![]() |
/ هل ما زال الرّغيفُ في قريتي يكفي أهل البيتِ و جيرانهُ
- ما عُدنا نملِكُ حبّةَ قمحٍ واحِدَة ..! / و فزّاعاتكم ؟ - ابتلعتها الرّيحُ فضلاً عنِ الغربانِ يا فاطِمة .. / ما هيَ أحوالُ نساءِ القريَة بعدَ الفاجِعةِ و رجالها .. ؟ - يُصبِحونَ على خُطا الموت الذي يدوسُهُم و يُمسونَ على فجيعتَهُم العُظمى ! / هل أنتَ فيهم الآن ..؟ - و أخطٌّ لكِ و أنا تحتَ إشارَةِ توقُّفٍ على يمينها ساعي البريدِ مقتولاً و الرّسائِلُ التي بحوزتِهِ قد تطايَرَتْ .. / كم منَ الأشخاصِ ماتوا فيها .. ؟ - الشّوارِعْ ..؟ / الرّسائِل ..؟ بعُمقِ انتكاسَتي الآن و أنا الموقن أنّي أوّلُ المقتولينَ فيها .. ! رُبمـا ! |
الاستسلامُ لفكرَةِ غيابكِ الأبدي يُعدّ أمراً لا يَسعني الإحاطَةُ بهِ , و لا أملِكُ مُقوّماتٍ تُخوّلُني لارتداءِ شماغ الصّبرِ و المَشيّيْ في حيِّ النّائِم بحُلّتي الكامِلَة - التي طالَما راهنتُ علَيْها كثيراً أمامَ عَيْنَيْكِ و كنتُ دائِماً ما أفوزُ بكِ و أكسبُ الرّهان ! - و أتظاهَرُ أمامَ الحَيي بأنّي الرّجُل الذي لا يُبالي بامرأةٍ أخذَتْ كُلّ ما يخصُّهُ و ما أخذَ مِنها سِوى رسالةً استلقَتْ على سَطرِها بنيَةِ الغيابِ .. ! ما عادَتِ أقنِعتي تُسكِتُ ثرثرَةَ أعينٍ تتعلّقُ بالشُّرفاتِ خلفَ ستائِرها .. ! و ما عُدتُ أحتمِلُ تلكَ الابتِسامات التي تُبرِّرُ لعَيْني شرودها
- ذلِكَ الشّرود الذي يُسمّرُني كحائِطٍ بُنِيَ ليُكوِّنَ ملامِحَ بيتٍ لله يجمَعُ الخَيْرَ كُلّه ليُحالَ في نهايَةِ الأمرِ لحائِطِ مَبكى ! - نيَةُ الهروبِ منكِ أو مِن كُلّ الأشياءِ التي أصبَحت مُلكيّتها تخصّكِ رجوع إلَيْكِ بطريقَةٍ أتجاهَلُها , بطريقَةٍ أتناسى فيها أن خُطوَتي التي تُبعِدُني منكِ في الحقيقَةِ تُقرّبُني إلَيْكِ , الأحياء التي أحاوِلُ جاهِداً أن تفصِلَ بيني وبَيْنكِ في واقعِ الأمرِ ما هيَ إلاّ مساحَةُ عَيْنَيْكِ التي أفقدتني محاولةَ الوصولِ إلى حدودكِ لأخرُجَ منكِ لَيْلاً دونَ أن تَشعُري .. ! اووه ! أشعُرُ بإعياءٍ في ذاكِرتي , أشعُرُ باستفحالكِ فيها , بتوسّعكِ , باستحلالِ دَمِها ! و كأنّكِ تُجبريها على حفظِ تفاصيلكِ التي كُل ما فيها كانَ مُغرٍ للـ : الغياب , الرّسائِلِ الموؤودَةِ , الأصابع التي تنهشها الذّاكرة , للمراجيحِ المهجورَةِ , للضّحكاتِ المُغادِرَة , للدُّمى المَنسيّة , للأغاني المُسافِرَة , للألحانِ التي ماتَتْ في دَهشَةٍ ما ! , و لأنّي مُشرّدٌ ! كُنتُ أتهذّبُ لكُلّ امرأةٍ تمرُّ على صَدري , كي تُطيلَ البقاءَ فيّ رُغمَ اقتناعي أنّ الحَبيباتُ لا يُرِدنَ تهذيباً مُفتعلاً بقدرِ ما يُرِدنَ جنوناً صادِقاً , و أنتِ أتَيْتِني : مُهذّبةً , مُعلّمَةً , مُعدّلَةً لكُلّ شَيءٍ يخصّني , كُلّ شَيءٍ مِن حولي و نَسيتي أهمّ شَيءٍ في هذهِ المُعادلة , نسيتيني أنا .. ! رُبمـا ! |
أمرٌ مُحتمل أن نفترِق و أن نتّفِقَ على نهايةٍ مُلائِمة لكلَيْنا ! , من الطبيعيٌ جداً أن نصِلَ في فيلمنا إلى مشهدٍ أخير العزاءُ الأكثر رواجاً في مشهدنا المتوقّع أنّ الاحتمالات في العلاقاتِ الإنسانيّة محدودةٌ للغاية و هذا ما يجعلُ أصلُ الصّدمةِ من فشلِها مقدورٌ على تقبّلها لكنّ تبعاتِ الفشل و كميّةِ الخيباتِ المُصاحبةِ هيَ ما يُعمِّقُ الانكسارات , و إلاّ لماذا تبدو فجيعةَ قلبي على ملامحي واضِحَةً و أنتِ تُغنّينَ و أقربُ ما يكونُ للهاويةِ هوَ أنا ؟! .
في لحظةٍ شتويّة شارِدَة كنتُ أظنّ بأنّي أمسِكُ عُمري جيِّداً و أتحكّمُ بكميّةِ العاطفة التي تستحقّها علاقتنا ! و أنّي الرّجلُ الذي يأتيكِ من بينِ يدَيْكِ و من خلفكِ ! حتى رأيتُ اللّيْل يأخذُكِ بكلّ وقاحَةٍ من خطوطِ يدِ و أنّ عُمري المبعوثِ من بينِ أوراقي و الطّامِحُ في أصابعي و المتحفّزُ في تقاسيمِ وجهي و المُتدلّي من أغصانِ صدري و الذّائِبُ في عرقِ جبيني خرجَ من النّافذةِ و تسرّبَ من تحتِ الباب لحاقاً بعَيْنَيْكِ المبهورتَيْن في الغيابْ ! . رُبمـا ! |
لماذا لا تأتينَ معَ وجوهِ الأطفال , و في عِراكهِم البريء .. ؟ لماذا لا تأتينَ معَ العِطرِ و بخورِ جارتي .. ؟ و لا في الحواراتِ الهادِئَة , و الابتساماتِ البيضاء .. ؟ لماذا لم تُفكّري مُطلقاً أن تُقلّكِ إليّ نملة تُكافِحُ مِن أجلِ حبّةَ أرُزْ ؟ لَم تُسعِفكِ حاجَتي و ترمي بكِ لمُخيّلةٍ بعيدَة تقولُ لكِ : ماذا لو أتَيْتُهُ لتكوني لهُ باباً بلا عَينٍ سحريّة , نافِذَةً مِن غَيْرِ جُدرانٍ تُسمّى ستائِرً .. كُلّ هذهِ الأسئلة و ذاكِرتي تنازِعُ ذكرياتي بكِ .. كُلّ هذهِ الجُثثِ من الأسئلةِ أدفِنُها بي و ذاكِرتي تُقاوِمُ عبثَكِ فيها .. لا تُريدُ أن تموتَ دونَ شَرفِ المحاولة , لا تُريدُ الموتَ دونَ أن أقولَ أمامَ مرآتي قَدْ حاولنا .. !
* أوووه ! تلكَ الأسئلةَ هيَ مَن تُطيلُ عُمرَكِ فيّ , و الأجوبة المُحلّقة في سماءِ اللّاحريّة هَيْ مَن تنفي فِكرةَ انتصاري علَيْكِ و على ذاكرتي المنتميةِ إلَيْكِ . لا أدري كَيفَ تستطيعينَ المشيَ فيها حافيَةً وقد ملأتِها شوكاً دونَ أن تُجرحَ قدمَيْكِ .. و كَيْفَ تستطيعينَ التنفّسَ و هواءُها مُنتِنٌ و لا تمرضين ؟ , تمارَضي , تظاهري بالمرض أمامَها فقَد تعودُ إليّ و علَيْها ابتسامَةُ نَصرٍ كاذِب .. و تعلَمينَ ما معنى أن نكذِبَ على أنفُسِنا بانتصاراتٍ مزعومة !.. تعلمينَ ماذا يعني أن نحفِرَ لنا قبوراً و نحنُ نسخَرُ مِن العالم و في داخِلنا مدينَةٌ منكوبَة ! , تعلمينَ جيِّداً كَيْفَ يكونُ الموت الذي ظاهِرهُ الحياة و باطِنُه محوُ تأريخٍ مُلتصِقٌ بِنا ! .. أذكُر في مرّةٍ غنّيتُ أغنيَةً و نَشّزتُ فيها كعادتي .. أحسَستُ حينها بأنّكِ تركُضينَ في دمي , تَرقُصينَ في قلبي .. تنثُرينَ أنوثتَكِ في طُرقي , و أزقّتي الخلفيّة .. تُنيرينَ قناديلَ أرصِفتي .. أذكُرُ أنّي معها واصلتُ العزفَ مُنفرِداً أمامَ عَيْنَيْكِ التي لم تراني أحمِلُ العودَ و أُدَوزِنُه و لكنّها الذّاكرة التي تُحيلُ كُلّ شَيءٍ أمامي إلى قِطعَةٍ ثمينَة , إلى قِطعَةٍ تُشبِهُكِ رُغمَ اختلافِ بعضِ التّفاصيلِ .. التّفاصيل .. ؟! .. التّفاصيلُ مَن كوّنَتْ ذاكِرتي معكِ , و نفسُ تِلكَ التّفاصيل هيَ مَن ستَبني جِدارَ عَزلٍ بيني و بينَ ذكرياتِكِ , و لكِن السّؤال الذي لا يَودُّ أن يموت : متى .. ؟! . رُبمـا ! |
اصبَحتُ عُملَةً ما عادَتْ تُنفَقُ في سوقِ العلاقاتِ العابرة و لا يخفى علَيْكِ أنّي صِرتُ كَقِطعَةٍ نقديّة إن بَقِيَت في جَيبِ البائِعِ أو في يدي المُشتري لا يُنظَرُ لها و لا لقيمتِها ! , يا ابنَةَ ذاكِرتي العاقّة: لم يعُدِ الوقتُ سانِحاً لتذييلي في قائِمَةِ علاقاتٍ تأخذُ مِن رصيدِ إنسانيّتي أكثَرَ ممّا تُعطي ! .. قبلَكِ قَدْ كُنتُ رجلاً ذا حقٍّ في ذاكِرَتِه , و في ذاكِرةِ الأشياء.. قبلَكِ كُنتُ في سلمٍ معَ أمّي , ووجهِها الذي أشتاق ! .. لَم أتشرّد في الوجوهِ بحثاً عنكِ , و لَم أسرِقْ مِن جيوبِ المارّةِ آمالاً قَد تكونينَ المُحرّضَة الأولى على تناسُلِها .. و لَم أتلصّص على عربَةِ الحياة لأنهَبَ منها بعضَ أحلامٍ قَد تزيدُ من اتّساعِ رئتي إن زُرتِني وحيداً و كُلّي يتنفّسُكِ غياباً ! ..
- حسناً ! حسنا! لا تعبُريني هكذا دُفعةً واحِدَة .. - بُندقيّتي التي رأيتِها أوّلَ مرّةٍ تقابلنا فيها , ما كانت إلاّ للصّيْد , لصَيْدِ العصافير .. لصَيْدِ الأحلامِ الطّائِرَة للعابرينَ بي ! نعم كُنتُ أرشيهِم بأحلامهِم كَيْ يمضوا فيّ بسلام ! أعلَمُ بأنّ الحديث عنِ الماضي ما هوَ إلاّ اجترارٌ للحياةِ من معدَةِ الموتْ .. لذا يا صغيرتي المُختَبِئَةِ خلفَ جِدارٍ في هذا الكون لا أعرِفُ عنوانهُ و لا اسمَهْ ! قَد تَكونينَ الآن في ظلّ جدارِ الوحدَة , و قَدْ يكونُ الأرق قد يبّسَ أغصانَ عَيْنَيْكِ و حطَبتِها لتَدفئي من بردِ الخَوفْ ! و قَد تكونينَ مُستنِدَةً على جدارِ اللّاشَيْ حتّى .. و قدَ .. و قَد ! - الخاسِرُ لِكُلّ شَيءْ يُعزّي نفسَهُ بأيّ شَيْ – أمّي ! يا أمّي .. لا عَلَيْكِ من هذا كُلّهْ عيشي فيّ و أعِدُكِ أن أعيشَ فيكِ بسلام , ما أنا إلاّ مُتظاهِرٌ مُسالَمْ لَن يُراقَ مِن ذاكِرتِه قطرَةَ دمٍ واحِدَة , لا تخافي . رُبمـا ! |
لا بأس في أن نفترق ، أن نبكي قليلاً ، أن نندُب حظّنا ليلةً كاملة ؛ المخيب للآمال هو أن نفقد اتّزاننا بهذا الشّكل الفاضحْ .
رُٰبمـا ! * |
" إضافة بعد " !
كُلما عصرتُ جُمجمتي ، وحايلتُ أنثةً ما في أن تلعق أصابعي ؛ و أفلحت في ذلك .. أفاجأ بـ " إضافة بعد " و أكون حينها في عراكٍ دائم لاقتناعي أن ثمّة ما هو أعمق من الكتابة هو " المَسْحْ " . اممم ! لماذا لا يكون الخيار المتاح بدل من " إضافة بُعد " " تدوينُ الممحي " ؟ . رُبمـا ! * |
لا أريدُ أن تجمعنا النّهايات .. لا أحبّها .. كلّ النّهاياتِ موتْ , موتٌ لكلّ الأشياءِ الجميلةِ و نقيضها ، أحبّ أن أبحثَ عنكِ في السّطرِ نائِمة .. و بينَ الفواصِلِ و علاماتِ التعجّب ..
أريدُ أن أبحثَ عنكِ في صدرِ الغَيمِ ..و في أحضانِ المفجوعين و في أفواهِ المقابِر .. رُبـما ! |
الساعة الآن 04:59 PM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.