منتديات أبعاد أدبية

منتديات أبعاد أدبية (http://www.ab33ad.com/vb/index.php)
-   أبعاد النثر الأدبي (http://www.ab33ad.com/vb/forumdisplay.php?f=5)
-   -   لقاء في الأخيلة (http://www.ab33ad.com/vb/showthread.php?t=34591)

علي آل علي 12-07-2014 04:00 PM

لقاء في الأخيلة
 
[justify]

[shfaf2]http://www.7c7.com/uploader/2010/54014/21282428960.jpg[/shfaf2]


إليكَ يا أباً كانَ لي في الطفولة، وتراباً لي في الكهولة، لا أذكرك ذكراً بالغاً، ولا أنفيكَ نفياً تاماً، إنما هيَ صورتكَ في المهدِ تحيا، لا تموت ولا تفنى، ولا يبقى منها سوى آياتٌ للذكرى أتلوها آناء الليل والناسُ نيام.
هذا أنا، أمنيتك قبل أن آتيك، وقبل أن يهبني الله لك، حدثت بها نفسكَ في ماضيك، ثمَّ دعوت الله أن آتيك، بعدما خضعت له عابداً، زاهداً، تدعوه الولد، وتطلبه الرزق الذي يفي بحاجتك، وحاجة جيلك من بعدك، السلام عليك يوم دعوت الله، والسلام عليك في حياتك، وفي مماتك، وعند البعث إن شاء الله.
إن كنت تسمعني فهل لي بحديث معك؟
وإن لم تكن فهل لي أن استمر في خطابي الموجه لك!
لأنني مستاء جداً فيما أجدني عليه، قد حدثت نفسي في سنوات عجاف، ومللت هذا، إلى أن وافتني السنوات السمان بحلها وترحالها، عشتها مضطرباً، لا اتزان لي، ولا نسيانٌ لغربة الماضي، وفي هذا بحثت عن النفس، فلم أجدها، أظنها تاهت في النعم، وانغمست فيها كالسقم، فظهرت عليها علامات السمن، حتى أفقدتها لذة مجالستي، فأسكنتها سباتاً، ودعوتُ لها بالرحمة والغفران، أطلتُ حينها التفكير، وتمعنتُ التدبير، وسألت سؤالاً واحداً، هل من يحلُّ محل هذه النفس مؤانساً، فتذكرتُ ذكركَ، وبكيت من أجلكَ، ثمَّ انعطفَ بي الحال إلى أماني، تتماهى لتراني، تهبني ابتسامات عابرة، وقسمات وجه ماتعة، وأنفاسُ تتصاعد فارهة، وروح تسري في الجسد سابحةٌ ضاحكة، كطفل أشبعه المرح بعد جوع وبكاء، وكل هذا من أجل ماذا! من أجلكَ أنت! يا من أتيت على راحلة الأخيلة، إني أراها، وإنَّ لها لجناحين يسد ما بين شروقٍ وغروبٍ لبصري، إنها كملاك طائر، أتت من بعيد كفلاة الكون، أبصرتها، فناديتها، حتى أتت وآنست مني ما أطلبه منها، عندها رأيتك تمتطيها، عرفتكَ، كم وددت عتابك، لكن العتب لا فائدة منه، إن الأمر ليس بيدك، ولا بيدي، إنه القدر الذي نؤمن به، ونذعن بأنه لا يأتِ إلا بخير، فموتك قدر، وحياتي قدر، ولقاء أرواحنا قدر لا يعلمه أحد، ولا يفقه كنهه مولود أو تلد.
ها أنا، في ستةٍ وثلاثينَ عاماً من عمري، لي زوج وأبناء، ورزق وهبني الله إيَّاه بعد سنوات طوال من البحث، غرني سوء الحال بأنَّ المآل سيكون هكذا، إنَّ أمنيات النعيم تأتِ كأصواتٍ صاخبة، خضعتُ لها بادئ الأمر، وعشتُ السخط في دلجة ضمير غائب عن الوعي، ثمَّ رأيت الموت مأوى ما لم يتحقق لي ما كنتُ أتمناه، لتمضي السنوات فكراً موشوماً بأسى، أكتبها دموعاً، فتكتبني جموداً، لا حراك بل ركود ماثل وجاثم على الأنفاس، وقد أتت تلك اللحظات يا أبي، حتى أيقنت بضرورة لا فكاك عنها، إما أن أموت قهراً أو أسعى لحتف حتمي، حينها سأكون راضياً بأني حاولت وكفى.
أواه يا أبي ...
ما نسيت إذ نسيت! لكنني أتناسى ليس إلا ! أتعلم لماذا! لأنني أهربُ من ذكرياتي تلك كيلا أعيشها حاضراً، وأخاف أن تعاد معادلاتها وحساباتها بعدما انفككت عنها، فأكون كما كنتُ سابقاً، تائهاً بين رحمات البشر، ونظرات الغرور التي يتحفوني بها، وأحيانا يكون منهم العطف الذي لا يخفف عني، بل يزيدني بعداً عن إنسان أراه أملاً، وكم تمنيت أن أكون كياناً يُعترف بي، لم أجد الكيان، وخذلني الحسبان، التيه متربص، والغموض كمثل أداة حادة تنغرس في الجسد ولا تمنحه من الحياةِ أيُّ قُبل.
وأما بعد:
إنّه موال طويل من هذه المخاوف، أيقنت بأنَّ إرادة الخوف كالفاكهة المحرمة، إن أكلت منها أخرجتني من جنّة الفكر والتأمل، يعبث حينها القهر بعقلي ليصنع منه عجينا يدخر قوته لغده، سأعود للذكريات إذن ولا مناص من هذه العودة، لأنها جُزء لا يتجزأ من حياتي، لا تموت حتى أموت أنا، أو يقضي الله أمراً لم أعلم حقيقته بعد.
وهنا الآن أقول بأني راضي كل الرضا، أتعلم لماذا يا أبتي ! لأني صارعت الذكريات في صولاتٍ وجولات عسيرة, صرعتني مراراً فصرعتها أخيراً، وأحسبني كذلك، إذ لم يعد لها ذلك القدر من الغلبة، لم تكن هذه القدرة لتأتيني لولا فضل من الله تفضل به علي، ولولا إيماني الشديد به بأنه المتصرف في الأقدار كيفما شاء، لا كيفما أشاء أنا، لأنني لو أُوكلتُ الأمر لنفسي لهلكت، فسبحانه القادر على كل شيء ولا يقدر عليه أحد من مخلوقاته.
في اللحظة الأخيرة يا أبتي وقبل أن تغادر أريد أن أطمئنك، هي حالاتي التي ترعرعت بين جنبي نقيض، صاحبتني وصاحبتها، تركت أثراً وعلماً وفهماً لحياة أعيشها، ما كنتُ لأراها حقيقةً لولا تلك الحالات التي كتبها الله أن أعيشها، إنه يعيد تأهيلي يا أبي، بعدما رحلتَ عني لكوني الصغير الذي لا يفقه من هذه الدنيا سلاماً، أليسَ الله الذي أنزل في محكم التنزيل سورة الضحى، إنَّ فيها لآيات أثلجت صدري، هي لغة خطاب تُعنى بالأيتام عبر الزمان، كانَ المُخاطبَ بها بادئ التنزيل رسولنا الكريم، عليه أفضل الصلوات والتسليم، وقياساً عليها فإنها تُعنى بالأيتام من بعده، وهكذا هوَ إيماني يا أبي، فشكراً لك، ولا يأت هذا الشكر إلا بعد حمدٍ لخالقي، وصانعي، ومدبري.[/justify]

عبدالإله المالك 12-07-2014 07:05 PM

مادام اللقاء منداحًا بين جنبات الأخيلة فقد عانق عتبات السحب

بوح الذات يبرىء العلة ويروح عن النفس بلا شك

لك الود علي
:)

علي البابلي 12-07-2014 10:11 PM

الراقي دائما اخي علي
نقشت سطورا ما يجعلني انبهر حقا
هي الانزواء وحديث النفس للنفس
وما أجمل ان يضيء أخيرا في ألبصر نور اليقين
استمتعت جدا بهذا الحديث العميق فغبت معه عن كل شيء
لان قلبك هو من كلمنا وهل هناك أصدق من أحاديث القلوب ؟
رحم الله أباك اخي علي
واطال الله في عمرك لما يحبه
وثبت قلبك على الأيمان
لكَ الخير كله يا مبدع
مع تقديري العميق

رشا عرابي 12-07-2014 10:23 PM

وتلك الذكريات تسكب في أتون الروح يقيناً بالبقاء لا يُفارق
وإن تعاقبت السنين..فلا ستار يواري نورها
ولا هجير يبيدُ زهورَها ...
هُم قُدوة وإن عاثت ببقائنا وإيّاهم الأقدار..
هم خُطانا الثابتة إن مادَت بخَطوِنا منعرَجات الدروب
هم قلائد من نور تحيك من الظلام نهاراً ينيرُ البصيرة...

الأديب الأريب والأخ الراقي علي آل علي
حيثُ مُزنٍ يستَمطِرُ من يراعمك مِداداً لا بد أن يكون نَبتهُ إعجاباً يليق

امتناني العميق
وتحايا عِطرُها ياسميني أنيق

بلقيس الرشيدي 12-07-2014 11:54 PM

وتبقَى غصَّة فقدهِم مابَقِينا على قَيدِ الحيَاة !
رحمهُ الله ورحمَ أموات المُسلمِين ودُمتَ بهَكَذَا شجنٍ يَرسمُ الإبداعَ إمتاعاً .

كُل التقدِير


http://www.albrens.com/vb/uploaded/4563_1251393963.gif

علي البابلي 12-08-2014 12:10 AM

رحلت دون أن اعلق
فوق عيني حدائق ابداعك
النجوم الخمسة
فشكرا يا علي على هذا الجمال
لكَ تقدير

نادرة عبدالحي 12-08-2014 06:23 AM

الكاتب والشاعر علي ال علي
اسلوب هادئ رزين
يمزج بين التجربة الشعورية الصادقة و خاصية المحاكاة
يتألق في الاسلوب بلاغة و معجما التعبير عن المواقف من خلال بناء شعري تصويري سردي
ويوظف الصور البيانية و المحسنات البديعية بكثرة ..
بحيث أصبح معجما خاص به وحده .
ويكفي انه يقدم لنا كتاب مفتوح لا يغلقه ولا يبخل علينا به .
ويؤثر أثر بالغ في نفوس قراءه لذا يحرص على إنتقاء الصور والكلمات
ويجتهد بذالك عن طريق تنمية ثقافته المتنوعةِ
وهنا في أبعاد ملكنا معجما للشعور الصادق ووطن من الإبداع .
دمت ذخرا نفخر بكَ للأدب والوطن العربي

نازك 12-08-2014 08:27 AM

لي عودة ، أحتاج لهدأة حيث كثافة الأخيلة توجب التأمُّل !


الساعة الآن 05:46 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.