منى ،
أول ما سأقوم به عند أول عودة لباريس : تقبيل ثراها . أعترف أني اشتقت حتى لشحوبها . و اشتقت لكِ يا صديقتي . كوني بخير |
من هذا المنبر المعزول عن وجه الأرض، الذي ضاقت عليه جدرانه، و تعذر إصلاح مكروفونه، و أصيب مستمعوه بصمم أبدي و بلادة حس، أي من قرارة نفسي و فيها ، أدعو الأخ نيكولا لرمي أعباءه على أي شخص آخر لا يشبهه، و حجز أول طائرة للسويد، للاسترخاء و ربما تعلّم بعض أبجديات الديموقراطية و الحرية ، ربما ..
|
مبادئي لا تقبل المساومة ،
و أستطيع التضحية بما عداها . لست أدري أي شيطان أرعن تلبسني يومها، أتمنى ملاقاته و لو لحظة لشكره لا أكثر . |
ماري ،
أو ماغي بنطق فرنسي رقيق، الرقة هنا تبقى بين قوسين. و بعربية أفصح / مريم . من طهر العذراء و بياض نوايا أمي ، إلى طيبة البلجيكية التي التقيتها منذ سبع سنوات و لا أزال أتذكر مرحها، و خوفها القاتل من ركوب المصاعد ! ( أعترف اليوم بشجاعتها الخارقة فقومنا يخافون حتى الكلام ) إلى ماري الجميلة كما أحببت تسميتها، و ماري جولي كما سمّاها أهلها، و جولي تعني الجميلة . . . ماري الجميلة، فرحَت لخرق القوانين و وجود محجبة في صفوف ثانوية فرنسية . كانت صديقة لصديقتي/ مضيفتي، و للأمانة كانت أول من يسلم علي بحرارة، أو بأمانة أكثر أول من يسلم علي. تشدّ على يديّ كل صبح في محطة القطار و كأنها تخبرني بصمت أنها معي، مهما حدث . تكثر الحديث بعفوية مطلقة، و تكثر أيضا الأسئلة عن الصلاة و الحجاب و الحلال و الحرام، تمنت مرة لو تجعلني أصلي في الشارع حتى تشبع فضولها ! كانت تسأل بحب و إعجاب، و قالت لي ذات مرة بهدوء على غير عادتها : - أغبطكم على الاحترام الذي يفرضه الإسلام، نحن هنا أصبحنا أجسادا دون روح . . . ماري جولي، شعرها الأسود، و تقاسيمها الشرقية، جعلت أحد موظفي المطار في المغرب يكلمها بالعربية، و عندما أخبرته بكونها فرنسية اعتذر لها، و أشار بلطف إلى الشبه الكبير بيننا ، و بينها . - أعتذر نيابة عنه ماري، لم يعلم أن تلك كانت أكبر الشتائم التي وجِّهت لكِ ! - و ماري كانت تغتنم كل فرصة للاستهزاء بالإسلام، بصدق حقدت عليها نوعا ما، لكن لم يكن هذا السبب السبب هو أنها تستطيع ارتداء الصليب في كل وقت و كل مكان ، لكن كلّ محجّبة تتعرض للمذلة خارجا، و يتوجب عليها نزعه " داخلا " . مع أن لنا و لها، نفس الملامح ! |
علقت بذهني صورة لبرج إيفل و ما جاوره قبل المغيب .
صورة حاولت جاهدة إيجادها في ملامح باريس، دون جدوى. مناقشتنا القصيرة بالأمس أكدت أن طول المسافات يمكن أن يختصر . قد نتأمّل ذات الصورة سويا يوما ما، أو قد أتأمّلها في عينيك، ربما . |
Gwen
و أنا أكتب اسمكِ أستحضر عمرا من الذكريات. أختي التي لم تنجبها أمي و لا تنتمي لبلدي و لا تدين بديني . تلك التي قضت شهورا في محاولة تحسين أنجليزيتها حتى تتواصل معي، و كانت على يقين أننا سنلجأ إلى لغة الإشارة لا محالة. ضحكت كثيرا و لم تخفِ صدمتها حين اكتشفت أنني ثنائية اللغة. " خفّفتِ علي الكثير من العناء، كنت مرتبكة " قضت عيد الأضحى بيننا، انغمست في روح المدن العتيقة، لبست الجلاّبة و القفطان و تبخترت بهما كطفلة شقية، لم ترفض أي كأس شاي و أغرمت بالحمام المغربي و نقوش الحناء على كفّيها. تحدثت طويلا مع والديّ، شاكست أخي، حدّثتني عن كلّ تفاصيلها، بكل عفويّة . و وقفت إلى جانبي بحزم كذلك. كانت صورة باريس ذات مساء مبهرة، لكن صورتكِ العالقة بذهني، في أحد أزقة بواتيي، تدندنين بعربية مكسورة " يا شمس العشية .. هيّجتِ ما بيّا .. " و الشمس تترك بعضها في أعيننا قبل المغيب .. تلك الصورة كانت أكثر دفئا .. أجمل :) |
بيني و بين فرنسا قصة لا تنتهي ،
يبدو أنكِ بدأتِ في شنّ حرب عاطفية عليّ ! فكّي القيد يا أرض الحريّة . |
فرنسية !
ياخي حرام عليك ! من الظلم أن تكون على أرض الوطن ، و قلبك في الضفة الأخرى . |
الساعة الآن 09:30 AM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.