المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : التكثيف الدلالي في القصر السردي


هديل العبدان
06-19-2007, 04:38 PM
عند قراءتنا لنصّ أدبي ما، فإننا لا نقف دائماً أمامه خاضعين تماماً للكاتب، إنما قد نختلف معه وقد نتفق أو قد نأخذ مأخذ آخر تماماً في فهم المقروء، وهنا يتّضح الفرق بين " تفسير النّص " و " تأويله " ، فالتفسير يكون في شرح مؤطّر بذات المعنى الوارد، إنّما التأويل عبارة عن الخروج والبحث عمّا وراء النص .. عن مدلولات أخرى يحتملها المعنى أو تخرج عن الفكرة قليلاً لأخرى.

عند الدخول في النصوص الأدبية فإننا سنقابل ثلاثة أنواع للنصوص .. مباشرة، رمزية، مايحتمل الإثنين، وجميعها تخضع لشكلين أدبيين، أحدهما مفتوح [ وهو الرمزي أو القريب له ] وهو مايحتمل الدلالات الواسعة دائماً، والآخر مغلق [ وهو المباشر] الذي لا يحتمل – غالباً – مدلول أو معنى أكثر مما كُتب داخله.

وعندما نمسك نص أدبي مغلق، ونحاول كتابة قراءة عليه، فإننا سنواجه مشكلة التكرار .. لأننا لن نأتي بجديد!، سنبدو وكأننا نعود و [ نفسّر] نفس فكرة الكاتب لكن بلغتنا الأخرى فقط، بينما عندما نقوم بقراءة النص الأدبي المفتوح فإننا سنبحث عما يقع خلف المكتوب وننبش فيه، وقد نخرج باحتمالات كثيرة.

إن التغير في وظيفة الأدب ودخول الحداثة عليه، كان أحد وسائل التجديد الأدبي، وهذا لا يعني بالضرورة انسلاخه من شكله القديم، ولكن هذا التجديد دعى بالضرورة إلى تغيير عاداتنا في قراءة النص الأدبي لتغير مواجهاتنا الأدبية مع النصوص الجديدة، وهذه النصوص الجديدة لن تكون منفصلة عن القديمة منها .. قد يختلف مسماها .. وبعض أغراضها ..ولكن ستبقى المرجعية فيها دائماً إلى ماكانت عليه في شكلها القديم.

ولكن هذه الرؤية يبدو أنها لم تتضح تماماً عند بعض النقاد حينما رفضوا دخول فن [ القصة القصيرة جداً ] كأحد فنون القصة، وربما يعود ذلك إلى عدم تصالحهم مع فكرة الحداثة الأدبية، الغريب أن فكرة القصة القصيرة جداً لم تُستحدث قريباً، إنما كانت متواجدة منذ القدم في القرآن الكريم والأحاديث النبوية والطرف، غير أن ما تجدد منها فقط التسمية، إذاً أثر الحداثة عليها .. في مسماها.

يقول جابر عصفور عن فن القصة القصيرة : [لا يبرع فيه سوي الأكفاء من الكتاب القادرين علي اقتناص اللحظات العابرة قبل انزلاقها علي أسطح الذاكرة‏,‏ وتثبيتها للتأمل الذي يكشف عن كثافتها الشاعرية بقدر ما يكشف عن دلالاتها المشعة في أكثر من اتجاه ]، فإذا كان هذا عن القصة القصيرة، فكيف إذاً بالقصيرة جداً؟.!

إن تقليل سرد حدث، شخوص، زمان، مكان، أصعب بكثير من الإسهاب في كتابته، وكلمة واحدة على الأقل قادرة على تغيير النص وحتى على نزع رؤيته، لذلك فليس كل روائيّ قادر على كتابة قصة قصيرة، وليس كل من كتب قصة قصيرة قادر على كتابة القصة القصيرة جداً.

القدرة على التكثيف الدلالي بحاجة إلى براعة كبيرة في النص من الكاتب، مما يؤدي إلى تعددية الاحتمالات والتأويل في النص، وهذا – غالباً – يؤدي إلى حضور الرمزية في النص حتى وإن كانت غير مكثفة.

و لا ننسى الإشارة أيضاً إلى أن واقع الحياة الآن يسير بخطى سريعة جداً، حتى القاريء لم تعد لديه القدرة القديمة على قراءة نص طويل، لذلك فهي تتطلب الاختصار، وجاءت القصة القصيرة جداً ملائمة معه ، ولكن يجب تشديد الضوء على أن [ الرواية، القصة القصيرة، القصة القصيرة جداً ] كل منها فن قائم بحد ذاته له كُتّابه.. وقُرّاءه .. ومتذوقيه .. لذلك فلا يمكن لأي منها أن يلغي الآخر.

إن القاصة " دعاء زيادة " في مجموعتها القصصية [ السيب ] الصادرة عن دار المفردات في عام 1427هـ - 2006م، جمعت 38 قصة لها تتراوح مابين القصيرة .. والقصيرة جداً، كان الجزء الأخير من المجموعة هو مااحتوى على القصيرة جداً منها.

الفكرة :
بعض القصص القصيرة جداً كانت مدهشة بفكرتها كـ " البلورة " غير أنها قتلتها في آخر كلمة أو اثنتين منها بنهاية عادية!، وأخرى كانت مذهلة بكل تفاصيلها القصيرة جداً حتى آخر كلمة منها والتي أدهشت فيها القاريء وسلبته للعمق تماماً كـ " سارق التوت "، ولكن بعضها جاء عادياً منذ بدايته حتى نهايته حتى أن اللغة لم تشفع له بأن يكون أكثر من ذلك كـ " دعوة حمراء "، غير أنها أيضاً في قصة " خيزرانة " بدت مقتضبة تماماً! كأنها قصة ناقصة لم تكتمل.
أعجبني استخدامها للبدايات المعلقة والتي تبدو كأنها تكملة لقصة سابقة أو حكاية قديمة كما في " انتظار " و " كان مني " و " مسبح وردي " و " راءة سوداء " و " خديعة " و " خلصت الحدوتة ".

اللغة:
لم تكن رمزية، ولا مباشرة، لا متكلفة، ولا بسيطة، كانت تحمل المابين وبين في كل ماسبق، أما بالنسبة للوصف والتشبيهات فذكرها لبعض التفاصيل كانت مدهشة، وكلنها في البعض الآخر جاءت جامدة .. غير مبتكرة .. عادية .. وكان عدم ذكرها أفضل للنص وقد يخدمه كثيراً، ولكني استغربت بعض الشيء من التفاوت في المستوى الكتابي ما بين قصة وأخرى في نفس المجموعة، وقد بدا تفاوت كبير جداً بين بعضها مما جعل فكرة وجود فترة إثرائية فارقة بين كتابة بعضها.

العنوان:
[ السيب] كان وصف دقيق تماماً للضيق في القصص داخل المجموعة، أما عناوين أغلب القصص لم تكن ببراعة القصص نفسها وكانت بحاجة إلى نظرة أعمق لأجلها، فهي أيضاً كانت تصف بعض القصص وصفاً مختصراً بالعنوان، وتبدو كأنها بعدما كتبت القصة التفتت إلى عنوان يحكي عنها ببساطة.

دعاء زيادة كانت في القصص القصيرة أفضل بكثير من القصيرة جداً، لإنها تعتمد في أسلوبها كما هو واضح من المجموعة على الوصف الدقيق لكلّ حركة أو حدث في سردها مما يستنهلك منها أحياناً في اللغة أو الفكرة وهذا ما لا يجب أن يحدث في القصص القصيرة جداً.

قايـد الحربي
06-19-2007, 06:23 PM
هديل العبدان
ـــــــــــــــ
* * *

لأرحبَ بكِ أولاً وأشكر حضورك
المضيء فكراً ولغةً .


ليتَما يُكتبُ في الأدب - كلّه - يحمل صفة الـ [ قصير جداً ]
لأنّ في [ القصير ] لذّة الفتنة !!
إذ يُفترضُ التكثيف والقِصر فيما عُلِمَ طولهُ و فقدُ فائدته .


أمّا في رفض النقّاد لنوع [ القصة القصيرة جداً ]
فهو إثباتٌ آخر يُثبته أغلبهم في تقييد اللغة ومحاولة إبقائها
على ما أبقاها أجدادهم و أوتادهم من صورةٍ لا يمكنها الاحتفاظ
بألوانها في هذا الزمن .

هديل العبدان

شكراً
تليق بحرفك وفكرك .

عبدالعزيز رشيد
06-19-2007, 11:30 PM
اهلا بك وبـ حضورك اختي هديل


يعتمد الاختزال على الكمّية المشحونة بالصور والدلالات للمفردات المستخدمه
بالاضافة الى تكتيك كتابتها وتنسيقها وتوزيعها
كما قلتِ انظري الى القصص بالقرآن اغلبها مختزلة
وخُطَبِ قسّ بن ساعدة


بالامكان الايحاء بالأشياء بدلا من ذكرها تكون موصّلة بـ خيط ايحاء رفيع لكنّ المشكلة قد تكون هذه الخيوط احيانا رفيعة جداجدا وتحتاج لـ تركيييييز اكبر ومعقّد والمشكلة ان تكون الخيوط متقطّعة ! فهو فنّ يحاك بـ عناية

لكن الاختزال موجود ومحمود المهم ان تكون النهاية ذات بصمة معيّة وقويّه لى أذهاننا فـ تلامسنا

اختي \ هديل
موضوع غنيّ يشعل التساؤلات
الف شكر لك

لحظة
06-21-2007, 02:39 PM
الأخت هديل العبدان ...


طرحك كان راقيا ً جدا ً ورائعا ً وخصوصا ً أنك وضعتي

نموذج لتوضيح الهدف ... ثم رأيك الحر فيه ...


تمنت لو أنني قرأت المجموعة القصصية ( السيب ) لكي


أستشعر بكل نقاط الفكرة واللغة والعنوان برأيك ...

وخصوصا ً أنني قرأت للكاتبة دعاء زيادة بعض الخواطر الجميلة القصيرة


وأعجبتني جدا ً ...


ستكون لي عودة بعد قراءة هذه المجموعة بإذن الله ...


وإلى ذاك الوقت أحيي شجاعتك لإبداء رأي ... لا يدل إلا عن وعي


وإبحار في هذا الكم الرائع من الدلالات وإختزالها وطرق عرضها

لتكون سهلة لأي قارئ ...


الأخت هديل العبدان ...


فقط أردت أن أقول لك لكل قارئ نظرة وطريقة في قراءة مابين السطور

فقد تظهر لي صورة وتظهر لك ِ صورة ... الأهم أن ينتج الكاتب صور


تسعد وتروي جميع القراء بما هو جميل ومفيد ...



أهلا ً بك رائعة هنا ... في أبعاد



دمعة في زايد

ألق
06-22-2007, 01:36 AM
عَ رأي إمبرتو إيكو
" العنوان قاعدة عليها أن ترن دائماً وتخلخل الأفكار، لدى المتلقي"
" السيب " عنوان مُثير لم أقرأها بعد ..
لكن فيما يتعلّق بالقصة القصيرة جدًا
يا هديل , هيَ مُغوية لخوضها دون تمّهل وأن نخوضها كثيرًا,
بينما إجادتها أمر بالغ الصعوبة!
ويرتكز ع موهبة أصيلة قبل الصقل والتدريب وخلافه ..
بزعمي الخاصّ أنّ الكثير ممّن خاضوها , فشلوا تمامًا .
وهذا لا يمنع بالطبع من إغراء تتابع المحاولات كونهاا
فن لذييذ وبالغ الحساسيّة كومضة , طازج
كما قوس قزح .. تتشظّى فيه كل كلّمة
إلى دلالات إيحائية واسعة ..
ولابدّ أن تأتِ كثيفة وخاطفة
أشبه بالفلاش , أو كطعنةِ حادّة .
وأحسب أن الكثير يظنّون أنّها مجرّد نهاية مُباغتة
مصحوبة بأكبر قدر ممكن من اختزال
الكلمات وشيء من التلغيز " الإكسترا + المفتعل " ..
وكذا كان هذا التعامل السيئ أيضًا مع شعر الومضة
ومع النماذج ع نهج الهايكو .

إلى يومك يا حلوة اعتبرها مازالها فااشلة إلا ..حبّة
مو يمكن ههههه ناس ثرثارة بالفطرة لأنّا ؟
( :

+
متّعتيني مع وردة