المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : !! المقهورة ]] رواية [[ !!


الوجه الأليم
07-21-2007, 12:07 AM
بسمه الهادي




!! المقهورة ]] رواية [[ !!






تنتابنا نحن كتاب الرواية لحظات كثيرة نعود فيها إلى ماضينا العتيق ,, وحين نجد الألم تستوقف الازمنة عند قارعته ولا نجد غير الغوص في أعماقه والابحار في داخله ,, فنخرج بأفكار لؤلؤية !!







.
.

الوجه الأليم
07-21-2007, 12:11 AM
الإهــــــداء ::



إلى تلـــكـ الـــروحـ المهاجـــرة

فيـــ عالمـــ الأمــوات !

صالح الحريري
07-21-2007, 12:19 AM
مساءكِ لغة ..

وابعد الله عنّا وعنكِ القهر ...!

اعتقد بأن العنوان يصرخ عن صرخة أنثى متعمقة بالوجع لأعماق الماضي ...!


أعلم يقينا بأن الرواية ..
تحتاج إلى نفسٍ عميق في السرد والخيال ....


وأنا هنا سأخذ نفساً أعمق لانتظاركِ ..



حضور بأول السرد ...
بجوار ظلال تلك الروح قريباً من مقبرة الأحزان ...!



انتظر ...!


تحياتي..

الوجه الأليم
07-21-2007, 12:22 AM
.
.







الفصل الاول "" شجني ""






كثيرون اولئك الذين يستعيدون قواهم الخائرة من بعد الضربات ,, كثيرون اولئك الذين يعاودون بذل إمكاناتهم بعد المصائب والنكسات ,, فيهمشون ما قد جرى ,, ويمضون حياتهم وكأنما شيئاً لم يحدث ,, ولعلي أختلف إلى حد كبير معهم ,, فالوضع معي يختلف ,, وموقفي يختلف ,, وأنا الأخرى أختلف .. !!


فأنا ومنذ ذلك اليوم ,, وأنا حبيسة نفسي ,, أسيرة ذلك الشجن ,, وأي شجن أعظم منه ؟؟
إنه شجن الرحيل ,, وألم البعاد ,, ! وأي رحيل ؟؟ وأي بعاد ؟؟ رحيل الاحبة ,, فآه من فقد الأحبة .. !!

لقد غير رحيل مريم مجرى حياتي ,, فما عدت أنا أنا .. ويومي ماعاد يومي ,, وحياتي لم تعد حياتي ,, !!

كل شيء بات يختلف ,, كل شيء عاد لا يطاق ,, فالدنيا لم تعد تهمني مباهجها ,, ومايحصل فيها من أحداث لم يبت الا مهمشاً ,, !!

كثيرون هم الذين حاولوا أن يخرجوني من هذا الحزن الذي اعتراني والذي لا يزال يعتريني ,, إلا أنهم عادوا بمحاولاتهم فاشلين ,, لأن العودة لواقعي القديم ذاك أمر أخاله مستحيل .. !!

فمريم لم تكن كأي مريم ,, بل لم تكن كأي إنسانة مرت في حياتي ,, إنها مريم .. مريم التي أحار فيما أقوله عنها ,, لكنها وببساطة أعظم من عرفت .. !! هي الصديقة الاخت ,, التي إن امضيت عمري في البحث عن مثيلها فلن أجد ..

لا زلت اتذكر حديثنا .. مرحنا .. لا زلت اتذكر آلامها ,, و آلامي ,,

ولا زال طيفها يلاحقني ويعذبني ,, ويجعل الدنيا في عيني لا تطاق .. !!

فأنا التي بالأمس لم أكن أفهم غير الإبتسامة والفرح ,, اصبحت عنواناً للشجن ,, اصبحت شاعرة .. ومريم هي شعري .. هي ما اكتب .. مريم هي سطوري ..


فلا يتصور أحد منكم ماذا تعني لي مريم ,, لا أحد منكم يتصور كيف كانت وكيف لا تزال ,,

كيف كان يحرقني لقياها ,, ويعذبني غيابها .. !!

فمريم اكبر من أن تكون اخت وصديقة ,, أجل هي اكبر من ذلك ..

فهل هنالك من يعذر نيران قلبي التي فتت اشلائي ؟؟
فهل هنالك من يشعر بذلك الحزن الذي يحرقني ويعذبني ؟؟
ويرميني إلى العذاب السرمدي .. !!

أمنكم من يشعر بشجني ؟؟ بالحزن المقيت الذي يحتويني ؟؟

فكيف هو ذلك الشعور الذي يتخلل قلب امرئ ٍ فقد حبيبه ؟ فقد خله ,, فقد أعز مايملك ,, وكل مايملك ..

ذلك هو شعوري أنا .. هو حزني أنا .. !!

فلا تصدقوا إذا ما رأيتم ابتسامة قد اعتلت ثغري يوماً ,, لأن لا فرحة من بعد مريم ستكون ,, و هي التي تستحق تلك الفرحة .. !!

لا تصدقوا إذا ما رأيتموني اصفق يوماً في عرس ٍ أو في تجمع .. !! فوالله ذلك لن يكون الا مسايرة .. !!

فأي فرح ٍ سيتخلل شعوري وأنا لا اصدق رحيل العزيزة ؟؟

أتصدقوني إن قلت لكم إني في كل مساء اترقب حضورها وأنا متيقنة إنها لن تحضر .. !

أتصدقوني إني في كل جمعة - موعد لقائنا - أهاتف والدتها ساءلة عن مريم ؟؟ فتنهار تلك بالدموع .. !!

لن أقوى على وصف شعوري ,, فما بداخلي اقوى واعظم من حديث يقال ويكتب ,, ما بداخلي صعب أن يُكتب شعراً او قصيد ... !! تلك هي اعترافاتي جئت انقشها مجنونة ,, تلك هي حكايتي جئت اكتبها وأنا من بين الاسطر اكذب ما اكتب .. !!

مريم .. تلك هي حكايتي ,, حكاية فتاة اقتحمت عالمي المجنون ,, ورحلت سريعاً عنه ,, لتجعل ميراثها الحزن الابدي .. !!






[[ يتبع ]]

عبدالعزيز رشيد
07-21-2007, 02:46 AM
كأن الأحبّة الراحلون عنّا
يودعون في قلوبنا الشعر لـ نشعل به ذكرياتهم
تعمّق أليم وفقد مرير صيغ بـ حرفٍ جميل
فقط ربّما افتقدنا صوت الحوار الذي يدخلنا الى عالم الروايات
ننتظرها بعد الـ [يتبع]



متابع :)

منى الصفار
07-21-2007, 03:12 PM
في انتـ ظارْ..

عائشه المعمري
07-21-2007, 06:06 PM
الوجه الأليم :
|||
||
|
.



مقدمة روايتك هذه ..
تنبش الألم .. من قعر قلوبنا ...
فيزداد قوة بعد كل حرف ..

|||
||
|
.



سـ أنتظر .. ما يتبع ..

الوجه الأليم
07-26-2007, 09:38 AM
بسمه الهادي




صالح الحريري


حين يكون السرد خاصا ً بعالم عزيز فلابد أن يكون النفس أطول وأطول !!


ومقبرة الماضي العتيق هي من ستعييني على ذلك ..





.
.




عبد العزيز رشيد



لقد خلت المقدمة من الحوار لكنها لن تخلو منه في الفصول القادمة ..





.
.




متى الصفار




أنا الاخرى بانتظارك




.
.



همس الحزن



أرجو أن لا انبش مزيد من الحزن في داخلك من خلال سطوري !






سررت بمروركم جميعا ً ,, وكل ما أتمناه هو دوامه ..






جل التحايا

الوجه الأليم
07-26-2007, 09:42 AM
بسمه الهادي






الفصل الثاني : " أول المحطة "


كانت بداية جميلة لي بالثانوية ,, إذ أنها مرحلة مميزة كما يقول الكثيرون ,, وبالفعل كانت كذلك ؛ لأنها شبه مغايرة عن المرحلتين السابقتين ,, واشعر بأني قد كبرت بعض الشيء ,, وهذا مايجعل لها طعمها الخاص ,, والشيء الذي كان يميز مرحلتي هذه هو فتاة طالما سمعت عنها من قبل كثير من المعلمات .. !!


لقد دخلت المسار الادبي كخيار أخير تبقى لي ,, لأني طوال الفترة السابقة كنت أجهل أي المسار لابد لي دخوله ,, خصوصاً أنه لم تكن لدي اهتمامات واضحة ومعينة ,, ! ولكن كان ذلك هو أفضل قرار أتخذته ,, !



هذا الفصل الذي ندرسه هو ثان فصل لنا ,, وهو الفصل الذي بدأت فيها حكايتي ,, بحديث كانت تكثر من قوله استاذة اللغة العربية ,, !!


"" فتاة في الصف الاخر مجتهدة وخلوقة وأديبة وهي مثال للطالبة أرجو لكن الاقتداء بها .. !!! ""


لا اخفي عليكم أنها كانت تكثر من قول هذه العبارة كلما أخفقت أحدانا في تعبير ٍ أو نحو ٍ أو بلاغة ,, !! حتى أن كثيرات سئمن من تكرارها هذا ,, وأخريات بدأت الغيرة تشق طريقها نحوهن ,, !!


أما أن فقد تملكني الفضول لمعرفة هذه الطالبة التي أحتوت كيان هذه الاستاذة حتى غدت تهذي بها في بعض الاحيان ,, والفضول هذا بدأ يزداد حينما أخذت بعض المعلمات الاخريات مجرى الحديث عنها ,, وكأنما يتحدثن عن نابغة او ماشابه ذلك ,, أو بمعنى ثان ٍ يحثثن الطالبات بالاقتداء بها ,,, !


..


كان الجو دافئاً بعض الشيء ,, فأخذت تجوالاً بسيطاً في فناء المدرسة و أنا أحدق في وجوه الطالبات هنا ,, وأتساءل ,, أي منهن تكون تلك الفتاة ,, ! فأنا أجد الطفولة لا تزال متربعة على عرش تصرفات الاغلبية منهن ,, ! والبعض منهن لا يزال يلعب ويجري وكأنما هن لا زلن صغيرات ,, !



عند أحد الصفوف وجدت فتاة بكل هدوء جالسة تقرأ كتاباً يبدو أنه رواية ,, شعور راودني لحظتها بأنها هي ,, !! لا ادري ما الاسباب وما الدوافع .. !! لعلها مختلفة بعض الشيء عن الاخريات هنا ,, لكن قطع يقيني هذا صوت أقبل يناديها فاطمة ,, !! وضالتي اسمها مريم .. !


كم أبدو سخيفة أنا .. !! ابحث عن فتاة كما الو أنني شاباً يبحث عن فتاة احلامه ,, !! لابد لي وأن أتنازل عن بعض هذه التفاهة ,, ! وأعود لصوابي .. ! وابحث عن شيء نافع بديل هذا الفعل الذي أقوم به ,, !!



..


عدت للمنزل وأنا لا أزال افكر بمريم تلك ,, لا ادري ماذا تحتوي هذه الفتاة حتى تجذبني نحوها هكذا من مجرد حديث قيل عنها ,, لكن على مايبدو هي فتاة هادئة وجميلة ربما ,, !!


ماذا لو تعرفت عليها ؟؟ مالذي يمنع من فعل ذلك ؟؟ لربما هي لا تقبل بهكذا صداقات .. !!

لا اخال ذلك ,, إذ يبدو هي ذات عقل راجح ,, ولن ترفضني .. !


يُقال أنها كاتبة ممتازة ,, لماذا لا احاول كتابة شيئا وعرضه بين يديها ؟



ياااه ,, حقاً ابدو اليوم سخيفة بأفكاري هذه .. !! ماذا وماذا وماذا ؟؟ هل من الصعب علي حقاً التعرف عليها دون وضع هذه الحجج ؟؟ !!


هذه المريم تشغل فكري كثيراً .. لابد لي وإن أقطع كل هذه الاحبال منه ,, علي أن أسأل عنها عند استاذتي ,, !! وليكن ذلك غداً ..



*******




"" أستاذة .. !! ""


قلتها بعد انتهاء الحصة الثانية وقد تعمدت مناداتها خارجاً حتى لا يكون ذلك أمام مسمع من زميلاتي او مرآهن,, !!

ــ أهلاً عزيزتي .. ماذا هناك ؟؟

ــ هل لي بمعرفة اسم مريم الثنائي وصفها ؟؟


ابتسامة اعتلت ملامح الاستاذة وهي تناظرني بعد سؤالي هذا ,, شعرت في بادئ الامر إني أخطأت في ذكر شيئا ما ,, ولكن سرعان ما بددت شعوري ذلك بإجابتها .. !!


"" اسمها مريم محمد وهي من شعبة 3 ""


شكراً .. !! كلمة اخيرة قد نطقتها وسرعان ما انصرفت .. !!



..


استوقفتني زميلتي نادية


ــ ماذا تبتغين من مدرستك هذه ؟؟ أعترفي ,, !

ــ لا شيء .. ! فقط استفسار .. !

ــ عن ماذا ؟؟



نادية هذه فضولية إلى حد ٍ يجعلك تقمتها في بعض الاحيان ,, إذ تتدخل في كل صغيرة وكبيرة تراها أمامها ,, وهذا ما يجعل الكثير يتفادها ,, أو حتى يتحدث بجنبها ,, لانها فضولية إلى جانب أنها تنقل كل ماتسمع .. !! حتى أن كثيرات من يستخدمنها جاسوسة .. !!



لم اجب على سؤالها الاخير ذلك ,, لأن الاستاذة قد دخلت الصف ولم يكن بمقدوري فعل ذلك وهذا كان من حسن حظي إذ لم تكن لدي أي كذبة ممكن أن اجيبها بها ,, !!




*********



الحصة الثالثة كان حضوري كغيابي تماماً لاني مضيت بعيداً نحو مريم ,, !! هذه الفتاة التي شغلت فكري دون رؤياها ,, !!


وكل ما اخشاه أن تكون عكس ما قيل عنها ,, و لا تستحق كل اهتمامي هذا ,, يبدو بأني سأنفجر غيضاً إذا ما كان ذلك صحيحاً .. وأنا في داخلي لا أرجوه .. !



الشيء الجميل أنها وأنا في المسار ذاته ,, بالاضافة الى أن صفها بجوار صفي ,, وهذا بلاشك سيكون له الاثر الكبير .. !!


ابدو مجنونة انا .. !! لعل فراغي هو المجنون ,, فأنا لا أفهم في هذه الحياة سوى الشيء اليسير ,, والمهم لدي هو فقط كيف أكون سعيدة .. ! ولعل الكثير يحسدني على ذلك ,, فأنا أجهل كل مصطلحات الشجن ,, ولا أتذكر بأني عشت يوماً حادثا مأساويا ً ,, فقد كانت حياتي هادئة وبريئة تخلو من تلك الاحداث التي يتحدث عنها الكثير ,, ومغامرات فعلها الكثير ,, فأنا حتى صداقات لم تنوجد ,, قد تكون رفاقة او ماشابه ذلك ,, لأن براءتي ,, وابتسامي جعلتا الكثير يهوى أن يكون بقربي لأني وعلى حد قولهم ابعث التفاؤل .. !!



مريم جعلتني استعيد أمور خلتها غائبة عن الفكر ,, ! ولم تخطر على البال منذ سنين .. !!



لــــــيلـــــــى .. !!!


صوت مدو ٍ قطع كل افكاري ,, إنها استاذتي تناديني .. !!


"" أعيدي شرحي ... !!


أمر ٌ صدر منها ,, وكانت تبدو غاضبة جدا ً ..



"" اين مضى تفكيرك المشتت هذا يا ليلى ؟؟ اجلسي واصغي لما اقوله .. !! فغداً اختبار فيما شرحت .. مفهوم ؟؟



كنت خجلة من الموقف الذي وضعتني فيه هذه الاستاذة ,, خصوصا وأني لا احبذ مقرر الرياضيات ,, وأجد نفسي بعيدة عنه ,, !



عدت إلى خيالي ليس الا للهروب من الاحراج الذي كنت قد وقعت فيه قبل قليل ,, ولم أنتبه الا وقد وجدت فوضى بسيطة تعم الصف ,, !!!



الجرس قد دق ,, !! ووقت - الفسحة - قد حان .. بل وقت لقاء مريم قد حان .. !!
وانطلقت كعصفور ٍ افرج من قفصه للتو .. !!






يتبع



.
.

الوجه الأليم
07-26-2007, 09:50 AM
ملاحظة "



هذه الرواية لا تزال قيد الكتابة ,, ولاتزال خاضعة لكثير من التصحيحات النحوية والبلاغية والاملائية ,,, لذا اثرونا بملاحظاتكم !

ياسر خطاب
07-27-2007, 11:25 PM
جملة بسيطة سهلة للغاية

تؤدي الغرض المطلوب للرواية

متابع بشغف

الوجه الأليم
08-02-2007, 01:40 AM
ياسر خطاب




طاب يومك ..



البساطة لدي تعني إن دائرة قرائي كثر !

الوجه الأليم
08-08-2007, 01:28 AM
.
.



الحلقة الثالثة ( اللقاء الأول )



الممر يعج بالطالبات ,, وبالرغم من إن المسافة الفاصلة بين صفي وصفها لا تـُـقدر بأمتار معدودة قد تكون ثلاثة على الاكثر ,, الا انني شعرت بطولها ,, !!

أنا أقف عند باب الصف تماماً وشيء من الخجل قد اجتاحني ,, كيف لي ان أتصرف ؟؟ وماذا أقول ؟؟ عليّ التراجع ,, أخشى أن أكون سخيفة في نظر أحد ما ,, لكنما الفضول يقتلني !! أريد أن ألتقي بهذه المريم ولابد من ذلك ,, !


ناديت إحداهن ! علني أعرف فقط من تكون ! والبقية مصيره التأجيل !!

- لو سمحت ِ .. من مريم محمد ؟؟

- مريم ؟ هل هنالك ثمة شيء ما .. ؟؟

قالت ذلك بشيء من البراءة ,, والبسمة اعتلت ملامحها ,, لكن لم يعجبني سؤالها ,, اجده شيء من الفضول .. !

- سأخبرها به أنا ,, هل لك أن تخبريني بشخصها .. ؟

- أنا هي مريم بأم عينها !


شلت حركتي كلمتها تلك ,, شعرت بأني وقعت في الخجل عينه ! أحمر خداي خجلاً ,, لم أكن أتوقع أن اقع في هذا الموقف حين سؤالي عنها .. !! ماذا اقول الان ؟؟ يا إلهي وقعت في أمر ٍ اجهل الخروج منه لارفع هذا الاحراج ..

- هل هنالك شيء ما ؟؟

- مريم ,, هل لي بمصاحبتك قليلاً ,, ؟؟

- لحظة !


مضت مريم لمجموعة كبيرة من الطالبات ,, وحديث قصير قالته وإذا بهن يعترضن .. !! لم أكن افهم ماذا قالته ولكن يبدو إنها قالت مالايرضيهن .. ! ثوان ٍ وإذا هي مقبلة نحوي بابتسامة لطيفة تدعوني للنزول نحو الفناء ,,


شيء بداخلي كان يثور ,, كنت اود معرفة الذي حصل بين مريم وصحبها ,, لكني اخجل من مفاتحة الموضوع ,, لا اود أن أسيء لصورتي منذ اللقاء الاول ,, ! وبطريقة ما أبتغيت المعرفة ..

- هل لك صداقات كثر ؟؟

- اجل ولله الحمد , , وأنا سعيدة بذلك ,, بالمناسبة .. المجموعة التي تحدثت لها قبل قليل كل أفرادها صديقات مقربات لي ,, وهن يشاركني الجلوس اثناء الفسحة وقد غضبن حين اعتذرت لهن اليوم ,, !


- كل هؤلاء صديقاتك ؟؟ أحسدك على ذلك .. !! أنا لاصديقة لي .. مجرد زمالة .

- على فكرة ,, ما هو ذاك الشيء الذي تودين إخباري به ؟؟


لم أكن اعرف ما اجيبها ؟؟ فهل اخبرها بإعجابي بشخصها من حديث قيل عنها ؟؟ أم أخبرها بفضول كاد يقتلني لمعرفتها ؟؟

- سمعت عنك الكثير ,, كل ذلك شجعني على أن أعرف من وراء هذه الشخصية !

- الموضوع إذا فضول .. !


مريم تكاد تجزم بما كان في داخلي حقاً وكأنها قرأته ,, وقد أخجلتني عبارتها ,, وبعثرت بقايا حديث كان بامكاني أن أقوله !

- كثيرات اللاتي ابتغين مصاحبتي من أجل إرضاء فضول ٍ اقتحمهن لحديث طال ذكره من قبل معلماتي,, ولكن ذلك الفضول تحول لصداقة كبيرة ,, ونسبة قليلة منهن لم يرغبن في مصاحبتي بل انتهى الأمر منذ اللقاء الاول بهن !



أسلوبها كان راقيا ً ومختلفا ً عن جل معارفي ,, ولأنه كان كذلك فكنت اصغي لها باهتمام شديد .. بينما أنا في صمت رهيب ..

و أكثر ما شدني هي الابتسامة الرائعة المرتسمة على هذه الشفاة !



*******

- لا اراك تتحدثين! هيا ,, اسمعينا شيء من قولك !

أتحدث ؟؟ بماذا أتحدث ؟؟ اخشى أن تسخر مني مريم حين أتحدث .. !! فأين أنا منها .. هنالك فرق كبير لا أقوى على وصفه ,, فأنا بسيطة وهي على العكس من ذلك ,, !

- مريم ارى الكثير يتحدث عن بسمتك هذه ,, ما هو سرها ؟

شعرت بأني سألت سؤال في غير محله ,, فالابتسامة تلك اختفت فجأة ,, !! وردة فعلها هذه جعلتي أشعر بالاحراج !

- أأسف إذا كنت أخطأت في سؤالي ,, فالعذر !

عادت تلك الابتسامة مجدداً ولكنها هذه المرة أقوى .. ! ما السبب ؟؟ سؤالي اخفاها لتعود مجدداً اقوى ؟؟

- اعشق الفرح أنا وأعشق أن اكون مصدر فرح لغيري! أعشق أن يقال عني ذات الوجه الفرح ! حتى لا يستاء من مقابلتي أحد ما ,, فهكذا أمضيت عمري ,, وهكذا سأمضيه ,, ولا مجال للحزن في أن يعتلي على قسمات وجهي ,, !

نبرة صوتها كانت توحي بشيء آخر لم أكن افهمه ,, ولكني فهمت شيئا واحداً أن حياة مريم هي كمثل حياتي ,, فهي سعيدة في أيامها ,, ولكنما الفرق فيما بيننا إنها ذات فكر راق ٍ أحسدها عليه ,, ولعل هذا التقارب في السعادة فيما بيننا سيكون منطلق آخر لنا ,,

ذلك جيد ! فأشياء متشابهة كثيرة فيما بيننا !! وذلك كفيل أن يكون صداقة قوية !


سعادة أخرى اضيفت إلى رصيد أيامي الحلوة ,, ولكن هذه المرة كانت مدتها قصيرة لم تتجاوز النصف ساعة ! فجرس الحصة الرابعة قد دق الان !

- مريم العذر ,, لم أدع لك فرصة لتأكلي وجبتك .. ! أتأسف ,,

- لا داعي لذلك ,, فأنا لم اعتد على تناول وجبة في هذه الاثناء ,, على كل ٍ كنت سعيدة معك يا .... بالمناسبة لم أعرف اسمك بعد ,,

- اسمي ليلى ,,

- اسم جميل ,, اعتز بهذا الاسم كثيراً ,, سعدت بلقائك ,,

- أنا كذلك ,,


ابتغت الانصراف فمضيت معها ,, وبخجل مبين قلت لها ..

- هل يمكن لي مرافقتك في الغد ؟

- لا أعدك بالموافقة ,, ! لا لشيء ولكن لي صداقات كثر ,, لابد لي وأن أعتذر منهن أولا ً ..


..

كم أزعجتني هذه العبارة ,, فبالرغم من اللقاء الاول والوحيد الذي جمعني بها إلا أن رغبة تملكها اجتاحتني !

فلمريم صداقات كثر حقاً وهذا سيجعلها تعتذر عن كثير من الامور ربما تحصل بيينا مستقبلا ً وهذا شيء لا أجده جيد !

مريم .. مريم .. تخبئ هذه الفتاة من ورائها الكثير ,, ويبدو لي سأجن إن لم اكسب صداقة معها !




.
.


][ يتبع ][




.
.

ياسر خطاب
08-08-2007, 02:29 AM
الوجه الأليم
شكراً لهذا الجو الممتع
متابع بقوة

الوجه الأليم
08-11-2007, 04:36 PM
بسمه الهادي



ياسر


يؤنسني وجودك في هذه الصفحة ,, ! بذات التألق كن دوما ً !





جل التحايا

الوجه الأليم
08-11-2007, 04:51 PM
بسمه الهادي




الحلقة الرابعة ( البداية )


نادية كانت في استقبالي حين دخولي الصف وتقول بشيء من الفضول ::

" أوه ,, أراك اليوم مصاحبة لمريم !!



يا إلهي !
كم يزعجني فضول هذه الانسانة ,, الذي يدفعها حتى إلى المراقبة !!

"" أكنت ِ تراقبيني ؟؟

" لا فقط رأيتكما اليوم في فناء المدرسة ,, كنت تبدين غريبة !

غريبة ؟؟ مابها نادية ؟؟

قلت بشيء من الغضب ..

" دعك مني يا هذه !! أتفهمين !؟

شعرت بأن قولي أجج نيران داخلها لكني في داخلي لا أجد بأن هذا وقته ,, وأنا منزعجة من شيء آخر !


وكالعادة تنتهي حرب النظرات فيما بيننا بدخول الاستاذة !

.
.



الحصص الاخيرة لم أكن حاضرة فيها بفكري ,, وانتهى الامر حتى وضعت رأسي على طاولتي لأصد احراجا ً ممكن أن يقع !





مريم !! تبدو غريبة هذه الانسانة ,, في داخلها سر كبير لا تود اظهاره لكن ماهو ؟؟
ابتسامتها تجعلك تغوص فيها وتتأمل في ملامحها بشيء من الاستغراب !



لا أعرف لماذا صمتت حيال سؤالي ! وعادت بشيء أكبر من ملامحها ,,
تساؤلات تخترق فكري في كل ثانية ,, والاجابة لدى الايام المقبلة بلاشك !


.
.



لم تكن لدي رغبة في تناول الغذاء بعد عودتي من المدرسة ,, ولعلها المرة الاولى ,, ولانها كذلك جاءتني والدتي تستفقد أخباري ,, كانت مظاهر الفرح تبدو على ملامحي ممزوجة بشيء من التساؤل والحيرة ,,

"" ليلى مابك ِ بنيتي ؟؟



" لا شيء اماه ,, فقط أرهاق دراسة !!


اثناء هذه اللحظة تذكرت اختبار الرياضيات بالغد ,, أوه كم امقت هذا المقرر البغيض ,, وأنا لم أكن حاضرة اليوم مع الاستاذة ,, مالعمل ؟؟



تذكرت زميليتي فاطمة ,, هذه ممتازة في هذا المقرر ومنزلها لايبعد الكثير عن منزلنا ,, لا حل سواها !!



والدتي لا تزال واقفة وهي تناظرني وأنا أتمتم مع ذاتي بما لا تفهمه !! فقلت لها بخجل مبين ::

" أماه هل لي بزيارة فاطمة اليوم ؟؟


"" أجل ,, لكن لا تطيلي المكوث هناك !



.
.



أنا لا أزال افكر بأمر مريم اليوم ,, سعدت بلقائها كثيرا ً لكني في الوقت ذاته شعرت بنيران تساؤلات عدة تحرقني ,, فمريم قد تبدو غامضة في تصرفاتها وإن حاولت إظهار العكس ,, !!



أتوق لمعرفة المزيد عنها ,, وعن شخصها .



.
.


الساعة الرابعة والنصف ,, أظنه وقت مناسب لزيارة فاطمة ,, !!



.
.


تصوروا من وجدت في الطريق لمنزل فاطمة ؟؟؟


مريم !!



شعرت بشيء في داخلي كبير ,, الفرحة ,, البهجة ,, شيء مماثل لهؤلاء !!



اقتربت منها مسرعة وقلت وقد بانت الفرحة بشكل واضح على صدى صوتي !!



" مرحبا مريم


" أهلا ً ليلى ! صدفة رائعة !!




هل هي فقط صدفة رائعة ؟؟ هي اكبر من ذلك بكثير بكثير !!


قلت بداعي الفضول !


" أجأت ِ لزيارة إحداهن ؟؟


"" لا إنما أنا هنا !!




مريم تعيش هنا ... !! معنا في هذا الحي .. !! أكاد لا اصدق !! فأين أنا عنها ؟؟؟



" أتمزحين ؟؟


قالت وتلك الابتسامة ترافق محياها

"" لا ليس بمزاح ,, أنا هنا فعلا ً أعيش ,, منذ مدة ليست بطويلة .




كان هذا أسعد خبر تلقيته منذ مدة طويلة !!!



قلت وأنا في حالة ٍ لا يمكن لكم تصورها


" أين منزلكم إذا ً ؟؟



اشارت بسبابتها إلى ذلك المنزل وهي تقول


"" هذا !





لا شعوريا ُ قلتـُـها :

" سأفاجئك بزيارة أذا ً !!





سؤالي وقع على فؤادها بشكل غريب ! فأجد الابتسامة تختفي لتظهر علامات حزن تخفيه !!!


شعرت بأنها لاتود زيارتي ! فاعتراني الخجل لهذا الاحراج ,, !! وهي لم يتحرك لها ساكنا ً واكتفت بالصمت !!




قلت حتى أنهي اللقاء ..

" اعتذر عن تأخيرك ِ !! وداعا ً !




ابتسامة خجولة منها اهدتني اياها وانصرفت دون قول حتى وداعا ً !!






لم اكن اود الغاء موعدي مع فاطمة لاني لم أعتد على فعل ذلك ,, لكني زرتها وأنا لست على حالي ,, وطلبت منها أن تعيد ماشرحته الاستاذة بشكل شبه سريع !!



.
.



في المساء عادت مريم لتخترق فكري من جديد ,, فهي منذ سماعي عنها وقد غيرت أمور كثيرة من شخصي ,, وأولها التفكير !!!


فأنا لم أعتد أن افكر لفترة طويلة كهذه !!



ابتسامتها
نظراتها
تصرفاتها
سكونها


كل هذا يجعلني اغوص في اعماق ذاتها لاعرف مكنونها !!



.
.



قطعت فكري والدتي تطلب مني النهوض لتناول وجبة العشاء ,, لا اخفي عليكم بأن لا رغبة لي في ذلك ,, !!


"" لا ابتغي شيء !!



شعرت والدتي بشيء غريب يجعلني اليوم بحال مخالف !!



قالت بدافع غريزة الامومة :


"" مابك بنيتي ؟؟ تبدين اليوم مختلفة .


" لاشيء ,, فقط ارهاق دراسة كما قلت لك !




أمي تعرفني جيدا ً ,, وتعرف صدقي ,,
هذه المرة لم تصدقني لانها كانت مقتنعة بأن هنالك ثمة شيء آخر !


" عزيزتي منذ متى ولك مخبئ اسرار غيري ؟؟



هذه هي المرة الاولى التي اخبئ فيها عن والدتي شيئا ً ,, وجملتها الاخيرة جعلتني افصح عما بداخلي لعلي أجد من يطفئ ذلك اللهيب الذي يحرق فكري !!




.
.





" تعرفت على فتاة جديدة هذا اليوم ,, لكنها تبدو مختلفة !!



"" ماذا تعنين بمختلفة ؟؟



لم اكن أعرف بما أجيب ,, لكني اكتفيت بقول

"" لا ادري !!




.
.

تحدثت مع والدتي عن مريم لكني لم اشء قول الحدث الاخير الذي حصل عصر هذا اليوم ,, أخشى أن يكون تفسيرها يسيء لشخص مريم !!



لكني لا اخفي عليكم بأن والدتي أعجبت بشخصها ,, وشعرت بأنها حقا ً تبدو مختلفة عن باقي معارفي ,, كما أنها شجعتني على توطيد علاقتي بها !!



.

.



"" العشاء برد و الأميرتان لا تزالان تتحدثان !!

قال ذلك اخي عادل غاضبا ً !! لاني والدتي تأخرت معي ونست أمر العشاء !!


قالت أمي بمرح حتى لا يزداد عادل غضبا ً

"" إن كان المدلل عادل يرغب في عشاء آخر فوالدته ستلبي له !!


فرد بخجل ٍ

"" لا لا ارغب لكن اسرعا !!


فانصرفت والدتي مسرعة ووعدتني بجلسة أخرى !!


و انصرفت مخلفة حديثها معي ..



فمريم لا تزال تشغل فكري وكلما حاولت أن اشغله بشيء آخر افشل !!


فما حدث عصر هذا اليوم جعل فكري ينحني نحو منحنى آخر !! فأنا لا ازال على تساؤلي !!


مريم عاشت هنا منذ مدة شبه قصيرة ,, لكن لماذا رفضت زيارتي ؟؟ أين يكمن الخلل اياترى ؟؟

هل هنالك ثمة شيء تخشى منه ؟؟

أم ان العلاقة لاتزال في بدايتها !!


اشعر بأن هنالك شيء آخر تخفيه مريم عني بل و أظن عن الجميع !!
والايام وحدها كفيلة في إظهار هذه الحقيقة !




يتبع

صُبـــح
08-11-2007, 08:41 PM
سيدتي الجميلة ...



القراءة هنا لم تذر سيلاً للجمال على كيزان الإبداع الا وتلقفته مأفونة بالمسك !

قلمك كالاشياء التي لا تأتي دائماً !


تقبلي اعجابي ووعد متابعتي ...



صُبــح

العـنود ناصر بن حميد
08-11-2007, 10:14 PM
الوجه الأليم

إستمتعت كثيراً بهذه الأجزاء

بإنتظار الـ يتبع

لقلبكِ السلام

الوجه الأليم
11-01-2007, 12:24 PM
.
.




صبح ,, والعنود ..


اسرّتني كلماتكما كثيراً ..



ولعينكما هذا الجزء ..






.
.




:)

الوجه الأليم
11-01-2007, 12:39 PM
بسمه الهادي






الحلقة الخامسة

اشعر بتعب ٍ كبير ,, نهضت بتثاقل ,, فلقد نمت متأخرا ً .. !
لا ابتغي الحضور للمدرسة اليوم ..
لكن .. تذكرت أمر الاختبار .. ! وتذكرت ذلك المقرر البغيض ,, والاستاذة التي تجعل المقرر أكثر بغضا ً ,, !



.
.


دخلت الفصل وتبدو ملامحي مختلفة ,, وهذا مالم تعتده زميلاتي .. قلق يبدو واضحا ً .. هي المرة الأولى ,, الجميع يناظرني باستغراب ,, وعيناي تفضحاني !


اقتربت فاطمة وبين يديها كتاب ( الريض ) ,, وتردد تلك النظرية مرارا ً .. ثم تناظرني وهي تقول : _ يبدو بأنك لم تنمي ليلة البارحة ؟

" أجل !
" هل كنت تذاكرين للاختبار !؟


في الحقيقة أنا لا أذاكر كثيرا ً ولا اجهد نفسي بذلك ,, ويعرف هذا الجميع ,, ويلومني البعض في كثير من الاحيان .. لكني و ببساطة لا اكترث !


فاطمة تناظرني وهي ترتقب تلك الاجابة على سؤالها ,, وأنا أتثاءب :
_ لا لم أكن اذاكر ,, كنت في حالة من الأرق !


عاودت مسك الكتاب من جديد تستمر في مذاكرتها ,, ولم تحاول التعليق على جملتي الاخيرة ,, يثير استغرابي اهتمامها بدراستها الذي تغير عن الفصل الذي مضى ,, هي مجتهدة لكن ليس كمثل هذا الذي عليه الان ,,

" تذاكرين كثيرا ً ! أنت ترهقين نفسك .

" أنت تعلمين أنه لم يتبق َ الكثير على نهاية العام الدراسي ,, فبعد ثلاثة أسابيع ستبدأ الامتحانات ,, وليس هنالك من مجال لاعادة الاختبارات لذا احاول بقدر المستطاع ان اذاكر جيدا ً ..

" يبدو بأنك تبذلين كامل طاقتك لرفع المعدل وهذا شيء جيد ..


صمتت قليلا ً ثم رفعت ببصرها للأعلى وتقول بشيء من الثقة بالذات ..
_ ليس هذا فحسب !


أخذت مجالا ً قٌدر بثوان ٍ لأفكر في هدف آخر ,, وببساطة فيما بعد سألتها : _ ماذا تعنين ؟

هنا قالتها بغرور وكبرياء :
_ أريد أن يُشار لي بالبنان !



أمرها غريب فاطمة ,, لم تكن كذلك منذ أن عرفتها ,, هي مثلي تماما ً لا تفكر الا في الحفاظ على معدلها ورفعه شيء لا تطمح له إلا نادرا ً .. وأمر الاشارة لها بالبنان يبدو جديدا ً !


لم أكترث حاولت أن اشغل نفسي بأي شيء آخر وتركتها تذاكر علها تحقق مطلبها الذي تطمح له ,, ولكنها للحظة ما جمعت كل ذلك الشتات الذي كنت عليه بقولها :

_ أريد أن أكون عنوانا ً لحديث المدرسات هنا ! أريد أن يتحدث عني الجميع .. ! ويقال إن فاطمة هي الافضل .. كن َ مثلها !



هذا الحديث يذكرني بمريم !! فهو ذاته الحديث الذي يتناقله الكثير عنها ,, وهي محورا ً مهما ً لحديث الكثير من المدرسات .. !!


يبدو بأن فاطمة تطمح لئن تكون مثلها !
شيء جيد !


فقلت لها ببراءة :
_ كمثل مريم إذا ً !


لكن صوتها جاء حادا ً وهي تنفي قولي :
_ لا ليس مثل مريم ! فأنا الافضل !



الكلمة الاخيرة جعلتني اكثر الاهتمام لما قالته ولما ستقوله .. يبدو في الامر تحد ٍ .. !!


" وكيف أنت الافضل ؟؟

" لاني الافضل !!



هي تصر بأنها الافضل ,, وذلك لغريب .. الامر ليس تحد ٍ على مايبدو لي ,, شيء قريب لما يسمى "" الغيرة "" هكذا كنت أرى من حديثها !


كنت ألمح ذلك جيدا ً في عينيها فسألتها :

_ لماذا هذه المقارنة فيما بينكما ؟

_ هي ليست مقارنة يا ليلى .. فأنا وهي مختلفتان !

_ لكنك تتحدثين عن طموحك كما لو تتحدثين عما يحصل معها الان !!


هذه الجملة لم تعجبها فقالت بغضب :

_ لقد سأمنا ذلك الحديث الذي يدور حول مريم ! الا يوجد غيرها ؟؟

_ ولماذا كل هذا الغضب ؟؟

_ لا أبدو غاضبة !!


_ بلى !!




شعرت بأن شيء من الحقد تحمله فاطمة في قلبها لمريم ,, أزعجني ذلك إلى حد كبير ,, أنا أعتز بمعرفتي لفاطمة ,, لم تكن تعرف مثل هذه الامور ,, قد تغيرت فجأة ,, أصبح المتميزون يمثلون لها شيئا سيئا تمقته وليس منطلقا ً للتغيير في أمر ٍ ما !



لقد تغيرت كثيرا ً وكثيرا ً جدا ً .. !! والكثير مما أعرفه قد تغير .. !
لكن لا أجد في نفسي تغيير يذكر ,,
لا أعلم إذا ما كنت سأبقى على ما أنا عليه الان ,, أم خلاف ذلك !




دق الجرس ,, وصوت استاذة ( الرياضة ) يصلني ,, تأمرنا بالنزول للطابور الصباحي ,, أنا لا اشء النزول ,, أبدو مرهقة ,, أختلقت حجة ما للبقاء في الفصل ,, هكذا كنت أبتغي .


لكن المشرفة لم تدع لي مجالا ً للبقاء ,, وعذري لا تراه كفيلا ً في ابقائي في الفصل ,, ! فغادرته رغما عني وعلامات الاستياء قد برزت على ملامحي ..



وقد غيرت كل تلك الملامح مريم !
أجل رأيتها وأنا خارجة ,, شعرت بسعادة لذلك ,, لكنما السعادة سرعان ما تحولت لخيبة أمل ,, !
لم تكترث لرؤياي ,, بل اسرعت نحو الطابور كهروب ٍ واضح ٍ مني !


شعرت بالاسى ! بالحزن ..

مابالها ؟؟ لا اعهدها كذلك من قولها بالامس !


لماذا الفرحة لا تظهر على ملامحها ؟
ولماذا هربت حين لاقتني !



مريم .. صدقوني ستدعوني للجنون هذه الانسانة !






****





لم أكن أتوقع أن يكون الاختبار سهلا ً الى هذا الحد ,, يبدو بأن فاطمة تجيد الشرح ,, أتوقع لها مستقبلا ناجحا ً في مهنة التعليم ,, اتذكر بأنها أخبرتني ذات يوم أنها تحلم بأن تكون " استاذة " .. هو شيء ممتاز ..


أهديتها نظرات شكر وأمتنان على مساعدتها بالامس ,, هي الاخرى انتهت من الاختبار مبكرا ً ,, وهي الاخرى كانت تناظرني بابتسامة شبيهة بالنصر .. !


يبدو لي بأنها في اعتقاد تام بأن لها الفضل في انجازي للاختبار في وقت مبكر ..
مغرورة هذه الفتاة .. !!



اقتربت الاستاذة عند ناحيتي ووقفت قليلا ً بالذات عند طاولتي ,, أخذت الورقة وناظرتها و أخذت تتأمل الاجابة جيدا ً ,, وبين حين وآخر تناظرني بطرف عينها ,, كما لو إنها في استغراب .


كنت في ضيق تام لتلك النظرة ,, التي اعقبتها نظرة لما يحتويه " درجي " .. !
اعتقد ذلك محاولة لتأكيد منع " الغش " أو للتأكد من عدم حدوثه ..


تبا ً لها .. بحق أمقتها .




زميلاتي يناظرني وهن يضحكن .. ولا شعوريا ً وجدت نفسي أضحك .. وهذا ما أثار الاستاذة ,, أود أن أخبركم بأن جميع زميلاتي يمقتن هذه الاستاذة ,, فهي تحبط اجمع محاولاتهن ..


اقتربت ناحيتي وهي تسألني بغضب :
" لماذا تضحكين ؟؟ أضحكينا معك !

في واقع الامر لا أجد داع ٍ حقيقي للضحك ,, فأجبتها " لا شيء !


قلتها بنرة سخرية غير مقصودة ,, فثار جنونها وأمرتني بالخروج من الصف ..!
هذه المرة الاولى ! ومافعلته أنا لا يستدعي كل ذلك .. !


كررت أمرها بعد أن وجدتني في حالة صمت ,, وهي على قرارها باقية بخروجي,, كنت مستاءة الى حد ٍ ما ,, الا أنني وجدتها فرصة للهروب من الحصة ..



كان يتوجب علي المضي إلى المشرفة الاجتماعية الا إني فضلت التجول في أنحاء المدرسة ,,

وصلت الى دورة المياه ,, لابد من غسل وجهي فالنوم لا يزال متربعا على عرش ملامحي ,, وللمرة الثانية رأيتها ,, مريم هذه المرة لن أدعك ترحلين دون حديث منك اسمعه !



" من ؟ مريم ؟


نظرت لي بوجه ٍ مبتسم وحزين ..

" أهلا ً ليلى .


ثم استدارت نحو المرآة تلقي آخر نظرة ,, أخالها ستنصرف ,, لتؤكده بقولها :

" هيا سانصرف الان لا أود أن أتأخر !


تركتها تمضي وفي اللحظة الاخيرة استوقفتها بندائي :


" مريم ؟ هل استطيع الحديث معك ِ .. ؟


حاولت أن تنهي الحديث وتقول بسرعة :
" ليس الان !



وسرعان ما انصرفت ,, بعيدا ً نحو صفها !


لماذا تتجاهلني هذه الانسانة .. ؟؟ في لقائنا بالامس لم تكن مترددة في قولها ,, ولم يكن شعورها مختلط بين السعادة والضيق ,, حتى حين لاقيتها في الحي لم تكن كذلك ,,


أفكار أخذتني للبعيد ,, هل أبدو شيئا ً سيئا ً لتنفر مني ؟؟ أم أن هناك حقيقة تخشى فضحها فتهرب كلما لاقتني ؟

وعادت لتقتحم فكري من جديد .. وتتناظر أمامي كل المشاهد .. وكل الحديث ..

حديث المدرسات عنها ..
مطالبتنا بالاقتداء بها ..
لقاؤنا الاول ..
معرفة منطقة سكنها ..
هروبها مني هذا الصباح ..
وهروبها مني قبل قليل ..
ابتسامتها وحزنها الاخير ..


كل هذا استرجعته بعد ان استندت على الحائط ,, في محاولة مني يائسة الى تخطي الحواجز ,, وإلى معرفة ما تخبأه نافذتها .
أمور كثيرة يستصعب علي حصرها ,, ولكن في مقدمتها .. ما هو السبيل للتقرب لها ..
هي صعبة .. ويبدو بأنها ترفض الغرباء ..



أووه .. هل جننت أنا ؟ أم على وشك الجنون ؟؟
مالي ومريم هذه ؟؟
هي لا تريدني
هي لا تبتغي مصاحبتي
هي لا تود حتى رؤياي ..

ألم استوعب بعد كل هذا ؟؟ ألم أقو َ على تفسير موقفها ؟؟
لماذا امضي وراء حلم ٍ هو لا يبتغيني ؟؟
ولماذا افضل البقاء بين احضانه وهو يرفضني ؟؟




لكن .. لكن .. مريم مختلفة !!


وأعود من جديد لافكاري المجنونة ,, واغرق في بحرها واغوص في أعماق أعماقها ,, لأدرك تماما ً بأن مريم هي مختلفة !


واقنع ذاتي بأن الاحلام تغدو نحو اللا تحقيق ..


أحلام ؟؟ وتحقيق ؟؟ أوه افكار لأول مرة تحلق فوق رأسي ,, وأمور لأول مرة تدور في داخله .. !
ألم أقل لكم بأن مريم هذه جعلتني استعيد وافكر بأمور أخالها غائبة ؟؟ ولم يسبق لي وإن فكرت بها .. هي كذلك حتما ً لكن مابها هذا اليوم ؟؟


وعدت في حيرة قاتلة ,, بين الهروب من طيف مريم ,, وبين اللحاق به ومعرفة خباياه ,, وأحسب الاخير هو ما سأفعله ,, فابتسامتها اللطيفة تدفع أياً يكن للتفكير بها ..




ودق الجرس معلن الفسحة ,,
هو وقت مناسب لاقتحام عالمها من جديد ,, ومعرفة مكنونه أكثر .. فمضيت بخطواتي الخجولة ,, وبتردد يخشى الفشل ,, ويخشى الهروب .



وكمثل المرة الاولى ,, وسط جمع كبير من الزميلات كانت جالسة ,, وهن في سعادة عارمة ,, للحظات لم اشء الاقتراب بل فضلت الرحيل و تركهن في فرحتهن هذه ..


لكن صوت مريم جاءني بلطافته ..


" لــــــــــيلى !



يااااه .. واخيرا ً !





اقتربت اكثر الجميع كان يرقبني خجلت في بادئ الامر فأنا لا أعرفهن ..


" السلام عليكم .


رددن التحية وقالت احداهن ..

" هل تريدين مريم ؟؟


" نعم !


ناظرت مريم وعادت ببصرها نحوي لتقول :

" أو تظنين بأننا سنسمح لك بأخذ مريم كل يوم ؟؟



لم يخجلني حديثها ,, ولم يجعلني أشعر بالاحراج ,, فكانت تتكلم بلطافة ,, أجبتها :


" إذا أمكن .. !



لتؤكد قولها :

" مريم عزيزة على قلوبنا جميعا ً ونأسى على مفارقتها .. !



ابتسمت قليلا ً وكأني ابحث عن ما أود أقوله ,,


" حسنا ً هي معكن بهذا الصف أما أنا فلا !



هذه المرة أجابتني طالبة أخرى :

" أنا لست معها بالصف ,, والفسحة موعد لقائنا الوحيد ..




الجملة الاخيرة اثارت انتباهي .. وبالذات كلمة " الوحيد " هل يعني ذلك بأنها لم تستقبلها في المنزل أو في أي مكان آخر ؟؟




صمت طويلا ً وأنا أفكر ,, ولم أقو َ على الاصغاء إلى حديثهن ,, ففكري مضى نحو شيء ٍ آخر ,, ولأتأكد لما وصلت له ,, سألتها :

" ألم تزوريها بالمنزل ؟؟



الجميع ناظر مريم ,, وملامحها التي تغيرت فجأة ,, يبدو بأني لست الوحيدة !
انتظرت الاجابة ,, لكن لم يجبني أحد ..


ولاخترق صمتهن قلتها :

" لي علم بمنزلها فسأزورها عما قريب !





لم أكن أتوقع أن جملتي تثير اهتمامهن ليقلن بصوت واحد :

" حــــــــــــــــــــــــقا ً ؟؟



تعجبت في بادئ الامر ,, وكنت أراه شيء من التكذيب واخفاء الحقيقة ,, وحاولت معرفتها لاحقاً



~~~~~~~~


فيما بعد هذا اللقاء الجماعي علمت بأن مريم لم تخبر صحبها بعنوان منزلها ,, وعرفت بأنها تمقت الزيارات المنزلية ,, ولم تكشف عن ذلك المقت أبدا ً ,, الكثير كان يحاول أن يعبث في أوراقها الخاصة ويحاول رؤية بطاقتها السكانية للوصول للعنوان ,,


لكنها لم تكن تحبذ ,, قليلات من عرفن العنوان عن طريق ذلك الا إن موقفها السلبي هذا يستدعي رفض الزيارة ,, ليس للاحراج .. بل لحبهن لها ولاحترام رغباتها ..




الجدير بالذكر بأني ومريم وقليلات من الحي ندرس في المدرسة ذاتها ,, فالقرية التي نقطنها لا توجد بها مدرسة ثانوية ,, لذا فنحن ندرس في العاصمة ..




وكان ذلك جيد بالنسبة لمريم ,, لان هذا يدعوها للهروب من واقع هي لا تبتغي أن يعرفه أحد .




هكذا هو الاستنتاج الذي وصلت إليه !





يتبع !




.0
.0

الوجه الأليم
11-12-2007, 08:39 AM
.0.
.0.




الحلقة السادسة " إعدام يتليه حقائق !


أخبرتني فاطمة بأنها تلتقي بمريم في الحافلة والتي خصتها الوزارة لتوصيل الطالبات ,, وقد جن جنوني حينها ,, حاولت اقناع والدي في التخلي عن المواصلات الخاصة التي وفرها لي وقد اعترض قائلا :
" لم يبق َ سوى اسبوعان فقط !!

اقتربت منه أكثر حيث كان يجلس على الكرسي وبين يديه صحيفة اليوم قائلة :
" أبي أريد أن أذهب في حافلة الوزارة !!

كان مندمجا ً في القراءة وفجأة يقول وأطرافه ترتعش :
" لقد أُحكم على المتهمين بالاعدام الاسبوع القادم !!

قلت بقهر :
" أبي دعك من هؤلاء وحادثني !

ينظر لي سائلا :
" أين والدتك ؟
" في المطبخ تعد الغذاء .
" ناديها بسرعة !
" ماذا عن موضوعنا ؟
" سنتحدث فيه لاحقا ً أذهبي وأخبري والدتك بأني اريد الحديث معها ! وبسرعة !


أزعجني عدم اكتراث والدي بالامر أعرفه جيداً لن يقبل به لكني سأحاول من أجل مريم . وماقصة هؤلاء المتهمين التي أراه مهتما ً بها ؟

كانت رائحة الغذاء تخترق أنفي وتجعل معدتي تشعر بالجوع فجأة , وجدت أمي تغسل الاطباق :
" أنت طباخة ماهرة !

فقالت لي مداعبة :
" سأعلمك الطبخ إذا تزوجت ِ !

" لا أريد الزواج الان لا أزال صغيرة .

لم تعلق والدتي فكانت مشغولة بأمر الاعداد فهي دائما ً هكذا !
وتذكرت طلب والدي
" أمي والدي يريد الحديث معك .

تلفت ناحيتي وتقول :
" ماذا يريد ؟

" أظنه يريد الحديث معك حول أمر متهمين مجرمين سيعدمون .

قلتها دون مبالاة ووجدت طبق الغذاء يسقط من يدي أمي وينكسر !
وضعت يديها على قلبها وتقول :
" حقا ً ؟

ودفعتني جانبا ً وجرت إلى حيث يجلس والدي ,, إنه لأمر غريب ؛ لأول مرة أجد والدتي هكذا !

خرجت من خلفها لاستفقد الأمر فأجد أمي بحسرة تقولها :
" هل أنت متأكد ؟

يتناول والدي الصحيفة ويشير للخبر فأجد دموع والدتي تتفجر .. مالأمر يا ترى ؟؟ وأي متهمين ؟ وماعلاقتنا بالأمر ؟؟

كنت في مكاني أرقب الحدث من بعيد وأرجو أن يحصل ماهو كفيل في إخباري عن حقيقة الذي يجري من خوف وألم متمثلان في والدتي وأجدها بعد لحظات تقول :
" فليعينك الله يا أخي !!


لوالدتي أخ واحد وقد غاب منذ ثلاث سنوات بشكل مفاجئ .. أوهمتنا والدتي بأنه سافر للدراسة ,, ونحن لم نستسغ الفكرة ! لكننا عشنا على وهمها طيلة الوقت الذي مضى ,, وها انا أجد والدي يقرأ خبر إعدامه ,, أحتاج لوقت طويل لكي أستوعب الأمر .. !!

ويضيف والدي :
" سيعدمون معه ناصر ابن جارنا محمد ! وآخران !


أقتربت منهما أود فهم الموضوع كان والدي يجلس على الكرسي ذاته أما والدتي فكانت تجلس على الارض قريبة منه وقلت لها بألم :
" أماه هل خالي سيــ ع دم ؟

لم أقوَ على نطق الحروف جيدا ً ونظرت لوالدتي ارتقب ماستقوله من حقيقة أخفتها وقت طويل ! لكنها لم تجب ,, والدي هو الاخر بقى صامتا ً !
جلست بقرب والدتي وأبكاني منظرها:
" أمي اخبريني بالحقيقة .
وأغمضَت عيناها تاركة الدموع تنهمر بحرية دون قيود !


يدخل أخي عادل وينظر لنا بشيء مصحوب بالاستغراب ,, ويجد أمي غارقة في دموعها ,, أنظارنا نحن الثلاثة متجهة إليه وهو يجول ببصره وكأنه يود معرفة شيء ما , ظنناه جميعا بأنه سيسألنا عما يبكينا وحين نطق فإننا صدمنا :
" أعتقد بأن شيئ يحترق ألا يشم أحدكم ؟

وتذكرت الغذاء الذي لا يزال على الموقد انتفضت والدتي ومسحت بيديها دمعها وتوجهت للمطبخ بذات السرعة التي خرجت بها منه وقد صرخت فور وصولها :
" الغذاء قد أحترق !

ويلحق بها والدي مهدئاً من روعها ,, أما أنا فبقيت في مكاني متصلبة مع أخي الذي أظنه للتو تذكر المشهد المؤلم ويقول :
" مابكم ؟ أراكم في حالة عزاء !
" ما أدراك ؟

نظر لي باستغراب قائلا :
" هل توفي أحد حقا ً ؟

أدرت ببصري ناحية الارض ويقترب مني مكررا ً سؤاله لكنه لم يلق َ جواب فقال غاضبا ً
" إني لا أحبذ أن يُفعل بي هكذا أخبروني ماذا هناك ؟

أشرت بسبابتي نحو الصحيفة وباشارة ما فهم إن الامر متعلق بما تحتويه ,, فتناولها وأخذ يتجول عند الصفحة التي توقف عندها والدي ويجول ببصره بين العنواين ! ويستدير ناحيتي :
" لا أرى شيئا ً.

وبتثاقل وبوجع نهضت من جلستي وقد اشرت له عند الخبر المقصود ,, قرأ جزءا ً منه وعاد ليقول :
لا أرى شيئا إلى الان ,, مجرد متهمين بحرق سيارة شرطة سيعدمون !

فقلت له منصرفة إلى غرفتي :
" أسأل والدتي عن هوية المتهمين وستعرف لماذا كنا نبكي .




*********


هي المرة الأولى التي افتقد فيها عزيزا ً ! وأرجو أن تكون الاخيرة ,, لقد أخبرنا والدي قبل قليل بأن خالي أحرق سيارة شرطة عمدا ً انتقاما ً لرفيقه التي قٌتل في السجون والذي لم يحتمل التعذيب وقد شاركه في هذه العملية ثلاثة شبان أحدهم ابن جيراننا ,, في الحقيقة لا أعرفه من يكون ! ولكن خالي كان يكثر من الحديث عنه !


اُخفيت الحقيقة عنا أنا وعادل ,, كي لا يكون لقب مجرم يليق بخال ٍ طالما حملنا بين ذراعه وأطعمنا بيديه وسرح شعرنا وأخذنا نلعب في الملاهي وأشترى لنا الملابس!

لا أتصور بأنه سيعدم حقا ً وتراءت امامي كل الصور القديمة وقتها ,, وتذكرت كيف حزنت لأمر غيابه المفاجئ إلا أن الخبر الوهمي الذي عشنا على أمله دعانا لتجاهل الامر قليلا ً
تمنيت أن أحضتنه ,, أن أراه ,, أن اسمع صوته فقط ! لكن كل ذلك لا يحق لي فعله ,, فلقد مُنعت الزيارة !


تناسيت كل شيء ,, ولم أفعل شيء سوى الغرق في بحر الدموع !


~~~~~~~~


استيقظت باكرا ً بعد نوم عميق ,, كانت الساعة تشير الى الرابعة فجرا ً ,, يبدو بأن خيوط الشمس بدأت تتسلل إلى كبد السماء ,, فنهضت لتأدية صلاة الفجر !

ولعلها من المرات القليلة التي اؤدي فيها الصلاة عند هذا الوقت المبكر !

وحينما فرغت رفعت يدي إلى السماء باكية ,, متضرعة ,, أدعو الله أن يفرج هذه المحنة ,, وأن يخرج خالي سالما ً!

أرجو لا يكون مثل رفيقه الذي عٌذب !
بقيت وقتا ً طويلا ً أفكر في أمر خالي ومصيره .. أبكي واتذكر الماضي .. وفي الوقت ذاته غير مصدقة للنبأ الاخير ,, غير مصدقة بأن خالي قاتل ومجرم ! وانتقامي عند هذا الحد .. أحتاج لوقت طويل لأستوعب هذه الحقيقة , فعقلي إلى الان يأبى التصديق !


" ليلى لقد تأخرت عن المدرسة .

نادتني والدتي وايقظتني من الغفلة .. وانتبهت لها واقفة عند الباب وتضيف :
" كالعادة لاتصلين إلا متأخرا ً !

دققت النظر لساعة الحائط فوجدتها تشير الى السادسة وخمس دقائق ,, هل مرت ساعتان وأنا على الحال ذاته بحجاب الصلاة أفكر ؟ لم أشعر بذلك أبدا ً !

هي لا تزال واقفة تراني أتمتم مع ذاتي
" لقد أديت الصلاة باكرا ً هذا الصباح لكني كنت أفكر في خالي يا أمي !

أتممت جملتي فأجد الباب يُـغلق بسرعة ! ولم اسمع خطواتها ,, يبدو أنها لاتزال واقفة خلف الباب ,, غير راغبة في سماع أي شيء !


***********



لم أكن على مايرام بالمدرسة هذا اليوم ,, كنت قلقة وخائفة ,, وتناسيت كل الأمور ,, كنت متعبة وما زادني تعبا ً هو هذا الطابور الصباحي الممل الذي أمقته !

اذاعة صباحية طويلة مملة ,, أكاد أجزم بعدم وجود طالبة منتبهة لما تقوله هذه الاستاذة من نصائح نجدها قديمة متكررة قد حفظناها !


فاطمة هي الاخرى منزعجة من أمر هذه الاذاعة الطويلة وللهروب من أجوائها تسألني :
" ألم تقولي بأنك ستتواجدين معنا في الحافلة هذا اليوم ؟

استرجعت شيء من ذاكرتي وقلت لها :
" اتصدقين نسيت ؟
" حقا ؟
" أجل نسيت الأمر ولم أتذكره إلا الآن بقولك !
" مريم لم تحضر اليوم بالحافلة لقد أوصلها والدها .
" هل هذا غريب ؟
" هي المرة الأولى التي تفعلها .
" هل تتوقعين .....

ولم أتم جملتي فقد زجرتني الاستاذة غاضبة :
" دعكما من الثرثرة واصغيا للإذاعة !

وتقدمت بخطواتها نحو الامام وتقول فاطمة :
" سنستأنف الحديث بالفصل !


لقد وجدت مريم هذا الصباح حين الانتهاء من الطابور الصباحي وابتسامة غريبة تبدو على ملامحها ,, أما أنا فلم يكن يثير اهتمامي ذلك ,, فلقد كنت متألمة لأمر إعدام خالي !

شعرت بصداع حاد يجعلني أفقد كامل قواي في التركيز وقد استئذنت الاستاذة بالنزول للمشرفة الاجتماعية معللة ذلك بشعوري بالارهاق

وهي لم تمانع وطلبت من إحداهن إيصالي .


استلقيت على السرير المخصص للمرضى بعد أن أخذت حصة من " البندول " وقد نمت دون شعور للوقت الذي قضيته أثناء هذا !


وصحوت على أصوات تصدر من الغرفة الخاصة بالمشرفات القريبة من هنا ,, حاولت أن أركز ولو بالقليل على مايجري هناك ,, أعتقد بأن إحداهن أغشي عليها !

أدرت ببصري ناحية ساعة اليد أجدها تشير الى العاشرة ,, لقد بدأت الحصة الرابعة الآن !

نهضت وقد أعدت ترتيب اللحاف وأجد الباب يفتح فجأة

يحملن طالبة يردن وضعها على السرير !
كما توقعت فتاة أغشي عليها .. !

في الغرفة سريران فقط وهما متقاربان من بعضهما وحين ابتغت المشرفات وضع الطالبة قالت لي إحداهن :
ابتعدي بسرعة !

فانصرفت فجأة ملقية نظرة عابرة على الطالبة .

وفجأة توقف الكون من حولي وشعرت بأن قدماي لا تساعداني على النهوض وأمعن النظر لأتأكد من هذه التي أراها محمولة بين الأذرع مغشى عليها ولعاباً يسيل من فمها وعيناها الفارغتان من نورهما !

مريم لا لا !

صرخت مفزوعة :
" يا إلهي ماذا بها ؟

أمسكت بيد إحدى الطالبات أسألها لتجيبني :
" لقد تلقت خبرا ً عن أخيها لم تحتمل فهوت أرضا ً !

وسألتها بسرعة :
" ماذا عن أخيها ؟

وتجيبني وهي تنظر لمريم بخوف :
" سيعدم !


لحظة !
سيعدم ؟

تذكرت حديث والدي بالأمس جيدا ً ,, لقد قال من ضمن حديثه بأن ابن جيراننا سيعدم .. ناصر ! الان فهمت .. ابن جيراننا هو ذاته أخ مريم !


وقد أخبرني والدي بأن خالي أحرق السيارة وقتل من فيها مع رفاقه الثلاثة . هل يعني ذلك بأن أخو مريم صديق خالي !؟

أمور كثيرة جرت بسرعة لم أعد قادرة على استيعابها ,, اشعلت في رأسي الالم ذاته الذي راودني قبل ساعات ولا شعوريا ً وجدت يدي تمتد نحو كتف أحدى المشرفات وقد افتقدت قوتي على الوقوف !


~~~~~~~~~


صحوت قبيل نهاية الدوام الدراسي بوقت قصير , وقد وجدت مريم مستلقية في حالة مؤلمة ,, الدموع على خدها تنهمر بقوة !

نهضت من السرير مقتربة منها أريد مؤازرتها مواساتها وفهم شيء مما يحصل فقلت لها :
" هل أنت بخير !؟

لم تعلق على قولي ولاذت بالصمت بدموع تحرق خديها ,, ووجدت يدي تمتد ناحيتها امسح دموعها وتلفت ناحيتي اخيرا ً بحزن عميق وبدمع غزير ,, وبألم كبير وتقول بصوت مختنق :
" سيعدم أخي يا ليلى .

وترمي برأسها في حجري باكية !

مسحت بيدي على رأسها غير قادرة على الحديث ,, أو حتى قول بأن خالي هو الآخر سيعدم !

وتصمت قليلا ً وتعاود الحديث :
" لماذا قتلتهم لماذا ؟ لماذا لم تدعهم وشأنهم ؟
الأ حسبي الله ونعم الوكيل !


كيف أداوي مريم ؟ وأنا أحتاج لمن يداويني ؟؟ كيف أواسيها وأنا أحتاج لمن يواسيني ؟؟ بماذا أحدثها ؟ وأنا أجهل ماعلي قوله !

لم أقو َ على نطق أي حرف ,, بل تركتها تتحدث بحرية ,, وتطلق مابداخلها من زفرات أسى وشجن ,, تركتها في حرية تطلق سيول دمعها فيما أكتفيت أنا بمسح رأسها ! وتربيت كتفها !

" لماذا يا أخي ؟ ليتك لم تقتلهم وليت لم تحرقهم ليتك !

ويتعالى صراخ مريم فتدخل إحدى المشرفات المتواجدات وتسألني :
" مابها ؟
" إنها تبكي أخاها !
" فليعينها الله !

وتقترب منا وتحاول أن تهدأ من روعها قليلا ً وأن تخفف من حزنها بمواساتها وبحديثها لكن مريم تأبى التوقف عن البكاء وتحدثني المشرفة :
" لم يتبق سوى عشر دقائق عن دق الجرس اذهبي للصف لتعدي نفسك للانصراف .

وهل أقوى أنا على الانصراف وترك مريم بحالها المبكي !؟

" سأبقى مع مريم .

" اذهبي فالحافلات لا تنتظر كثيرا ً .
" لا يهم سأبقى !


وتعيد ببصرها إلى مريم وهي تبكي بصمت وتأمرني :
" احضري لها كوب ماء من الغرفة المجاورة .

أحضرت الكوب مسرعة وقد كان على وشك السقوط من يدي !

" مريم اشربي الماء .

تنظر ناحية اللاشيء وفمها مغلق ,, هي لا تدري بشيء ,, هي لا تسمع أي شيء !
مريم ارجوك كوني بخير ارجوك !!!!!!



لقد تعافت مريم بعض الشيء ,, واتصلتُ للمنزل ليحضر السائق المدرسة ,, فالدوام المدرسي انتهى منذ فترة طويلة ,, والحافلات قد سارت !

المشرفة اتصلت في عائلة مريم لتخبرهم عن الحالة السيئة لها ,, كما أخبرتهم بأمر ايصالي لها ! وهم بدورهم لم يبدُ اعتراضا ً على الامر .

لم يكن في المدرسة سوانا أنا وهي والحارس !

وقفنا بالخارج ننتظر السائق وقد جلسَت على الكرسي القريب من البوابة ,, لتحتمي بظلال الشجرة المزروعة هناك ,, فالشمس كانت حارقة عند هذا الوقت .


" مريم هيا لقد وصل .

وبتثاقل تام وبخطى موجعة تتقدم ناحيتي ممسكة بيدي لأوصلها !!

حاولت الحديث معها طوال وقت العودة وقلت :
" هل تعرفين اصدقاء اخيك الذين سيعدمون !؟


شعرت بالندم على سؤالي الغير جيد في وقته ,, لكنها بعد دقائق أجابتني :
" أعرفهم جميعا ً إحداهم ابن جيراننا ,, أما البقية فهم من مدينة أخرى .

هو بالتأكيد خالي فقلت :
" وماذا تعرفين عن ابن جيرانكم ؟

" كان صديق حميم لأخي لقد كان يحدثني كثيرا ً عنه وكما كان يحدثني عن ابناء أخته !!


يحدثك عنا ؟؟ عني أنا وعادل ؟

فأسرعت في السؤال :
" وماذا كان يقول ؟

" كان يكثر الحديث عن ليلى إنها طيبة وفتاة نبيلة وتستحق كل الاحترام والتقدير !
أما عادل فهو شاب مشاغب !

ابتسمت لقول مريم وعدت لأسألها مجددا ً :
" ألا تعرفين ليلى ؟

" للأسف لا أعرف من تكون .
" وهل تودين معرفتها ؟

شعرت مريم بمدى اهتمامي بالأمر فقالت :
" لماذا كل هذه الأسألة ؟

" آسفة لاشيء !


السيارة توقفت ويسألني السائق مصري الجنسية :
" إلى أين أذهب الآن ؟
" إلى الجهة اليمنى !

هناك حيث منزل مريم يقع .



~~~~~~~~~~~~~~



خالي الذي تربيت بين أحضانه قاتل !
وسيعدم عما قريب !!!
الفتاة التي شغلت فكري كثيرا ً أنام معها اليوم في غرفة واحدة !
وخالي صديق لأخيها !
وكان أخيها يحدثها عني !
وهي تود معرفتي !!

أليست كل هذه الأمور كفيلة بأن تجعلني مرهقة إلى حد ٍ لا أفارق فيه فراشي ؟

كنت متعبة للغاية ,, وهي المرة الأولى التي أصاب بمثل هذه النوبة ,, وأنا عاجزة عن التفكير في أي شيء ,, فلقد اختلطت كل الأوراق ,, ولم أعد أميز بينها بشيء !


خبر إعدام خالي اصحبه خبر معرفة مريم لشخصي الذي سمعت عنه ورأته بشكل مختلف !!

أوه يا إلهي أريد أن أنام أريد أن أطرد هذه الافكار من رأسي ,, أريد أن أرى خالي أريد واريد ! وما أكثر ما أردته عند هذه اللحظة !


طرقت باب غرفة أخي عادل ,, كان الهدوء مسيطر على أجواء الغرفة على غير العادة ,, فلطالما كانت اصوات الأغاني تصدر منها وتدوي المنزل بما فيه .

فتحت الباب فأجد أخي مستلقيا ً على السرير يبكي وقد حاول أن يمسح دموعه منذ رآني .

" عادل هل أنت مصدق لخبر إعدام خالي ؟
أغمض عيناها بصمت ,, ولم يجب !

" أعلم بأنك لست مصدق مثلي تماما ً و ..

يفتح عينه بكل هدوء ويقول :
" أتركيني وحدي !




~~~~~~~~~~~~


وأُعدم خالي ,, وأعدم من معه ,, وخيم السواد على أجواء المنزل ,, أخي كان على وشك الانهيار أما أمي فكانت على وشك الموت الحقيقي !!

عم الحزن في قلوبنا ,, ومقتنا الدنيا بما فيها !

تم تسليم الجثة و قد رفض والداي اصطحابي لهناك ,, كنت مستاءة ومتألمة , اريد أن ألقي النظرة الأخيرة أرجوكم لماذا تحرموني ؟

ورجاءي لم يجدِ نفعا ً


التوقيت كان سيئاً للغاية ,, لم أقو فيه على المذاكرة للامتحانات التي ستبدأ الاسبوع القادم ,, فكنا جميعا مشغولين بأمر العزاء ,, والمصاب الذي تجلى في قلوبنا أكبر من أن يدعونا للانشغال بأي شيء آخر .


لقد مرت الايام بطيئة بأوجاعها وبآلامها ,, وكانت هي المرة الأولى التي اعيش فيها تجربة مأساوية بفقد انسان امتلك من قلبي الجزء الأكبر !



النتائج بالامتحانات لم تكن جيدة ,, ولم يثر ذلك اهتمام لدي ,, فالقلب لا يزال مفجوعا ً بفقد خالي .وقد حاولت مع مر الأيام خلال العطلة الصيفية أن أتقبل الواقع الذي يخلو من وجوده !!!!



حينما استعادت والدتي بعض من عافيتها وشعرت بتحسن في صحتها ,, أخبرتني بأنها تود زيارة بيت رفيق أخيها لتعزيهم بفقد ابنهم .. ! وكان ذلك البيت هو بيت مريم !

فكرت ملياً بالأمر ,, لقد أخبرتني طالبة بأن مريم لا تحبذ الزيارات ,, وإنها ترفضها وبشدة ,, اخشى أن يكون حضوري مخجلا ً .

" أمي لا أود الزيارة !
" لا يصح ذلك لابد منها .
" لا يتطلب ذلك حضوري .
" قلت لابد منها ألاتفهمين ؟

والدتي اصرت على وجودي معها ,, وكانت مريم وحدها من تجعلني أخشى ذلك التواجد .
فزرتها بشيء محصوب بالخجل والتوتر ,, وشيء آخر قريب لمعرفة حقيقة الاستنتاج الذي توصلت له في وقت ٍ مضى .


لأن المنزل لم يبعد سوى مسافة قليلة فإننا وصلنا بسرعة , والدتي لم تكن تعرف العنوان ,, يبدو بأنها لم تزرهم من قبل ,, !

" ليلى كيف عرفت العنوان ؟
هو السؤال الذي وجهته أمي لي راغبة في معرفة الوسيلة التي بها عرفته ..

وأكتفيت بتذكريها بشخص مريم المختلف والذي شغل فكري لمدة من الزمن ..
ووجدت نظرات عميقة في عيني والدتي بعد هذا التذكير !


طرق خفيف أعقبه خروج إحداهن يستفقد الزائر ,, وكانت مريم هي من فتحت الباب ,, وهذه المرة كان وجهها شاحبا كمن هاجرت الابتسامة عنه منذ زمن ؛ لا تزال حزينة على رحيل ناصر !
ما أن وقعت عيناها علي ّ شعرت بحدة نظراتها تكاد تخترق عيناي ,, كم نظراتها حارقة هذه الفتاة !!

" مرحبا !

قالت تلك الكلمة وكأنها تستقصد ماهو خلافها ,, شعرت بالخجل من جديد .. !

ثوان ٍ وقفنا أمام الباب في حيرة قاتلة ,, ومريم في وضع ٍ لا تسمح لنا بالدخول ,, كأنها خائفة من شيء ٍ سيقع ! كأنها لاتود أن نرى ما بالداخل .. !
أفكار مجنونة حلقت فوق رأسي عند هذه اللحظة .. ومريم لا تزال في وضع يثير الاستغراب .. وهي تحدق في وجه والدتي .

وينتهي صراع النظرات بقولها :
" تفضلا .. من هنا .. !

وجهت ببصري لأمي ألومها على اصرارها الذي يدعوني لما أنا عليه الآن ..

مريم أوصلتنا للمجلس وجالستنا في صمت دون أن تنطق ..
وقالت أمي بعد وقت طويل ٍ مضى :
" نعزيك بأخيك ناصر .. تجملي بالصبر ..


" حسبنا الله و ..

هي جملة مريم التي بترها فتح الباب بهدوء ,, لتخرج من خلفه إمرأة قد لبست السواد ,, والخصلات البيضاء منسدلة على كتفها ,, كانت تبدو إمرأة في الخمسين من عمرها ..

اقتربت منا نحن الثلاثة وقد وجهت ببصرها نحو والدتي وفتحت ثغرها بقوة وهي تصك بأسنانها :
" أنت ؟ مالذي جاء بك ِ إلى هنا ؟ أما كفاه أخوك بما فعله بابني ؟؟ ماذا تريدون ؟؟
هل تودون قتلي أنا أيضا ً ؟؟


لم تظهر على والدتي شيئا من ملامح الحرج والاستغراب .. حتما ً إنها كانت تتوقع حدوث ذلك .. كانت تلك المرأة هي والدة مريم ,, وهي لا تزال تفرغ ما بداخلها من ألم وتصرخ في وجه والدتي ..


أما مريم فلا تزال جالسة بقربي تحدق بي كأنها غير مصدقة لما قالته أمها قبل قليل .. بأن رفيق ناصر هو خالي أنا ,, أخذت الأفكار تتطاير نحوها .. !

كل ٍ كان يحدق بالآخر حرب النظرات قد عادت مجددا ً وقد تدخل فيها طرف جديد ..


صراخ عنيف ,, توبيخ ,, خجل ,, صدمة ,, هذا ما احتوته زيارة مريم الأولى ,, وبعدما لقيناه هناك أحسبها الأخيرة .. لا أخال والدتها سترحب بنا !! ..





]] يتبعــ ]]



.

ياسر خطاب
11-12-2007, 08:50 AM
الوجه الأليم ...
شكراً للإمتاع

أسرى لـ يتبعـ

الوجه الأليم
11-22-2007, 04:53 PM
بسمه الهادي



ياسر خطاب ..




ويبقى حضورك رائعاً !




.0




جل التحايا

الوجه الأليم
11-22-2007, 04:55 PM
الحلقة السابعة : لعبة الاقدار


لم أعد قادرة على استيعاب كل هذه الامور إلى الان , فأنا ومنذ أن زلزلني خبر إعدام الراحل خالي وأنا لست كمثل ما أنا ,, لقد لزمت الفراش لأيام طوال ,, !

لعل الغياب الطويل الذي سبق الخبر جعلني أكثر احتمالا ً !!
وجعلني أقوى صبرا ً رغم الانهيار في بادئ الأمر !! والا لتورات الاحزان وبتُ طريحة الفراش الابدي ! فخالي الراحل كان ولا يزال يعيش في داخلي ويقيم على عرش قلبي المنكسر .. !! وهو الذي جعلني أعيش أسعد أيامي القصيرة وأتعسها الأبدية !!


عادل لا يزال غير راغب في العودة لحياته من جديد ,, وقد أنذره مديره بالشركة بالفصل إن لم يعود للعمل ! لكنه لم يكترث بالامر كما لو أنه لا يعني شيئا ً !
حاولنا معه كثيرا ً في تقبل الواقع الا أنه أبى التطبيق والاصغاء من قبله .. و في كل مرة تطلبه أمي للحديث يصرخ : دعوني وشأني !!


لقد أخبرني بعد شهر ٍ من الاعدام إنه لا يقوى على نسيان جثة خالي التي تظهر فيها ملامح التعذيب ! قال لي وعيناه تتفجر دموعاً وأسى :
" لا يمكن لي نسيان ما رأيت ! لا يمكن .. ياليتني لم أره !!
صدره شبه محطم .. وقد بُتر ثلاثة أصبع من يده اليمنى !! و شُج رأسه ,, وآثار الحبل على عنقه !
و ..

صرخت أنا : كفى كفى أرجوك !! لا يمكنني تحمل ذلك !!

وخرجت مسرعة نحو غرفتي ! وقفت خلف الباب غير قادرة على تخيل ذلك الخال - الذي حملني بين ذراعه – بوصف أخي لا يمكن لا يمكن !!


جلست خلف الباب وقد بللتُ خدي بدمعي وأصابني ذلك الصداع الذي لايود مفارقتي .. زحفت إلى الاريكة القريبة من الباب وتناولت الوسادة الموضوعة في أعلاه لأتوسد بها .


شعرت بألم كبير في ظهري بعد أن نهضت من نومي .. رغبت النزول للطابق السفلي لأحدث أمي قليلا ً وأبتعد عن هذه الأجواء المؤلمة فما مضى قد مضى .. والاستمرار في هذا الكابوس سيجعلني مقيدة لهذا الصداع البغيض ..


كانت والدتي بغرفة المعيشة تقرأ القرآن .. وهي في خشوع مبين ,, لم أرغب في الحديث عندها ,, وآثرت تركها والانشغال بأي أمر آخر ..

عدت من جديد لغرفتي راغبة في يد ٍ تقتل الألم الذي يغتالني يوما ً بعد يوم ! أريد من يعينني على هذا المصاب ,, أريد من ينسيني ما جرى ..

وللحظة أو ربما لحظتين تتراءى أمامي أطياف مريم وابتسامتها ,, وأجد طيفا يخاطبني :
" لا تحزني ليلى !!

وآخر يقول :
" دعي قطار العمر يسير ..

وآخر تظهر فيه بحزنها الأخير !!

أمد يدي لأحدهم وأهذي :
" مريم أحتاجك أنا .. !
مريم تعالي !!


وأجد الصور من حولي تدور وتدور وتدور .. ! فأدور أنا الاخرى وأصرخ :
" مريم تعالي أحتاجك ورب السماء !

وفجأة الصور رويدا رويدا ً أراها تمضي للبعيد إلى أن .. أن تختفي !!!!


*****



بدا هذا المساء طبيعيا ,, بعد مرور شهر وأكثر بقليل على الاعدام ..
أمي كانت تتحدث في أمور اخرى غير الاعدام وماتناولته الصحف وماقاله الناس عن جريمة حرق السيارة والاعدام أو ماقاله الجيران .


فكانت تخاطب والدي بابتسامة وتلتهم الطعام بشراهة ,, ! وأنا فرحة لأن والدتي استعادت كامل صحتها بعد الصدمة القاتلة !
أما أنا فلايزال بقايا حزن في داخلي سينتهي مع الأيام القادمة وماسيبقى منه سوى ذكرى !


الكرسي القريب مني خال ٍ ! وهو كرسي أخي عادل .
أتمنى له هو الاخر أن يتخطى حواجز هذه المصيبة .. وأن يعاود بذل إمكاناته من جديد ..


أما والدي فكان متأثرا ً هو الاخر وإن لم يكن بقدرنا نحن الثلاثة ! وعلى هذا العشاء عاد ليتفح الملف من جديد قائلا :

" ما أخبار أهل ناصر ؟

تترك والدتي الملعقة جانبا ً وتتنهد بأسى :
" لا أدري !

أما أنا فكان الأمر يبلغ ذروة الأهمية لدي ! فثمة تساؤلات لم أجد لها اجابة :
" أبي ؟

" نعم ؟

" منذ متى وعائلة ناصر هنا ؟

يحاول مضع اللقمة في فمه جيدا ً ويجيبني بما يزيد حيرتي حيرة !
" ثلاث سنوات ونصف !

أظنه وقت قريب للجريمة التي أرتكبوها !

" أبي ؟

" نعم بنيتي ؟

" لماذا جاءت عائلة ناصر إلى هنا ؟


وجدت والدتي تضرب الطاولة بالمعلقة صارخة :
" كفى ياليلى , لا داع ٍ لهذه الأسألة !
تناولي وجبتك ِ بصمت ..


" لكن ..

" قلت كفى !

أعود لتناول عشائي من جديد وفوق رأسي تحلق كثير من الأسألة .. ! أين عرف خالي ناصر ؟ ولماذا جاء ناصر إلى هنا في حي ٍ قريب لمنزلنا ؟ بل لماذا ترفض والدتي اعلامي بالأمر !

وتعود تيارات الفكر والتساؤلات مجددا ً اتوه بين زواياها ,, ولا أجد لي منها مفر ..


وتبعتني إلى غرفتي التي باتت ذكرى ألم !
أحاول فهم مايجري من حولي بما يختص بمريم وأخيها ,, وإلى أي مدى كان الحديث فيما بينهما عني ؟

أوه تذكرت !
مريم قد عرفت قبل اسبوعين بأني ليلى بنت أخت رفيق ناصر ! لقد كنت على وشك الاحتراق من نظراتها ! لا أدري ما يمكنني فعله حيال هذا الأمر ..

وهل ستنعتني بالكاذبة ؟

تبا ً !!
أحتاج لمن يفكني من هذا الفكر المجنون ,, !

الحديث مع والدتي بهذا الشأن هو ما أرتأيته من خلاص ٍ لقيوده .. فمضيت مسرعة لها راغبة في الحديث .

لمحت عادل في طريقه للخروج ,, فاستوقفته :
" عادل إلى أين ؟

ألتفت ناحيتي بوجه أليم :
" إلى المقبرة !

أسرعت نحوه متجاهلة الاتجاه الذي كنت على رغبة في المضي له :
" سأرتدي عباءتي وآتي معك .

قالها وهو ينصرف :
" سأنتظرك بالسيارة .



لقد كان جو المقبرة مرعبا ً ,, المكان لا يوجد به أحد سوانا ,, تخطينا القبور إلى أن وصلنا لقبر خالي ,, وباقات ورد ٍ جافة موضوعة على أعلاه , , يبدو بأنها هي ذاتها الورود التي وضعتها والدتي منذ آخر زيارة قبل شهر ! فهي لم تقو َ على إعادة الزيارة منذ ذلك الحين .


عادل بدا قويا ً في بادئ الأمر ,, لكنه سرعان ما انهار باكيا ً على القبر ! وبث أحزانه إلى صاحبه ,, وأخذ يسجل اعترافاته بالضياع .

جلست بجانبه أدعوه للنهوض ,, فماهو عليه الآن سيرسله للموت حتما ً ,, لكنه أبى فعل ذلك ,, وبدا لي كجثة هامدة حقا ً ,, بلغ الخوف في أعماقي إلى ذروته وأنا أصرخ بفزع :
" عادل انهض لا تفعل بي وبك كل هذا أرجوك .

يأبى الاصغاء يأبى كل شيء ,, وبعد أن صمت طويلا ً يصرخ " أصمتي ودعيني دعيــــني !
وعاد ليثرثر من جديد ,, ويحكي بكل الأمور السالفة في غيابه والقادمة بعد فقده ..


في المقبرة ,, وعلى قبر خالي على وجه الخصوص ,, أخبرني عادل ببعض الامور التي من شأنها أن تفكني من حيرتي القاتلة ومن فكري المجنون ,, وكان يحدثني بحرية دون أن تمنعه أدنى قيود .

كان ذلك حينما استوقفني الشاهد الموضوع على القبر الذي يقع في زاوية المقبرة ,, وقد وضعت عليه ورود لم يمضِ عليها غير سويعات ! لابد أن زاره أهله قبل حين من مجيئنا ..

" ذاك قبر ناصر أليس كذلك ؟

يلقي نظرة عليه ويجيبني : اجل هو !

" ألن تزوره ؟ وتقرأ الفاتحة ؟
" بلى سأفعل ذلك حينما أكتفي من الجلوس هنا !

يعود بنظراته للقبر ويقول :
" لم يفعلوا بوصيتك !!

وصية ؟؟ ومن اولئك الذين أخلفوها ؟؟ فأسأله :

" عم َ تتحدث ؟

" لقد أوصى ناصر أن يدفن قريباً من قبر خالي ,, لكنه لم يعمل بوصيته !


الزيارات قد منعت منذ عام أو ربما أكثر ,, فكيف لوصية كمثل هذه أن تصل عادل ؟ هل كان يعلم بخبر إعدامه منذ مدة ؟؟ أم توقعه ؟؟

" ومنذ متى وصى بذلك ؟

ويطلق زفرة شجن عميقة : منذ سنيــــــن !
ويكمل :
لقد عرف خالي ناصر منذ مدة ,, لربما عشر سنوات ,, وكان ذلك في المرحلة الاعدادية ,, وكان ناصر يسكن في القرية المجاورة وجاء ليدرس في المدرسة الموجودة هنا بقريتنا !

وكأي زميلين كانت علاقتهما ,, إلى أن اصبحت صداقة قوية مع مر الشهور والسنين ,, !
لقد كان لهما صديق واسمه إبراهيم ,, وكان هؤلاء الثلاثة مثالاً للصداقة الحقيقية ..

وبعد الازمة الاخيرة التي حصلت بالبلاد من حرب داخلية تم حبس إبراهيم وتعذبيه بتهمة سياسية باطلة ,, واختفت أخباره مدة طويلة .

ناصر أرغم أهله بالقدوم إلى القرية هنا للظروف الغير جيدة الحاصلة بقريتهم هناك من تظاهرات ليلية وهجوم من أفراد الشرطة !

ولان قريتنا أكثر هدوء ولأنها منطقة سكن خالي جاء أهله إلى هنا !

لكن بقى إبراهيم يشعل في داخل كل من خالي وناصر الألم والأسى ,, فهما لا يعرفان عما إذا قتل ام لا يزال على قيد الحياة ,, وحاولا كثيرا ً زيارة السجن هناك لتفقد الاخبار الخاصة بالمسجونين لكن دون فائدة تذكر !


وبعد عام من ذلك وصلهما خبر موته بعد التعذيب الذي لم يحتمله وكان ذلك صدمة أوجعتهما ودفعتهما للتهور وحرق أحد السيارات الخاصة بالشرطة وقتل ثلاثة من افرادها ,, ولم يحالفهما الحظ بالهروب لمرور سيارة أخرى كانت قريبة من وقع الحدث !


وخلال ما مضى من اختفاء إبراهيم حصلت كثير من الأمور بين ناصر وخالي ,, وكنت أحسد كلاهما على حب الآخر ,, فكانا اخين حقيقين !
وقد قتلا من قتل صاحبهما ,, ووصلا للمصير ذاته .. ! "


أما أنا فوجدت نفسي غارقة في بحر الدموع من جديد ,, ولست أدري عما يبكيني لحظتها ,, أعن صداقتهما التي مضت بالجريمة ؟؟ أم عن رحيل العزيز ؟؟

لقد عرفت الكثير ,, ولم أكن أدرك حقيقة التظاهرات التي كانت تقع سوى الآن ,, ,, ولم أدرك بأي شيء غير الآن !! لقد كان يكثر خالي الراحل من حديثه حول ناصر ولم أعر الموضوع اي أهمية .. فقط كنت ادرك حجم الحب الاخوي فيما بينهما !

كم شعرت ببعدي عما يدور حولي ,, كم شعرت باغترابي عن العالم الذي أحياه ,, وكم وكم وكم !!

لقد علمني هذا الرحيل الكثير ,, الكثير مما كنت أجهله ,, ولست أدري ما يخبأه لي القدر بالايام القادمة ,, ولست أدري ماذا يخبأ لي هذا الرحيل من مفاجآت !!

انتهى حوارنا على صوت أذان المغرب ,, فنهضنا منصرفين ,, مودعين خالنا حيث لقاء آخر .


الساعة التاسعة مساءً ,, أظنه وقت مناسب لمتابعة برنامج ٍ أو مسلسل ٍ ما ,, وكنا مجتمعين جميعا ً أمام شاشة التلفاز عدا عادل الذي دخل غرفته حال وصولنا المنزل ..

ولا يزال حديثه يشعل فكري لهيبا ً ويشعرني بمدى غيابي عن الامور التي تمضي وستمضي ,, !

أمي تحاول أن تضيف جوا ً مرحا ً وتسأل :
" أين ذهبتما عصر اليوم ؟

" إلى المقبرة !

وتحولت محاولتها لحزن وألم وشجن ! وفضلت الصمت دون الحديث .

أما والدي ففضل النهوض متوجها ً لغرفته ,, راغبا ً في الخلود للنوم !

ليجبرني نهوضه على القول ,, ومعرفة تفاصيل الحدث بأكبر قدر ممكن ,, فأنا لم أعد تلك الطفلة التي يفضل عدم إخبارها بشيء ,, تلك الطفلة التي لا يجب أن تعرف تفاصيل الامور ودقتها !
فسألت والدتي :

" هل كنت تعرفين ناصر وأهله ؟

وتطلق زفرة ألم ووجع : نعم !

هي لا ترغب بالحديث ,, لكن رغبتي في ذلك تجعلني أرغمها على قول أي شيء .

" كيف كانت علاقتهما ؟

تصمت قليلا ً بمصاحبة ابتسامة في تذكر الماضي :
" علاقتهما كانت قوية ,, لم أكن أصدق أن أجد مثيلها قط ,, تقاسما الفرح والحزن ,, وهدفهما كان واحدا ً ,, وحتى تاريخ رحيلهما كان واحدا ً !!

لقد أدركت حقيقة هذه الصداقة ,, لكن لا زلت أجهل كيف عرفت والدتي أهل ناصر !!

" أمي ؟

" نعم ليلى .

" هل ألتقيت ِ بأهل ناصر من قبل ؟
" كان ذلك في أول شهر ٍ منذ أن جاءوا إلى هنا

وبرغبة لمعرفة الأمور بتفاصيلها : كيف اللقاء كان ؟

وأضيف : أريد تفاصيلا ً !

أمي أدركت الان أنني لن أدعها تصمت دون اخباري بالحقيقة كاملة !

" لأن علاقتهما كانت قوية كان لابد من لقائي مع أم ناصر .. و تم تحديد موعد ٍ لأجل ذلك ..
أخبرني أخي بأنه يود أصطحابك معنا لتجالسي مريم .. ! لكنك أبيت الحضور !


وعدتُ بذاكرتي للوراء ,, لثلاث سنوات ! وتذكرت الحدث جيدا !! أجل ,, تذكرت , لقد جاءتني لتخبرني بأمر الموعد لكني لم أرغب بالمضي ,, لأني لا أعتاد على الغرباء بسهولة ,, وكنت منشغلة بأمر أختبار ما لا أتذكره .. !!


أمي لا زالت تنتظر عودة انتباهي بعد ان عدت للماضي ,,لما قبل الجريمة ..

وتستأنف حديثها :

كانت مريم منذ وصولنا تكثر من السؤال عنك ِ ,, إذ كانت ترغب في رؤيتك ,, وكنتُ قد بررت غيابك لأمر الاختبارات .. وقد بدت حزينة لذلك .. !


وصمتت والدتي كأن هنالك شيئا لا ترغب في قوله .

" ماذا هناك اكملي !

وبجملة واحدة تجعلني أعود لحيرتي القاتلة من جديد :
" والدته لم ترحب بنا !!!!



~~~~~~~~~~~~~~~~~~~


والدة مريم سيئة للغاية ,, استقبلت والدتي استقبالا ً سيئا ً ,, وقد كان هو الأول الذي لم يليه غير زيارتنا الاخيرة للتعزية .. !
وإن عشقها للدنيا بما تحتويه من مباهج أكبر من أي شيء آخر ,, وابناؤها استثنوا من تلك المباهج .. !
لعل ذلك يبدو عائقا ً في زيارة مريم ,, لكن هل يبدو ذلك سببا ً لمقتها الذي أعلنته ؟؟ وإن يكن هو فلماذا بدت حزينة لغيابي في ذلك الوقت .. !!


إنما الحياة غريبة ,, والأقدار لأغرب .. !!

الفتاة التي احتوت كامل فكري ,, بحديث طال ذكره من مدرساتي ,, هي ذاتها الفتاة التي رغبت في معرفتي قبل ثلاث سنوات ونصف !!

إنها الأقدار التي فرقتنا ,, وجمعتنا من جديد ,, إنها الأقدار التي تلاعبت بالسنين التي مضت من عمرنا ,, وإنها الأقدار التي كانت عائقا ً وكانت سبيلا ً !!

شعور السعادة يعتريني أخيرا ً لهذا الذي سمعته منذ ساعة ,, وأنا لست مصدقة له , , !

وإعدام خالي لم يزدني إلا جنونا ً بمريم !!!
ولم يزدني إلا تعلقا ً بها !!
ولم يزدنا نحن الاثنتان إلا حبا ً !!


يتبع

.

الوجه الأليم
12-01-2007, 10:22 AM
.0







الحلقة الثامنة " لقب العزيزة "


لقد انقضت العطلة الصيفية ,, وفي الغد سيكون أول يوم مدرسي ,, لقد شعرت بطولها وببطئها المريرين ,, وكم تمنيت أن تنتهي بسرعة لأهرب من كل الأجواء التي أحتوتها !!

وفي الغد أيضا ً سيكون لقائي الأول بمريم ,, لا أعرف كيف ستكون طبيعة هذا اللقاء ,, لكني أحسبه سيكون حاراً فالأحداث الأخيرة والانباء التي وصلت لكلينا ستجعله يكون كذلك ..

قد أقنعت والدي أخيرا ً بفكرة حافلات الوزارة ,, وقد قبل ذلك باستياء لكن لا يهم ذلك بقدر قبوله بحد ذاته ,, فالنصف ساعة التي سأمضيها في الحافلة مع مريم حتما ً تعني الكثير !!
إنني لأسترق الدقائق واللحظات التي تجمعني بها ,, وما يدعوني لفعل ذلك مقتها للزيارات التي أرجعه لوالدتها !! وإن لم أتأكد من ذلك ..

أنا سعيدة وفي ترقب للغد بشكل كبير ,, وكل ما أرجوه أن يمضي هذا الليل سريعا ً,,


تناولنا العشاء باكرا ً هذه الليلة ,, وكان هذا التوقيت لأجلي ,, وكالعادة كنا ثلاثة فقط ينقصنا أخي عادل الذي بات شبيها ً بالأموات !! فهو يرفض أن يجتمع معنا ,, لقد بدا مظهره سيئا ً للغاية ,, كأنه أحد أفراد السجون ,, أتعبنا حاله كثيرا ً وبقائه في الغرفة التي لا يغادرها سوى للمقبرة !
وتركنا التغيير والعودة للحياة في يد الأيام المقبلة .

أما أنا فأبكي كثيرا ً كلما مرت على ذاكرتي اطياف الماضي وأضحك كلما مر على حياتي مايثير في داخلي السعادة من موقف ٍ مسلٍ في التلفاز أو في المجلات أو مثيلهما ..
أدركت بأن الموت حق لابد منه ,, وإن كل ٍ نفس ستذوقه ,, هذا ما تعلمته من والدتي .


قبل أن يغادر والدي المائدة سألني :
" هل أنت ِ متأكدة من قرارك بشأن حافلة الوزارة ؟

أجبته :
" أجل ..


انصرف فيما أمي تستوقفه بسؤالها :
" لماذا انت معترضا ً على ذلك ؟

وهو السؤال الذي لا أجد له انا الاخرى اجابة .

يبدو على والدي الارهاق لذا كان يجيب والدتي وهو يتثاءب :
" لدينا من المال الكثير ونستطيع توفير مواصلات خاصة ..

لم يكن رد والدي مقعنا بنظرها ! فقالت :

" لا يهم اذا ً إذ لا أجد في أمر حافلات الوزارة عيبا ً يذكر ! كن متواضعا ً يا أبا عادل .

" وما دخل التواضع يا إمرأة !!؟

الجملة الأخيرة هذه كانت حادة بعض الشيء ,, أخال الاستمرارية في هذا الحوار سيودي بمشكلة ,, وكمحاولة مني قلت :

" الحافلة لاتخص طالبة دون أخرى فهي للجميع وعن أذنكما سأخلد للنوم .


تلقيت مكالمة هاتفية من زميلتي فاطمة ,, تذكرني بمنزل جارنا أحمد ,, وهو الموقع الذي تقف عنده الحافلة ,, تظنني نسيت !! أ أقوى على نسيان سبيلا ً يوصلني لتلك العزيزة ؟؟

أعددت كامل أموري وطلبت من الخادمة كي " المريول " والعباءة ,, فيما قمت أنا بضبط المنبه ليعينني على الاستيقاظ باكرا ً .


~~~~~~~~~~


تناولت وجبة الافطار سريعا ً خشيةً أن تسير الحافلة دوني ,, وفي أثناء هذه العجالة نسيت مصروفي الخاص بوجبة المدرسة على مائدة الافطار ..

لم تكن فاطمة قد تواجدت بعد ,, ولم يكن هنا غير قليل من الطالبات ,, ولثوان ٍ ما قدمت مريم بابتسامتها الغائبة ,, ياه ,, فوالله لاشتقتها !!

" السلام عليكم .

حيتنا مريم واقتربت مني تحييني بتحية خاصة وتقول :
" غريب حضورك !!
" حضوري ؟؟؟
" ما أقصده هو وجودك في حافلة الوزارة فأنت أعتدت على الموصلات الخاصة ..
" صحيح ! لكني أردت التغيير ..

تخطو للخلف لتحتمي بشجرة منزل جارنا أحمد وتدعوني للاقتراب منها .. !

كانت صامتة كأنها لاترغب بالحديث عن أي شيء , أو حتى السؤال عن العطلة ,, كم كان باردا ً هذا اللقاء وانا التي حسبته سيكون خلافا ً لهذا !

فاطمة قدمت هي الأخرى وألقت التحية بمصاحبة نظرات ٍ سيئة لمريم ,, !
أظن الغيرة اشتعلت الان في داخلها ..

لم تمر غير دقيقة ووصلت الحافلة ,, وكنت أول من تركبها .. ركبت من الباب الأمامي وفضلت الجلوس في المقاعد الخلفية فأنا اعشق الجلوس هناك ,, وأفعلها دوماً في الرحلات المدرسية .. وهناك أيضا ً كانت المفاجأة !!


مريم تستأذن الجلوس بجانبي بقولها :
" أيمكنني أن أجلس بجنبك !!؟

أهذا سؤال ؟؟ وهل يمكن لي رفض هذا ؟ فقلت فورا ً :
" بالطبع يمكنك !!

تحركت الحافلة فجأة ,, فيما طالبة أخرى لم تركبها ,, لوحت بيدها لتلفت انتباه السائق لكنه لم يتوقف .. ! بل سار بسرعة جنونية ولا شعورياً أمتدت يدي ناحية المقبض الموضوع في خلفية الكرسي الذي أمامي .. !

وأخاطب مريم :
" إنه يقودها بسرعة ..

" اعتدنا على ذلك ..

" إنه لمجنون حقا ً يا إلهي أخشى أن يقع حادث ..

مريم تمد يدها ناحيتي وتهدأني : لا تقلقي هو يقودها هكذا دوما ً !

وصلنا للمدرسة ولم أتحدث مع مريم بشيء غير أمر السائق المجنون ,, وختمته بقولها :
" أريد مقابلتك بالفسحة !


تعانقت مع زميلاتي عناقاً حاراً بعد فراق ٍ طال لثلاث شهور ,, وسألني عن أخباري وأموري ,, سعدت جدا ً بما قابلني به ,, إلا أنه سرعان ما تحول لحزن وكل مايخص بقاموس الألم حين دخول نادية ..

حيتني وبسؤالها جعلتني بقايا أشلاء وأعادتني لجحيم أحزاني من جديد ..

" مرحبا ً بابنة أخت المجرم القاتل .. !

تباً لهذه الانسانة وتباً لمعرفتي بها .. !! لم اجب ,, وصمت لكنها تمادت بقولها :

" أخ مريم هو الاخر مجرم سفاح ,, أظن بأن مشروع صداقتكما سيكون ناجحا ً !!

صرخت بكامل مالدي من قوة في وجهها : كفى يا نادية !

ونشب صراع فيما بيننا وتطاولت بأقوايلها على خالي وناصر فيما بقيت أنعتها بالجاسوسة الفضولية ذي الأخلاق السيئة ..


ولولا تدخل بعض الطالبات لوصل أمرنا إلى المشرفة الاجتماعية وقد يصل لمديرة المدرسة .. وثم لوالدتي وهذا ما سيضيف أعباء فوق أعبائها ..


وهربت من الصف متجهة لمريم حيث تكون , راغبة في النزول معها لاحدى زوايا المدرسة ولأطلق العنان لدموعي ولأبكي كيفما أريد .. !

بكيت كثيرا ً وتألمت كثيرا ً ,, فمجرم لقب لا يليق بمن هو خالي ,, خالي العزيز الراحل .. !!

ووسط تلك الدموع ,, ترفع مريم رأسي بيديها وتسألني :
" هل كنت تعرفين من قبل بأنني أخت ناصر صديق خالك ؟

توقفت قليلا ً وأعطيت لعقلي فرصة للاجابة ,, وللقلب فرصة في النسيان قليلا ً ..

" لا لم أعرف الا بعد خبر الاعدام ..

" ولماذا لم تخبريني حينما أوصلتني ؟

أبعدت النظر عنها محاولة البحث عن إجابة ,, فأنا لا أعرف الاسباب التي استدعت اخفاء أمر معرفتي فصمت .

فيما قالت :

" استغربت تواجدك مع والدتك ,, حين الزيارة ,, ولم أفكر حينها بأنك ذاتها ليلى .. وخلت بأن زيارة والدتك قبل سنوات لن تتكرر ..

انتظرت تعليقي حول حديثها لكنها لم ترَ شيئا ً فسألتني :
" ألازالت والدتك تتذكر العنوان ؟

ما أتذكره أن والدتي سألتني عن العنوان حين الزيارة .. فقلت :
" لا تتذكر المنزل جيدا ً لكنها تعرف منطقته ..

" جيد ..

رن الجرس وكالعادة استاذة الرياضة تأمر الطالبات بالتوجه للطابور .. هنا أطلقت مريم تنهديتها :
" لا احبذ الطابور الصباحي في أول يوم مدرسي .. فالطالبات يجهلن موقعهن ..

" أما أنا فأمقت الطابور في كل الأوقات ..

توجهت لدورة المياه لغسل وجهي جيدا ً لأمحي أثر البكاء ,, بينما هي انتظرتني بالخارج ..
وأعادت ذكر طلبها بحضوري لها بالفسحة ..


الأجواء كانت مملة ,, لم يكن موجودا ً على الأرضية رمز الصف ,, والطالبات لا يعرفن موقعهن ,, واقبلت بعض المدرسات للتنظيم ..


~~~~~~~~~~~


مريم !! أخيرا ً حدثتني ,, وأخيرا ً طلبت مني مجالستها ,, وأخيرا ً وأخيرا ً !!
لقد أنستني شجى قول نادية هذا الصباح ,, يا لهذه الانسانة ,, إنها بالفعل أكبر من اي شيء ,, وإنها بحق رائعة ,, لقد فعلت القليل لأجل اقتحام نوافذها ,, وسأبذل الكثير لنعيد ذكرى صداقة الراحليْن بصداقتنا ,, ولنمثل ذكراهم بنا .. أظن هذا الأمر هو ما سيدفعنا للتقرب .. وهو ما سيجعلنا أكثر أخوة ..

هو هذا الحديث الذي غاص في داخلي وأنا بقرب صفها بعد دق جرس الفسحة بانتظار خروج استاذتهن .. وهي ذاتها الاستاذة التي تكثر الحديث حول مريم ,, إني لأفكر أن أهديها باقة ورد عرفانا لهذا الصنيع الذي قدمته لي .. !!


" ليلى تعالي !

صوت مريم يناديني من داخل الصف .. فاستجبته ووجدتها وسط زميلاتها ..

فقالت لي إحداهن :

" قلنا لكِ لن ندع لك مريم وحدك !

فقالت مريم :
" لاعليك ِ منها !! تمزح !!! اسمعوني جيدا ً هنالك ما أود إخباركن به ..

صمت الجميع في ترقب ما ستقوله مريم .. اقتربت مني حيث واقفة ومسكت بيدي قائلة :

" لابد أن تعرفن بأن ليلى هي العزيزة ,, !!

ذهل الجميع بقول مريم الذي لم أتوقعه أنا ولم يتوقعه أحد !

قولها أخرسني ,, ولم اقوَ على النطق أو التعليق على حديثها ,, فيما صديقاتها يحسدني على هذا اللقب .. ومريم بجانبي بابتسامتها !

أخبرت كل صحبها بأن صديق ناصر هو خالي ,, وإني هي ذاتها ليلى التي تكثر الحديث عنها .. وأنا من بين التصديق من عدمه ..

ودعتهن وأبقت الساعة المتبقية للانفراد معي ,, فهنالك اجتماع بين المدرسات والمديرة لذا سيطول زمن الفسحة .. أمور كثيرة باتت تحصل في رفض بات لعقلي ..


جلسنا في ذات المكان الذي جلسنا فيه هذا الصباح ,, وسألتني :
" ألاترغبي بشراء وجبتك ؟
" نسيت نقودي اليوم ..

تبدو سعيدة مريم بحضوري ,, ومافعلته قبل قليل قريب للخيال حيث لا تصديق له ..

" كان أخي يكثر الحديث عنك لي !

سألتها : لم َ ؟

" خالك يعتز بك كثيرا ً وكان دوما ً يرجو أن نكون صديقتين ,, فيوصي أخي بالحديث لي عنك .. لكن رجاؤه كان صعبا ً وسط الظروف ..

" أتقصدين المظاهرات السياسية التي حصلت ؟

" لا لا .

" إذا أي ظروف .. ؟؟

" أقصد أ ...

ولم تكمل قولها .. وصمتت .. مكتفية بذكر حرف " أ " وحده .. !!

عاودت سؤالي من جديد ,, :
" أي ظروف ؟؟

" لا شيء ليلى ,, !

يبدو وجود ظرفا ً لم يسمح لصداقتنا بالتكوين من قبل ,, ولن يسمح لها بالتواصل .. !! فقلت بخوف :

" هل هنالك ماتخشينه ؟

" لا ..

وعاد الغموض ليكسو شخصيتها بعد اللقاء الأول ,, سألتها :

" ماذا كان يحدثك أخوك بشأني ؟

تبتسم بتذكرها للماضي ,, ابتسامة ملامحها أسى .. !!

" إنك رائعة ,, تعيشين بسلام وهدوء دون أن تقحمك الاحزان في عالمها ,, تبتسمين دوما ً وتعشقين رؤية العالم كله في سعادة .. هادئة .. ووو !!!

أمور ذكرتها مريم في حديثها المطول عن شخصي لم أنتبه لوجودها في طباعي .. !! فأدركت بأن الراحل كان يحيا في داخلي ويعرف مايجول فيه ..

أنا سعيدة لأني مع شخص كمثل شخص مريم الرائع ,, ولست أدري بأسباب سعادتها ! أهي ذكرى أخيها الراحل ,, أم وفاء ً لوصية خالي ؟؟ .. وكعادتي أترك التساؤلات للأيام تجيبني .. !!

ووسط زحام الأحاديث تذكرت أمر الزيارات المنزلية التي صرحت بمقتها لها :
" مريم أود سؤالك بشيء .. أرجو الاجابة !! إن لم تمانعي ..
" سلي ..
" لماذا ترفضين الزيارات ؟؟

لاذت بالصمت واغمضت عينيها ,, وبهدوء بعد دقائق قالت :
" اعفيني من الاجابة .

لتجعله لغزا ً غامضا ً غير راغبة في حله ..


~~~~~~~~~



عدت من المدرسة بعد وداعا ً حاراً من مريم اثناء نزولنا من الحافلة ,, وشعرت بأن السعادة لا مثيل لها في داخلي اليوم ..

وضعت كتبي فوق الطاولة وارتميت على سريري بقوة حتى كدت أكسره !!

وأنا في سعادة كبيرة لكل ماحصل ..
فأخيرا ً سأدرك مفهوم الصداقة الذي أجهله وسأعيش حياة الاخوة ,, وسأشعر بأن لدي أخت لم تلدها أمي !! فمريم وعدتني حين انتهاء الفسحة بذلك ..

وصرحت أمام صديقاتها بأني العزيزة !! أجل العزيزة .. !!

أمي دخلت غرفتي وقالت :

" ألم تغيري ملابسك بعد ؟
" سأنهض الآن .. الآن ..

امي تنظر سعادتي بتعجب ,, يبدو بأنها تعلم حقيقة ما أنا عليه .. تركتها تمضي لحين نزولي للمطبخ لتناول الغذاء ..


كنت جائعة بعض الشيء ,, إذ أني لم أتناول وجبتي بالمدرسة وكنت قد تناولت العشاء الليلة الماضية مبكرا ً ,, تناولت بشراهة ,, والدي لحظ ذلك فقال :

" كنت أرغب في ارسال النقود لك لكن السائق كان مشغولا ً اليوم ..

" ليس هنالك من مشكلة ..

تبدو لوالدي بوادر الحوار ,, فعاد ليسأل :
" هل أخبر زميلي رئيس المواصلات بأنك ستداومين على حافلات الوزارة ؟

ومن أعماق أعماقي قلتها : نـــــــعم !!

شعرت بالغصة فجأة لسرعة تناولي فشربت الماء القريب مني ,, واحسست بالاكتفاء قائلة : الحمد لله .

والدي يرغب في الحديث حول المدرسة وأجوائها هذا اليوم ,, لكني أجلت ذلك لما بعد الصلاة .. والتي اشعر بتثاقل في تأديتها إذا ما أديتها بعد تناول وجبة الغذاء .. !!!!
أحتاج لاعادة برنامجي ,, وتغيير امور كثيرة ..


في المساء خرج والدي لشراء بعض حاجيات المنزل ,, بينما بقيت والدتي في غرفة المعيشة تقرأ بعض المجلات ,, وقد جالستها لأحدثها عما حصل هذا اليوم ..
فأنا ومنذ صغري اعتدت على إخبار والدتي بكل ما يمر على عمري من مواقف وأحداث .. وإن لم تستحق النقل .. ! ولأنها فهمت رغبتي في الحديث تركت المجلات جانبا ً وتقول :

" كيف كانت المدرسة يا حبيبتي .. ؟

" جيدة جدا ً .

" هل حصل شيئا سعيدا هناك ؟

" اجل !

اقتربت من والدتي أكثر ليتسنى لي إخبارها بشكل أفضل ,, هكذا كنت أظن .

" أمي لقد جالست مريم اليوم وكانت سعيدة بي ..

" مريم انسانه رائعة وتستحق ماتبديه لها من اهتمام .

مدت والدتي يدها وأبقت رأسي على صدرها ومضت تداعب خصلات شعري وتتذكر الماضي ,, حين كان يرغب كل من خالي وناصر في أن نكون صديقتين .. وهو الحديث ذاته الذي أخبرتني به مريم اليوم .. فكانت تقول :

" الدنيا غريبة ,, وتدور وتدور .. !! أخبرتني في نهاية العام الدارسي الماضي باعجابك بشخص فتاة ,, وهذه الفتاة هي ذاتها من كنا نرغب في أن تعرفيها .. وقد رفضت مقابلتها .. !!
وتضيف :
اخي كان يحترمها كثيرا ً رغم إنها لم تبلغ أنذاك اثنتى عشر ربيعا ً !


رفعت رأسي قليلا ً وسألتها :
" هل كان خالي هو الاخر يتحدث عنها ؟؟

" حدثني عنها كثيرا ً منذ الشهور الأولى التي عرف فيها ناصر .. مريم متميزة عن قريناتها ,, وفكرها يفوق عمرها بكثير ,, !

" أراها كذلك أنا الأخرى ..

ونهضت فجأة وقلت لوالدتي بفرح كبير :
" أتصدقين أمي ؟؟ لقد أخبرتْ الجميع هذا اليوم بأني الصديقة العزيزة لها ..

" حقا ً ؟

مسكت ُ يدي والدتي بقوة وأنا أجيبها : أجل أجــــل !!

كما إنها وعدتني بأن تكون أختا ً لي .. !!

أعادتني أمي لصدرها وهي تقول بحنانها :
" كتب لك القدر أن تكون لك اختاً !

صمتنا قليلا ً ,, فأنا أشعر بالبهجة لما قامت به مريم ,, وأمي هي الاخرى في شعور مختلط بين أسى ذكرى الراحل ,, وفرح سعادتي بوجود صديقة تحتويني حينما أشعر بحاجتها ..

أمي قالت مبددة صمتنا :
" الصداقة شيء جميل بنيتي , يشعرك بكيانك وبمدى حب الناس لك ومدى حبك للناس ,, الصداقة علاقة سامية تجعلك تحيين في كنف السعادة كلما تذكرت بوجود من يعينك على مصائب الدنيا ومن يشاركك أفراحها .. ويحق لك أن تسعدي بأن مريم صديقة لك ِ وأنت صديقة لها ..

فيما أضيف أنا : العزيزة .. قوليها أمي لاتنسيها ..

ضحكت والدتي :
" لك الفخر بأن تكوني عزيزة مريم ..!!

الساعة أشارت الى الحادية عشر مساءً أمي دعتني للخلود للنوم فالوقت تأخر .. فنهضت مقبلة جبينها داعية لها بنوم هني ,, فيما ودعتني بجملتها :

" تصبحين على خير !

أثناء توجهي لغرفتي استوقفت قليلاً عند غرفة أخي عادل ,, متأملة ً في حاله المؤلم الذي لا يبتغي تغييره ,, قد ألومه مرات ,, وأعذره مرات أخرى ,, فخالي كان نعم الصديق له .. لعل عادل لم يستوعب رحيله إلى الآن ..

وأتذكر حب مريم والصداقة التي لا تزال في المهد رضيعة ,, و أعقد مقارنة بينها وبين ماعليه عادل الان ,, ولا استطيع الخروج بنتيجة ..

طرقت الباب فلم يجبني ,, الباب لم يكن مغلقا ً لذا استطعت الدخول له ,, كان نائما بسلام ,, وبقايا طعام فوق المنضدة القريبة من سريره ..

اقتربت منه أكثر ,, الحزن يبدو متربعا على ملامحه ,, الألم باد ٍ عليها .. شعره اصبح طويلا ً لحيته كثيفة .. مضت مدة طويلة دون أن يذهب الى الصالون .. !!

همست في أذنه قبل أن أغادر :

" تصبح على خير أخي العزيز .. !!


****************



لم أنم تلك الليلة ,, كنت بحاجة للنوم لاستيقظ باكرا ً لكني سأمت محاولتي في النوم .. !!انرت المصباح .. وبقيت أفكر في مريم وعادل .. !! فهما بحق أمرا ً مهما يدعوني للتفكير العميق ..

مريم إلى الان لم تقتحم داخلي لتحيا فيه ,, ! إنما اخترقت فكري واستوطنته .. ! وكدت أموت فزعاً حين رأيتها مغشى عليها في ذلك اليوم المشؤوم ..
فكيف لحال أخي الذي لم يدرك حقيقة الاخوة والصداقة الا مع خالي الراحل ؟؟


لقد عشت أيام جميلة معه لكنه لم يكن يكثر الجلوس معي بقدر مايكثره مع عادل .. وكنت أغضب حيال هذا الامر كثيرا ً راغبة في الوقت الاكبر لي ..

غياب خالي الذي طال لثلاث سنوات يجعلني أكثر تماسكا ً .. فالاعتياد على غيابه طيلة المدة التي مضت يهون المصيبة .. أما عادل فذلك لم يزده إلا حزنا ً وأسى وانهياراً .. !


وللحظة ما أرتعشت أطرافي وخبأت وجهي بكلتا يدي حينما مرّ على خيالي ما يُؤلم .. لقد وجدت طيف مريم في المقبرة .. !! وقد حان وداعي لها ,, ودونما شعور تفجرت عيناي ألما ً وأسى !!

لا !! ماهذا الذي يمر على فكري من خيال ؟؟ وما هذا الشجن المؤلم ؟؟ إني لا أرجوه حقا ً ,, إني لا أرجوه ,, ورحت أصرخ في أعماقي : تبا ً لك يا خيال !!

إلا أن تلك الصور بقيت متمثلة أمامي غير راغبة بالانصراف .. فنهضت هاربة منها متجهة إلى مكتبي الخاص ,, الموجود بزاوية غرفتي .. وهناك جلست حيث الابتعاد عن اجواء كابوس مخيف ..

إلا أنه بقي يطارني إلى حيث مضيت .. !!

أكاد أشعر بأن ما أراه واقعا ً ليس خيالاً يتراءى .. ! فها أنذا أنا أبكي أمام قبر مريم واشكو لها آلامي وشجوني ,, تماما ً كما رأيت أخي عادل يبكي خالي عند قبره في زيارتي معه الوحيدة ..!

حاولت احتضان ذاتي بكلتا يدي والانخراط في بكاء عميق ,, كما لو كنت اشاهد فيلما ً سينمائيا ً مرعبا ً في شاشة عملاقة تظهر فيها المشاهد بوضوح !

والصراخات التي احتوت أعماقي نطق بها لساني أخيرا ً ,, فقلبي قد ذاق ذرعا ً بكتمها ,, ولم أشعر بأي شيء حولي ,, كنت فقط أراقب المشاهد المؤلمة ..

وأجد فجأة باب الغرفة يفتح بقوة ,, فتتوجه عيناي ناحيته لأرى والدتي مقبلة ناحيتي بفزع وتقول :
" بنيتي مابك غاليتي ؟؟

لم أتحرك من مكاني فما رأيته قد شلني ,, اقتربت مني والدتي واحتضنتني في حالة استغراب لما أنا عليه الآن وتعيد سؤالها : مابك ليلى اخبريني فلقد افزعتني !
كنت مغمضة العينين وحين فتحتها وجدت من جديد طيف مريم ولكنها هذه المرة ملطخة بالدم ,, فمددت ذراعي لامي متشبتة بها بقوة ,, واصرخ : امي لا . . أبعديه أبعديه !!

أمي تضمني بقوة وتردد : بسم الله الرحمن الرحيم بس الله الرحمن الرحيم !!


لا أدري كم بقيت على صدر أمي أصارع الخيال المؤلم ,, لكني اقسمت أن أبقي عيناي مغلقة في ذلك الوقت ,, إلى أن ارتحلت نحو عالم النوم !



~~~~~~~~~~~~


صحوت مبكرا ً رغم نومي المتأخر ,, ووجدت والدتي بجانبي نائمة ,, مسكينة والدتي أفزعتها بصراخي الليلة الماضية .. ! قبلتها وتركتها ترقد بسلام .. إذ يبدو إنها لم تنم إلا من وقت ٍ قصير .. ..

فيما أتجهت أنا للصلاة وترتيب كتبي وإعداد نفسي للمدرسة ..

ولم تكن لدي نية تناول وجبة الافطار .. فقلبي لا يزال يشعر ببعض الالام التي راودته منذ ساعات ..

توجهت لموقع الحافلة ,, ووجدت فاطمة هناك بجانب مرآة باب منزل الجار ترتب حجابها ,, ومنذ رأتني شعرتْ بالدهشة ,, وقالت :
" أوه ليلى مابك ِ ؟؟

أقتربت أنا الأخرى من المرآة لأناظرني ووجدت عينيّ متورمتين من فرط البكاء .. ! حتما ً يبدو عليّ بأن أكثرت البكاء وليس هنالك من مفر لقول غير هذا ..

وسألتني :

أكنت تبكين ؟؟

فأجبتها بتوتر : لا لم أكن أبكي ..

" ليلى دعك من الكذب فأنت لا تجيدينه واخبريني مالذي أبكاك ِ ..
لم استطع الكذب فعيناي تفضحاني .. فقلت بعد أن نفذت كل الحجج .. في فكري ..
" كنت أبكي خالي فقد تذكرته بالامس ..

أظنه قول يُصدق دون شك ..!

وجدت التعاطف مرسوما ً على ملامح فاطمة وقالت لي مانسيت حصوله بالامس ..

" لا تكترثي لقول نادية فأنت تعرفينها جيدا ً ..

أجل .. للتو فقط تذكرت ماقالته نادية البغيضة .. !! لقد تجاهلت الامر مطلقا ,, وانستني إياه مريم ..

مريم .. لم تحضر إلى الآن .. أخال بأنها تأخرت ,, فالحافلة أراها قادمة .. !!

ناظرت المنعطفات والممرات راجية خروج مريم من إحداهن .. لكن دون جدوى ..

ركبت الحافلة وأنا على قلق لعدم حضورها ,, فاطمة فضلت البقاء في المقاعد الامامية فيما مضيت أنا لذات المقعد الذي جلست عليه بالامس . .

وأرقب من النافذة ظهور مريم .. .. الحافلة تحركت .. دونها !


السرعة جنونية كما بالامس ,, وبأجوائها تذكرت ماحدث بعد منتصف الليل ,, مريم ,, قد تراءت أمامي مشاهد رحيلها وتوديعها ..

أرجو أن تكون بخير حقا ً ..

السائق يضاعف في سرعته وتتضاعف دقات قلبي أضعافا ً ,, ويخفق حزنا ً وخوفا ً على العزيزة .. !!
يد ٌ مددتها ناحية المقبض ,, والأخرى أبقيتها على قلبي الخائف ..
إني لأتمنى أن لا يصيبها مكروه .. أتمنى ..

يارب ارحمني فلم أعد أقوَ على تقبل صدمة كمثل هذه الصدمة .. إلهي لا تفجعني بمريم ..
ومضيت أهذي وأثرثر ..
وأدعو ربي أن تكون مريم على مايرام ..

لكن السرعة الجنونية التي يقود بها هذا السائق .. تجعل كل الامال تتلاشى ,, وتشعرني بالحزن المقيت ,, بالالام التي تقتحمني .. بالأوجاع التي تكاد تخنقني ..

فأطلقت لعيناي الحرية بالبكاء بصمت .. حتى لاأثير انتباه الطالبات هنا ..

وأكرر من قول ..

" مريم أرجوك كوني بخير أرجوك أرجوك !!


الحافلة توقفت فجأة ,, ناظرت المكان ,, هو ليس مكان المدرسة ,, ماذا هناك ,, ؟؟

استفقدت الخبر ,, من النافذة ,,

ثمة أناس مجتمعون ,, وسيارة مرور تقف عند حافة الطريق ,, فيما سيارة الاسعاف في الامام بصوتها المدو .. إنه .. إنه بلاشك حادث .. !!!


وتذكرت قول فاطمة ذات يوم ..

"" مريم أوصلها والدها للمدرسة في ذلك اليوم المشؤوم .. !!

وتذكرت أيضاً ما تراءى أمامي من مشاهد قاتلة ..



وبقهر اقولها : أيتها العزيزة لا ترحلي لا ترحلي !!

ووجدت نفسي في فزع ٍ قاتل ,, في ألم رهيب ,, في .. في .. كل ما يجعلك تفقد كامل شعورك .. !!




][ يتبعـ ][



..

عبدالعزيز رشيد
12-02-2007, 04:50 PM
أعجبتني قدرتك على التقاط الشوارد أثناء الحوار بالـ ذات :)
جميلٌ سرد الواقع المرئيّ الموشّح بقليلٍ من التخيّلات
تحيّاتي لك

الوجه الأليم
12-09-2007, 08:31 AM
.0


الحلقة التاسعة " خوف الرحيل "





جلست بقرب المقاعد القريبة من بوابة المدرسة ,, وانا اشعر بالانهيار للخوف الذي يخنقني ويقتلني ويبقيني في منفى الحجيم ..
وأرجو بين كل دقة لعقارب الساعة في ظهور مريم بين الطالبات اللاتي يدخلن للتو ..
أترك حقيبتي جانبا ً وبتثاقل الخطوات أمضي لأستفقدها عساها حضرت ..

أحاول طرد المشاهد المؤلمة ,, والبقاء على أمل أنها لاتزال على قيد الحياة .. إلا ان قلبي يتضاعف حزنا ً وأسى ً وشجن ..

أشعر بالظمأ ,, والنيران التي تحتوي الفؤاد في هذا الوقت الرهيب لا تطفئها بحار الدنيا جميعا ً ! حاولت تجاهل ذلك إلا اني لم استطع مجاراة شعوري .. فتوجهت ناحية " الكافتريا " لاقتناء قارورة ماء ..

فتحتها وعدت إلى حيث ما كنت ,, فأرى الحلم مقبل من هناك بنور واقعه الذي بدد قلقي وشجني ,, إنها مريم .. هي بأم عينها ! فجريت بجنون مامثله جنون تاركة القارورة تهوي أرضا ً وينسكب ماؤها دون أن أشرب قطرة أروي بها الظمأ الذي اجتاحني قبل قليل !


" مريم أ أنت بخير ؟؟

قلتها وأنا في بكاء عميق غير مصدقة بأن مريم أمامي بخير وبسلامة ,, وإن ما حصل من مشاهد ماهي الا كابوس زارني في منامي وأرعبني .. مريم لم تفهم مايحصل ومايجري فكانت تهدأ من روعي وهي تسأل :

" ماذا هناك ما الذي يبكيك ِ ؟؟

لم استطع الاجابة على السؤال فبقيت على حالي المؤلم أبكي متجاهلة جمع البنات اللاتي اقتربن منا لمعرفة تفاصيل الحدث !!

أجلستني مريم على ذات المقعد الذي أبقيت حقيبتي عليه ,, وهي تحدثني في استغراب تام :
" ليلى هدأي من روعك الطالبات هنا يحدقن بك ِ !

مسحت دموعي وصرخت في وجوههن :
" ماذا تبتغين ؟؟ انصرفن انصرفن !

فتحاول مريم أن تجعلني اكثر هدوء :
" ليلى كفى سينصرفن وحدهن .

تناولني أحد مناديلها لأمسح دموعي المنهمرة بقوة وهي تسأل :
" ليلى لم تجيبيني لماذا تبكين ؟

سألتها :
" لماذا تأخرت ولم تتواجدي بالحافلة ؟

" صحوت متأخرة هذا الصباح فطلبت من والدي ايصالي ,, أهذا ماكان يقلقك ِ ؟

" لا !

" ماذا إذا ً ؟

واتذكر ما مضى بالامس من مشاهد مؤلمة ,, وأنظر لمريم فأراها بجانبي .. واقتحمني شعور غريب بأن مريم طيفا ً .. طيفا ً كما بالامس زارني .. !

فنهضت في شعور بالجنون ,, وأنا أبكي في أعماقي
" إلهي ما الذي أصابني .. ؟؟ سأجن حتما ً سأجن !!

نهضت مريم هي الأخرى وأمسكت بيدي قائلة :
" ليلى أخبريني ماذا بك ؟؟ أنت لست على مايرام .

تأملت يدها ,, وأمسكتها بقوة ,, راغبة في معرفة واقعها أم طيفها ..

إذا ً ,, ما أراه أمامي واقع مريم لا خيال طيفها ,, هي أمامي أجل ..

أجلستني بقربها وتنظر للقارورة وتقول مداعبة :
" يبدو إنك لم تشربي منها شيئا ً !!


الماء ؟؟ كنت أشعر بالظمأ قبل ظهور مريم لكني الان لا اشعر به ,, يبدو إني أرتويت حين رؤيتي بهذه الرائعة التي تجلس أمامي ,, بهذه الانسانة الذي يكاد خوفي عليها أن يقتلني يقتلني ,, !


دق الجرس ,, ولم تكترث مريم لذلك ,, فهي لا تزال تجهل ما الذي أصابني و أخافني لهذا الحد ,, وإني فضلت الصمت القاتل غير قادرة على تصديق مايجري لي من أمور ..

اقتربت منا احدى المشرفات تأمرنا بالتوجه للصفوف .

مريم قبل أن تودعني طلبت رؤيتي بالفسحة ,, لنكمل الحديث الذي لم يبتدأ .


الاستاذة لم تحضر بعد ,, فاقتربت مني فاطمة وهي تسألني :
" مابك اليوم ؟ كنت ِ تبكين .

" لا شيء .. تذكرت مايؤلم ..

فاطمة تخال بأني لا أزال على ذكرى بقول نادية البغيضة !! فتقول لتواسيني :
" لا عليك من نادية فهي مجنونة !


ولم تدرك بأن قولها سيضيف جرحا ً فوق جروحي .. !!

حين سمعت نادية ذلك اقتربت منا صارخة بقولها :
" من المجنون ؟؟ أنا أم هذه ابنة المجرمين ؟؟ صاحبة المجرمين ؟؟

كنت في حالة سيئة للغاية لا ارغب في الحديث او التعليق أو المشاجرة ,, فأجابت فاطمة :
" ومادخلك أنت ؟؟ نحن لم نتحدث عنك !

" أتظنيني بأني لا أسمع نهيقكما ؟

غضبت فاطمة لهذا التعليق فصفعت نادية صفعة قوية تلقاها خدها الأيمن ,, أنا ذُهلت لما فعلته فاطمة ,, وحين دققت النظر في وجه نادية فأصابني الذهول الاكبر .. لقد تورم خدها وأحمر ..

فصرخت ُ :
" يا إلهي ماذا فعلت ِ ؟؟

كانت نادية تصرخ ألما من قوة الصفعة ,, فاقتربت من فاطمة لتهبها مثيلها , فأمسكت بيدها فاطمة مهددة :
" إن فعلتها لأكسرن لك هذه اليد أفهمت ِ !؟


رغبت نادية في الانتقام ولم تجد سواي تثأر به !

فتلقيت الصفعة التي لم تشعرني إلا بالاهانة !

لم أستطع فعل شيء غير البكاء , فاطمة لم تحاول أن تنتقم لأجلي ,, بل فضلت الاكتفاء بقول : لا !

لا ؟؟ أهذا يكفي ؟؟ أهذا ينفع ؟؟ أهذا يرد علي كرامتي الذي جرحتها البغيضة نادية ؟

تجمعت الطالبات حولي يحاولن تهدأتي ,, أما زميلتي سارة فرغبت باستدعاء المشرفة للتدخل وحل النزاع .


أنا متعبة ,, متعبة ,, دعني وانصرفن .. ! مابالكن مجتمعات ؟؟

بعض منهن تجمعن حولي وآخريات فضلن البقاء جنب نادية لايقافها عن سخافاتها ,, وأخريات جلسن في صمت ٍ لم يشأن الحديث أو الدخول ..

وصلت المشرفة بعد حين ,, واستطاعت ان تلاحظ خد نادية المتورم فتسألها :
" من التي فعلت بك هذا ؟

فتشير ناحية فاطمة :
" تلك الحمقاء .

عبست المشرفة في وجهها ,, واستدعت فاطمة .. وابتغت الانصراف معهما ..
فاستوقفتهن سارة :
" استاذة ! ليلى كانت معهن .


لا يا سارة ماهذا الذي فعلتِه ؟؟ ليتك لم تتحدثي ليتك !



~~~~~~~~~~~~~~~


مريم فضلت الجلوس عند ذات المكان الذي جلسنا عليه الامس كذلك ,, وكأنها ترغب في أن يكون المكان المعتاد لنا ,, تسألني :
" مابه خدك الايمن ؟

اتحسسه بيدي واشعر بحرارة الصفعة التي تلقيتها ,, وبألم الاهانة .. ! تبا ً لك يا نادية فوالله لأمقتك ِ .

" تشاجرتْ معي نادية اليوم .

" ثانيةً ؟

" أجل .

" وعلام ََ ؟

تحشرج القول ,, ..فهو القول الذي يؤلمني ويعذبني ,, ويذكرني بمن رحل ! فقلت بشجن :

" أعادت نعتها لخالي بالمجرم السفاح !

مجرم وسفاح قولان أججا النيران في قلب مريم ,, ووجدت دمعة في عينها تنذر بالذرف !
لعلي ذكرتها بأخيها ,, وذكرتها بماضي جميل عاشته تتمنى رجوعه ..

غيرت مجرى الحديث وسألتني :
" ماذا حصل لك اليوم ؟ لم تخبريني بعد . ألا ترغبي في القول ؟


حقا ً كنت مرهقة هذا الصباح ,, وكنت بجنون خائفة على مريم ,, فقلت :
" كنت خائفة عليك ِ .

" ما الذي يجعلك تخافين هكذا ؟

سمحت لسيل من الدموع أن ينهمر مصاحبا ً حديثي الشجي ,, والخوف الذي ينحرني كلما لاقيتها .

" لقد زارني بالأمس كابوسا ً مرعبا ً وجدت فيه مراسيم جنازتك .. ففزعت له ,, وكدت أموت خوفا ً حين لم ألاقيك بالحافلة ,, وانهرت أكثر حين مررنا بجانب حادث مروري ,, لقد قلقت عليك كثيرا ً صدقيني !

أمسكت بيدي وهي تبتسم قائلة :
" لا تقلقي عزيزتي فأنا عمري طويـــــــــل !

قلت ببلاهة :
" حقا ً ؟

" أجل صدقيني ,, عمري طويل وسأعيش وسأرى أحفاد أحفادي !

قالت ذلك وهي تضحك بسعادة فسألتها :
" ما أدراك ؟

" أخبرتني أحدى العرافات بذلك !

إني لا أؤمن بمثل هذه الامور ,, ولكن لاجل مريم سأصدق وسأؤمن ,, عساي أقتل الخوف المتغلغل لأعماق اعماقي ,, فقلت متناسية بأن الأقدار بيد خالقها :
" أتعديني بذلك ؟

حدقت بي قليلا بصمت ,, وأطلقت ضحكتها : أجل أعدك .

قلت بعد حين :
" أنا جائعة !

فنهضت لنمضي سويا ً للــ " الكافتريا "
لدي مصروفا ً يكفي لشخصين ,, فسألتها :
" ماذا تريدين ؟

" أريد ماذا ؟


" أقصد ماذا تودين أن أشتري لك ؟

" لا لا .. لا أريد شيئا ً !
" سأشتري لك شيئا ً لتأكليه .

" ليلى قلت لك لا أرغب بشيء !


ألا تشعر بجوع هذه الانسانة ؟ الجو حارا ً بعض الشيء ,, وهي منذ اللقاء الاول اخبرتني بعدم رغبتها بتناول وجبتها في هذا الاثناء !


لم يكن لدينا وقتا ً كافيا ً للعودة لحيث ما كنا ,, فقد دق الجرس ,, وأنا للتو لم أتناول شيء ..

قالت لي مريم :
" تناوليه بسرعة ,, قبل أن تحضر استاذتكن .

" حسنا ً فأنا جائعة .


تناولت بسرعة وجبتي الخفيفة ,, وحين دخلت الصف وجدت فاطمة متشاجرة مع نادية ,, وهذه المرة نادية استطاعت أن تحقق ماتريد بصفعة يتلقاها وجه فاطمة .. تبا ً !

البرود الذي كسا فاطمة حين ضرب نادية لي أخذني للبعيد ,, لم أحسب فاطمة هكذا ذات يوم ,, ولأني اكتشفت ذلك هذا الصباح ,, فأن ساكنا ً لم يتحرك لي حين رأيت نادية تصفعها .

لم أشعر بالمقت لشخص ما ,, ولكني بتُ أعرف للانتقام سبيل !أهو ذاته الذي يجري في عروق خالي !؟
أرجو أن لا يدفعني ذلك للتهور لاحقا ً ! وإن نادية ستنال نصيبها حتما ً ذات يوم !


نادية ! هو أمقت حدث يمر على حياتي الان ! إني لا اطيق رؤيتها حتى .. أمقتها أمقتها !
هي ممثلة بارعة ,, لقد عرفت ذلك في غرفة المشرفات حين أدعت بأننا من أبتدأنا الشجار ,, وبكت لأننا نعتناها بصاحبة الاخلاق السيئة ,, ونعتها لخالي بمجرم أمر كذبته ..
لم يكن لدى المشرفة موقفا ً غير التصديق لدموعها المنهمرة .. والتكذيب لأقوالنا ,, وفاطمة لم تحاول هناك أن تساعدني بشيء .

تغيرت هذه الاخيرة كثيرا ً .. فهي ومنذ ظهور مريم لم تعد فاطمة التي أعرفها . فكثيرة هي تلك الاوقات التي تبعث لي فيها بشر النظرات التي تكون ذروتها حين تجد مريم بجنبي ..
ستتغير مع مرور الوقت حين تدرك بحقيقة مريم النبيلة !



رميت ببقايا الطعام في سلة المهملات القريبة من الباب وحين دخلت الاستاذة فإن نظراتنا تصادمت ! هي ذاتها استاذة الرياضيات البغيضة !
استاذة اللغة العربية غائبة لذا فهي هنا .. كنت متعبة قليلا ً وسعدت لغياب الاستاذة لكني شعرت بما يشبه البركان الثائر في داخلي لهذه الجالسة !


لحظت ُ مدى عمق تحديقها بي ,, كأنها تود قول شيء ما .. وبعد دقائق تقول بسخرية :

" ليلى هل خالك هو من قتل ؟

مابهم هؤلاء البشر ؟ في كل حين يذكروني بما يؤلم الفؤاد ؟؟ أما كفى ؟؟ وأنت ِ لمَ تسألين ؟

بعثرت نظري في أي شيء أراه أمامي ,, في الكتب ,, في وجوه الطالبات ,, في وجه نادية ! وهنا شعرت بالغصة .. لتلك السخرية المرسومة عند شفتيها ..

حاولت أن أشغل نفسي بحقيبتي تهربا ً من الجواب ,, عساها تدرك بأني لا أرغب به ,, لكنها عادت لتسأل :
" أهو خالك ؟

قلت وأنا أتصفح كتاب التاريخ :
" أجل هو !

وتقول لما يعيدني لعالم اشجاني من جديد ,, لذات العالم الذي رمتني فيه نادية منذ قليل :
" أجل سمعت من المدرسات هنا يتحدثن عنه ,, وقلن بأنه خالك .. كم رجل قتل ؟؟ سمعت بأنه أرتكب أكثر من جريمة ,, وحين عارضه أحد الرفاق فيما يقوم به قتله !

ماهذا الذي تهذين به ؟؟ وأي جرائم وأي رفيق ؟ اخرسي وربي لم أعد أحتمل !

صمت ولم أجبها تاركة تلك الاقاويل الزائفة معلقة ,, فتجيبها نادية :
" اجل ,, وأنا سمعت بأنه حاول أن يقتل أخته كذلك حين منعته ,, يارب أحفظنا من المجرمين !

برب السماء ماهذا الذي تقولاه ؟؟ وأي جرائم تتحدثان عنها ؟؟ لقد قتل خالي من يستحق القتل ,, لقد قتل خالي من أدخل الخوف والرعب في النفوس ,, لقد قتل خالي من قتل رفيقه .. وقتل أصاحبه واخلاءه ,, أو بعد كل هذا تنعتاه بالمجرم السفاح ؟؟


صمت كعادتي عاجزة عن قول مالابد لي قوله ,, وأخرست لساني عن قول الحق .. القول الذي سيجعل حدا ً لتفاهات هاتين الجالستين أمامي !


قالت الاستاذة محاولة استفزازي :

" لا عليك ليلى فأنت مجتهدة وعلى خلق وخالك لن يسيء لسمعتك بشيء !

وقفت وقد بان الغضب على ملامحي ,, ورميت بكتاب التاريخ جانبا ً صارخة :
" كفاك ِ !!

وخرجت من الصف دون إذنها ,, متوجهة لذاك المكان الذي جلست فيه قبل دقائق مع مريم ,, وأبكي بحرقة على هذا الذي يحصل ..

لماذا السخرية من خالي ونعته الدائم بالمجرم ؟؟ ألم تخبرني والدتي بأنه شهيد ؟؟ وإنه ضحى بدمه لأجل هذا الوطن ؟؟ فلمَ كل الاقاويل هذه ؟؟ لم َ ؟؟

وانخرطت في بكاء مرير ,, راغبة في وجود يد مريم ,, يدها التي تمسح هذه الدموع المنهمرة ,, وتخفف علي أعباء رحيل خالي وماتلاه ,, راغبة في بقائها ووجودها .. وما أسرع أن تحقق الحلم !!

مريم واقفة أمامي وتنظر لي بكبرياء :
" ليلى انهضي !

لم استطع النهوض فبقيت جاثمة على الأرض لتكرر من طلبها :
" قلت لك انهضي !

فنهضت متستجيبة لطلبها وقد نفضت بيدي التراب العالق بمريولي وأسألها بعد أن توقفت قليلا ً من نوبة البكاء :
" ما أدراك إني هنا ؟

وضعت يدها على كتفي :
" لا يهم كيف عرفت بوجودك هنا لكن اجيبني هل كنت تبكين ثانية لقول نادية ؟

أخفضت بصري وقلت باستياء :
" أجل

لم تعلق لثوان ٍ وحين رفعت بصري وجدت نظرات لم أرها بعينها من ذي قبل ! نظرات شبيهة بالنار ! شبيهة بالبركان الغاضب ,, لم كل ذلك ,, ؟ ؟

تسلل الخوف لقلبي حين وقعت عيني على حدتها !

قالت :
" اسمعيني جيدا ليلى !

وأمسكت يداي بقوة :
" انتِ العزيزة ولا أحب ان تكون عزيزتي ضعيفة تنهار لقول السفهاء افهمت ِ !؟

" لكن ..

" اسمعيني .. قلت لك لا أريد أن ارى هذه الدموع ثانية .. دعي نادية وشأنها ولا تكترثي لما تقوله من حماقات ,, إنما أضربي بها بعرض الحائط والا لرحلت عنك وللابد !

" لا مريم ماذا تقولين ؟؟ الا رحيلك الا هو !

تركت يدي وهي تقول :
" اذا أفعلي ما أقوله لك ِ كوني أقوى بذلك بكثير بكثير ..

يبدو بأن لمريم ذكرى مع الضعف ! فسألتها :
" ولماذا أنت غاضبة ؟

وشرعت تسرد ندمها على ذلك اليوم البائس :
" حين تلقيت خبر اعدام أخي من زميلتي لم أتحمل الصدمة فهويت أرضا ً من هولها ,, وكدت أخسر الكثير ! لم أرغب أن أكون ضعيفة لهذا الحد وأنا التي عرفت بالقوة والتصبر .. حين أبتغي البكاء فأني سأنفرد مع ذاتي متيقنة إن لا أحد يسمعني ويراني غير الاله وحده !

غاصت كلماتها لأعماقي , وأبحرت في داخلي وجالت .. ضعف وقوة ,, في أي منهما أنا أعيش ؟؟

كلماتها بقيت تدق في فكري كناقوس .. وعدت لصفي بقوة مامثلها قوة ,, مهمشة اقوال نادية ,, وأقوال كل من سيقف في طريقي .. ولن أكترث لأقوال الحمقى .. سأدعهم يثرثرون وحدهم دون جواب مني ..

لن أفسح المجال لعيني أن تذرف المزيد من الدموع .. وإن لم أقوَ على حبسها بين الجفون ,, فـإني سأهرب من أنظار الجميع وأختبأ بعيدا ً عنهم ..

لن أضعف ولن أنهار .. واذا ما واجهني أحمق بقوله ,, سأبدو قوية .. قوية .. !!


تناولت كتاب التاريخ وأدخلته حقيبتي وتسألني زهراء زميلتي :
" أين ذهبت ِ ؟؟ الاستاذة كانت غاضبة عليك جدا ً !

فقلت لها :
" وماذا يهمني غضبها ؟؟ فلتغضب بقدر ماتريد ..

" مابك ؟

" لا شيء عزيزتي لكن استاذة كمثلها لا تخيفني ! وإني لا أكترث لغضب الحمقى أمثالها !


عسى قولي يصل لأذن من يهمهن الامر !!


~~~~~~~~~~~~



اليوم مليء بالاحداث ولأنه كان كذلك فإن جلسة خاصة مع والدتي أمر مهم وقوعه ..
فبعد العشاء الذي لم أتناول منه حصتي الكافية .. كان الموعد ..


والدي سألني عن اخباري المدرسية فأجبته :
" كل شيء على مايرام والدي ونحن لم نزل الا في البداية ..

" اذا أردت شراء ماتبتغين فالسائق موجود غير مشغول هذا اليوم .

" حسنا سأطلبه عند الحاجة .


غادر والدي تاركا ً لي الفرصة لقول ما أريده لوالدتي ..

أجلستني بقربها وهذه المرة هي من ترغب بالحديث .. سألتني :
" بنيتي مابك البارحة ؟

آه .. البارحة قاسية ..

" رأيت كابوسا ً أرعبني ..

" ماذا رأيت ِ ؟؟

أغمض عيناي لأرى مشاهد الألم .. مشاهد الجنازة والوداع .. مشاهد الرحيل .. ما أقساها من مشاهد .. !

" رأيت موت مريم ,, ورأيت قبرها في المقبرة القريبة من هنا .. وانا أبكي بمرارة عند مثواها .. ورأيت في مشهد آخر أنها على سرير الموت بدمائها !

وحين أكملت حديثي وجدت دمعة حبيسة في عين والدتي .. هل حديثي كان شجي ؟؟

" مابك امي ؟

" لا شيء بنيتي .. ما رأيته مجرد كوابيس !


ليتها تكون كابوس لا يرغب بأن يزورني ثانية .. ليتها تكون الاخيرة .. !

أمي هذه المرة سقطت دمعتها حين وجدتني أتمتم مع ذاتي خوف الرحيل ,, والرجاء من الله ان يجعله كابوس في عالم الاطياف والخيال ,, بعيدا عن صلته بالواقع !


سألتها :
" أمي مابك هل حصل شيء ؟ هل قلت مايزعجك ِ ؟

وتنهدت بأسى :
" أفكر في أخيك عادل ,, فهو ومنذ رحيل العزيز لم تعد الدنيا تعني له شيئا ً بات شبيه الاموات الاحياء !

عادل ؟؟ لم يعد لعادل وجود كما بالسابق , إني لأشفق عليه في كثير من الاحيان ,, وأدعو ربي بعد صلاتي ان يشافيه ,, وأن يستعيد صحته ,, وأن يدرك حقيقة الموت وإنما الحياة ستمضي بموت وولادة .

وحين يطرأ على فكري حال أخي ,, ينتابني الخوف من جديد على حال ٍ سأقضيه إذا ما رحلت مريم عن عالمي !

أمي خائفة وقلقة بشأن كابوسي المرعب ,, وقلقة على حالي أكثر من اي شيء .. وتحاول بطريقة ما أن تنسيني ماحصل .. وأن تدعوني لتجاهل هذه الاحلام المرهبة ..


الأحلام التي بقيت لأيام طوال ,, أخشى أن يبصر نورها واقعي ,, فيبدد كل ما يمكن له أن ينير في داخلي مايسمى بالسعادة الحقيقية !!


تركت والدتي ومضيت لغرفتي ملقية التحية على عادل كما بالعادة اثناء توجهي ..

ودفنت وجهي بالوسادة محطمة مايمكن له بالظهور .. مبقية كتاب الله على يميني يحميني وينجيني مما يبثه لي أعوان الشياطين !


~~~~


لا أعرف حقيقة القلق الذي يعتريني كلما لاقيت مريم ,, وبابتسامتها البريئة تجعل القلق يتضاعف ,, الكابوس الذي زارني عند تلك الليلة لازلت اخشاه ,, ولا زلت اشعر بالخوف من تكراره ..
والاكثر من ذلك . اخشى أن تمتد أياديه للواقع ..


لقد مرت الثلاثة الاسابيع الاولى منذ بدء هذا الفصل الجديد ,, والعلاقة فيما بيننا تكبر وتكبر ,, الا انني اشعر بالخوف في كل دقيقة تمر ..
لعل رحيل خالي احدث كابوسا ً لا يرغب في المضي عن أحداث عمري .. إني لأرجو لكل الالام أن تموت ,, ويرحل هذا الخوف المقيت المتربع على ملامحي .. على قلبي ....


لقد اعتدت رؤية مريم عند كل صباح ,, واعتدت توديعها حين العودة من المدرسة ,, أصبحت أمقت الاجازات فهي تخلو من وجودها ,, وأصبحت مريم هي كل شيء ..

ثلاثة أسابيع كفيلة في أن توقظ ما كان نائما ً في داخلي ,, ثلاثة اسابيع كفيلة لتشعرني بمن أكون في هذا الوجود ,, وهي كفيلة في أن تصنع مني إمرأة أخرى .. لقد غيرت في داخلي الكثير ,, الكثير مما كنت لا افهمه ,, والكثير مما كنت أمقته ..

وثلاثة أسابيع كافية لتشعرني بعمق الخوف من رحيلها ..


حينما أخطأ ,, وحين أضعف ,, فإنها تهددني بالرحيل ,, وهي التي لا تدري ماذا يعني رحيلها !
وكان هذا التهديد أوله ردا ً على قول نادية الذي أضعفني لحد الانهيار ,, وكلماتها عند ذلك الوقت لا تزال تعيش في داخلي وتتردد على مسمعي ..

أصبحت أكثر قوة ,, فقط لكي لا أخسر مريم ! فخسارتها بداية الانهيار الحقيقي الذي إن حل .. لا أظنه سيرحل ..
فبحق ,, تعلقت بهذه الانسانة , وجدتها أختاً كنت أبحث عنها و صديقة رغبت في مصاحبتها و ملجأ رغبت في البقاء بين احضانه وكل ذلك ومنذ سنين !



هذا اليوم رغبت في الحديث مع مريم حول العلاقة خارج المدرسة ,, فالساعة والنصف التي أقضيها معها بالمدرسة غير كافية .. أحتاج لمضاعفتها !


لم أتناول وجبتي رغبة في المحافظة على الخمس دقائق التي استغرقها بالكافتيريا ! أصبحت دقيقة في الحسابات ,, وعد الزمن ,, هل هذا منطلقا ً ليتبدد مقتي للرياضيات ؟؟


نحن نجلس في الزاوية الاخيرة للمدرسة بشكل اعتيادي ,, ولكن اليوم مُنع الجلوس هناك ,, أحسب بأن وفدا ً ما سيحضر المدرسة ..
الجميل بالموقع أنه بعيد الانظار ,, ونتحدث بحرية .. دون أن يسمعنا أحد .. و إذا ما إحداهن ستمر عنده فإننا نخفض اصواتنا لاقترابها ..
أصبحت أضحك لأوقات كثيرة حينما أختلي مع ذاتي وأتذكر هذه المواقف .. كيف نتحاور وكيف نهدأ وكيف نصمت لمرور طالبة بقربنا ..
لقد تغيرت حقا ً ,, وأنا التي لم أكن أحسب لذلك مجالا ً ..


جلسنا في مكان آخر ولم استطع الحديث معها جيدا ً ,, إذ كان يقطعه سلام الطالبات والسؤال عنها .. والبعض منهن يستغرق وقتا ً طويلا ً في الوقوف ..

قلت بعد حين ..
" مريم فلنغير المكان ..

تضحك وتجيب :
" لم يتبقَ غير عشر دقائق عن انتهاء الفسحة .. اخبريني بحديثك دون هذه المقدمات ..

أحتاج لوقت طويل في الحديث .. كما إني لا أجيد البدء فيه الا بمقدمة طويلة يستوجب حذفها ..!

" أنت تعرفين بأنا علاقتنا في حدود ضيقة .. و ..

واصمت !

" أوه ليلى مابك ؟؟ ما الذي تودين قوله ؟؟

" هل سنلتقي فقط بالمدرسة ؟

يبدو مريم فهمت ما بودي قوله الان .. الزيارات !! إلى متى ؟؟ سألتني محاولة التاكيد :
" ماذا تعنين ؟؟

" اقصد ألن أزورك بمنزلك؟


كالعادة ,, يزعجها ذكر هذا الحديث ..

قالت بشيء من الانزعاج :
" ألن ننتهي من هذا الموضوع ؟

" مريم ,, الوقت الذي امضيه هنا معك قليل .. و ..

قاطعتني بقولها :
" ليلى هل اخبرك بشيء ؟

" تفضلي

قالت :
" إن ذكر الحديث هذا يزعجني ويبث الضيق لصدري ولا تسأليني عن الاسباب فأنا لا احبذ الافصاح عنها ,, وكل ما أرجوه هو عدم تكراره ثانية !

" لكني أطمع في المزيد من الوقت اقضيه معك .. هذا ما في الامر ..

وتقول ممثلة دور الاخت الكبيرة :
" إذا أنت لا تطيعين أوامري ..

ونهضت وهي تهز رأسها :
" لا فائدة ,, سأرحل عنك إذا ً ..

وسارت مبتعدة !!

جريت خلفها محاولة امساك يدها ,, وحين استوقفتها انفجرت ضحكا ً فيما أنا اشتعلت غيضا ً واقول :
" لماذا تفعلي بي هكذا ؟؟ لماذا تهدديني بالرحيل في كل مرة ؟؟

وتهدأ قليلا من نوبة ضحكها وتجيب :
" أسعد كثيرا ً حين ألحظ خوفك علي !!!

تسعدين يامريم تسعدين ؟؟

قلت لها بغضب :
" هذا الحديث يزعجني جدا جدا ! لا تكرريه ثانية ..

هو الحديث ذاته الذي أمرتني به منذ قليل حول أمر الزيارات ,, وحين انتبهت كلانا للامر ضحكنا ,, فتقول مريم بدعابة :
" تقلديني ؟؟

" لربما ..

دق الجرس ,, ودق الخوف في داخي من حديث مريم معه .. أصبحت أمقت هذا الحديث المتكرر . ألم تعدني يوما ً بما هو خلافه ؟؟ أي سعادة هذه التي تجتاحها حين تلحظ الرعب الذي يخفق قلبي لأجله ألما ً .. إني لأحتاجها معي ,, فهي التي هبت لحياتي معنى بعدما كانت أشبه بالصحراء القاحلة ..

وجودها هو الحدث الاكبر في حياتي الان .. وإن بعادها حتما ً ليضنيني ويعذبني .. إذ أشعر بالفراغ في ظله .. وإني أشبه بمن ظلت طريقها ..

أحتاج للحديث معها حول هذا الشأن ,, لسوف أخبرها بحجم المعاناة والخوف .. والتهديد بالرحيل لن أرضاه ,, وسأنهيها عن فعل ما يحزنني ويؤلمني ..

عدت للصف في حالة من الضيق لأقوال مريم ,, ولحسن الحظ الاستاذة غائبة عن المدرسة ,, مما يتيح لي البقاء مع الذات لبضع الوقت .. بعيدا ً عن اجواء الشرح المملة ..

إلا أن الرغبة لم تتحقق ..

اقتربت مني زميلتي زينب تستأذن الجلوس معي ومحادثتي فأذنت لها ..
زينب هذه .. فتاة نبيلة .. من أسرة محافظة .. لها التزامها القوي بالدين .. ويعرف الجميع عنها ذلك ..

سألتني حال جلوسها :

" " لقد اشتقنا لابتسامتك الغائبة !



ابتسامتي ؟؟ ياه ,, إنها أعادتني للوراء ,, لما قبل ستة شهور .. كان حالي مختلف تماما ً عما عليه الان ..


قلت لها :

" لا شيء يستحق الابتسامة .

" ولا حتى مريم ؟؟


ماذا ؟؟ مريم ؟؟

إنه فعلا ما لم أتوقع سماعه من زينب .. أتعلم حجم الحب الاخوي لشخص مريم ؟؟

سألتها بتعجب :
" ماذا تعنين ؟؟

ابتسمت بلطافة وتجيببني :
" منذ أن صادقت مريم وابتسامتك غائبة عن محياك .. أنت تخالفين واقعك دوما ً ..


لم أفهم بعد مقصدها الحقيقي .. فعدت أسألها :
" ماذا تعنين من تلك المخالفة ؟؟


يبدو لي بأن هذه الانسانة تحاول اجتياز حواجزي ..


" كانت الابتسامة لا تكاد تفارق شفتيك بالسابق ,, و إن كنت نسيت فأذكرك بضيق بعض المدرسات من هذا الامر ,, إذ كن يكثرن من تنبيهك .. والان ..


وصمتت ..


" الان ماذا ؟؟


تسـتأنف حديثها :

" بعدما نلت مريم صديقة وهي التي يرغب في معرفتها الكثير .. أراك حزينة .. غير راغبة حتى في سماع ما يستدعي الفرحة والابتسام ..



دعاني هذه القول للشرود ,, والتبصر في الواقع المخالف لحقيقته ..


حين كانت حياتي تخلو من المباهج الحقيقة ويسودها الفراغ لم تفارقني الابتسامة يوما ً وكنت على وشك الدخول في موسوعة " جينيس " لأكثر فتاة تبتسم


والان .. لا ابتسامة .. ولا شيء مماثل لها ..

أيا ترى ألا تستحق مني مريم ذلك ؟؟

أم أن ابتسامتها البريئة المرتسمة على ملامحها كافية ؟؟


لم أشعر بشيء غير يدي زينب تحركني لتعيدني لواقعي .. وهي تقول :
" هي .. أين ذهبت ؟؟

" نعم ؟؟ لا لا شيء ..


" حسنا ً هل اقول لك شيئا ً ؟؟

" أجل !!


تضحك بلطافة وتقولها منصرفة :

" أنت مهووسة بمريم !!






~~~~~~~~~~~~



" هل أبدو فعلا ً مهووسة بمريم ؟

سألت والدتي ذلك مساء قبل الخلود للنوم ..

فضحكت مكتفية بالصمت ,, كأنها لا تود الحديث !!


كررت سؤالي ثانية .. ولم تجب .. أخال بأنها بالفعل لا تود الحديث هذه الليلة ..


نهضت بحزن متوجهة لغرفتي .. وهذه المرة لم أفكر بالوقوف عند غرفة أخي عادل .. فهو من ناداني .. وشعرت بأني في عالم مختلف .. هل أصبح أخي عادل بخير ؟؟


هذه هي المرة الاولى منذ شهرين تقريبا ً يحادثني !!

سألني :

" كيف حالك عزيزتي ؟؟

اقتربت منه لأعرف حقيقة ما أراه أمامي ,, هل هو عادل حقا ً ؟؟ ففي هذه الايام أصبحت الاوهام والاطياف تلازمني !!


دعاني للجلوس معه في الغرفة .. لربما يرغب في التحدث معي ..


حقيقة هذا أمر عظيم !!


الحديث كان حول مريم .. سألني عنها .. في بدءه .. أخبرته بأنها بخير ,, كما أني أخبرته بأمر صداقتنا ,, وبدا جليا ً سعادته بذلك ..


تمنيت حينها لو أني أخبرته بذلك منذ مدة ,, عساني أرى الابتسامة التي غادرت ملامحه منذ رحيل خالي .. آه ,, فوالله لاشتقتها !!!



لمريم فضل كبير في شعوري بالسعادة وإن لم تكن بادية على ملمحي .. أرجو أن يكون لها فضل آخر في عودة أخي عادل لسابق عهده ,, وإني لا استبعد ذلك .. فأنا أعرف حقيقة هذه الانسانة جيدا ً !



سألني أخي :

" ما هي آخر كتاباتها ؟؟


" لا ادري ..


" ألا تتابعين انتاجها الادبي ؟

" في الحقيقة لا ..


ارتسمت على شفاته ابتسامة دافئة كأنه تذكر شيئا ً ما ..


لم يكن لدي فعل أقوم به في صمته سوى مراقبة الابتسامة تلك .. يبدو لي بأنه يغوص الان في ذكرى الماضي .. وهذه المرة تبدو الذكرى سعيدة .. مفرحة !


أنا سعيدة .. أجل سعيدة .. فأخي استعاد شيئا من إمكاناته ..


سألته بعد أن أطال الصمت :

" في ما تفكر ؟؟

" الوقت لا يزال مبكرا ً !


هذه الجملة جديرة بالاهتمام .. هل يوجد أمرا ً يخفيه ؟؟ وإذا كان مفرحا ً ما سبب هذا التأجيل ؟


" لماذا ؟؟

" لا تتعجلي الامر لا يزال مبكرا ً !



انتهى الامر عند هذا الحد .. هو هكذا رغب ,, وحين لمست جانب رغبته في الحديث .. أخبرته عن الجانب الذي يقلقني .. في شأن رحيل مريم ..


كنت أرغب في ما يشعرني بالطمأنينة .. في ما يبدد ذلك الخوف المرعب .. ويقتل تلك الكوابيس التي تزورني في غفلتي وانتباهي ..



" عادل لا أدري لماذا يراودني شعور قاتل بشأن مريم ..

" ماهو ؟

" أشعر بأني سأفقدها يوما ً ما ..


حديثي أعاد الحزن لأخي ,, لمحت بريقا ً في عينيه يتلألأ . . هل يود البكاء ؟؟


نهض من كرسيه متوجه لمكتبه الواقع عند يسار الغرفة .. جلس هناك لبضع الوقت ..


أزعجتُه ,, لم يكن من المستحسن ذكر أمر الخوف هذا له ,, وهو الذي يعاني منه الان ..

قلت محاولة تجاهل جملتي الاخيرة :

" هل قرأت شيئا ً مما كتبته مريم ؟؟


أجابني بسرعة :

" أجل "


" ماذا قرأت لها ؟

" كانت قصة قصيرة .. منذ مدة شبه طويلة .. لربما أربع سنوات ..


شعرت بالرغبة لمعرفة أحداث قصة أجتاحت خيال فتاة لم تبلغ الثانية عشر بعد .. فسألته :

" هل تتذكرها ؟؟

" أجل . وهي تدور حول فتاة عاشت على أوهام لا صلة لها بالواقع .. إلى أن توفت بسببها ..


أوهام وموت ؟؟ هل عادل محق في ما يقوله ؟؟


بقيت لفترة من الزمن صامتة .. أما هو ففضل الحديث :

" أنا كذلك لا زلت أعيش على أوهام العقل يقول أنها مستحيلة ,, أوهام عودة خالي للحياة ,, لذا تريني اليوم شبيه بالاموات .. !


انطلقت الاهات من صدر أخي عادل ,, وكادت تشعل في قلبي حريقا ً ولهيبا ً ..
أصبحت أشعر بالحرارة ..


أغمض عينيه وهو يقول :

" لم أدرك ماذا تعني أوهام الا بعد أن تعايشت في أحضانها ! ليلى .. أنا لا أزال أترقب عودة خالي عند كل مساء ..



وعاد لنوبة الحزن من جديد .. ماكان الاجدر بي فتح هذا الملف .. اليأس من هذه الحياة تخلل حديثه ,, وهو لم يرغب في العودة لها .. هو فضل البقاء بين تلك الاحضان التي تبيده ..




انصرفت بخوف من الخوف .. !!

بخوف من تلك الاوهام التي تجعلني في حزن قد خلقته لعالمي .. بخوف من كوابيس قد جعلتها تعيش بين جفوني .. بخوف من خوف الرحيل ..


لماذا القلق والخوف ؟؟ أكل هذا من أجل كابوس زارني ذات يوم ؟؟

عادل محق في ما يقوله .. لماذا أدفن نفسي في عالم خلقه لي كابوس ؟؟
ولماذا ادع الحزن يعتليني لمجرد ذلك ؟؟






الاوهام قد تهوي بأصحابها ,, ولربما ترسلهم للفناء .. وأنا لا أبتغي ذلك الان ..


أي عقل هذا الذي تملكينه يا مريم ؟؟ لتسطرين منذ أربع سنوات ما يجعل حزن في داخلي ينتهي .. !


إنها أوهام ,, أوهام في عالم ما .. لا أعرف حقيقته جيدا ً لكنه سيولي .. ولن تعود ذاكرتي عنده .. سأعيش يومي مع مريم .. متجاهلة أياها ,, فلقد أوليتها أهتماما ً هي لا تستحقه !




][ يتبع ][


.0

الوجه الأليم
01-08-2008, 12:30 AM
.0



الحلقة العاشرة : دروس مهمة




قريبا ً ستبدأ امتحانات المنتصف لهذا الفصل الدراسي ,, ولا اشعر بالحماس لهذا الاقتراب ؛ إذ لا تبدو لدي النية الفعلية للمذاكرة .. اشعر بخيبة أمل كبيرة فغالبا ً ما ينتابني هذا الشعور ويضيع مني الكثير .. وأنا أرغب في بذل اقصى ما يمكنني .. لأعوض ما فاتني من درجات بالعام المنصرم والذي كان سببه اعدام خالي ,, انا في وضع قلق واحتاج للجلوس مع مريم لاخبارها بهذا الامر ..


وكان هذا الحديث هو اول ما أبتدأت به فور جلوسي معها في الحافلة :
" اتصدقين مريم انا قلقة جدا ً بسبب قرب الامتحانات .. لا أشعر برغبة في المذاكرة !

" لقد انخفض معدلك كثيرا ً الفصل الاخير ,, لابد أن تجتهدي ..

" أعلم لكني لا أدري مالذي يصيبني ,, هذه الحالة تنتابني في فصول كثيرة .

" هل هذا قلق الامتحانات ؟

" لا اظن ذلك .

" ماذا تسمينه ؟

" لا أعلم ولكنها حالة تصيبني كثيرا ً ..

" سأفكر في حل لاجلك .

" شكرا ً مريم !



كالعادة تبتسم .. لتشعرني إن الدنيا لا تزال بخير لوجود مثيلها ..



ألتفتُ الى النافذة حيث فتاة بالسيارة المقابلة تشير لنا بيديها ,, لا أعرف هذه الفتاة فسألت مريم :
" هل تشير لنا هذه ؟

" من ؟

فأشرت لها واعتلت شفتا مريم ابتسامة عريضة وهي تقول :
" أوه هذه هيفاء .. !


لا يمكنهما الحديث ونحن وسط الشارع .. لذا فضلتا تبادل النظرات والضحكات .


بدت على ملامح مريم السعادة الكبيرة .. وهي تحدث نفسها علنا ً :
" مضت ايام دون رؤياك ياهيفاء لكم اشتقت لك !


لم ارغب في سؤالها من تكون ..


المدعوة هيفاء .. لحقت بنا لحين وصولنا المدرسة ,, وما إن نزلت مريم من الحافلة حتى اقبلت ناحيتها تحتضنها وتقبلها :
" آه يا مريم والله اشقت لك كثيرا ً كيف اخبارك واخبار والدتك ؟؟

" الجميع الجميع بخير عزيزتي انت ماهي اخبارك ؟؟
" انا بخير لكني اشتقت لكم كثيرا ً ..



كل هذا وانا وافقة حائرة بين المضي ام الانتظار .. وحين قررت الاول ألتفتت ناحيتي هيفاء وسالت :

" من هذه ؟؟

" إنها ليلى ..



" أوه ليلى ؟؟ هذه التي ارهقتني بالحديث عنها ؟؟


مدّت يدها لتصافحني وكم كانت هذه المصافحة حارة !!



" سعيدة لمعرفتك ,, فكنت مشتاقة لرؤيتك كثيرا ً ..


" كيف ؟


" مريم تكثر الحديث عنك ! حتى اصبحنا ننعتها في بعض الاحيان بمجنونة ليلى !


يسعدني ذكر هذا الحديث دائما ً !!


لحظتُ التورد الذي بدا على خدي مريم وكأنها تود لهيفاء الصمت ,, أما أنا فرغم تورد خداي الا اني وددت لهيفاء المواصلة !


قالت هيفاء بعد لحظات :

" مريم مشتاقة للجلوس معك ,, اليوم فقط عدت من الاردن .. وسعيدة جدا ً لرؤيتك ,, هل يمكنني زيارتك اليوم ؟؟ لاني لن اطيل الجلوس هنا . .


ولكم ان تتصوروا حجم الحزن الذي بدا على ملامح مريم حين مر ذكر الزيارات !!


حزن .. كآبة .. ألم .. حسرة .. رغبة في تحطيم اي شيء .. اي شيء يبرهن على غضب كبير وحزن كبير تمثل في وجهها !!


اشعر بالقهر بالقهر حيال هذا الموضوع ,, فكيف لهذا الذكر ان يتعب مريم لهذا الحد ؟؟
ولماذا بعد كل هذه المحبة والمودة تخفي عني هذا السر لماذا ؟؟



الحزن البادي على مريم أحرج هيفاء قليلا ً فقالت محاولة التجاهل :

" لا زلنا في بداية الشهر .. وانا لا آكل كثيرا ً في الضيافة ..


كانت تضحك ببلاهة .. وقالت :

" حسنا ً لقد تأخرتما عن دخول المدرسة سأترككما الان وداعا ً ..


ومضت لتعيدني لذلك الفضول الذي مامثله فضول ,, وأتناسى تهديد مريم بالرحيل حين أذكر هذا الحديث ,, أمسكت بيدها وقلت لها بصوت جاد :
" مريم ,, أنا في قمة القهر الان أتعلمين ؟

" لماذا ؟

" لأني لا أعرف حقيقتك بعد !
وقالتها بشيء من الجد :
" ولن تعرفينها !


ليبقى ذلك النفي شجنا ً عشعش في داخلي راغبا ً بالخلود !





أني لأجهل السر الذي يجعل مريم تخبئ الكثير من الحقائق عني رغم المودة التي صرحت بها علنا وسط زميلاتها وصحبها ,, أهي الثقة الغير حاضرة ؟؟ أم أن حداثة العهد هي ما يدفعها للغموض ؟؟ تجتاحني الاحزان لهذه الاسرار المخفية ,, ولهذه الحقائق الغير مكشوفة والتي لا ترغب في الافصاح عنها ولو بالقليل ,, فالامر الاخير الذي حصل لنا هذا الصباح من وجه جديد يدعى هيفاء .. كان مجرد مشهد حصل دون أن تود الحديث عنه بأي أمور تذكر ,, فقد تعذرت عن الاجابة لحين سألتها من تكون هيفاء ..


أنا في قهر لهذه الامور التي تصيبني من مريم ,, فهي تهددني بالرحيل حين أنوي السؤال عن مالا تبتغيه ,, والجنون لتخطي حواجزها يدفعني لتجاهل الخوف المقيت من تحقيق ذلك التهديد ..


سألتها حين العودة من المدرسة في الدقائق الاخيرة قبل نزولنا من الحافلة :

" هل تثقين بي ؟

" أجل !

" لكن .. لكن .. ما تفعليه لا يدل على ذلك ..


وقالت جملتها مودعة :
" الثقة لا تعني قول مالا يفضل قوله !!



أحتاج لفهم الامور قليلا ً .. واستيعاب تفاصيلها جيدا ً .. فمريم تخبئ كثير من امورها .. وتبرر بأن ذلك قولا ً يستحسن كتمانه .. هل أحتاج أنا لفعل ذلك ؟ ؟

أظنه درس جديد تعلمته من مريم هذا اليوم و علي القيام به في الايام القادمة ,, علي قول الحسن وترك القبيح ,, علي أن أدرك ما يتوجب علي قوله ,, ومالا يتوجب ,, علي أن أدرك بأن للحديث حدود لا يجوز تخطيها ..


ولكن حين أفكر بتأمل .. أجد رغبة كبيرة تقحمني في معرفة تفاصيل الامور التي تخص عالم مريم .. خصوصا ً ذلك الذي يهتم برفضها لزيارة أي مخلوق !!!

لا زالت نظراتها الحادة التي بعثتها لنا اثناء زيارتنا للعزاء تتراءى أمام عيني كما لو أنها أرسلتها للتو .. وهي التي تقود فضولي في كثير من الاحيان للتهور ..

آه يا مريم .. إني ومنذ أن عرفتك حصلت لي كثير من الامور ..
ورغبت في تغيير كثير من الامور ..

إنك المختلفة وستبقين كذلك .. !!!


~~~~~~


أحاول أن أقلب صفحات كتاب التاريخ راغبة في المذاكرة ,, إلا أني فشلت حقا ً في جمع شتاتي .. غداً هو أول امتحان وأنا إلى الآن لم اذاكر شيء ..


احسبها المرة الاولى التي تعدني فيها مريم بشيء ,, ووعدها كان باطلا ً مع الاسف .. !!
لا أزال مستغربة حيال هذا الامر .. فقد اخبرتني في ما مضى أنها ستجد لي حلا ً للمشكلة التي تؤرقني في ما يختص بالامتحانات .. وها نحن سنبدأ بالغد و لم أجد شيئا ً يذكر من محاولاتها .


هذا أخذني بعيدا ً عن ما لابد لي فعله من مذاكرة .. فأمر اخلاف الوعد مالا يتناسب مع شخص ونبل مريم ,, أتكون هكذا حقا ً ؟؟ أم أنها أجلت الحل لوقت آخر .. أم نست ؟؟ أم أن ظروف حالت دون مساعدتها لي؟

أخشى مصارحتها بهذا الامر .. ومن ثم .. ثم .. لا يجوز لي قول ذلك .. أليس هذا قول يستحسن كتمانه ؟؟ لعلها وقعت في مشكلة ما ..


طرق خفيف على الباب ..
إنها أمي .. وجهها مبتسم وتبدو سعيدة :
" هناك مفاجأة بانتظارك ؟

" مفاجأة ؟ "

قلت هذا ولم ادع لعقلي فرصة ليفكر .. فأي مفاجأة هذه التي تنتظرني ؟؟

سألتها :
" أين ؟

أجابتني :
" هي معي الان ..


وتخطو خطوات للخلف وتعود ممسكة بيد مخلوقة تجعل البهجة في داخلي لا حدود لها !!


قفزت من سريري ,, وحاولت أن ارتب اللحاف بسرعة وان أجمع الاوراق المتناثرة على السرير ,, وكثير من الامور الغير جيدة حاولت ترتيبها في الغرفة و تلك المخلوقة الواقفة عند الباب تنظر لي بتلك الابتسامة الرائعة !!


أمي تضحك وتقول :

" ليلى هل ستتركين ضيفتك ِ واقفة عند الباب هكذا ؟


الان شعرت بما يدور من حولي جيدا ً وقلت بخجل :

" أوه آسفة لكن .. الغرفة لم تكن مرتبة فعذرا ً !


وتضيف أمي :

" لا عليك عزيزتي يبدو لك ذلك الغرفة مرتبة عدا السرير الذي تذاكرين عنده .. والان تفضلي مريم ..


وتتركنا وتنصرف .. وتبقيني في ما لا يمكن تصديقه ..


أبتدأت حديثها بالاعتذار على الزيارة الغير مسبوقة بموعد ,, أ وهذا شيء يطلب العذر منه ؟

وقالت فيما بعد :
" أحببت ان اذاكر معك ,, لعل هذا حلا ً لما تعانينه من قلق لقرب الامتحانات ,, وعسى أن يكون لحضوري نتيجة في ذلك ..


" بالتـــــــــــــــــــأكيد !!


" تقولينها بكل ثقة ! هذا شيء ممتاز .

" مريم .. أنا أعلم مدى تأثيرك في كل شيء ,, وحضورك حتما ً سيساعدني على قتل القلق .

" تقتلينه ؟؟ اصبحت تستخدمين التشبيهات والاستعارات !! لا تستعجلي الامور فبعد غد هو امتحان اللغة العربية !

" لقد تأثرت بالمادة ..


واصمت قليلا ً واضيف :

" وبك ِ ايضا ً !! "


ولكي لا ادع لها مجالا ً للتعليق أسألها فورا ً :

" ماذا تفضلين من شراب ؟

" لا لا أريد شيئا ً ..

" سأصنعه لك بيدي هذه ,, لا تقلقي ..

" لا أريد شيء فلست جائعة . .


" هذا عصير ليلى وصدقيني ستطلبين غيره حين تجربينه !


تصمت كأنها راغبة بتكرار النفي ,, كم عنيدة هذه الفتاة ..

تجيب اخيرا :

" حسنا ً لكن لا تتأخري .

" ماذا تريدين الان ؟

" افضل البرتقال .

وأنهض مسرعة حيث المطبخ ,, أدعو الخادمة لاحضار برتقال من الثلاجة ,, فهذا العصير هو أهم عصير في حياتي !!!






~~~~~~



أغلقت الكتاب فجأة ,, ونهضت كأنها تبتغي الانصراف .. سألتها :

" إلى أين ؟ الوقت لا يزال مبكرا ً .

" لقد حان موعد الصلاة هل لي أن أصلي ؟


شعرت بالحرج لهذا القول ,, فأنا لم أعتد في الواقع على تأدية الصلاة في أوقاتها ,, قلت لها :

" الحمام هناك عزيزتي يمكنك التوضأ .



ومضت فيما بقيت جالسة في مكاني أفكر في أمر حفاظها على صلاتها في وقتها ,, إني ومنذ ان بدأت بالصلاة فإني اقوم بتأديتها في وقت متأخر ,, وحين أكون مرهقة أدعها تفوتني دون تأديتها في يومها التالي ..


تقبل الان مريم وتسألني :

" هل لي بحجاب صلاة وسجادة ؟

" إنها في الخزانة .. لحظة . .


وحين ناولتها السجادة ,, لمحت في عينيها بريق متلألأ من الدموع .. يبدو أنها ستبكي ..



لعلها المرة الاولى التي لا اشعر فيها بالقلق لدموع أو حزن يعتلي هذه المخلوقة ,, لأني أدرك أن هذه الدموع ستنهمر خشية لخالقها ..


عدت لمكاني متصفحة الكتاب واستعيد مذاكرة الدروس السابقة .. وتسـألني قبل أن تبدأ :

" ألن تصلي ؟


وقفتُ بخجل لأجيبها :

" بلى لكن فيما بعد وليس الان ..

" لماذا ؟

" اشعر بالارهاق ..

وتكتفي بذكر هذه الجملة وتبدأ في تأدية صلاتها :

" الصلاة الصلاة يا ليلى ,, إلا هي ,, كل شيء أتركيه وتخلي عنه إلا صلاتك ,, فهي عامود دينك الذي إن استقام فلحت امورك التي تتليه ,, و إن لم يستقم فقد خسرت دنياك وآخرتك .. صلي فروضك في أوقاتها !



لا اخفي عليكم بأن هذا الحديث اجرى على نفسي وقلبي شعور مخيف ,, والقشعريرة سرت في كامل جسدي ,, شعرت بالرهبة الحقيقية للخالق .. فمريم كانت تنطق بنطق ٍ كفيل ان يوقظ الضمير ..


نزلت للطابق السفلي راغبة بسجادة وحجاب صلاة ,, وكانت والدتي تلحظ الارتباك في طلبي فتسألني :

" ليلى مابك ؟


" لا شيء أمي فقط اريد حجاب وسجادة ,, أين هما ؟

" في تلك الخزانة ..



وحين تناولتهما رغبت بالانصراف فعادت لتسأل :

" ليلى مابك ؟؟ لا تبدين بحال جيد .. هل حصل أمر ما ؟


" لا لا أمي لم يحصل شيء ,, لا عليك .. سأذهب لأصلي ..

" ليلى اخبريني ماذا بك ..


هل اخبركِ بما يجعل في داخلي الحزن الان .. ؟؟ فماذا عساي القول أماه ؟ هل ألومك ِ ؟ أم ألوم ذاتي المستهترة ! أم ألوم والدي ؟؟

أمي .. أبي .. ذاتي .. هم المسؤولين جميعا ً عن ضياع كثير من أمور ديني ..



واكتفي بقول :

" لا شيء أمي ولكني تأخرت عن مريم لا اريدها أن تمل .





حين دخلت الغرفة فكانت مريم قد انتهت من فرض المغرب للتو .. وكانت تسبح في خشوع كبير لا أحسبها شعرت بدخولي !!!



تلتفت ناحيتي بعد ذلك طالبة :

" عزيزتي هل لي بقرآن ؟

" أكيد ,, بالطبع . .

ناولتها إياه و أنا لا أزال غارقة في حزن كبير ,, وبقي هذا الحزن معشعش الى أن أنتهت كلانا من أداة الصلاة ,, وجلست مريم على الكرسي وتقول براحة :

" الان يمكننا المذاكرة ..


أجل الان يمكننا ان نذاكر ,, ويمكن لنا فعل ما يحلو لنا ..


سألتها محاولة تغيير الحزن الذي يعيش في داخلي الان لاستهتاري :

" مريم , , لم تعلقي على العصير وقد مرت ساعتان ونصف وأنا أنتظر ألم يعجبك صنع يدي !!؟
تعلق :

" بلى ألا تريني شربت محتوى الكأس كله .. !!


وتضيف بعد ثوان ٍ :

" على فكرة هذا أروع عصير شربته في حياتي ,, أنت بارعة ما رأيك في أن تفتحي محل عصائر إني متيقنة من أمر نجاحه ..


" ساخبر والدي بذلك متأكدة أنه سيوافق !



ونضحك سويا ً على اقوالنا ,, فيما أمد يدي ناحية مريم و أقول لها ممازحة :

" سأقتلك حتما ً .

" لا أرجوك دعينا نكمل الامتحانات وبعدها اقتليني ..



وهل أنا جديرة بفعل ذلك يا مريم ؟ ؟ أو تظنين بأن قوة ما ستتملكني تحت أي ظرف لافعل ,, إني لا اجرؤ حتى على قول ما يجرحك و يحزنك ..

إنني وقبل أن انطق أراجع ما سأقوله لك ..

فأنت العزيزة يا مريم ,, ألم تدركي بعد إني أحبك في الله !؟



تصفق بيديها وتقول :

" هـــــــْي أين ذهبت ِ ؟

" لا لا شيء ..


" حسنا ً تبقى لدينا ثلاثة دروس وسأنصرف بعدها ..

" ما رأيك بالعشاء معنا ؟

" لا لا أبتغي التأخير عزيزتي ..

" أرجوك ِ تناولي العشاء معنا .

" لا استطيع ..

" حسنا ً سانتظرك بالغد اذا ً لتذاكري معي امتحان اللغة العربية .

" لن استطيع المجيء .. سأتواجد معك الجمعة القادمة ..

" فقط ؟ الجمعة فقط ؟

" اجل ,, فقط !


~~~~~~~~~~



مريم انسانة غريبة حقا ً ,, تعشق الغموض كثيرا ً .. و تعشق أن ترى طرفها الاخر في حيرة لا مثيل لها ,, دائما ما أجد حديثها لغزا ً يستعصب علي ّ حله فهي لا تود أن تكون واضحة معي في امور كثيرة ..
لا أعلم لماذا تفضل البقاء معي بهذه الصورة ,, إني لأمقت الغموض .. وأمقت السراب ..
أريدها معي واضحة .. واضحة ! لكنها تأبى أن تكون كذلك ..



إلا أنها تبقى تلك الانسانة الرائعة التي أعطتني الابتسامة الحقيقية ..


اليوم علمتني أهم درس لا بد منه ..


الصلاة !!

لكم غفلت عنها ,, ولكم استهرت في تأديتي لها ,, ولكم مرت أيام دونها !

القرآن !!

تمر شهور دون ان أعطر شفتاي بتلاوة آياته ..


هل يوجد ضياع حقيقي يجابه هذا الضياع ؟؟ إنه لعمري ضياع مر ما أمقته ..


كيف كنت اظن الحياة ستكون في سعادة دون وجود صلاتي ,, وكيف كنت أرى نعيمها دون اقامتي لصلاتي ؟ وكيف كنت احسب الحزن .. والالم ؟؟ وكيف كنت ارى السعادة ؟


إنه هو الحزن .. هو الالم .. فهو الضياع الحقيقي ..


لا زال حديث مريم متردد على مسمعي ,, لا زلت اسمعه .. وتسري تلك القشعريرة في كامل جسدي !
إنها عامود ديني الذي لم اسعى لاستقامته ,, وتركت كل ما يليه في طريقه للفشل ..

من المخطئ ؟ أنا ؟ أم أمي ؟

إنها لم تحاسبني يوما ً على تأديتها في وقتها ,, ولم تفضل الحديث معي ذات يوم بهذا الشأن !!

إنه الشرخ الاول في ما بيننا ,, وما أعظمه من شرخ !



أمي ,, كنت ولا تزالين الصديقة الاولى ,, ولا تزالين خير جليس أأنس بوجوده ,, وكم أتمنى للمرة المليون عند هذه اللحظة انك جعلت امور ديننا تتخلل أحاديثنا ,, لما كنت ضيعت ما ضاع ..


إني أدرك بأن الصلاة حق وواجب ,, لكني لم أجد من يعشعش في داخلي الحب الالهي !!


مريم أنت عظيمة ,, أنت تخلقين في نفسي ما لابد له أن يُخلق وما هو كفيل في أن يدعوني لنيل السعادة الابدية .


شعرت برغبة كبيرة في قراءة القرآن الكريم ,, أنا أحتاج لفعل ذلك ..


وشعرت بخشوع كبير ,, و تقاطرت الادمع على خداي كجمر كادت تحرقهما .. فأي شعور أروع من هذا الشعور ؟ فهل يوجد أروع من العشق الالهي حين يتغلغل داخل الصدر والقلوب ؟


ومضيت في بكاء مرير ,, نادمة على ما مضى ,, راغبة في تجديد العهد مع الله ,, عاقدة على التوبة النصوحة ,, و أقسمت ألا اضيع صلاتي .. ووعدت الاله بذلك ..


فهو الرب الغفور الرحيم ..






.
.


][ يتبع ][



..

الوجه الأليم
01-20-2008, 10:37 PM
أما من عشاق للرواية هنا ؟ يبدون نقدهم وقراءتهم التحليلة؟

الوجه الأليم
02-11-2008, 04:07 PM
بسمه الهادي



اتمنى ان ينقل الموضوع الى القسم الجديد ..






كل الود :)

الوجه الأليم
10-03-2009, 10:42 PM
الحلقة الحادية عشر : غموضها !










استطعت أن أفيق باكرا ً على صوت المنبه الذي قمت بتضبيطه الليلة الماضية بعد اطلاعي على وقت الاذان من الجريدة الموضوعة على مكتب والدي ..





المؤذن ينادي " الصلاة خير من النوم "



في حين الادمع تتقاطر على خداي حزنا ً وشجنا ً وألما ً !





إنه لن يهنأ لي نوما ً بعد هذا إن لم أصلِ !





بكيت كثيرا ً هذا الفجر ,, و أنا أتلو آيات من الذكر الحكيم ,, !



فآه على أيام عمري الراحلة .. ..





وحين طويت سجادتي ناهضة , رفعت يدي نحو السماء داعية للرب بقبول توبتي ,, وراجية منه أن يبقي لي مريم .. هذه الانسانة التي معها أدركت حقيقة الاشياء من حولي .









.

.





رغم البهجة التي اعتلتني لزيارة مريم ,, الا اني في استغراب تام لهذه الزيارة !

إنها ترفض وبشدة الزيارات .. ما الامر اذا ً ؟





أظن الامر متعلق بزيارات زميلاتها لمنزلها فحسب ,, وهذا الرفض المطلق لم يكن الا متأخرا ً والا لما سألت والدتي منذ مدة عن عدم حضوري ..





مريم ,, زيارتها الاخيرة هذه رغم فرحتي بها الا أنها زادت قهري قهرا ً !

وقد تضاعف القهر آلاف المرات بقولها هذا الصباح في الحافلة :



" إياك واخبار زميلاتي بموضوع زيارتي لك ِ ! "



سألتها فورا ً :



" لماذا ؟



" لا أريد أن يعرف احدا ً بذلك .



" ما الامر مريم اخبريني ..





تتنهد قائلة :



" ليلى لا تحاولين معرفة كل شيء ,, لو كنت انوي قول السبب لذكرته دون سؤالك ِ





يالهذه الانسانة ,, أتراها تسعد حين تراني غارقة في السراب ؟



قلت هذه الجملة غاضبة :

" حسنا لن اخبر أحدا بالامر !



تمسك بيدي بحنان متأملة أطرافها :



" اعذريني ,, ولكن ثمة حقائق لا يتوجب علي قولها لك الان ,, ولكني اعدك أنك ستعرفينها لاحقا ً ,, إن ابتغيت مداومتي على زيارتك لا تخبري أحدا ً ..





شعرت بحاجتها الماسة لأخفي هذه الزيارات ,, وشعرت بأن وراءها سرٌ كبير تخشى علنه ,, والا لما كان هذا التحفظ التام على الامور .. ؟





فما السر وراء رفضها الزيارات المنزلية ؟

و ماذا سيجري لو عرف البعض عن زيارتها لي ؟

ومن تكون هيفاء حتى يكون الحديث عنها من الامور التي يحبذ كتمانها ؟

وما السر وراء رغبتها الكبيرة في أن تكون مصدر سعادة للغير ؟





سأبقى على انتظار مع تحقيق الوعد بايضاح هذه الامور ,, و أرجو أن لا أجن إلى ذلك الحين!



أتذكر بأنها أخبرتني في أحد المرات أنها لا تحبذ أن تأكل شيئا ً في الفسحة المدرسية ,, واجابتها كانت مصحوبة بشيء من الاستغراب ..



لم يبدُ لي الامر عاديا ً ,, أظنه هو الاخر حقيقة لا تود أن يعرفها أحد !



كثير من الامور كنت أحسبها لا معنى لها وقد تبين لي بأنها بحال مخالف تماما ً ..



فمريم غامضة في ابتسامتها ,, وفي نظراتها .. وفي أقصر الجمل التي تقولها ! إنها غامضة في كل شيء !





****





تذكرت قول أخي عادل في ما سبق بخصوص انتاجها الادبي الذي كان شيئا مما أشارت له بعض المدرسات هنا ,, فسألتها فور جلوسنا في الفسحة :



" لم أطلع على شيء من انتاجك الادبي ,, أريد أن أرى كتاباتك ..



" غريبة !



" ما الغريب بالامر ؟



" أنت لا تحبين الكتابات الادبية ..



" عزوفي عنها لا يعني مقتا ً ,, أنا لم أفكر بقراءة قصة أو نثر خارج ما درسته وأدرسه هنا بالمدرسة .



" زميلاتي ومدرساتي لم يطلعن الا على الكتابات التي تخص مادة اللغة العربية في حصة التعبير !



" حقا ً ؟؟



" أجل .. لا أحبذ أن يقرأن غير هذا !



هل وراء كتاباتها سرا ً أيضا ً ؟؟ أعِّني يا إلهي !



سألتها :



" هل يطلع على كتاباتك أحد غير زميلاتك ومدرساتك ؟



" أجل هنالك من كان يطلع عليها ..



" من ؟



" أخي و ... !



و .. تصمت !! كعادتها هذه الانسانة دوما ًالصمت ..



الصبر الصبر ,, هبني إياه يا رب ..



قلت لها:



" أخبرني أخي أنه اطلع على قصة لك منذ مدة !





تطايرت شياطين الدهشة من عينيها ,, وملأ الاستغراب ملامحها ,, وتقول لي:

" أخوك قرأ قصة لي ؟ كيف ؟ ومتى؟



" أجل قرأ وكان ذلك منذ أربع سنوات تقريبا ً لكن كيف لا أدري ! .. ما الذي يدعوك للاستغراب ؟؟



" قصصي لم يقرأها الا شخصين فقط وأخوك ليس واحدا ً منهما ,, فكيف قرأها ؟



" لا أدري ولكن ما المحزن في الامر .. ؟؟

" أوه كلا ,, لم أكن اعلم بالامر , من الذي أوصلها له ؟



" مريم ! لماذا كل هذه العصبية ؟؟



" لقد وعداني أنهما لن يدعا أحدا ً يطلع على قصصي المكتوبة ,, وعداني فكيف وقع ذلك ؟



أحيانا غموضها وسريتها تتحول لشيء من الغرابة . فهل يبدو الامر مهما ً لحد العصبية هذه ؟



" مريم أهدأي واخبريني بالامر .



" كيف أهدأ ,, و أنا لا يمكن لي التحقق عما إذا وفى كل منهما بوعده !



أخيها قد رحل ,, أما الاخر والذي لا تحبذ اسمه هل رحل أيضاً ؟



سألتها :



" هل رحل الاخر ايضاً ؟؟



تقف متوجهة للشجرة القريبة من مكاننا .. تتأمل بجذوعها .. بأوراقها المتساقطة التي تعلن حضور فصل الخريف وتقول بصوت شجي :



" أجل رحل ,, ليجعلني كمثل هذه الشجرة المتساقطة أوراقها !





شعرت بالحزن لهذا القول ,, فلقد أجرى رحيل خالي العزيز على حياتي شجون مامثله شجون ,, وخوف من القادم بأطيافه دوما ً يطاردني ,, الا أن حبي لك يامريم أعادني لهذه الحياة ,, أخُوتك جعلتني أدرك بأن لا تزال الدنيا بخير بوجودك معي ..



لقد تناسيت كل شيء بوجودك .. حتى رحيل العزيز .. أتراني غير كافية لقتل الحزن المقيم بداخلك لرحيل ذلك الاخر الذي لا تريدين أن يعرفه أحد؟ وأنا العزيزة التي صرحت بها علنا امام صحبك ؟





مريم ,, إنك حتى في المرة الاولى التي تخبريني فيها بحزن مقيم في داخلك غامضة .. ! لأدرك فقط بأنك شجرة تعيش فصل الخريف .. أما البقية فأجهله .. ألا استحق أن اعرف ولو القليل ؟





أنت لا تدركين بأن قولك الاخير هذا أهوى بي ,, أنت لا تدركين أنه جعلني أشعر بأن ذرات الاكسجين هذه تخنقني .. تشعرني بالنهاية ..



أنت لا تعلمين أنه أماتني .. ! حقا ً لا تعلمين !!



أنه الحزن العميق الذي أشعر به الان وأنا أعرف مكاني لديك ِ ! إنه الالم الذي يجتاحني الان وأنا أعرف بأني لم اقوَ بوجودي حتى أن أكون ماء اسقي عروقك العطشى ..





أخبريني عزيزتي ماذا اصنع وأنت خلقت ألف حاجز وحاجز لتخطي كل نوافذك ..

أخبريني عزيزتي ماذا اعمل لاجلك وأنت ترفضين اصغائي ..

أخبريني عزيزتي كيف اكون لك الماء وأنت لا تجديني أهلا لاقوالك السرية ..



أخبريني يا مريم .. ؟



إن كنت أعرفك منذ شهور فأنت تعرفيني منذ مايقارب الاربع سنوات ,, ألم يكن هذا كفيل للامان ؟

أم أنك ترفضينه معي .. ؟؟







مريم ,, رغم غموضك .. تبقين الاخت العزيزة ..

رغم الحواجز التي صنعتيها من حديد .. تبقين الصديقة ..

ورغم كل شيء ,, تبقين أنت ,, مثل ما أنت ,, مريم المختلفة !







مريم إلى الان غارقة في عالم ذلك الاخر الذي لم تخبرني بأي شيء عنه ,, لأتركها وحدها تعيش لحظات الماضي وأتسلل خفية متوجهة للصف ..









.

.



سحبت أذني بقوة عند جلوسها أمامي في طريق العودة وتقول :

" أيتها الخائنة ,, كيف تتركيني وتمضين ؟



" لقد وجدت فكرك غير حاضر ,, شعرت بأن لك رغبة في الانفراد ..



" هذا ليس سببا ً اخبريني لماذا تركتني ؟



بل سببا يا مريم ,, لماذا لا تصرحين ؟



" هل لي بسؤال ؟



" تفضلي عزيزتي ..



" شكرا ً .. مريم .. هل تشعرين بالامان معي ؟؟





أوقات عديدة حين أسألها تصمت ثم تجيب ,, أما هذه المرة أجابتني فورا ً :



" بالطبع اشعر به .. ! ليلى افهم شعورك تجاه تصرفاتي .. اعتادي على غموضي لحين يُفرج له بالايضاح .. الجمعة القادمة سأتحدث معك حول هذا الشأن .. لكن اخبريني ما اخبار الامتحان ؟



" أي امتحان ؟



" أوه ! هل أنت جادة ؟؟ امتحان التاريخ أنسيت ِ ؟



" لا لم أنسَ .. الامتحان كان سهلا ً للغاية أتوقع الدرجة الكاملة ..



" ممتاز جدا ً .. ثابري ليلى أريدك متفوقة هذا الفصل ..



" بعون الله سأكون كما تريدين ..



وأدير بصري ناحية النافذة وأضيف :



" وأتمنى أن تكوني كما أريد ..



لم أسمع شيئا منها ,, بل حتى زفيرها لا اسمعه ! فأعدت بصري ناحيتها ,, وجدت دمعة محتبسة بين جفونها .. ! ماذا ؟؟ مريم .. مريم على وشك البكاء ؟؟



خفق قلبي خوفا ً ورحت أسألها :



" مريم مابك هل أزعجتك بشيء ؟



فتجيبني مغمضة العين حابسة تلك الدمعة :



" لعمري يصعب علي أن لا أكون كما تريدين ..





لتكتفي بذكر هذه الجملة وحدها وتفضل الصمت المطبق بالالم دون الحديث إلى أن ودعتها بعد النزول من الحافلة ..



هل شق الحزن طريقه في داخلنا منذ الان ؟؟

مريم انت قادرة على ان تبعديه .. فابعديه ارجوك





حين يكون فكري مشغولا ً فإني لا ارغب بتناول أي شيء .. لذا صعدت مباشرة للأعلى وجلست على الاريكة القريبة من غرفتي وغرفة أخي .. أتراه قادر على الحوار معي هذا اليوم ؟؟



اخبرني في المرة التي سبقت انه ثمة حديث مؤجل لم يرغب في قوله انذاك .. حان وقته الان ,, لن اقبل بتأجيله اكثر من ذلك ..



أوه .. الصلاة !





نادتني والدتي قائلة :



" عزيزتي نحن ننتظرك على الغداء ..



" امي لا اريد شيئا ً سأصلي الان ..





المسافة فيما بيننا طويلة ولا استطيع رؤية ملامح أمي ,, ولكني ادرك تماما ً أنها تغيرت !

أدرك تماما أنها استعجبت وقت صلاتي الذي باشر عودتي ..



فلتتعجبي أمي ,, فليلى اليوم هي ليست ليلى بالامس !





*******











إلى الان لا أتملك القدرة الكافية التي تدعوني للتركيز التام على محتويات هذا الكتاب !

مريم ,, ليتك معي تذاكرين .. غدا ً هو الامتحان والى الان لم أقوَ على مذاكرة أي شيء ..



سمعت صوت باب غرفة عادل يفتح ,, قفزت للاطلاع على الامر ,, و وجدت أخي - بشعره الطويل .. وبلحيته الكثة التي توحي لمن يشاهده أنه من العصور الوسطى – ينوي الخروج .. فسألته :



" عادل إلى أين ؟



" إلى خالي حيث يكون !



" حسنا أنتظرني سأرتدي عباءتي و آتي معك ..









المقبرة كانت مخيفة هذا المساء ,, و أشعر بأن عظام الموتى تحدثني ! وأصوات آهاتهم أكاد أسمعها .. في المرة السابقة لم أشعر بمثل هذا الخوف الذي يعتريني عند هذا اللحظة ..



وحين أناظر أخي يصور لي أنه سيلحق بهم عما قريب .. لا لا ! أخي أرجوك عد لهذه الحياة ,, فوالله سأموت إن خطفك الموت مني ..



عادل بدا نحيفا ً للغاية ,, لقد تغير كل شيء فيه ..



تمدد على قبر خالي وأخذ يحدثه عن شجونه من بعده ,, و يثرثر بآلامه ,, هل ياترى الموتى يسمعون ؟ أخشى عليك من الجنون .. أ ولست واقع فيه الان ؟





تخطيت القبور لأصل عند قبر أخ مريم .. تبدو التربة رطبة ,, والورود الموضوعة عند حافة القبر ليست بجافة .. إن أهله يداومون زيارته ..





قرأت الفاتحة ,, و دعوت له بالنعيم .. وحين أنهيت مراسيم الزيارة .. وجدت عادل أخذ غفوة بجانب قبر خالي ,, أصبحت معتادة على هذه المشاهد ..





وجدتها فرصة لزيارة القبور الموجودة هنا .. فالكثير من أصحابها قد هجرهم أحباؤهم .. إن المقبرة عالم مخيف .. خصوصا في هذا الوقت الخريفي .. فبالاوراق المتطايرة على القبور هنا وهناك ,, تدرك حتمية هذه النهاية ..





شعرت بأني أنجزت أمرا ً كان لابد لي فعله منذ مدة ..



جلست عند أحد القبور ,, كان لفتاة عمرها 17 سنة .. أهديت لروحها الفاتحة .. وقرأت لشبابها الراحل الدعاء ,, وحين أردت البكاء وجدت ظلا ً خلفي !



" عادل ؟ أفزعتني !



سألني بهمس خفيف :

" هل تعرفينها ؟



" لا ,, لكني زرت الكثير منهم اثناء غفوتك ..





جلس بجانبي ومضى هو الاخر يحدق بالقبور هنا ,, ويطيل النظر عند ذلك القبر " قبر أخ مريم " ويتمتم :

" ليتني كنت معكم !





لم تبدو عليه رغبة النهوض ,, هو يطيل المكوث هنا في المرات القليلة التي يزور فيها العزيز الراحل ,, حاولت أن ابعده عن هذه الاجواء ورغم المكان الغير ملائم لقول مالابد قوله الا أني ناديته :



" عادل ؟



لم يسمعني منذ أول نداء ,, وحين كررته ثانية وثالثة أنتبه فقلت له :



" اخبرتني فيما سبق أنك قرأت لمريم قصة أليس كذلك ؟



" أجل قرأت ..



" كيف وصلت لك القصة ؟



سؤال رآه غريبا ً .. هكذا فهمت من نظرته فأجاب :



" القصة لم تصلني ,, إنما وجدتها على مكتب خالي في أحد المرات ..





ماذا ؟؟ خالي ؟؟ ما دخل خالي بالامر ؟ هل .. هل هو الاخر ؟؟ لا .. ! لا أظن .. سألته :



" هل خالي هو من دعاك للاطلاع عليها !؟



أجابني بعد لحظات :



" لا ,, خالي لم يكن يعلم بأمر قراءتي .. اثناء قراءتي لها كان بالحمام .. ما المهم بالامر ؟



خالي إن كان هو الاخر فقد وفى بوعده ! لكن السؤال الان لماذا لم تصرح به ؟ ولماذا رغبت بكتمه ؟؟ بل لماذا جعلت رحيله وجعا ً.. ؟؟





" لا أدري ولكن حين أخبرت مريم بأمر قراءتك لقصة من قصصها غضبت !



" حقا ً ؟

" أجل و رغبت في سؤالك عن الامر ,, فلا أرى ما يستدعي غضبها .. فهي قصص ليس الا ..



" ربما قطعت على خالي وعداً الا يقرأها سواه ..





ماالذي كان يجمع بينهما ؟ خالي ومريم ..



سألت عادل :



" ماذا كنت تخبئ في المرة الاخيرة وتقول بأن الوقت مبكرا ً ؟



كان يشعر بالتردد ,, الا أني لا أملك القوة التي تمكنني من الصبر أكثر من ذلك .. أرغب في معرفة الحقائق من حولي ..



قال :



" حين كان خالي يكثر الحديث عنها بدت لي ابنة العشرين على أقل تقدير وحين عرفت عمرها الذي لا يتجاوز الحادية عشر صدمت .



قاطعته :



" أعلم هذا ما الجديد بالامر ؟



" الجديد الذي لا تعرفينه أن خالي لم يراها ابنة الحادية عشر بيوم من الايام .. وكان ينتظر فقط عمرها الزمني يكبر ليـ ..... !



وصمت !



هل الصمت طبع جميع من يحادثوني ؟؟ اصبحت لا أطيقه أبدا ً ..



" ماذا كان ينوي خالي ؟



" كان ينوي الزواج منها !



" مــــــــاذا ؟؟ هل أنت محق ؟ يتزوجها ؟؟ إنها صغيرة جدا ً !



يبتسم بلطف كأنه يتذكر كل المشاهد الآفلة :

" ومنذ متى كان الحب يعرف عمرا ً .. ؟ ومريم لم تقاس بعمرها الزمني يوماً ..



" هل صرح خالي بالامر ؟؟



" أخبرني به بعد إلحاح مني ,, إذ كنت أرى الحب لشخص مريم متلألأ في عينيه اثناء حديثه عنها ,, وحين واجهته بالامر اكتفى فقط بأمر زواجه المؤجل منها .. و آخر مرة تحدث عنها قال :



"" كبرت مريم كثيرا ً عن أول مرة لاقيتها فيها ,, لقد ناهزت الثالثة عشر ,, سأنتظر أربع سنوات اخرى وأتقدم لخطبتها ! ""







إن كان خالي يعشق مريم التي حملها لايام طوال على كتفه ,, وداعبها ,, واشترى لها كثير من الألعاب .. وخرج برفقة ناصر معها للحدائق لتلعب .. فهل تحبه هي الاخرى .. ؟؟



إن لم يكن يعني لها خالي شيئا ً فكيف برحيله أن يحل الخريف على عمرها ؟؟ و أن تبدو كمثل ما وصفت لي صباح هذا اليوم ؟؟





هل سيكون عشقها شيئا ً مما تنوي اخفائه .. ؟؟ أم أن كل سبل الاخفاء منتهية بعد كشف الحقيقة ؟؟



" عادل ماذا عنها هل تحبه ؟



" لا أدري ,, وخالي هو الاخر لا يدري ..!



فيما أضفت أنا :



" وأنا الاخرى لن أدري !!





****





لو شاءت الاقدار لكانت مريم زوجة لخالي ,, ولو شاءت الاقدار لأكملت العام الخامس لصداقتنا ,, ولو شاءت الاقدار لبارك لنا خالي هذه الصداقة !





حين تيقنت من أمر اخفاء مشاعرها واخفاء حقائقها كنت على حق ! فحين واجهتها بالامر اكتفت بقول أن خالي هو الشخص الاخر الذي لم ترغب في الافصاح عنه ..





وحين حكيت لها تفاصيل الحدث الذي يبرء خالي من تهمة الاخلاف بالوعد حمدت الله حمدا كثيرا ً..



أوليس هذا حبا ً .. ؟؟





حين سألتها ذلك ضحكت ! وقالت :



" خالك حين رآني كنت ابنة الاربعة اعوام ! وكان يلاعبني كثيرا ً .. يمازحني .. ماذا تسمين كل هذا ؟؟ هل هو الحب يا مريم ؟؟







" إن لم يكن الحب لماذا تخفين حقائق المشاعر .. ؟



" لأنها مشاعر خاصة بمن رحل ,, وطالما هو رحل فلن ينفع القول .. فالمشاعر قد رحلت معه !





إن المشاعر لا ترحل مع من رحلوا ,, و إن يكن هو الواقع لما بكيت كثيرا ً على ذكرى جمعتني مع الراحل ؟؟ ولما تمنيت للمرة الالف أنه لا يزال حيا ً يرزق ..





مريم .. لن أتخطى حواجزك .. فالحواجز التي صنعتيها اكبر بكثير من محاولاتي .

لذا سأكون بانتظار الاصغاء لك عند مساء كل جمعة .. !



و إن خابت آمالي عند انتهاء زيارتك ,, ستعود حين الجمعة القادمة !









.







يتبع

الوجه الأليم
10-03-2009, 10:44 PM
الحلقة الثانية عشر :العشرون من يناير






انتهيت أخيرا ً من الفصل الدراسي الأول ,, لكم كان شاقاً ودسما ً احتجت فيه لمراجعة مكثفة مع العزيزة ,, فأنا وعدتها أن أبذل قصاري جهدي ..





في الغد ستظهر النتائج ,, و متيقنة من أمر التفوق الذي سأناله ..





هاتفت مريم عصراً فسألتها بعدما استفقدت اخبارها :



" هل ستذهبين في الغد للمدرسة ؟؟



" لا سأستلمها عند بداية الفصل الثاني ! ماذا عنكِ ؟



" كنت في الغد سأذهب لكني تراجعت الان ..



" لا ! أريد رؤيتها في الجمعة عندما أزورك ِ ..





وحين أردت اقفال السماعة تحدثت كأنها تذكرت شيئا ما :



" ليلى ,, هل بطاقتي عندك ؟ فأنا فبعد خروجي من المشرفة في اليوم الاخير لا أتذكر أين وضعتها ..



" أجل لقد نسيت ِ أخذها ,, في الجمعة القادمة حين تزوريني سأسلمك إياها .. ما الذي ابتغته المشرفة ؟



صمتت برهة وقالت :



" لا أدري !



قلت بشي من الغضب :



" لا تقولي بأنها أسرار وهي امور يتوجب كتمانها ؟؟ فإن كانت كذلك حقا ً سأجن !



تضحك بلطف وتعلق :



" ليس لهذا الحد كما تظنين .. كل مافي الامر أنها رغبت بنسخها ولم تعلمني عن الاسباب !



" هكذا إذا ً !



" أجل أيتها العزيزة !







***********







أشعر بالملل في هذا الفراغ القاتل الذي يحويني في العطلة ,, أخبرني والدي أنه ينوي إدخالي أحد المعاهد الا أني لا أفضل ذلك ,, لا أملك أي رغبة في الدراسة ..





حين سألتني مريم عن بطاقتها " هويتها " لم أتذكر في بادئ الامر أين وضعتها ,, فخشيت أنها ضاعت ..



و بعد معاناة مع البحث وجدتها في كتاب " الانجليزي ".. حيث كنت اذاكر في محتواه اليوم الاخير!



تأملت ما تحتويه من معلومات ,, وتوقفت عند صورتها الشخصية أكثر من التوقف عند الامور الاخرى ! فلمريم وجه ملائكي رائع ..





حتما ً لهذا الوجه الوقع الخاص على قلب خالي الراحل ,, وكيف لا والجميع يتحدث عن جماليته !

لا ألومن خالي إذا ما وقع اسيرا ً تحت قيود هذه الانسانة ..

في بعض الاحيان أضحك كثيرا ً كلما تذكرت أقوال زميلاتي حول براءة وجهي ؛ إذ أنه لا يعادل الثُمن من براءة هذا الوجه الذي بين يدي الآن !



لكم عظيمة أنت يا مريم ,, ولكم أنت جميلة في كل ما تحتوينه ..





إن هذه الملامح لن تغيب عن ذاكرتي وإن غابت طيوفها .. فهي تعيش في داخلي بصورة أكبر من تلك التي تعيش في عيني حين رؤياها ..





أدرت ناظري نحو المعلومات البقية .. و عندما وقعت عيناي على تاريخ ميلادها عزفت في داخلي أوتار البهجة !! العشرون من يناير هو تاريخ ميلادها,, لم يتبق َ الكثير على ان يصادف التاريخ هذا اليوم .



وقد اشتد وقع موسيقى البهجة في داخلي حين علمت بأن ذلك سيصادف يوم الجمعة القادمة !!





ستكون هذه الجمعة مختلفة ,, ستكون تاريخية .. فهي ستحمل تاريخ ولادة من انتشلتني من ضياع كنت أراه فرحاً







العشرون من يناير ..



يوم مولدي لا مولدك وحدك يا مريم !







العشرون من يناير ..



سيحوي توثيق عهد الصداقة ..



سيحوي الحب الاخوي ..



سيحوي زرع شتلات الحب في طريقنا المستقبلي ..



العشرون من يناير ..



سأنشد لهذا الكون شعرا ً ,, ففيه قد خلقت أجمل أنسية قابلتها عيناي ,, وأنبل أنسية صافحتها يداي ,, !



ياااه ! أيتها الايام اجري سريعا ً .. وتوقفي عند يوم الجمعة دهرا ً , أيمكنك فعل ذلك ؟





أخبرت والدتي بالأمر لأستئذنها الخروج للسوق ,, سأشتري ورودا ً و أضعها في كل مكان في غرفتي ,, سأشتري كل شيء يعبر عن بهجتي ..





مررت بأحد محلات العطور ,, فاشتريت زجاجة عطر لها ..



وحين مررت بأحد المكتبات اشتريت لها كتاباً ..



اشتريت لها حقيبة يد ..



واشتريت لها خاتماً أيضا ً !





السائق يسألني :



" هل تودين الذهاب لمكان آخر ؟؟





أفكر .. ماذا يمكنني أن أهدي مريم في العشرون من يناير ؟؟ سأشتري لها باقة ورد في صباح الجمعة حتى لا تذبل ,, وماذا أيضا ً ؟؟





السائق يعيد سؤاله :



" إلى أين سنتجه ؟



" انتهى المشوار اعدني للمنزل ..



سألتني والدتي فور دخولي المنزل :



" لماذا كل هذه الاكياس ؟؟



ناديت الخادمة لتحمل الاكياس لغرفتي ,, فيما اتجهت ناحية والدتي أجيبها :



" انها استعدادت عيد ميلاد مريم ..



" هل ستوجهين دعوة لزميلاتك ؟؟





هي فكرة ممتازة ,, ولكن فعلها سيغضب مريم ,, فقد وعدتها أن لا اخبر أحد بأمر زياراتها لي ومفاجأتها بهذه الدعوة سيكون اخلافا ً !



تهنئة زميلاتها سيسعدها للغاية , لكن ماذا عن زيارتها لي ؟؟ اخشى من نظراتها الحارقة بعد هذا ..





قلت لوالدتي :



" مريم لا تود أن يعلم أحد بأمر زياراتها .. ولم تعلمني بالاسباب ..



" مريم شخصية غامضة وغريبة ,, !



" هي أكثر من ذلك .. أنا أسعى لتكون سعادتها دائمة ..



" مريم كنز بين يديك فحافظي عليه ..







كنز !! إنه حقاً لقب يليق بمريم جدا ً ! ولن أترك كل هذا للضياع !!





قول والدتي بشأن الدعوة أسرني للحيرة القاتلة ,, فلا أعلم عمّ اذا كانت مريم ستسعد من لقائها بزميلاتها ,, أم أنها ستكون لها الزيارة الاخيرة .. وأخشى من هذا الاخير !





لقد وعدت مريم ,, ولن أخلف بوعدي ,, لا أريد أن أرى في عينيها نظرات الاستصغار ! وإن البهجة التي قد تتحقق في داخلها لن تشفع لي من نظراتها الحارقة ..





***********







وجدت فاطمة أمام البوابة فرحة ,, عندما تغيرت هذه الانسانة لم تعد تعني لي الكثير .. لذا مضيت دون الاكتراث لوجودها .. لكنها استوقفتني بندائها :



" ليلى ؟



" أهلا ً فاطمة كيف النتيجة ؟



قالتها بسعادة كبيرة :



" لقد نلت هذا الفصل " 93 % أنا سعيدة جدا ً ..



" حقا ً ؟؟ هذا ممتاز .. مبارك لك التفوق ..





عندما رغبت في الانصراف فضلت مصاحبتي .. أظنها تود معرفة نتيجتي !!



لاقيت استاذة هناء ,, وهي ذاتها الاستاذة التي أكثرت القول عن شخص مريم .. رحبت بها ,, وغمزت لي قائلة :

" ماهذا التغيير يا ليلى ؟؟ هذا العام ستكونين في حفل المتفوقين !



ولكم أن تتخيلوا أي غضب حلّ في وجه من تصاحبني !!





قلت محاولة التلاعب بها :



" حقا ً ؟؟ هل يعني نيلي المرتبة الاولى في فصلي ؟؟



أجابتني ضاحكة :



" ربما .. !





حجم الغضب الذي ارتسم على ملامحها قد تضاعف ,, إنها توشك على تحطيمنا ! استئذنت الاستاذة للمضي للصالة الرياضية حيث توزع الشهادات . أما هي فكانت في صمت قاتل .. إني بدأت أشفق على أسنانها !!



نادية كانت هناك أيضا ً ,, ويبدو عليها الغضب !! مابهن هؤلاء مع الغضب هذا اليوم ؟؟





رحبت بي استاذة أمل ترحيبا كبيرا,, وهي تتبسم وتناولني الشهادة :



" ليلى لقد تفوقت كثيرا ً هذا العام أهنئك على المرتبة الاولى !





حدقت فاطمة في الشهادة ,, وحين وقع ناظرها على النسبة قالت بغيظ شديد :



" هذا ليس من العدل والله !



وانصرفت في قهر قاتل ! إن هذا ما توقعته ,, فلتحترقي بنار الغيرة التي احتوتك ِ ,, و لتموتي رعبا ً من اشباح المتفوقين والمتميزين !





تسألني الاستاذة باستغراب :



" مابها ؟ "



" كانت تتوقع نيل المرتبة الاولى ! وقد خاب حدسها ! "





أتعجب لحال هؤلاء البشر الذين يرغبون في اعتلاء القمة والاسقاط بكل من يحاول الاعتلاء لها ,, ألا يدركون أنهم على أي حال ليس الافضل على الاطلاق ؟؟



اتذكر في أحد المرات سألت مريم :



" ترى ما شعور ذاك الذي يعتلي قمة الجبل ؟



" يرى الناس بذات الحجم الذي يرونه به ! إذ فكما يراهم صغارا ً هم يرونه كذلك !





فاطمة ومثيلها لا يدرك هذه الحقيقة ,, طالما الانانية متربعة على عرش الاخلاق ! إذ أنهم يتمنون للمرة الالف الفناء لكل متميز ومجتهد ..



فاطمة ,, فلتعودي لصوابك ,, فهذا المقام لا يليق بك ,, والانانية مصطلح عهده جديد !!











عدتُ للمنزل وأهتف بقوة :



" أمي ,, أمــــــــــي !



خرجت أمي من المطبخ خائفة تسألني :



" ماذا هناك أفزعتني .. ؟



كنت أخبئ شهادتي خلفي وقد أظهرتها أمام والدتي لترى النتيجة .. عانقتني بحرارة وهي تقول :



" 96 % ! إنها نسبة عظيمة جدا ً !!



معدلي لم يتعد طيلة مرحلتي المدرسية الـ 87 % , وما حققته هذا العام لهو انجاز عظيم ..



للنجاح فرحة كبيرة جدا ً ,, وتكبر هذه الفرحة وتبلغ عند ذروتها حين يكون مقرونا بالتفوق ..



كم كنت أسخر في اوقات كثيرة من هؤلاء المتفوقين الذي ينشرون صورهم في الجرائد ليعلنوا الفرحة ,, الان حقا أدركت حقيقة التفوق والنجاح !







أسعدتني والدتي بقولها :



" ستكون شهادتك أثمن هدية تقدمينها لمريم في عيد ميلادها !



" حقا ً ؟؟ أتمنى ذلك أتمنى !





أمسكَت أمي يدي وتهمس في أذني :



" كفاك هوساً بمريم !



" أمي ما الذي تقولينه ؟



" لقد كانت زينب محقة بنعتها لك مهووسة بمريم ,, لذا لا تكوني أكثر جنونا ً بمريم ,, فتكاليف الحياة سـتأخذها منك ذات يوم .





صرخت غاضبة :



" لا .. لا .. لا ! مريم لن تأخذها عني تكاليف الحياة يوما ً .. هي وعدتني .. أعرفها جيدا ً !







وهربت ناحية غرفتي محدقة بالورود الموضوعة ,, وبعض الزينة المعلقة ,, و أتساءل :



" أ من الممكن أن تخطفها الايام مني؟؟ إني أدرك حقيقتها !







************



وجدت الفرحة تعتلي قسمات وجهها حين وجدت الزينة معلقة على جدران الغرفة و أخذت تبكي لبضع الوقت فاحتضتنها قائلة :



" مالذي يبكيك مريم ؟؟



استجمعت قواها وقالت :



" أنا سعيدة بالتعرف عليك جدا ً , وأشكر أخي كثيرا ً لانه كان سبيلا ً لك ِ .





" أما أنا فالشكر الجزيل موصول لتلك الاستاذة التي أكثرت القول عنك ِ





إن كنت سعيدة لمعرفتك بي فإني أنا السعادة عينها بوجودك معي ,, أنت لن تدركي أي فراغ قاتل احتواني في عالمي المجنون الذي عشته قبل اقتحامك ..



أنت لن تدركي حجم جهلي لكل ما يحيط بي ,, لكم كنت افتقد الحب الاخوي الذي يشعرني بوجودي كإمرأة تدرك كل شيء من حولها ,, !



حين كان البعض يتحدث عن مغامراته ,, و أحداثه كنت أصغي بانتباه وتركيز شديدين ,, و تمنيت أن تحتوي أيامي على مثل هذه الاحداث ..





لقد كنت بسيطة في كل شيء .. !



في تفكيري ,, وفي مواقفي ,, وفي وزني للأمور !





لقد علمني وجودك أمور كثيرة ,, علمني أن لا أجاري السفهاء والحمقى ..

و علمني أن أقف في وجه المستحيل ..

علمني أن الوحدة تعني الضياع ..

علمني أن الخير لا يزال يسكن بعض البشر ..

وعلمني أن الصمت من ذهب ..





و العشرون من يناير .. علمني أن الاحلام تتحقق إذا ما سعيت لأجلها ..



و فيه هذا التاريخ أدركت إني ولدت من جديد ,, أدركت بأن كل أيام عمري السالفة قد ولت ,, !





سعادة مريم كانت كبيرة جدا ً لتفوقي ,, شعرت بمدى الاهتمام الذي توليه لأموري المستقبلية ,, و هذا ما يعينني على تخطي كل الحواجز ,, وهذا ما يعينني على التقدم في السير في مشوار الالف ميل ..



كنت محقة في ما ظننته بشأن الدعوة ,, لقد بدا لي رفضها صريحا ً بشأن ذلك ,, و أقسمت أن تكون هي الزيارة الاخيرة لو حوت جمع الزميلات ..

حمدا ً لله إني لم أفعل ذلك !



وعادت بي اقوالها نحو جحيم الكتمان ! فأي سر تخبئينه ؟؟ أكاد أفقد عقلي !





الغريب الذي احتوى هذه الزيارة ,, أنها طلبت مني مصاحبتها لزيارة المقبرة ,, ألا تخشى أن تصادف إحدى زميلاتها هناك وتعلم بأمر زياراتها لي ؟؟



إن هذا الاختلاف في أفعالها يفقدني الخيوط التي توصلني للحقيقة .. وتبعدني عن أي وهم قد أعيشه !





المقبرة لا تبعد الكثير عن المنزل ,, لذا فضلنا زيارتها سيرا ً على الاقدام ..



حدثتني مريم في الطريق عن أخيها ناصر .. أخبرتني عن مدى الاهتمام الذي يوليها إياه في عيد ميلادها منذ الاول ,, إذ كان يشتري لها ألعابا ً و هدايا كثيرة ,, و يخرج معها في نزهة لأحد الحدائق ..



كان هو اكثر الاشخاص عناية واهتمام بها ,, إلى أن اقتحم خالي عالمهم .. فقد كان يشاركه هذا الاهتمام ,, ويحتفلان سويا ً في كل عام بعيد ميلادها ..



الثلاث سنوات الاخيرة فقدت هذه الرعاية ,, و فقدت ذكريات العشرين من يناير ,, هل أقوى على إعادة هذه الذكريات ؟؟





قضيت كما العادة وقتا ً شجيا بالمقبرة ,, تذكرت فيه كل شيء عتيق ..

تراءت أمام ناظري كل الصور القديمة ,, مرحي .. شقاءي .. عنادي ..

وشجاري مع عادل !



آه يا عادل ,, أمتى تعود ؟؟





استطعت أن ألمح دمعة بين جفون مريم على وشك السقوط ,, وحين تلاقت أعيننا قالت :





"لاأريد أن أشكو ,, لكنما ناصر كان كل شيء لي ,, أشعر بالفراغ في غيابه ..

الشهور التي مضت دونه مقيتة جدا ً ..

لا يزال مكانه على وجباتنا الثلاث محجوزا ً لا يجرؤ أحدنا على الجلوس عنده! ""





أما مكان خالي ففضلت والدتي اخفاء كرسيه في غرفته فيما استبدلت الطاولة لتجعلها اقل حجما ً .

أمي استبعدت كل شيء يذكرها بخالي الراحل ,, هي لا تود أن تحترق بنار الذكرى كل يوم ,, أما عادل فرغم غياب اشياء خالي ,, الا أن الذكرى لا تزال حاضرة في داخله .. و يعيشها في كل يوم .. بل في كل لحظة ..









إن الذكرى لا تزال تعيش في داخل مريم ,, إلا أنها لم تكن ضعيفة كعادل ..

لقد كان أخوها منطلقا لتعيش أقوى ,, أما عادل فرحيل خالي منطلقا ً لفنائه ..







إلا أن ما يتشابهان فيه تماما ً هو الهذيان أمام القبور ! أتصل الشكوى للموتى .. ؟؟ أيسمعوننا ؟؟





ودعتني مريم قائلة :



" ثلاث سنوات مرت لم أجد سواك من يعيد لي ذكرى الراحلين .. سعدت جدا ً باحيائك لعيد ميلادي ,, وسعدت بهداياك جدا ً أعدك بأني لن أخلع الخاتم يوما ً ! وستبقى عبير ورودك مسكا لختام هذا اليوم .









مر العشرون من يناير محملاً بذكريات قد خلدها تاريخ عمري ,, ! إنه لن يمر هذا التاريخ في كل عام عبثاً ,, سأحيي فيه ذكرى ميلادك أيتها العزيزة ,, وسأمنحك العودة لذكريات من رحل ,, لتدركي بأن خالي بعد رحيله أورثني حبك النابض يا أخية !















يتبع