة ..؟

اكتشفت وقتها أن الظل مارد .. متوهج بالحيوية .. لكنه لحظة غضبي منه يسقط منكمشا ًَ .. وراء الجدار الصامت .. البارد ..!!




يتبع ....



دمعة في زايد

لحظة
05-31-2007, 06:35 PM
"3"



راقبت قطتي الصغيرة .. كانت تنسحب بهدوء .. تتسلل ناحيتي .. تتمسح بساقي .. ضحكت .. حملتها .. داعبتها .. بدأت تموء .. سألتها ..

- جائعة .. .. ؟

وتساءلت ..

- هل للقطة ظل يسكنها ..؟..

تأملتها مفكرة ..

- ربما لها ظل يتكلم .. يستطيع أن يحكي ماتشعر به .. تتألم ..

تخاف .. تحب .. تفزع ..؟ فكرت أن قطتي ضعيفة .. مسكينة .. تركتها واستدرت .. حينما باغتني الظل المرسوم بوحشية على الجدار أمامي .. كأنه ظل شيطاني .. صرخت فزعة .. تراجعت أتشبث بقطتي .. فزعت هي .. تركتني متباعدة..

انصهر الظل الآثم .. ثم تلاشى .. توهمت أنني حلمت .. أن الظل كان خيالا ً .. عابرا ً ..

بدأت أبحث عن القطة .. ناديتها هامسة .. قفزت بين ذراعي .. ثم انزلقت من يدي .. هرعت ناحية الجدار تتمسح بظلي .. حينما رأيت ظلها .. أفزعني .. صرخت تراجعة .. أسحب معي ظلي .. أبعده عنها .. أحميه منها .. كأن القط صار نمرا ً .. مرعبا ً .. خشيت أن يلتهم ظل القطة .. ظلي المسكين .. هتفت ..


- يا إلهي .. ظلي .. ظلي .. ..!!

تركت قطتي الجدار .. تجري ناحيتي .. تموء متمسحة .. ضعيفة .. مستكينة ..

اقتربت منها أرفعها بين يدي .. أحتضنها .. كانت صغيرة .. منكمشة .. لكن في عيونها لمعان غريب .. سألتها ببراءة ..

- هل كان ذلك ظلك .. ؟

كانت تموء بضعف .. متحشرجة ..

- هل أنت خائفة ..؟

ظلت تموء .. لكن زئير النمر الصامت كان يسكن المواء .. الضعيف .. في مخيلتي المجهدة ..!!



يتبع ....


دمعة في زايد

لحظة
05-31-2007, 06:36 PM
"4"


في الصباح ..

في محل تصوير ..

ناولني المصور غلافا ً يحوي صوري الملونة .. والسلب المعتم .. كدت أسأله ..

- لماذا تنسحب الألوان من السلب ..؟ لماذا تعطيني إياه معتما ًُ ..؟

وأفكر معه بإلحاح ..

- من ولد أولا ً .. الصورة الملونة أم السلب ..؟

حينما قال محفوظته بآلية :

- لو أردت صورا ً إضافية .. أحضري الأصل ..!!

مرتبكة .. أنظر إلى مابيدي .. محتارة في من يكون الأصل .. اختلطت

الصور بالسلب .. تساءلت

- أيهما الأصل ..؟

- من خلق أولاًَ ..؟

حينها أدار وجهه إلى زبون ثان ينتظر .. !!

تنهدت ..

خرجت أقنع نفسي .. أن ظلي هو الآخر له كل الحق .. في ألتقاط صورة .. بدون ملامح ..!!

حملت مغلف الصور .. كدت أصرخ في آذان العابرين والمارة ..

- أنظروا .. هذه صورة ظلي .. صورة معتمة بلا ملامح ..!!

وأتساءل ..

- من منكم يحتفظ بصورة ظله ..؟

وأتساءل ..

- ماذا تحمل هوياتكم .. صور الأصل أم الزيف ..؟


مددت صوري في وجه أحدهم .. كان ينظر ناحيتي باستغراب .. ثم فر متعجلا ً .. كأنه يهرب مني .. ظللت أشير ناحيته .. وهو يجري خائفا ً .. يلتفت وراءه .. أشير ناحية ظله .. وهو يجري خلفه ..

سقطت فوق الرصيف أضحك .. وأضحك ..

- حتى ظله .. كان يفر معه ..!! ما أجبن الظلال ..!!

يتبع ....


دمعة في زايد

لحظة
05-31-2007, 10:15 PM
"5"


فكرت بالتسوق ..

في كل مكان .. يحيرني ظلي .. تربكني فوضى ظلال الناس حولي .. كنت أمشي محاولة اجتناب أن تدوس قدمي فوق ظلال الآخرين .. كانوا ينظرون ناحيتي بدهشة .. تابعت أحدهم ..

- من فضلك ..!!

ينظر ناحيتي .. فوق شفتيه ابتسامة .. في عينيه نظرة إعحاب .. أقترب منه .. أهمس بقسوة ..

- ابتعد عن ظلي .. أنت تؤلمه .. تسحقه بأقدامك ..!!

نظر أسفل قدميه .. رفع حاجبيه دهشة .. ثم فر هاربا ً .. وأنا أضحك ..!!

كان ظلي يراقبني .. لم يشاركني لهوي .. لكنه ظل يراقبني صامتا ً .. جادا ً .. مهيبا ً .. عابسا ..ً خجلت من ظلي فكرت أنه ينعتني بالحمق .. لكنني لم أسأله .. كي لا أسمع الإجابة ..!!

يتبع ...



دمعة في زايد

لحظة
05-31-2007, 10:18 PM
"6"


في السينما ..

قررت حضور الفيلم المعلن عنه.. مصطحبة ظلي الذي يأبى أن يفارقني .. في المقاعد الأولى جلست .. أنتظر .. استعرت الشاشة العريضة .. تأججت فيها ألوان الحياة .. موسقى الحكاية الجميلة .. حينما أجفلتني صورة ظل غريب يقتحمها .. كان يتربع مستحلا ً الشاشة .. التفت حولي خجلة .. مستغربة .. خشيت أن يكون ظلي .. قد غافلني ومارس سطوته على الأشياء .. خفت أن أكون وحدي من تراه .. خفت أن يكون قد فر من جسدي .. مصرا ً على الظهور .. مستعرضا ً صورته .. فكرت بالهرب من المكان قبل أن تصيبني اللعنات .. لكنها لحظة .. تعالت فيها صيحات الجمهور .. كانوا يزعقون عليه .. يعاتبون ظهوره المفاجئ .. ثم اختفى .. سقط إلى الأسفل .. ومعه ضاعت لحظات المتعة بالفيلم ..

قررت التسلل هاربة .. إنه يفضحني .. هذا الظل المتمرد ..!

يتبع ...




دمعة في زايد

لحظة
05-31-2007, 10:20 PM
"7"




مشيت أفكر ..

ظلي متهور .. جرئ .. متمرد ..!

وأنا تخجلني أتفه الأشياء .. لماذا لا أستبدل ألواني بالظل المعتم .. لماذا لا أوقع معه اتفاقية تبادل .. أرتدي لونه لممارسة العنف الرابض في أعماقي .. لماذا لا أترك للظل كل حياتي .. وأصبح أنا الستار الكالح التابع للجسد ..؟

رمقت ظلي المتباهي بنفسه .. كان ينسحب خلفي .. يرافقني بسيطرة .. يقفز بجواري كأنه يذكرني بوجوده .. يسبقني إلى الأمام كأنه يفرض سيادته على وجودي .. فكرت أن أزجره .. أردعه عن التمرد .. لكنني خفت غضبه .. خشيت جنونه .. أفهم أنني من يتبعه .. أختبئ به .. أسير بحمايته .. إنه وحده القوي .. وحده العظيم .. وحده القادر على التحدي .. وأنا ضعيفة .. خائفة .. تصبغني حمرة خجل .. تسقطني في قاع الصمت .. وحيدة .. بعيدة .. خانعة ..!!


يتبع ...



دمعة في زايد

لحظة
05-31-2007, 10:22 PM
"8"



تتمدد الظلال على الجدران .. في الحدائق .. كأنها تسترخي بإنتظار إياب أصحابها .. ظل ٌّ كان يحرس المكان خلف قاعد عشاق صغار .. ظل ٌّ يغفو فوق الحشائش .. كأنه يحتضن ظل الشمس السارحة فوقه .. ظلال تتحرك في الأماكن العامة .. تتصادم .. تتشابك .. تسبق الطوابير المنتظرة ظلال طفلة .. ظلال ضخمة .. ظلال بكل الأحجام .. بكل الأشكال ..!

أمام فرن المخبز .. توقفت .. جائعة .. جمهور يصطف أمام المكان .. أنا في آخر الطابور .. وظلي يسبق ثلاثة رجال أمامي .. هل يشعر ظلي بالجوع هو الآخر ..؟ لكنني رفضت في تلك اللحظة الإنتظار وحدي .. بدونه !

قررت متابعته .. قررت ارتداء ثوب الجرأة مثله .. لأول مرة .. أقترب من الرجل الثالث .. ألغط بثورة :

- من فضلك ..؟

ينظر ناحيتي متسائلاً ..

- ظلي أحق بالدور منك ..!!

ينظر صامتا ً .. مندهشا ً ..
أشير بيدي ناحية الظل .. يهز رأسه .. يشيح برأسه عني .. أكاد أصرخ حينما لم أرَ ظلي لحظتها .. اختفى الظل .. خفت أن يكونوا قتلوه .. خطفوه .. ذبحوه .. أتشبث بعنق الرجل .. أصرخ جزعة ..

- أين ظلي ..؟

يرتعش الرجل ذعورا ً .. ينظر ناحيتي بخوف .. يتمتم بكلمة واحدة ..

- مجنونة ..!!

في لحظات تفرق الجمع .. بحثت عن ظلي بين الظلال الهاربة .. لم أره .. فتشت عنه في الفراغ المنبسط .. لم أعثر عليه .. فكرت ساعتها أنه تخلى عني .. تركت المكان خائفة .. خشيت أن يضيع في الزحام .. ولا أجده ..!!

بدأت أبحث عنه مثل أم فقدت طفلها .. أناديه ..

- ظلي .. ظلي ..!!

التفت فجأة لأجده ينسحب ورائي كالذيل الممطوط .. معاتبة رمقته .. يملؤني إحساس بالراحة والأمان .. أتنفس الصعداء .. هاهو الظل يعود إلي .. لم أعد خائفة .. إنه معي ..!!


يتبع .....



دمعة في زايد

لحظة
05-31-2007, 10:25 PM
"9"




تنسكب الظلال عبر النوافذ بلا حياء .. تقتحم البيوت بلا استئذان أعاتب ظلي بقسوة ..

- كم حذرتك من عاداتك السيئة ..؟

فاجأته يسترق النظر عبر نافذة مشرعة ..

همست محذرة ..

- عيب .. ارجع .. ارجع ..!!

لم يحذره أصحاب البيت .. لم يلتفت ناحيتي .. أغراني انشداهه بالنظر .. كان مستكينا ً على الحافة .. وحينما اقتربت يسابقني فضولي لما يراه .. رمقتني امرأة تستلقي فوق السرير قفزت من مكانها .. صرخت فزعة .. لملمت خوفي .. وهرعت أجري .. خشية المجهول ..!!

- لماذا لا تلام الظلال كما نحن ..؟

هل تكون الظلال وهما ً لا تراه عيون غيري ..؟

هذا ماجال بخاطري لحظتها ..!!

يتبع ...



دمعة في زايد

لحظة
05-31-2007, 11:02 PM
"10"




تقبل الظلال وجوه غيد حسناوات يخطرن في الأسواق .. أنظر إليهن .. ضاحكات .. لعوبات .. لا يردعن الظلال عن احتضانهن .. يتفشين فيهن بسلاسة .. بلا رادع .. ولا حسيب .

أتنهد مستغربة ..

- هل يكون ظلي رجل .. وأنا امرأة ..!!

معادلة صعبة ل أفهمها .. كدت في لحظة أمتلئ بالخوف .. ويداي تتحسسان جسدي .. المرتعش ..!!

تعبر الظلال المتمردة إشارات المرور الحمراء أمام عيون شرطي المرور .. تتحرك خلال سيول السيارات المسرعة .. كدت أعبر الطريق خلفها .. حينما انفجرت صافرة الشرطي المعولة .. وضج صخب أبواق السيارات الثائرة ..!!

أتأمل كل الظلال في كل مكان .. أصرخ في أعماقي ..

- لكنها لا تموت .. لا تصادر .. لا توقف .. لا تحاسب .. لا تواجه .. لا تقطع تذاكر .. لا تصدم .. لا تحبس .. لا تشتم .. لا تحاكم .. لا تعاقب ..!!

أتساءل بغضب ..

- ونحن ..؟

كدت ألوم الشرطي المنفعل .. لكنني خشيت المواجهة من جديد ..

أفكر بقهر ..

- من خلق أولا ً .. نحن أم ظلالنا ..؟

حتى تمنيت لو أنني أعيش بظلي وحده .. فقط ..

لو أعيش بظلي وحده .. به وحده فقط .. فقط ..!!

يتبع ...



دمعة في زايد

لحظة
06-01-2007, 10:39 AM
"11"




أتوقف أمام طريق عبور مشاة .. أنتظر سيلا ً يتدفق حتى ينحسر .. باغتني ظلي مستلقيا ً بكبريائه في منتصف الطريق .. تدوسه إطارات السيارات العابرة .. لكنه لا يتألم .. كدت أصرخ محذرة إياه .. أجري وراءه لأسحبه بعيدا ً عن الخطر .. أنحني فوقه كي ألملم جروحه النازفة .. لكنه كان صامتا ً .. لا يصرخ .. لا يبكي .. لا يتألم .. لا ينزف .. لا يموت .
تحركت مدهوشة .. مشى معي .. ثم تابعني ..

تنفست الصعداء ..

- ظلي بخير .. الحمدلله ..!!

رجّتني غيرة عنيفة ..

- لو فكرت بإختراق الشارع في هذه اللحظة .. قتلت ..!!

نظرت ناحيته .. حاسدة .. زمجرت ..

- لو أنني قوية مثلك ..!!

يومها عرفت أن ظلي هو أقوى الأشياء .. همست له ..

- كم أحسدك ياظلي .. أنت أقوى الأشياء ..!!


يتبع ...


دمعة في زايد

لحظة
06-01-2007, 10:50 AM
"12"




أبحث بين الناس عن واحد بلا ظل .. أفتش خلف المارة عن رجل يتحرك بلا ظله .. عن امرأة تمشي بدون ظلها ..

ساعة الغروب .. لمحته ..

كان رجلا ً يمشي وحده بدون ظل .. صرخت متفاجئة ..

- هاهو رجل .. يمشي بدون ظله ..!!

هرعت ناحيته .. مشيت خلفه .. كدت أناديه .. حينما عبر الرصيف تحت عمود إنارة .. وتوقف ينتظر ..

لمحت الظل يتمدد خلف العمود .. كأنه يمد لسانه .. ويضحك مني ساخرا ً ..

تراجعت يائسة .. عاجزة ..

لكنني اكتشفت أن كل الأشخاص صور وسلب .. حتى تلملم الشمس خصلاتها .. وتتراجع إلى خبائها .. كي تنام .. حينها يلمل الظل جسده .. ويعود إلى خبائه وينام ..

كان هذا ماتوهمته ..!!



يتبع ...



دمعة في زايد

لحظة
06-01-2007, 11:01 AM
"13"




تذكرت أنني قرأت مرة قصة بعنوان ( الرجل الذي فقد ظله ) تمنيت لو أنني ألتقيه .. لو أعرفه .. فكرت أن أسأل عنه كي أراه ..

- كيف يعيش .. بماذا يشعر .. كيف ينام .. بماذا يفكر ..؟

لكنني خفت ..

لم أعد أتخيل رؤية إنسان .. قوي بدون ظل ..

كأنه غريب .. من كوكب بعيد .. لا ينتمي لجنس البشر ..!!

وفكرت أكثر ..

لوفقدت ظلي ..

ماذا يحدث لي .. ماذا أصبح .. ماذاأفعل كي أسترده .. كانت القطة تعبر المكان .. تموء بضعف .. لكنها تلك الليلة لم تستكن في حضني .. لم تلجأ إلي ّ.. بحثت عن ظلي مذعورة .. أردته أن يبقى معي .. كأنه يحميني من النمر المتوحش ..!!

حامت الفكرة في ذاكرتي .. تلسعني بالخوف .. تؤنبني .. تؤرقني .. تخزني ..

- لو فقدت ظلك .. ماذا تصبحين ..؟

أتأمل ظل القطة المتمدد على الجدار .. أرتعش .. أتكور في المقعد .. وحيدة .. خائفة ..
- لو فقدت ظلك .. ماذا تصبحين ..؟

تركت المكان .. أجري إلى غرفتي .. أغلق الباب خلفي بالمفتاح ..!!

بدأت أخاف عليه .. تخيلت أنه يجب أن أحافظ على حياته ..

أكثر من حفاظي على حياتي .. لا أتركه وحده .. ولا أدعه يعبر الشوارع في ساعات الذروة .. أمام إطارات السيارات المتوحشة لم يكن بإستطاعتي منع ظلي الجرئ .. الذي يسبقني ليستمتع بمغامراته الخطرة في تلذذ سادي مستهجن .. لكنني قررت فرض حصار شديد عليه ..

- لن أفقدك يا ظلي .. لن أدعك تموت أبداًَ ..!!




يتبع ...



دمعة في زايد

لحظة
06-01-2007, 11:04 AM
"14"


بدأت أخطط لعدم الخروج معه في النهار .. أحبسه بين جدران أربعة ..

يرن جرس الهاتف .. صوت رفيقة يتجاوب عبر الصدى ..

- ألو ..

- لا .. لا أفكر بالخروج نهارا ًَ .

- أخاف عليه ..

- ظلي ..!!

- لوخرجت به .. قد تصدمه سيارة عابرة ..

- إنه جرئ .. مغامر .. وأنا لا أريد أن أفقده ..!!

- لا .. أتركوني معه .. وحدنا ..!!

أقاوم رغبة ظلي الملحة في الإنطلاق .. كان يتسلل مني عبر النوافذ .. أغلقتها .. ينسكب فوق قضبان الشرفة الحديدية .. سددت الأبواب نهائيا ً .. يتسلق الجدران عبر ثغرات في النوافذ .. حبسته فوق مقعد في الزاوية .. قيدت جموحه الفوضوي ..

- إهدأ .. إهدأ ياظلي العزيز ..

كممته بين الجدران الصماء .. في غرفتي المستكينة .. المستسلمة ..!!

- اصبر ياظلي .. اصبر ..!!

أمام التلفاز ..

جلست .. تركته يجلس ورائي .. يتمدد على الحائط ..

- ألا يتعبك الوقوف هناك ..!!

سألته .. لكنه لم يجبني .. كان منهمكا ً بالمتابعة .. ناولته طبق البطاطا المقلية .. لكنه لم يستجب .. فكرت بإطعامه .. إنه يتحرك مثلي .. يخرج معي ..بدأت آكل .. راقبته .. كان هو الآخر يأكل معي .. لكن بهدوء .. بدون فوضى .. بدون ضوضاء .. تركته يلتهم طبقا ً يخصه .. بنهم .. أنيق !!




يتبع ...



دمعة في زايد

لحظة
06-01-2007, 11:07 AM
"15"



فوق السرير .. أقرأ ..

ظلي هوالآخر كان يحمل بين يديه الكتاب ..

- ماذا تقرأ ..؟

ظلي هو الآخر كان يحمل بين يديه الكتاب ..

- ماذا تقرأ ..؟

لم يجبني ..

فكرت أن الظل أخرس .. أحزنني أن يفتقد هذه الحاسة .. لكنني فكرت أكثر ..

- ربما من الأفضل أن لا يتكلم الظل ..!!

ظلي كان يتبعني في كل مكان .. يراقبني .. يعرف كل أسراري ..

استرخيت مطمئنة .. ظلي الأخرس لا يفشي أسراري .. إنه آمن الكائنات .. أخلص الأصدقاء .. بعثت له قبلة قبل النوم .. أدهشني أنه استجاب لي .. وبعث هو الآخر قبلة .. اطمأن قلبي لحظتها .. ظلي ليس أعمى .. إنه يرى ..!!

عند منتصف الليل .. استيقظت مفزوعة .. أشهق أنفاسي المختنقة .. أشعلت بصيص نور شمعة .. فاجأني ظلي متوحشا ً فوق الجدار المقابل .. كأنه هو الذي أيقظني بعنف ..

- بسم الله الرحمن الرحيم ..!!

تراجعت أشهق الفزع من جديد ..

تخيلته يتحفز كي يهاجمني بمخالبه الكابوسية .. كأنه ظل قطتي الوديعة .. النائمة .. يزرعها في عنقي .. يزعق في وجهي مطالبا ً إياي فك الحصار المؤلم .. كي ينطلق ..

- أتركيني أخرج .. دعيني أنطلق .. أنا لم أخلق للحبس .. لا أحب القيود ..!!

- لكنني أخاف عليك ..

لا تحبسيني .. دعيني أتنفس ..

لو فقدتك .. أموت ..!!

هددني وتوعدني بالفرار ..

- ماذا لو فررت منك .. لو مرضت .. لو مت من الحبس .. أنت بدوني لا تكونين ..

قال بعنجهية ..

- من يريد امرأة فقدت ظلها ..؟

شهقت خائفة .. نفضت رأسي مستعيذة .. طمأنت نفسي أنه كابوس عابر .. استدرت كي أغفو من جديد .. فاجأني يتأهب كي يسقط معي في السرير .. ارتعشت ..

- ألن تنام بعيدا ً ..؟

- بل سأبقى كابوس نومك حتى تطلقي سراحي ..!!

أخافني إصراره .. يريد الإنتقام .. مني بدون شك ..

- أعاهدك أن أطلق سراحك غدا ً صباحا ً ..

- تعدينني ..!!

- أعدك ..!!

عاهدته مضطرة بالإفراج عنه في الصباح ..

سكت وهدأت ..

أطفأت النور .. نام ظلي .. وعدت للنوم بعد أن تأكدت أنه نام .. يؤرقني خاطر شائك ..

- لو مات ظلي .. كيف أعيش بالأصل المزيف ..؟

تحسست جسدي مذعورة ..

- من يريد امرأة فقدت ظلها ..؟

ظلت عيوني مفتوحة مؤرقة .. حذرة ..

- من يريد امرأة فقدت ظلها ..؟

لم أنم ليلتها أبدا ..!! أنتظر الفجر .. كي أخرج بظلي إلى الحياة ..!!



يتبع ...


دمعة في زايد

لحظة
06-01-2007, 11:09 AM
"16"



في الصباح الثاني جلست إلى مكتبي .. منهكة .. مرهقة .. وجه المسؤول ينبهني إلى لحظة عداء مستنفرة ..

- تأخرت ..؟

- إزدحام الطريق ..

- غائبة منذ يومين .. واليوم الذي تحضرين فيه .. متأخرة ..!!

- أعتذر .. ظروف ..

- العمل لا يفهم الظروف ..

- ماذا أفعل ..؟

- ظروفنا تجبرنا على الخصم ..

- تريد خصم اليومين ..؟

- وتأخير اليوم الثالث ..!!

أنظر إليه بحقد .. كأنني أبحث عن ظله المتوحش .. لكنه كان صامتا ً .. مختفيا ً .. في أعماقي فكرت ..

- هل يكون هو الرجل الذي فقد ظله ..؟

لكنه حينما نهض من مكانه .. انسحب الظل في ذيله .. كان ظلا ً عاقلا ً .. مهذبا ً ..!!

ألحت عليّ فكرة ..

- هذا الرجل لا يستحق ظله .. أبدا ً ..!!

تساءلت بعيون تحملق بين الوجوه الكابية المنحنية فوق المكاتب والمدفونة بين الأوراق ..

- ماذا لو تظاهرت الظلال ذات يوم .. مطالبة الناس أصحاب الصور الملونة بحقوقها في أسماء وبطاقات هوية وجوازات سفر وتكوين مجتمعات خاصة بها .. لا تعرف الحقد والخوف والصراع والخيانة .. ولا تخشى ما نخافه .. بعيدا ً عن شرور الإنسان وعوالمه البغيضة النابضة بالحقد ..؟

نهضت من مكاني مقهورة .. متمردة .. تحركت متباعدة .. صرخ الصوت الكريه ..

- إلى أين ..؟

لم ألتفت ناحيته .. كان ظلي يسابقني بحرية وفرح .. كأنه كسر القيد .. وخرج إلى الحياة .. بعيدا ً عن عتمة الناس في هذا المكان العطن ..!!

عند الظهيرة ..

مشيت أنوء بخاطرتي الملحة ..

عبرت الطريق جنازة ..

خاشعة توقفت أتأمل الناس .. والأشياء في ذلك الوقت .. كأن الشجيرات تنحني فوق ظلالها .. كأن ظلال الأشياء تستكين بخشوع متألم .. ملهوفة .. بحثت ببصري عن ظل الميت ..

-لا بد أن يرافق شريك عمره إلى مثواه الأخير ..!!

نقبت نظراتي كل الوجوه ..

- ربما يشارك حملة التابوت ..!!

كانوا جميعهم بملامح حزن متوحدة .. بحثت عن وجه بدون ملامح .. فتشت طويلا ً عن ظل بدون ملامح بين الأجساد التي تحمل التابوت .. لكنني لم أعثر عليه .. نكست رأسي حزينة متألمة ..

- حتى الظلال خائنة ..!!

بدأت أمشي في جنازة أملي ..

وفوق الأرض .. لمحت تابوت الظل .. يرافق صاحبه ..!!

صرخت مبتهجة ..

- إنه هو .. إنه هو ..!!

التفتت الوجوه ناحيتي .. خجلة تراجعت ، تصفق بين جوانبي أجنحة فرح صاخبة .. فهمت لحظتها أن الظل لا يحيا بعيدا ً عن صاحبه .. ابتسمت منشرحة .. تشرق في أعماقي لحظات أمل ..

رفعت رأسي متحدية ..

- لن أفقد قوتي أبدا ً .. مادام الظل وفيا ً إلى هذا الحد .. ولا يعرف الخيانة ..!!

لكنني توقفت .. متسائلة ..

وجأر في أعماقي صوتها ..

- يقولون إن الرجل هو ظل المرأة ..!!

- كنت أسمع كثيرا ً أن الرجل ظل المرأة ..!! أي إنه قوتها .. لكنني لم أفهم حتى الآن .. ماذا تسمى المرأة .. بالنسبة للرجل ..؟

نظرت ناحية ظلي .. بحب ..

- لن تتركني يا ظلي الحبيب .. لن تتركني أبدا ً ..!!

تابعت طريقي ..

أرقب رجلا ً يعبر الرصيف .. مصطحبا ً ظله .. اخترق ظله في ثانية ظلا ً آخر يتحرك في مواجهته ..

- يا إلهي ..!!

تأهبت لعراك أكيد .. جاحظة البصر في انتظار الصراع ولكن الظلال أدهشتني .. لأنها ظلت هادئة مسالمة ..

وفي ثانية أخرى تصادم الرجلان .. وقفا يتنازعان .. تتفجر من عروقهما شظايا غضب .. لاهبة استدارت الظلال الصامتة .. المسالمة .. متوحشة .. ملبدة بالشر .. كي تبدأ هي الأخرى عراكها المستعر

هتفت متمنية ..

- لو كان الظل هو الأصل ..!!

- نحن لسنا أكثر من صورة سلبية .. للحياة ..!!

- لمَ يقولون بأن السلب المعتم هو الظل ..؟

يتبع ....



دمعة في زايد

لحظة
06-01-2007, 11:14 AM
"17"



في المساء ..

راوغت الظل المسافر مع الشمس الهاجعة ..

أفرجت عن أوراقي .. حللت قيدا ً يكممها .. وسدتها فوق حضن الطاولة الغافي .. مسحت عن بياضها غبار الظل الأسود .. وتركتها هادئة .. بين ذراعي السكون .. شحذت ريشة قلمي .. أشعلت شمعة الذكرى .. حينما أطل الظل مترقرقا ً .. يبتسم متحديا ً لحظة عزلة ..

همست له بكل الحب ..

- مساء الخير ياظلي العزيز ..!!

لكنه لم يتزحزح .. حتى احتضر الضياء وتسرب منحسرا ً ..

- لن أحيا أبدا ً .. إلا وأنت معي ياظلي ..!!

وعدت للتساؤل ..

- من خلق أولا ً .. أنا أم ظلي ..؟

لم أسمع إلا قهقهة شبحية .. تفجرت شظاياها في عروقي ..!!

الآن .. أحب ظلي كثيرا ً .. ولا أفكر بالتخلي عنه أبدا ً .. فهو هادئ عاقل مسالم .. لا يعرف الكراهية .. لا يلاحق تفاهات الحياة كما قد أفعل .. مضطر إلى مرافقتي .. لأنه وفي أمين .. لذلك لا أفكر بالتخلي عن ظلي أبدا ً .. مهما كان الثمن ..!!





إنتهـــــــت



دمعة في زايد