![]() |
يومَ أن صافحني ذاكَ الألمُ لأوّل مرّة .. مددتَ يدكَ إلى صدري , و انتزعتَ قلباً بلاستيكياً , زرعتَه تفاصيلُ وجعي .. و جعلتَ مكانَهُ بعضاً من رئتك ..
حين سألتُكَ و كيفَ ستنبض بي رئتك ؟ قلتَ : أن في الرّئةِ ملايينٌ من قلوب العصافيرِ الصّغيرة , تخرجُ كلّ زفيرٍ تلتقطُ نبضها وتعود .. و الآن .. إذ تغيبُ و تتركني بلا قلبٍ .. و لا عصافيرٍ , تلتقطُ النّبضَ من أوردتك .. ماذا عساي أفعل ؟ و صدريَ المفتوحَ بمقدارِ اصابعك , كلّما هبّت ذاكرتي عليه , اشتعلَ بالوجع .. و أنفاسي تخطو على عجل .. تجمعُ رائحتَكَ و تسابقُ الموتَ , علّك تعودُ , فتهبها نبضاً آخَر / آخِر . |
قرّرتُ أن أهديكَ قلبي المكلوم , بك / بدونك , اتعلم لماذا ؟ لأنّك أجدتَ رسمَ وجعي بتفاصيلِ رغبتك , أنتَ الغارقُ في ألوان جرحي , العابثُ بملامحِ أنوثتي , التّائهُ هناكَ بينَ أمواجِ شوقكِ الهائجة , و أعماقِ حزنكِ الدّفين . لأنّكَ تريدني ان أكونَ جميعَ دموع الأرض , و أفراحها , و أمّهاتها الثّكلى , و أطفالها اليتامى , و عجائزها المرميّين على أرصفةِ النّسيان , وأنت المُمسكُ بحنجرتي , تمدّها بالأوكسجين من رئتك , و بالصّوتِ من رجولتك ! لأنّك تبحثُ عن أنثى , لا تجيدُ إلّاك , لا تتقنُ سوى انتظارك , أنثى مرصودةٌ لرغبتك , تَأدُها إن غبت , و تمسحُ التّراب العالقَ بفمها , لو عدت . قرّرتُ أن أهديكَ قلبي المكلوم , و أرحل بلا قلب ! |
كانَ خليطاً من اللّذّةِ و الوجع , من الحزنِ و الفرح , ذاك الّذي امتلكني معكَ , بدلَ من أن تفعل .
نحنُ لم نكن : نحن .. نحنُ كُنّا كلانا : أنت ! ولذلك بحثتَ عنّي و لم تجد إلا صورتي في محفظتك , أخرجتَها على وجل , وأعدتَها سريعاً إلى صدركَ , كما تخطفُ السّماءُ ضوءاً منحته الارضَ , بسرعةِ برق ! أمّا أنا فلم أنتبه لغيابي إلا عندما شعرتُ بانّ يداكَ تطوّقانِ أخرى , كانت أنا . |
أنتَ : أنتَ أنا : أنت . قد يصلحُ عنواناً لقصيدةِ غزل , أو ربّما لمرثيّةٍ شعريّةٍ , أو لنصٍ نثريٍّ قصير , لا تتجاوز كلماتهُ حروفَ اسمك . |
نظرتُ في المرآة , أقسمُ أنّي فعلت ..
ولكنّكَ لم تصدّق سوى المرآة . |
أُبشِّرك :
نجحتُ اليومَ في قراءةِ الغارقِ من حروفِ اسمك ! |
عندما كتبتُ حرفَ النّونِ للمرّةِ الأولى , عجزتُ أن أكملَ نصفَ استدارته كما أردتَ أنتَ لأصابعي , كنتَ تضحكُ كثيراً , عندما ترى سبّابتي , تتّجهُ بعنادٍ في خطٍّ مستقيمٍ نحوَ يدك , لترسمَ باءً بدل النّون , ثمّ تقوم بحركةٍ نصفِ حزينةٍ لتعودَ للأعلى علّ النّقطةَ لا تسقطُ فوق رأسها , كما حزني .
المُدهشُ في الأمرِ , أنّي لا زلتُ لا أتقنُ كتابةَ حرفِ النّون , و لا الاستدارة , و لا ابقاء نقطةِ الحزنِ في الأعلى ! |
بعضُ الدُّموعِ اثمٌ , كتلكَ الّتي تذرفُها شرايين وجهي في محاولةِ البقاءِ على قيدِ النّبضِ في انتظارِك ,
بعضُ الدّموعِ خيانةٌ , كتلكَ الّتي تنزفها أصابعكَ إذ تمسكُ ورقةً صفراء , و تُجبرُ أصابعكَ على كتابة اسمي فوقَ حُزنها , فتسبقكَ رغبتكَ إلى أخرى . بعضُ الدّموعِ محاولةٌ بغيضة , لاغتصابِ فرحي بلقاءكَ , إذ يفاجئني صدركَ , و قد اختفت رئتي , الّتي أودعتكَ في لقاءنا الأوّل . بعضُ الدّموعِ هزيمةٌ , إذ أجدني أمامكَ كشجرةٍ هزيلةٍ , اقتلعتها وجوهُ زمنٍ بغيضٍ , ذي ملامحَ عقيمة , و رائحةِ جَدْب . بعضُ الدّموعِ احتضار , تترنّحُ على أرصفةِ الوداع , و تتلقّفها الأصابعُ المقطوعةُ حُزناً / حُبّاً . |
الساعة الآن 12:49 AM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.