![]() |
الصمت قد يكون حيرة قلوب لا تحسن العتاب .
|
ياسمينة شامية
حينما زرت مدينة دمشق ؛ ما دار في خلدي بأني لن أرى ياسمينها ، إلا في وجه طفل دمشقي ، لاجئ في مدينة عمان ، ولا أن أستروح شذاه إلا من أنفاسه العذبة ! . طفل : ما برح يضيء غربة أهله ، فيرونه ملء هذه الدنيا نورا وامتدادا لأرواحهم الحزينة . طفل : كان ﻷهله في شتاء عمان شمسا يستمدون منها الدفء والحنان ! طفل : أيقظ البنفسج من رقدته ، ليخط مشاعر صاحبه المشتاق لشفاه دمشق ، لياسمين دمشق ، لبسمة دمشق . قرأت في وجهه حقول من البراءة ، تتراقص سنابل القمح في جبينه ، وحيرة في عيونه البريئة ، طفقت أبحث فيها عني ، وعبثا أفتش في بوتقة ذاكرته الصغيرة عن ذلك الياسمين ؛ فقد فارقه رضيعا حينما نفي عنه ، وبات يرضع الخيبة والأسى فينمو كالياسمين بانتظار عودته لدمشق بل بانتظار عودة دمشق له ! . ويحهم !! كيف جردوه من دمشق ، واجتثوه من صدرها الحاني ، فاستحال لون الياسمين إلى لون بنفسج حزين ! . كانت عيونه تتسع لتشملني حينما قمت بتصويره ، وطفقت أحدق في أبعاده ؛ لعلني أحيط بما لم ولن تحط به تلك الصورة الجامدة ، كقطعة ثلج في جوفها درة ؛ فأشرقت شمس وبزغ قمر وتناثرت نجوم ! . كان في وجهه كدمات ؛ علمت من والده بأنه سقط على اﻷرض فأصابته بتلك الخدوش ، فقلت لوالده : لا تحزن لعل تلك اﻷرض من شدة حنينها للياسمين احتضنته وقبلته وهمست في أذنه : بأني لك كما دمشق ، فما كان مني إلا أن همست له أيضا : وأنا لك كما والدك فكن بخير يا صغيري . |
وهذا هو عالمي المنسي ! فليت شعري كيف أتيت أنت وخالفت أسراب الطيور وجهتها ، وأتيت لتذوب هنا .
لست أملك إلا أن أجمعني من بعد بعثرتي لعلني أحسن رعاية روحك التي ألفت عالمي . |
وليس ينغص علي لذة النظر إلى الثلج ؛ إلا أجساد مرتعشة لا تجد لها مأوى ، فبدت أرواحهم ترتسم على صفحة الثلج بألوان باهتة حزينة ويكأنهم قصيدة حزينة نظمت من حبات البرد ! . انطفأ الدفء في ذاكرتي ؛ وبدأ القلم يتعثر بين السطور ليشاركهم سطوة البرد وشدته .
فإن كنا لا نستطيع دفع الضر عنهم بأبداننا ، وأموالنا ، فلن تعجز ألسنتنا عن الابتهال لله سبحانه وبحمده ليلطف بهم فيا رحمن يا رحيم هب لهم من لدنك رحمة تبعث الدفء في أنفسهم وتؤنسهم إنك أنت الوهاب الكريم . |
وإن أيقظك من هجعتك صوت لم تعهده في ليلك من قبل ، فاعلم بأنها خفقة قلب تسافر من صدري إليك ؛ ستصلك ظمأى ، فاسقها من سلسبيل قلبك حتى ترضى ؛ لتعود إلي مصطحبة خفقات قلبك ،يقودها طيفك الحبيب، مغلفا بالورد ، مبللا بالندى .
|
ولو أن كل بيتا من الشعر أكتبه يستحيل لبيت يسكنه لاجئ لا يجد مأوى لما توقفت عن الكتابة .
ولو أن كل دمعة حرى أذرفها ستشعر اللاجئ بالدفء لبكيت بلا انقطاع . ولكن شيئا من ذلك لن يكون فلن يكون الشعر مدائن ولن تكون الدموع مواقد . والشيء الوحيد الذي ينفع ذلكم البائس المنكوب هو الدعاء فالله الله بالدعاء لهم . |
والعاشق المحروم : لا يملك في خطوة غرامه الأولى أن يقول لحبيبه شيئا يسعده ، فهو كمن مشى على الجمر ؛ لا يملك إلا أن يقول : آه ! .
|
إذا التاث عليك أمرك ، واغتم قلبك ، ونزل به جرح أليم ؛ فعليك أن تعمل الحيلة ليثغب دمه ؛ إما بدعوة صادقة ، أو بكلمة هادفة ، أو برقم بعض الحروف ، وكل بقدر استطاعته ، فإن أبى عليك ، وشرق بدمه ! فاعلم بأن ذلك الدم المتجمد في عروقك ، لو سال لوجدت أرج الطيب !، ولسطعتك رائحة المسك من فورته! .
لأن ذلك الجرح إذا أرهقك منه سوء ، ومسك منه أذى ؛ لبرهان على حياة قلبك ، ولكاد أن يتفجر من قلبك نورا ، وكلما شقّت عليك علتك وأوصبك ذلك الداء ؛ كلما عظم ذلك النور وزاد مستوى العطر في دمك ، فإنما هي كريات الدم الإيمانية - تلك الكريات التي لم تقرأ عنها في كتب العلوم - قد ازدادت ! . وكلما ارتفع مستوى الهم عن سطح القلب لمصيبة في الدين؛ فبارك يا رعاك الله لقلبك بالحياة . ربما يأتيك ذلك الجرح من سفيه نزق ، زهق ، طائش الحلم ، خفيف الحصاة ، يسب دينك ويستهزئ بخير البشر- عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم - من شسع نعله يتحاشى أن يقاس بمثله ، بل بأمم أمثاله ؛ فاعلم رحمك الله تعالى بأنه لن يهمد بعد نزقه، ولن تهجع فورته إلا بتحاشيه واحتقاره كما يقول الشاعر : نجى بك لؤمك منجى الذباب حمته مقاذيره من أن ينالا فإذا أصفيت مودتك لنبيك وحبيبك فاتبعه وكن أنت يا رعاك الله شوكة في حلق ذلك السفيه ، وهز عطفيك باتباع حبيبك ، فإذا رأى الناس ذلك منك فسيعظمونك ، ويعظمون ذلك الدين القيم الذي تتبعه . فإياك أن يجيش صدرك بالغل ، وتبغي ذلك السفيه الغوائل بمخالفتك هدي حبيبك صلى الله عليه وسلم ؛ فيعقبك الغل ندما ويورثك حسرة لا تنقضي . فأنت جزء من تلك الصورة التي ينظر إليها ذلك السفيه ، وأمثاله للإسلام ، فيرشقك بنظره ، ويخالسك النظر من طرف خفي ، فيعظم من شأن تلك النقطة السوداء ، ويعرضها في مجلة الفضائح بصورة ثلاثية الأبعاد ؛ لينال من الإسلام ، وأهله ويا لله !! ما أكثر النقط في زمان اتخذ المسلمون فيه كتاب الله تعالى مهجورا ، وأعرضوا عن سنة نبيه عليه الصلاة والسلام وصدق القائل : وما يبلغ الأعداء من جاهل ما يبلغ الجاهل من نفسه وأبشرك يا أخي بأن ذلكم المبغض( لنبيك صلى الله عليه وسلم ) لمبتور اللهم إنا نجعلك في نحورهم ونعوذ بك من شرورهم |
الساعة الآن 12:18 PM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.