منتديات أبعاد أدبية

من كتاب لم اكلمه الجزء الثاني أهلا ً بـ إرهاب محمد \ معجزة أهلُ الاجتماع

حينما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وبعد أن بنا مسجده صلى الله عليه وسلم قد تزامن في عهده أن الأمم التي في عهده أمم متطاحنة في الحروب وأن الخلافات فيما بينهم على أشدها وأن النزاعات والحروب قد أكلت منهم ما أكلت فهذه الأوس والخزرج سنين من الحروب فكيف سوف يجمعُ بينها ! و هؤلاء من المهاجرين و هؤلاء من الأنصار كيف يجمعُ بينهم ؟ وهذا صهيب من الروم وذاك سلمان من فارس كيف سيجمع بينهم ! وهذا أبا ذر من غيفار وذاك بلال من الحبشة كيف سوف يجمعُ بينهم ؟

علم النبي صلى الله عليه وسلم بأن أول طريق يجب أن يتخذها هو توحيد الصفوف وجمع القلوب لكي تُبنى تلك الدولة المفككة فدولة رجالها يبغضُ بعضها بعضاً لن تقوم أبداً , فوقف الرسول مجتهداً لتصفية تلك القلوب ولتوحيد المسلمين ولجمع الصفوف من جديد ..

فها هو يقفُ بينهم وجمع بعض المهاجرين والأنصار وقد آخى بينهم فذالك الأنصاري مع ذاك من المهاجرين وذالك من المهاجرين مع ذالك من الأنصار وهذا يُعطي أخيه بعضاً من النخيل وذاك يُعطي أخيه بعضاً من المال وذاك يُسكن أخيه في بيته وذاك يُعطي أخيه واحدة من زوجاته فتقاسموا جُل من كان عند النبي أشياءهم وها هو يواصل و يُكافح من أجل أن يؤلف بين القلوب ويذكرهم كلما رآهم : المسلمُ أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه ولا يخذله , ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم : مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد إذا أشتكى منه عضو تداعى لهُ سائر الجسد بالسهر والحمى , ويقول : لا يؤمن بي من بات شبعان وجاره جائع , وأستمر يؤلب ما بين القلوب ويجمع الصفوف ويُعيد ترتيبها إلى أن وصل إلى اجتماع القلوب في مسجدٍ وقبلة وإمام ٍ و قريةٍ واحدة يُقدم أحدهم زوجته و ماله وبيته لأخيه حتى شهد الله له ُ في هذه المعجزة الكبيرة حيث قاله الله عز وجل وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَّا أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَـكِنَّ اللّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ( 1 )

لقد اتفقوا علماء الاجتماع على أن أعظم معجزة لمحمد عليه الصلاة والسلام هو جمع الأمم المتطاحنة بالحروب في مسجدٍ واحد في قريةٍ واحدة أحدهم يُقدم ماله زوجته وبيته لأخيه

وقـفـة !

كيف يفعل محمد صلى الله عليه وسلم هذا الشيء في هذه الأمم المتطاحنة ؟ لقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم معلما ً لهم حيث كانوا بحاجة إلى قلب ٍ كبير يُعطيهم دائما ً الاهتمام و الرعاية و العطف و السماحة و الود و الرضا , كان يدعوا الله أن يعفوا عنهم ويستغفر لهم , كان قاضيهم إذا اختلفوا , كان يعودهم إذا مرضوا , كان يفتقدهم إذا غابوا , كان يُصلي عليهم إذا ماتوا , لم يكن بـ الفظ ولا فحاش ٍ ولا مداح ٍ ولا يتغافل الناس عما لا يشتهي ولا بـ غليظ القلب ولو كان هكذا لما تآلفت عليه القلوب ولا أجتمع مشاعر الصحابة عليه , حليم ُ ُ لا يضيق بجهلهم ولا يضعف ُ لـ نقصهم , كان حلمه ُ يسبق ُ عطفه و بره يسبق وده ما من شخص عاشره إلا امتلأ قلبه ُ بـ حبه , آخ بينهم و ألف بين قلوبهم فقال الله عز وجل : (َبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ ) ( 2 ) بهذه الصفات اجتمعت القلوب عليه وبهذا الأساس تآلفت القلوب خلف نبينا صلى الله عليه وسلم بهذه الصفات أصبح قدوة ً لهم بهذه الصفات أستطاع أن يغزوا قلوب الصحابة بـ صفاته وليس بـ سيفه , فهل رأيت معلماً مثله ؟ وهل سمعت بـ رجل مثله ؟ أو علمت بـ قدوة أفضل منه ؟ هكذا آلف بين قلوب هؤلاء الصحابة الذي قال الله فيهم (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ) ( 3 ) بتعليمات محمد صلى الله عليه وسلم حينما جمع تلك الأمة أصبحت تلك الآمة خير أمة ٍ أخرجت للناس بشهادة الرحمن يُصلون خلف إمام ٍ واحد , يصلون خلف قبلة ٍ و مسجد ٍ واحد , يفتحون البلدان خلف قائد ٍ واحد , يُقدم ُ أحدهم ماله ُ و بيته و زوجته لأخيه فقد استحقت أن تكون أعظم ُ معجزة للرسول صلى الله عليه وسلم

يقول معاوية إبن حكم السلمي : ثم بيننا أنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلاة إذا عطس رجل من القوم فقلت : يرحمك الله فحدقني القوم بأبصارهم فقلت : واثكل أماه ما لكم تنظرون إلي ؟ قال : فضرب القوم بأيديهم على أفخاذهم قال : فلما رأيتهم يسكتوني سكت فما أنصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم من صلاته دعاني فبأبي هو و أمي ما رأيت معلما ً قبله ولا بعده أحسن تعليما ً منه و الله ما ضربني ولا نهرني ولا سبني ولكن قال : إن صلاتنا لا يصلح فيها شيء من كلام الناس إنما هو التسبيح و التكبير و تلاوة القرآن ( 4 )

فنقول و نختم بما قاله معاوية إبن حكم السلمي : فبأبي هو و أمي ما رأيت معلما ً قبله ُ ولا بعده أحسن تعليما ً منه

( 1 ) الأنفال 63
( 2 ) آل عمران 159
( 3 ) آل عمران 110
( 4 ) ( سنن النسائي 3 \14 رقم1218 , صحيح أبن حبان 6 \ 23 \ رقم 2247 )