لن يكون الكرّ والفرّ فى علاقة الصحراء والبحر نزاع أضداد، بل نزاع عشاق لا يطيقون فراقاً فيتواصلوا، ولا يطيقون الوصل، فيتنافروا.

البحر صحراء، جذعها الغمر، وجذرها الغيب
الصحراء بحر، الخلاء جذعها، والأبدية جذرها

مودتي

ذرات الرمل تشع وتنطفئ .. لمح أول الخيط فانتشى ، أغراه التتبع فى أن يخلق القصص و يفض مكنوناتها ..
هكذا تتوالد الحكايا و تظهر الوجوه .. يتراكم الرمل الناعم ليضيف الملامح و ليرصف التفاصيل ..
تبنى الأحداث فى عوالم مغلقة ، لكنه يراها من خلف القبتين الشفيفتين .. إحداهما تدلق التفاصيل ،
و الثانية تلملمها و تركبها ، فتكون قصة بأشخاص .. ملامح .. و حركات.. و أسرار.

مودتي

لست بلا خطيئة لأرميكِ بأول حجر، فقد طالما أسأت استعمال ما لا يحصى من نعم الله التى أسبغها علىَّ ، ليس ثمة غضب ،
وإنما هى الرحمة بكِ أخذت بيدى وجاءت بى إلى هنا .. والحق أقول إنى كنت قادراً على التقرب منكِ بكلمات الحب والهيام ،
إنما حرارة إيمانى هى التى قادتنى إليكِ ، إننى أشتعل بنار الإحسان ، و إذا كانت عيناك اللتان لم تتعودا النظر إلا إلى نقائص البدن
و عوراته تستطيعان أن تنظرا إلى الأشياء بحقيقتها الروحانية فلأظهرن إذن لكِ كغصن منتزع من تلك العليقة المشتعلة
التى أراها الله لنبيه موسى فى البرية ، ليعلمه الحب الصادق ، الحب الذى يشعلنا دون أن يبلينا ، فلا يترك جمراً أو رماداً ،
إنما بلسماً و عطراً يضمخان كل ما يتخلله إلى آخر الدهر .

مودتي

تعزف قيثارة الطبيعة على قلبى حينما أكون فى قلبها وحين أحاكيها فهى التى تكون فى قلبى..
الطبيعة التى تنقلها لنا المخيّلة المُبدعة هى أجمل من الطبيعة نفسها.. أنتشى بأنسامها وأصواتها أعمق حينما أكون بعيداً عنها..
الطبيعة هى التى تشكل سجايانا.. منها نستمد ما يوآزرنا فى أسانا، إنها ملجؤنا حينما نفقد الانسجام مع الطبيعة البشرية.

مودتي

إذا عرف امرؤ لغة شعب تلاشى فى نظره ما يحيط بذلك الشعب من غرابة وإبهام، وكلما تقدم فى تفهم الآخرين انجلى له تشابه النفوس للنفوس،
وعثر على ما بين الناس من نسب الحاجات والنزعات والآلام والمسرات.. إذ ذاك يعلم أن الإنسانية واحدة فى كل زمان ومكان..
ورغم الفروق والحواجز والعادات والاصطلاحات، ورغم اختلاف اللغة وتقاتل المطامع لا تلبث أن تظهر له بالتدريج أخوّة الإنسان للإنسان.

مودتي

لقد مرت الأيام والأسابيع والشهور والأعوام سابحة فى بحر الأبدية.. وطنى صار لى أرضاً غريبة وبلاد الغرباء أصبحت وطنى..
لكن حب فتاتى لا يزال حياً فىَّ.. وكما تسقط دمعة القلب على مياه البحار كذلك غرق حبى لها فى بحر حبى للإنسانية بأسرها..
حبى الذى يشمل ملايين من أولئك الغرباء الذين لا يعرفوننى وقد شغفت بهم منذ حداثتى.

مودتي

إن الذى غرس فى قلبى هذه الآمال الحسان لا يعجز عن أن يتعهدها بلطفه وعنايته حتى تخرج ثمارها وتتلألأ أزهارها..
وإن الذى أنبت فى جناحىّ هذه القوادم والخوافى لا يرضى أن يهيضنى ويتركنى فى مكانى كسيراً لا أنهض ولا أطير..
وإن الذى سلبنى كل ما يأمل الآملون فى هذه الحياة من سرور وغبطة، ولم يبق لى منها إلا حلاوة الأمل ولذته،
لأجلّ من أن يقسو علىّ القسوة كلها فيسلبنى تلك الثمالة الباقية التى هى ملاك عيشى، وقوام حياتى.

مودتي

أحياناً يتصاعد عطر لا تعرف من أين جاء، ولا ترى أجنحة الهواء التى تحمله.. عطر غريب يتراوح بين الحنين والتوهج،
عطر مدهش تحس أنك تعرفه قبل ذلك، صافح حواسك فى مكان ما أو زمن ما أو عصر ما.. هذه رائحة الماضى..
وللماضى سحر لا يعرف تأثيره المسكر سوى الحاضر الشتائى البارد.. ثمة خيط عطرى يحرك داخلك آلة الكمان فتسمع عزفاً يذوب ولا ترى يد العازف..
وتتلفت حولك: من أين يأتى هذا العطر؟ أتراه قادماً من غرفة الذكريات داخل القلب الإنسانى؟
وتذكر أنها كانت لحظة مدهشة.. تذكر إحساسك باللحظة ولا تذكر اللحظة، تذكر كيف دمعت عيناك ورق فؤادك،
وأحسست أنك تريد أن تنحنى على الأرض وتحتضنها كلها فى صدرك.

مودتي