منتديات أبعاد أدبية

منتديات أبعاد أدبية (http://www.ab33ad.com/vb/index.php)
-   أبعاد القصة والرواية (http://www.ab33ad.com/vb/forumdisplay.php?f=33)
-   -   كوابيس : 1/ العنكبوت : قصة قصيرة لابراهيم درغوثي / تونس (http://www.ab33ad.com/vb/showthread.php?t=32541)

إبراهيم درغوثي 08-10-2013 02:29 PM

كوابيس : 1/ العنكبوت : قصة قصيرة لابراهيم درغوثي / تونس
 
كوابيس

ابراهيم درغوثي / تونس

1

العنكبوت

كان الوقت صيفًا، بعد منتصف النهار بقليل، وكانت الشمس تشتعل في الفضاء فيلتهب الجو وتتكدس الخلائق في السقائف الظليلة: الكلاب والقطط والماعز والدجاج . كل هذه المخلوقات تتعاشر في دعةٍ وسكينةٍ فتنامُ الكلاب فوق البرك الصغيرة التي يحدثها تساقط الماء من القرب. وغير بعيد عنها تنتصب القطط متحفزة للخصام . غير أن الكلاب لا تأبه لها. ويستلقي البشر في الرواق شبه عراة يسرقون النسائم بواسطة مراوح سعف النخيل.
وكنت أسبق الجميع، فأبلل ثيابي بالماء وأستلقي قرب باب السقيفة.
يومها، كان عيدًا من تلك الأعياد التي لا تجدها إلا في " بلاد الجريد " . ما عدت أذكر بالضبط هل هو عيد " عاشوراء " أم عيد " فرعون " . كل ما أذكره أننا ذلك اليوم، على غير عادتنا، أكلنا لحمًا كثيرًا ، فقد ذبح أحد جيراننا خروفًا تقاسمه أهل الحي على أن يدفعوا ثمن اللحم بعد جني الصابة، في الخريف... وكنت شبعانا حدّ التخمة! مددت رجلي فاصطدمت بالباب، باب السقيفة، باب كبير كأبواب الحصون القديمة. قيل إن أحد أجدادنا كان قد صنعه من جذوع النخل ليحصن وراءه نساءه وأطفاله...

لست أدري يومها أي شيطان ركب رأسي، فقد رأيت حين اصطدمت رجلي بالباب عنكبوتًا يأسر ذبابة. عنكبوت أسود قبيح . كان يمسكها بفكيه من خصرها ويحاول بقوائمه الأمامية تحويل رأسها نحو فمه. تركته يفعل، فحرك قوائمه بمهارة وانقض على رأسها فهشمه. وامتص دمها ثم تركها تهوي في الفضاء الفسيح...
عندما سقطت الذبابة فوق رجلي، أحسست بحزن شديد وسمعت صوتًا يصفر داخل طبلة أذني: " لقد ساعدت العنكبوت على قتل الذبابة! أنت جبان! لماذا لم تنصرها؟ لماذا؟ لماذا؟ ... وكان العنكبوت يختال بين شقوق الباب كجندي من جنود هولاكو المغولي ويحرك فكيه في كل الاتجاهات ويتحين الفرص للانقضاض على فريسة جديدة ...
قررت مناصبته العداء. هكذا . وصرت كلما اقترب من ذبابة أو حشرة أخرى إلا ضربت الباب برجلي فتهرب منه الفريسة ويخبط وجهه بفكيه حسرةً وغيضا.
لم أدر كم دامت لعبتي تلك مع العنكبوت إلى أن رأيت فراشة صغيرة تطير وتحط بالقرب منه. قلت: فلأتركه يتشهاها مدة حتى يسيل لعابه ثم أضربه بحذائي. واستعد العنكبوت للانقضاض عليها... ورفعت يدي بالحذاء... لكنني تجمدت كالتمثال ، فقد رأيت العنكبوت يكبر ويكبر ويكبر حتى صار في حجم الفيل، ثم فتح فمه كالمغارة وصاح بصوت كدوي الطبل: " لا بد أن لحمك شهي! فلتكن غذائي في يوم العيد! وبسرعة رمى فكيه كأنهما الحبال الغليظة نحو رقبتي!....
عندها، بدأت أصرخ ...

عبدالإله المالك 08-11-2013 07:51 AM

ياله من نص متمكن من جميع أدواته الفنيّة

يحق لنا الإستمتاع بهذا الفن في أسمى تجلياته وهذه القطعة الأدبية

شكرا إبراهيم

إبراهيم بن نزّال 08-11-2013 07:55 AM


كأني بها تصوير حالٍ نعيشه اليوم،
حال العرب حين تهاونوا أمر العدو في بداياته،
ومالبث هذا العدو إلا وقد بات غولا يهشمنا كحال تلك الذبابة الأولى.
الروائي : إبراهيم درغوثي،
سأبقى هنا لأقرأ بقية هذه الكوابيس الحقيقية.
فشكرا لك، تحياتي


سارة البيهي 08-11-2013 04:37 PM



كابوس جميل خفيف الظل شهي وفي ذات الوقت عميق
صوت المرح الخفي فيه ذكرني دون وعي بأسلوب كونديرا

القدير...إبراهيم درغوثي

شكرا لك كما ينبغي
جزيل احترامي

إبراهيم درغوثي 08-12-2013 08:19 PM

المتألق عبد الإله
مرورك على نصي وتقديرك الجميل
أسعدني جدا

إبراهيم درغوثي 08-12-2013 08:21 PM

البهي ابراهيم العنزي
تحليلك للنص فيه كثير من النباهة والتوفيق
سعيد بمرورك وتحيتك

إبراهيم درغوثي 08-12-2013 08:23 PM

المتألقة : سارة البيهي
بهية في مرورك على نصي
بهية في ملاحظاتك الطريفة عن اسلوبي في الكتابة
دومي للتقدير الجميل


الساعة الآن 10:25 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.